مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أداء الجعفري .. بين مؤيديه ومنتقديه

إبراهيم الجعفري، مرشح الإئتلاف العراقي (الشيعي) لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة المقبلة (بغداد - 12 فبراير 2006) Keystone Archive

قبل فاجعة تفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري في سامراء، كثر الحديث في العراق عن خفايا الاقتراع الذي أجرته قائمة الائتلاف العراقي الموحد لاختيار مرشحها لرئاسة الحكومة.

التصويت أسفر عن فوز ابراهيم الجعفري مرشحا عن حزب الدعوة الاسلامية، لتولي رئاسة الوزراء لأول حكومة عراقية دائمة منذ سقوط نظام صدام حسين.

الاقتراع جرى في أجواء مشحونة بالتوتر، كما تنقل مصادر مقربة من منافس الجعفري المرشح عن المجلس الأعلى للثورة الاسلامية عادل عبد المهدي، وبعضها ذهب الى حد اتهام ايران بالتدخل المباشر لفرض الجعفري بقوة ميليشيا جيش المهدي والتيار الصدري.

إذ تذكر هذه المصادر أن مقتدى الصدر ذهب الى طهران وأقنعها بتأييد الجعفري محذرا من “أمريكية” عادل عبد المهدي، وأنه عاد بفتوى غيرت المعادلة، وأن رجال مقتدى الصدر مارسوا التهديد مع المستقلين من أعضاء الائتلاف، (وربما حتى مع الأعضاء من حزب الفضيلة الاسلامي الذي ينسجم في العموميات مع حزب الدعوة)، في معادلة الخلافات داخل البيت الشيعي، بالرغم من ان حزب الفضيلة الذي يرجع في الولاء الروحي والفكري الى السيد محمد صادق الصدر، كان أعلن سابقا وقوفه الى جانب عادل عبد المهدي.

فوز الجعفري حصل بفضل أصوات ممثلي التيار الصدري و”حزب الدعوة الاسلامية – المقر العام” و “حزب الدعوة – تنظيم العراق” والمستقلين.

ومهما يقال عن صحة مثل هذه الروايات، فان فوز الجعفري لا يبدو أنه يريح السلطة الأمريكية الحاكمة بالفعل في العراق بنفس الدرجة التي يزعج فيها الحليف البريطاني، وهذا ما يمكن أن تلعب عليه كل الأطراف التي لا تريد الجعفري ولا تريد إسلاميته الاصولية.

حزب الفضيلة وأمينه العام نديم الجابري، شنا حملة على الجعفري بعضها على شكل دراسات مكثفة وزعت على الأنصار، وبشكل محدود أيضا خارج دائرة الحزب، تناولت ما أسمته “دكتاتورية” الجعفري ، وأحصت عليه ما يجعلها تفضل عليه عادل عبد المهدي القادم من الحديقة الخلفية للمجلس الأعلى بعد أن وصل فيه الى أعلى المواقع، مع كل الخلاف العميق القائم والمستند الى خلافات سابقة بين مرجعيةالصدر الثاني، ومرجعية آل الحكيم(محمد سعيد الحكيم) حول مدرسة دينية.

تقارير وزعتها جماعات مختلفة بعضها صعد الى السطح، ونشر في الصحف ومواقع الإنترنت العراقية، ووجه اتهامات مبطنة الى الجعفري، بأنه كان “مهادنا”، في زمن النظام السابق.

انتقادات متعددة

المنتقدون للجعفري من الشيعة يرون أنه فشل في تحقيق نجاح كبير في مسألة “اجتثاث البعث”، وأن أداءه كان السبب في اصطفاف البعثيين وعناصر مخابرات النظام السابق خلف مرجعية سنية واحدة، بينما تحالف الشيعة يتفكك كل يوم، وقد خرج منه أنصار مرجعية الشيرازي ومدرسة المدرسي، وحركة الدعوة الاسلامية (تيار عز الدين سليم).

كما ترى نفس الأطراف أنه فشل أيضا في تهيئة الاجواء والظروف المناسبة لكتابة أول دستور عراقي بسبب اصرار حكومته والائتلاف بضرورة إشراك السنة في لجنة كتابة الدستور فكان القرار بتنسيب 15 شخصا (يقول المنتقدون إنهم كانوا موالين للبعث وهدفهم هو خلق فتنة في البلاد واعادة البعث ورجالاته الى السلطة والحكم) نجحوا في رفض المسودة من قبل ثلاث محافظات.

