أرقـــام ملــغــومــة
أثارت نتائج استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية حول موقف اللاجئين من حق العودة جدلا وردود فعل غاضبة في الشارع الفلسطيني
وعلى الرغم من نفي مدير المركز الدكتور خليل الشقاقي أن يكون الهدف من الاستطلاع التنازل عن حق العودة، إلا أن ملابسات عدة تثير المخاوف والتساؤلات
تحتقن الأجواء الفلسطينية دون سابق إنذار، ويظل الاستفزاز سيد الموقف، وتنجح دراسة غير مسبوقة تستعرض خيارات اللاجئين الفلسطينيين حول حق العودة بدفع مستوى التوتر الداخلي إلى درجاته القصوى.
فقد كشف المسح الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بإدارة خليل الشقاقي، أحد الأكاديميين البارزين الذين يحظون بسمعة جيدة لدى الأوساط الأمريكية السياسية، وشهرة أقل لدى الجمهور الفلسطيني، لأول مرة عن آراء جريئة غير معهودة حول مسألة ذات حساسية عالية من عيار قضية اللاجئين.
وجـرّ استطلاع الرأي الذي شمل عينة عشوائية من لاجئي المخيمات في لبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، (مع الإشارة إلى أن البلدين العربيين يعتبران مناطق ضيافة ذات حساسية عالية)، على مخططيه ومنفذيه ردود فعل غاضبة وصلت إلى حدّ الاعتداء على المركز ومديره.
واستفزت الأرقام الجديدة في الساحة الفلسطينية المخضرمة، مجموعات محلية شكّـكت بمصداقية النتيجة الرئيسية للمسح الذي أفاد بأن عدد اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى داخل إسرائيل يُـقدّر بنحو 373 ألفا فقط، وأن نحو 784 ألفا سيعودون إلى مناطق الدولة الفلسطينية.
وبحساب بسيط، يتبيّـن أن 10% فقط من الفلسطينيين (نحو خمس ملايين من الآباء والأبناء والأحفاد) الذين طُـردوا وشُـرّدوا من أراضيهم إبان قيام دولة إسرائيل في 1948، يُـطالبون بحقّـهم في العودة إلى ديارهم!
وعلى الرغم من أن الشارع الفلسطيني، المشغول بصراع بقاء داخل الأراضي المحتلة، لم ينخرط بغالبيته في حالة الغضب التي ولدها الاستطلاع، فإن ثمة مؤشرات وردود فعل تشهد على تناقضات كبيرة داخلية يعيشها المجتمع الفلسطيني.
حرمة الاستفتاء
أول المبادرين لإعلان رفضهم لفكرة الاستفتاء الأكاديمي على قضية حق العودة “المقدسة”، كانت مجموعة من نحو 200 شخص، لم تُـعرف هويتهم بالتحديد، توجّـهوا إلى مقر المركز في مدينة رام الله قبل لحظات من بدء المؤتمر الصحفي لإعلان نتيجة الاستطلاع، وقاموا برشق مدير المركز بالبيض وتدمير بعض أثاث المقر.
لكن بيانات أخرى تحمل توقيع هيئات رسمية ولجان مدنية أهلية، راحت تتوالى في الصدور بعد وقت قليل على الحادثة، لتُـعلن عن تأييدها المبطن للاعتداء، وتؤكد أن جميع اللاجئين الذين تمثلهم يرفضون المسح، بل يشككون في مصداقيته ونوايا من يقفون وراءه.
المكتب التنفيذي للجان الشعبية لللاجئين، وهي هيئه رسمية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، يقول إنه يمثل “مؤسسات وفعاليات اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات”، أصدر بيانا ساخنا اعتبر فيه نتائج الدراسة “تنازلا عن حق العودة”.
ووجّـه البيان الرسمي شديد اللهجة اتهامات قاسية للشقاقي، ولم يبتعد كثيرا عن تأييد الهجوم على المركز، واعتبر الدراسة بمجملها “جزءً من دراسات مأجورة ومشكوك في أدائها العلمي لا تعكس سوى مواقف سياسية تحاول طمس قضية اللاجئين والتآمر عليها.”
