أربع سنوات عجاف في عراق ما بعد صدام!
لم يكن العراقيون في غالبيتهم يتوقّـعون أن يحصدوا كل هذا القهر والموت والانقسام البغيض، الذي يعيشونه اليوم، بعد أن رحل عنهم نظام صدّام حسين.
فقد كان معظم العراقيين، ممّـن انخرط في المشروع الأمريكي أو أيّـده، يُمني النفس بتحقيق وعود جميلة قطعها لهم الرئيس جورج بوش، في إقامة نظام ديمقراطي فريد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، على أنقاض ديكتاتورية مَـقيتة.. لكن الأمور لم تسر في هذا الإتجاه.
يمكن القول بكل ثقة أن الولايات المتحدة أخفقت بعد أربع سنوات من رحيل نظام صدام في تحقيق حُـلم العراقيين بتشكيل حكومة تعددية ديمقراطية وبالعيش الرغيد تحت مظلة ذلك الحلم الأمريكي، وكانت هي التي دعمت نظام صدّام خلال سنوات حُـكمه، خصوصا أثناء حربه التي شنّـها على الجمهورية الإسلامية في إيران وساعدته في قمع انتفاضة مارس عام 1991، متجاهلة وعدا قطعه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش (الأب) للعراقيين للقيام ضدّ صدّام.
فئة قليلة جدا من العراقيين كانت تقرأ المشهد كما هو، بحسب رؤية لم تميز بين أداء الولايات المتحدة في فلسطين والعراق. فواشنطن اعتبرت أرييل شارون، مرتكب العديد من الجرائم الموثقة بحق الفلسطينيين واللبنانيين، رجل سلام، وتسعى للعب دور “الصالح” مع العراقيين.
فقد كانت تلك الفئة تحذر من إضفاء صفة الرحمانية على الشيطان، ونادت بصوت عال لكي يسمعه غالبية العراقيين يومذاك منبهة إلى أن “الشيطان واحد”، سواء كان في فلسطين أو في العراق.
الجني المُــــرّ
وما جناه العراقيون منذ عام 2003 من مكاسب، لا يتناسب أبدا مع حجم ما قدّموه من تضحيات، طائعين أو مُـكرهين. فهم لم يحصلوا على دستور دائم يمنع الانقسام ويحُـول دون الاصطفافات، رغم كل ما في الدستور الجديد من إيجابيات، كما لم يحصلوا على برلمان أو سُـلطة تشريعية حقيقية تحاسب الحكومة وتسقطها إذا فشلت في ترجمة برنامجها المعلن، ولم يشهد العراق الجديد بعد سقوط صدّام، نشوء نظام تعدّدي يسمح بنشوء أحزاب سياسية بطريقة حرّة وبعيدا عن سيطرة الأحزاب والشخصيات التقليدية والزعماء المكرّرين، الذين لم يتغيروا منذ عقود.
وبات على الشعب المسكين أن يقبل مُـكرها بنظام تداول السلطة بين أحزاب وشخصيات، بعضها يورّث لبعض في آلية جديدة، أقصت ديكتاتورية الفرد الواحد، ولكنها وسّعت من دائرة الدكتاتوريات المتعدّدة بنظام وراثي وإقطاعي وعشائري، يغلف نفسه في كثير من الأحيان بعباءة الدّين.
في زمن صدام، كان على العراقيين أن يتغنّـوا بزعيم واحد، وهم اليوم وبعد أربع سنوات من سقوط ذلك النظام القمعي القائم على عبادة الفرد، أصبحوا يسبِّـحون بحمد أحزاب وشخصيات جديدة – قديمة ويدورون في فلكها حيث دارت.. ومن خرج من هذه الشخصيات من باب “الديمقراطية الجديدة” عن السلطة، عاد أو يعود لها من شباك “الديمقراطية الجديدة” ذاتها في لعبة “الاستغمّـاية” وتبادُل الأدوار، بينما على الشعب العراقي أن يرضى بقدَره الجديد، وإلا فسيصنّـف من يعارض منه في خانة “الإرهاب” ويحاكم وفق قانون مكافحة الإرهاب..هذا إذا حوكم، لأن أحكام الإقصاء والاغتيال الجسدي أو السياسي، صدرت سلفا في محكمة سرية خاصة لا يشاهد العراقيون غير نتائجها!