وبرأي منتقديه الآخرين، فان الجعفري فشل في الملف الأمني، وهو ملف يزيد في تعقيداته تداخل المسؤوليات بين وزارتي الدفاع والداخلية مايسمح بتسلل المعادين. إذ زادت عمليات التفجير خاصة السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية في الوقت الذي تسلمت فيه الحكومة الكثير من المناطق من قوات الاحتلال في محافظات مختلفة، كما أن المسلحين في المناطق الغربية من العراق ماعادوا آمنين كما كانوا من قبل بعد دخلت معه العشائر هناك في قتال لطردهم وفق اتفاق أبرم مع الحكومة.

ومن المؤاخذات الأخرى قيام حكومة الجعفري والائتلاف بترحيل قضايا مهمة تخص مستقبل العراق ومنها مسألة مدينة كركوك الى مجلس النواب القادم الذي يتلكأ موعد انعقاده.

نجاحات

لكن في المقابل، نجحت حكومة الجعفري بتمرير سلة من القوانين الضرورية، وانجزت اللجنة القانونية في الجمعية الوطنية خلال الدورة المنتهية للبرلمان العراقي والتي عمرها 8 اشهر ونصف، مشاريع وقوانين مهمة: منها قانون الدستورالدائم، وقانون المحكمة الجنائية العليا الذي يعمل به حاليا في محاكمة رئيس النظام السابق وعدد من اعوانه، وقانون الانتخابات القادم وهو أول قانون انتخابات يشرع من قبل الجمعية الوطنية، وقانون الاستفتاء، وقانون مكافحة الارهاب، وقانون التقاعد الخاص بشهداء الانتخابات السابقة من عناصر الشرطة والجيش، وقانون تقاعد المجلس الوطني، وقوانين وزارة العدل، ومؤسسة الشهداء، وقانون السجناء السياسيين، وتعديل اصول المحاكمات الجزائية، والغاء النصوص القانونية المانعة من سماع الدعوى، والعتبات المقدسة والحج العمرة، وقانون الجنسية، والنظام الداخلي للجمعية، وقانون حل النزاعات العقارية، وقانون التقاعد الموحد. إضافة الى قوانين اخرى ستناقش في مجلس النواب القادم منها تعويض المتضررين من العمليات العسكرية والارهاب وقوانين مختصة بالرعاية الاجتماعية فضلا عن قوانين اخرى.

وبطبيعة الحال، فان هذه القوانين تأتي للجمعية الوطنية أما من مجلس الوزراء باعتبارها قوانين حكومية، أو من طرف اللجان الدائمية في الجمعية الوطنية.

يؤخذ على حكومة الجعفري أيضا أنها تمخضت عن وزارات غير متجانسة فرضتها ظروف الانتخابات الماضية في يناير 2005، وظروف نظام المحاصصة المفروض منذ حكم وقانون بول بريمر الى يومنا هذا في تشكيل الحكومة.

ولأنها حكومة إئتلاف، فان حكومة الجعفري تعاني ضعفا وهي تحتاج الى الانسجام الذي يظهرها قوية وهذا لن يتحقق إلا بعد مرور فترة زمنية، أي حين تتشكل حكومة دائمة تؤدي مهامها على مدى أربع سنوات، لتعمل التشكيلة الحكومية كفريق واحد.

وفيما عانت حكومة الجعفري من الشروط المفروضة من قبل المشاركين في مفاوضات تشكيلها، فقد اعتبر هو المسؤول الاول عن كل الأداء الضعيف مما أضر كثيرا بالاداء الوزاري والتفاهم بين مكوناتها.

في المقابل، دفعت ممارسات الائتلاف الشيعي (الذي رشح الجعفري بطريقة التوافق) غبراهيم الجعفري الى اتخاذ قرارات وصفت بالفردية، ما أدى الى توجيه النقد له من قبل أعضاء في الجمعية الوطنية.

كذلك فان التحالف الكردستاني بدا وكأنه خارج الحكومة مع إنه احد اطرافها الرئيسيين، وعكست تحركات الاعضاء الاكراد في البرلمان وفي الحكومة، خللا واضحا تجسد في ظهور فوضى الانتقادات بين الوزراء بعضهم البعض (بل طالب بعضهم باستقالة البعض الاخر)، وبرزت حالات مقاطعة وزراء للحكومة، ووجه وزير كردي انتقادات حادة لرئيس الوزراء بل اعلن الحرب على الحكومة قبل أن يتدخل الرئيس جلال الطالباني لتهدئة الأمور.

أما وزراة الخارجية فقد وصفت من قبل عدد من الوزراء في الحكومة بأنها “تغرد خارج السرب”، وقد ظلت على الدوام وزارة كردية.