أما رد الفعل الثاني، فجاء يوم 14 يوليو على لسان “لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين” ومقرها مخيم بلاطة قرب مدينة نابلس، وهي لجنة تشكلت مباشرة بعد عودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى غزة عام 1994.
المثير في الإشارة إلى تاريخ قيام هذه اللجنة أنها، وبحسب القائمين عليها، أنشئت بسبب غضب مؤسسيها على الرئيس عرفات الذي أغفل، وفق ما يؤكدون، التطرق إلى قضية اللاجئين في خطابه الأول على الأرض الفلسطينية بعد عودته الأولى.
ولم يكن غريبا أن يتحول رئيس هذه اللجنة، التي تقول إنها تتحدث باسم 19 مخيما للاجئين في الأراضي المحتلة، إلى واحد من أشد المنتقدين لسياسة عرفات. وحسام خضر رئيس اللجنة، معتقل حاليا في سجن إسرائيلي بتهمة المشاركة في تدبير الانتفاضة.
وقد اعتبرت لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين، وعلى لسان المتحدث باسمها تيسير نصر الله، انه “لا يجوز أساسا الاستفتاء على قضية واضحة مثل قضية حق العودة”، وقال “إن كل ما تفعله هذه الدراسات والاستطلاعات هو الإرباك وزرع الشك في ذهن الجمهور”.
ولم تتأخر اللجنة ذاتها في إصدار بيان بعد حادثة الاعتداء على الشقاقي، اعتبرت فيه أن الاعتداء “رد شعبي طبيعي على محاولات التآمر على قضية حق اللاجئين في العودة”.
موقف رسمي باهت
واللافت في هذه القضية أن الشقاقي أسـرّ لصحفيين أنه “أعد الدراسة بناء على طلب من حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس”، التي تتولى المحادثات مع الجانب الإسرائيلي. ومن المثير أيضا أن العمل على الدراسة، استنادا لتصريحات أدلى بها الشقاقي، انطلق قبل أشهر من تعيين عباس رئيسا للوزراء أواخر أبريل الماضي.
الشقاقي الذي لم يتسن الاتصال به مباشرة، نفى في تصريحات مختلفة وبيانات رسمية صدرت عنه، أن يكون الهدف من الاستفتاء التنازل عن حق العودة. وقال، إن مجرد الكشف عن هذه الآراء إنما “يساعد في تفنيد الموقف الإسرائيلي بأن حق العودة للفلسطينين يعني تدمير إسرائيل.”، وأن أي حل لمشكلة اللاجئين، لا يتضمن اعترافا بهذا الحق، لن يكتب له النجاح.
لكن الأرقام الواردة في المسح، لاسيما ما يتعلق بقبول نسبة كبيرة بالتعويض بدلا من العودة أو الموافقة على العودة فقط إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، من شأنه أن يُـستخدم أداة ضد الفلسطينيين في المفاوضات.
أكثر من ذلك، اتّـضح أن عدة لقاءات جرت مؤخرا، لاسيما في كندا الدولة الراعية لملف اللاجئين في المفاوضات المتعددة الأطراف، خاضت في نقاشات مبنية على مثل هذه الأسس. بل إن أحد المشاركين في جلسة من هذه الجلسات أبدى امتعاضا شديدا من الموقف الذي يطرحه أكاديميون فلسطينيون إزاء حل قضية اللاجئين، لاسيما ما يتعلق بحق العودة إلى فلسطين التاريخية.
والملفت أن الموقف الرسمي الفلسطيني ظل غائبا هذه المرة، الأمر الذي يطرح شكوكا كبيرة حول المسألة، في وقت تطغى فيه المطالب الأنية من قبيل رفع القيود الإسرائيلية على حركة فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة على أي مطالب سياسية أو استراتيجية أخرى.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.