وأخطر ما في السنوات الماضية، أن السلطة لم تسقط في معظم مفاصلها بيد ضحايا النظام السابق، كما كان يجب أن يكون. فقد غيّر العديد من رجالات صدّام، وتحديدا المنتفعين من حُـكمه والانتهازيين في عهده، جلدهم، وتحوّلوا في ظل الفوضى السائدة إلى مناصرين للعهد الجديد، بل وأمسك الكثير منهم، خصوصا في مناطق الوسط والجنوب، بتلابيب السلطات المحلية، معتمدين على نظام العشائرية والقبلية، مع غياب الدولة وانهيارها الكامل يوم 9 أبريل عام 2003.
إحباط وحسرة.. ونــدم
كان القمع من نصيب الأحزاب الإسلامية والحزب الشيوعي والأكراد، ولكن، وبعد أربع سنوات من زوال النظام السابق، يشعر ذَوُو الضحايا والضحايا الأحياء، أنهم لم يُنْـصفوا أبدا، وهم اليوم أكثر جُـرأة من أي وقت آخر في التحدّث عن معاناتهم وعن تحولهم إلى مجرد أدوات في العملية السياسية، التي لا تعني لأكثرهم سوى صِـراعات ونزاع على مراكز القدرة والنفوذ، والمال أيضا.
من يُسمّـون بأبناء وذوي الشهداء الذين تم إعدامهم أو تغييبهم في المقابر الجماعية من المنتمين إلى حزب الدعوة الإسلامية وغيرها من التنظيمات الإسلامية أو المعارضة، يشكون علنا من إذلال متعمّـد لهم، عندما يريد أحدهم الحصول على أبسط وظيفة في أي دائرة حكومية يُـسيطر عليها من كان يُسبًّـح بحمد صدّام لسنواتٍ وسنوات.
في البصرة مثلا، استغرقت عملية نقل معلِّـمة من منطقة إلى أخرى أكثر من عام، رغم معرفة السلطات المحلية بأنها كانت سجينة سياسية مع طفلتها وأربعة من أخواتها لأكثر من خمس سنوات ولقين خلالها أصناف التعذيب، وأنها طُردت من العمل بعد إعدام شقيقها وهروب زوجها إلى خارج العراق.
والمضحك المُـبكي، أن سنوات القَـهر في زمن صدّام لم تُحتسب حتى الآن لأغراض التقاعد ولتحسين الراتب، وأن غالبية أسر وضحايا صدّام، تعاني الأمرّين في العهد الجديد وتشعر بالإحباط والحسرة، وربما بالندم، رغم أن هؤلاء لا زالوا ضحايا للمفخّـخات والأحزمة الناسفة والاغتيالات العشوائية، وها هم يشاهدون أحلامهم وآمالهم تتبخّـر لتذهب أدراج الرياح.
والأكثر إيلاما في مأساة ضحايا صدام “الشيعة” الأحياء، أنهم خُـدّروا بفتح أبواب الزيارات إلى العتبات المقدّسة لهم على مِـصراعيها، ورضوا ذلك ولسان حالهم يقول “المهم صِـرنا نزور”، بعد أن كانوا مُـنعوا من ذلك في عهد صدّام إلا بقيود وحدود، وكأن الهدف من إسقاط صدّام بالنسبة لهم، هو “الزيارة” وما أصبحت تنطوي عليه من موت ينشر رائحته كل حين.
أما الأكراد، فهم ليسوا بأفضل حال، اللّـهم إلا بمقدار ما يحصلون عليه من الأمن، رغم أنهم انفصلوا بشكل شِـبه كامل منذ عام 1991. فها هي صحافتهم على الإنترنت تتحدّث عن قمع طال صحفيين ومنتقدين للسلطة المحصورة بين حزبين رئيسيين، هما الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وبزعامة تاريخية ثابتة لم تتغيّـر، أما الشيوعيون فحالهم في ذلك يستوي مع أقرانهم الإسلاميين.
حلم بعيد المنال
لقد كشفت سنوات ما بعد صدام تصدّعا كبيرا في القواعد الجماهيرية للأحزاب التي عارضت صدّام وبيّـنت عُـمق الفجوة التي تفصل القيادات عن أسُـس الديمقراطية وغياب ثقافة الديمقراطية لدى الجماهير.
وعموما، فإن إقامة نظام على أساس التوازنات الطائفية والمحاصصة منذ تشكيل مجلس الحكم حتى الآن، أوجد وضعا جديدا في عراق ما بعد صدام دثاره الطائفية، حتى مع شعور الشيعة والسُـنة والأكراد بالغُـبن جرّاء سياسة قادتهم.
فبعد تدمير الدولة وبنيتها السياسية والاجتماعية، ونشوء دويلات عدة على أسس عشائرية وطائفية وعرقية، تم تحطيم نظام القيم بشكل شبه كامل من خلال انتشار الجريمة المنظمة و”بيزنس” المقاومة بكل أصنافها، حتى التي تسمّـى “الشريفة”، لأنها أيضا أسِّـست بوعي مذهبي كردِّ فِـعل على زوال النظام السابق بما يختزنه من طائفية سُـنية، وإن لم يكن صدّام ممثلا عن السُـنة.
أيضا دمرت البُـنى التحتية للاقتصاد العراقي عبر سياسة التخبّـط، ومنها قانون النفط، الذي ألقى بظلال قاتمة على مستقبل العراق واستقلاله الاقتصادي، مع ملاحظة أن هذا القانون لم يأخذ حقه من المناقشة الواعية قبل المصادقة عليه من قبل مجلس النواب.
وليس غريبا، والعراق يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط بنسبة 85% من نفط الجنوب، أن تسود لغة المصالح الطائفية بذرائع شتّـى، منها بالطبع انتشار الحديث وبقوة عن الفدرالية للوسط والجنوب، مع غياب ثقافة الانتماء للوطن وتربّـص دول إقليمية به، تعمل على توظيف الحالة الطائفية والانقسام المذهبي.. لتحقيق مكاسب خاصة لها.
وباختصار، فان السؤال الأهم بعد أربع سنوات على احتلال سحق كل أسس الدولة العراقية، هو ماذا جنى العراقيون من أمن ورفاهية وعيش رغيد كان يفتقده في العهد السابق، بعد أن تأكّـد للعراقي أن حلم إقامة الدولة الديمقراطية التي لا تقصي مُـخالفيها ولا تتّـهمهم، أصبح بعيد المنال، وبعد أن فقد العراقي كرامته كإنسان مع وجود المحتل وشيوع ثقافة الاحتلال السائدة بين العراقيين أنفسهم؟
أربع سنوات ولا ماء ولا كهرباء في عِـراق يصُـب فيه النهران الخالدان، دجلة والفرات، ويغفو على عالم من النفط والغاز. أربع سنوات والأمن مفقود والسلم الأهلي مطلوب والاستقرار الاجتماعي مُـهدد في الفوضى والقتل والخطف والاغتيالات، التي صارت لغة العراق الجديد، هو الذي علَّـم الدنيا الكتابة والقوانين منذ أكثر من سبعة آلاف سنة. أربع سنوات لعراق أفضل ما فيه بالنسبة للعراقيين، هو غياب صدّام إلى الأبد، والأمل في حصول تغيير حقيقي يجعل العراقيين الذين كانوا يروون “نكات” عن حكم أحفاد صدام لهم يستمر قرونا، يجعلهم يعللون أنفسهم بالآمال. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
نجاح محمد علي – دبي
بغداد (رويترز) – أعدم طه ياسين رمضان نائب الرئيس السابق صدام حسين لإدانته في جرائم ضد الإنسانية يوم الثلاثاء 20 مارس في الذكرى السنوية الرابعة للغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدّام حسين من السلطة.
ورمضان هو ثالث مسؤول كبير في نظام الرئيس المخلوع ينفذ فيه حكم الإعدام بعد إعدام صدام في ديسمبر الماضي بعد محاكمته أمام محكمة مدعومة من الولايات المتحدة، انتقدتها منظمات حقوق الإنسان ووصفتها بأنها غير نزيهة. ولم تفعل هذه الإعدامات شيئا يُـذكر لتخفيف العنف الذي يسود العراق منذ عام 2003، ويقول كثيرون في العراق إنها أدت إلى تفاقم القتال الطائفي.
وبعد وقت قصير من إعدام رمضان في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، أدى انفجار سيارة ملغومة قرب مركز للشرطة في بغداد إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة 17 آخرين. وقال مصدر بالشرطة، إنه عثر على 30 جثة بها إصابات أعيرة نارية في مناطق مختلفة في بغداد يوم الاثنين 19 مارس.
وأدت انفجارات القنابل وحوادث إطلاق الرصاص اليومية إلى نداءات متزايدة من جانب البعض في الولايات المتحدة إلى سحب القوات من العراق. وحذر الرئيس جورج بوش يوم الاثنين الأمريكيين المتشككين من عواقب وخيمة في حالة انسحاب القوات بسرعة، ودافع عن سياسته في العراق في مواجهة استطلاعات جديدة للرأي، أظهرت أن الأمريكيين يعارضون بدرجة متزايدة الحرب وأن العراقيين، إما ليس لديهم ثقة تذكر أو ليس لديهم ثقة على الإطلاق في القوات الأمريكية.
وقال صالح أبو مهدي (43 عاما)، وهو حارس أمن وأب لستة أطفال “بعد أربع سنوات، يمكنني القول أن البلد ضاع، لم نتوقع أبدا أن يحدث هذا. كنا نأمل في أن نعيش مثل بلد أوروبي، لا أن نعيش على هذا النحو”، وأضاف “لا أعتقد أن أي عراقي يفكِّـر في المستقبل، فقد توقف العراقيون عن التفكير في المستقبل. إننا نفكر فقط كيف نجتاز اليوم”، مضيفا أن أسرته في بعض الأحيان تتصل به عدة مرات في الساعة للاطمئنان على سلامته، وقال “لم أكن من مؤيدي صدّام، لكن مثلما يقول كثير من العراقيين الآن، إن أيام صدام كانت أفضل، على الأقل كانت الأمور أكثر أمنا وهدوءً. ما الذي نفعله بهذه الديمقراطية الآن؟”
ومع تدهور شعبية الرئيس الأمريكي قرب أدنى مستوى في رئاسته، وجه نداء لمنح خطته مزيدا من الوقت لإرسال 30 ألف جندي إضافي، معظمهم إلى بغداد لإشاعة الاستقرار هناك. وقال بوش “ربما يبدو مُـغريا أن ننظر إلى التحديات في العراق ونخلص إلى أن الخيار الأمثل بالنسبة لنا، هو حزم أمتعتنا والعودة إلى الوطن. ربما يكون ذلك مرضيا على الأجل القصير، لكني أعتقد أن العواقب ستكون مدمِّـرة على الأمن الأمريكي”. وأعلن بوش في يناير الماضي أنه سيرسل 21500 جندي إضافي إلى العراق، مهمتهم الأساسية تأمين بغداد، وهي خطوة زادت من تأجيج مشاعر عدم الثقة بين الأمريكيين. وارتفع عدد الجنود الإضافيين الذين يجري إرسالهم إلى العراق إلى نحو 30 ألفا مع إضافة قوات المساندة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة (سي.ان.ان) تراجع الدعم للحرب إلى 32% مع معارضة 63%. وكثف متظاهرون معارضون للحرب من مظاهراتهم في مدن أمريكية كبرى على مدى الأيام القليلة الماضية، وألقت الشرطة القبض على أكثر من 40 متظاهرا خارج بورصة نيويورك يوم الاثنين، بعد أن استلقوا على الأرض بالقرب من مدخل البورصة، إحياءً لذكرى الغزو.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن الاستطلاع الذي شمل أكثر من 2000 عراقي وأجري لصالح (بي.بي.سي) وايه.بي.سي نيوز وايه.ار.دي ويو.اس.ايه توداي، كشف أن العراقيين أصبحوا أقل تفاؤلا بشأن المستقبل، مقارنة باستطلاع مماثل أجري عام 2005، حيث كان المشاركون آنذاك متفائلين بوجه عام، كما كشف الاستطلاع عن انقسامات شديدة بين الشيعة والسُـنة. وقال أربعة من بين كل خمسة من الشيعة، إن إعدام صدّام تم بطريقة مناسبة، بينما قال 97% من السُـنة إنه لم يكن كذلك.
وعلي حسن المجيد، ابن عم صدّام الذي يعرف باسم “علي الكيماوي”، من بين مسؤولين كبار آخرين يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتجري الآن محاكمته في اتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد الأكراد في أواخر الثمانينات، بينما يجري احتجاز طارق عزيز في انتظار محاكمته.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 مارس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.