لقد واجهت حكومة الجعفري قضية الفساد التي ورثتها من الحكومة السابقة، الى جانب خواء الخزينة، واتفاقات غير مدروسة أبرمت مع دول مجاورة، ومن جانبها لم تتمكن لجنة النزاهة من محاسبة المتهمين الذين نجحوا في افتعال أزمات مع رئيس الحكومة.

سلطة زلماي خليل زادة

الولايات المتحدة عن طريق سلطتها المدنية (أي السفارة) والعسكرية في العراق لم تسند حكومة الجعفري كما يجب، وأثارت في وجهها قضايا التعذيب الشهيرة في معتقل الجادرية، وعرقلت أداء وزارتي الدفاع والداخلية داخل بغداد، فقد منحت وزارة الدفاع صلاحيات العمل داخل المدن ما أدى الى تضارب في المسؤوليات مع الداخلية.

وقد تعامل السفير زلماي خليل زادة بطريقة السفراء الذين كانوا يديرون الحكومات العميلة في بدايات القرن الماضي، سمّاعا للتقارير التي ترده من المنافسين حول توجهات الجعفري الاسلامية وصلاته بالجمهورية الاسلامية في إيران.

وفي هذا الواقع، شكت الحكومة من فقدان الدعم الأمريكي الذي كانت تحصل عليه الحكومة المؤقتة في عهد أياد علاوي، وسط أنباء عن مساع تجري خلف الكواليس ٍلتنفيذ انقلاب على الجعفري يشارك فيه عدد من حلفائه، في ظل تسرب معلومات مؤكدة عن سعي التحالف الكردستاني لتأسيس “لوي جيركا” عراقي كما في أفغانستان، يمثل مجلسا بديلا أو فوق مجلس النواب لحسم الامور فيه بعيدا عن اي استحقاق انتخابي.

مخاوف أمريكية

ولا تخفي الولايات المتحدة خشيتها من أن الدستور الجديد الذي أقر في عهد الجعفري، سيعزز من سلطات المحافظات الجنوبية المؤيدة في الغالب لايران، ويأتي بنظام أقرب الى الكنفدرالية منه الى الفدرالية.

كذلك فان الدستور يقوي من سلطات المراجع الدينيين، وهم في الغالب يرتبطون بمرجعية قم (في إيران) أو أنهم في الأصل من الايرانيين، ولايعترفون بمبدإ المواطنة وهذا أيضا يُحسب ضد الجعفري الذي تعاطى مع قضية كركوك بمزيد من التشدد، وخشي أنصاره أن يفرط بها منافسه عبد المهدي ما سيؤدي إلى إزعاج ايران الدولة المكونة من ست قوميات.

ومن المآخذ التي سجلها السفير الأمريكي على الجعفري أنه أبرم اتفاقا عسكريا لتدريب القوات العراقية، في ظل وجود أكثر من 140 ألف من القوات الأمريكية فوق الأراضي العراقية.

وينقل عن زلماي خليل زادة أنه يردد باستمرار في مجالسه الخاصة ملاحظاته النقدية عن حكومة الجعفري بشان العلاقة مع ايران التي كانت متوترة في عهد رئيس الحكومة الانتقالية إياد علاوي، وتحولت في عهده الى علاقات أخوية وربمااستراتيجية.

والى جانب الاتفاقية العسكرية وأخرى أمنية، تم عقد اتفاقيات بين بغداد وطهران تغطي التعاون والمساعدة العسكرية، ومشروعات البنية التحتية الرئيسية، ومن بينها إنشاء خط أنابيب نفط إلى إيران من أجل تكريره، وإنشاء مطار في مدينة النجف المقدسة يسهل قدوم الزوار الإيرانيين، وغير ذلك من برامج المساعدة تشمل المدارس، والمستوصفات الطبية والمساجد.

وقد سمح ذلك للجعفري أن يطرح نفسه وسيطا بين واشنطن وطهران لحل الأزمة النووية بدلا من أن يعرض الأراضي العراقية لاستخدامها ضد ايران للضغط أو للعمليات العسكرية داخل أراضيها. كما أنه ينفي دائما الاتهامات الأمريكية والبريطانية لايران بالتدخل في الشؤون العراقية، ويقال هنا إن الجعفري ورط السفير الأمريكي الذي حصل على ضوء أخضر من واشنطن لاجراء اتصالات مع طهران التي خيبت ظنه ورفضت لقاءه ما أدى الى ظهور سجال كلامي بين زلماي خليل زادة والجعفري، حول مفهوم السيادة العراقية التي تظل “متعارضة” مع السلطات الواسعة التي يحظى بها السفير الأمريكي في العراق.

نجاح محمد علي – دبي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية