مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمةُ الرسوم الكاريكاتورية في الصُّحف السويسرية

swissinfo.ch

تطرقت الصحف السويسرية بحذر لأزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد مستعرضة آراء ممثلين عن الديانات السماوية الثلاث ومواقف إعلاميين ورسامي كاريكاتور.

ولئن اختلفت آراء المتدخلين، فإنها تساءلت في معظمها هل يمكن باسم حرية الصحافة والتعبير الإساءة الى ديانة من الديانات او إهانة طائفة من الطوائف؟

تناولت الصحف السويسرية على اختلافها بنوع من الحذر لأزمة الصور الكاريكاتورية المصورة للنبي محمد، والتي نشرتها صحيفة دنماريكية في 30 سبتمبر 2005. وهي صور اعتبرها العالم الإسلامي والطوائف المسلمة في أوروبا مسيئة للنبي الكريم وللإسلام، وترتبت عنها ردود فعل وصلت الى حد المقاطعة والتهديد بالاختطاف.

مواقف شخصيات مسلمة

صحيفة “لوتون” التي تصدر باللغة الفرنسية في جنيف تناولت الموضوع في طبعة يوم الخميس 2 فبراير الجاري تحت عنوان “الصور الكاريكاتورية للنبي محمد تثير عاصفة عالمية”، استعرضت فيه وجهة نظر المتحدث باسم مسجد جنيف عبد الحفيظ الورديري الذي يرى “أن هذه الصور مهينة لأنها تصور النبي (ص) بطريقة مخلة ومهينة”. وأعرب السيد الورديري عن اعتقاده بأن “حرية التعبير والصحافة لا تعني حرية الإهانة والقذف”.

أما مدير المركز الإسلامي الثاني في جنيف هاني رمضان، فذكر في تصريح لصحيفة “لا تريبون دو جنيف” (نسخة 3 فبراير 2006) أن “الإسلام يمنع اية صور قد تبعد العبد عن عبادة خالقه وحده”.

ووصف السيد رمضان الصور التي نُشرت في الصحف الدنماركية وغيرها “خطيرة ومضرة في نفس الوقت، لأنها لن تعمل إلا على إذكاء الكراهية ضد المسلمين وتعميق عدم التفاهم بين الناس”.

نفس الصحيفة تطرقت لموقف المثقف الجزائري زيدان ميريبوط، مؤلف كتاب “الهوة الإسلامية، اتجاه نحو الصوفية”، والذي يلخصه بقوله “كل المسلمين بمن فيهم أنصار التيارات المعتدلة يكنون احتراما كبيرا للنبي الأعظم، ولذلك يمكن القول بأن الجميع بما فيهم الصوفيون يعتبرون تلك الصور مهينة، وأن نشرها من قبل الصحافة هو بمثابة انحراف واستفزاز ووسيلة من وسائل نسف الحوار المتعذر بين المسلمين والغرب”.

صحيفة لوتون أوردت أقوال مثقف عربي آخر وهو كمال الغيطاني، مدير مجلة أخبار الأدب الذي يتساءل “كيف تمنع القوانين الأوربية تحت طائلة السجن كل تعبير عنصري يحث على المعاداة للسامية او يشكك في حدوث محرقة اليهود، بينما يتم السماح بإهانة نبي ديانة يعتنقها أكثر من مليار شخص في العالم؟”.

وانتهى إلى قول: “ولئن كنت مناصرا لحرية الصحافة، فإنني لا أفهم هذه الازدواجية لأن هذه القضية سوف لن تعمل إلا على تعميق سوء الفهم القائم بين الغرب والشرق”.

مواقف ممثلين عن المسيحية واليهودية

أما ممثلوا الديانات الأخرى، كما أوردت الصحف السويسرية، فمنهم من عبر عن نفس المواقف ومنهم من ميز بين الفعل وردة الفعل. إذ كتبت “لا تريبون دو جنيف” على لسان رجل الدين الكاثوليكي بيار موني “أن تلك الصور الكاريكاتورية مثيرة للصدمة … لأن حرية التعبير ليست مطلقة بل يجب أن تمر عبر احترام حقوق الإنسان، ومن بين هذه الحقوق احترام المعتقد”.

وأضاف رجل الدين الكاثوليكي “يجب على الدولة أن تتدخل لمنع مثل هذه التعابير التي تدفع الى التهجم والى الإخلال بالنظام العام”.

أما نظيره من المذهب البروتستنتي رولاند بينز، فإن كان “يعارض نشر صور كاريكاتورية مخلة ومهينة خصوصا في الظروف الحالية” ويعتبر “أنه من غير المقبول حتى من وجهة نظر حرية التعبير والصحافة المساس بحساسية انصار معتقدات أخرى”، فإنه يؤكد على “أهمية التصوير الكاريكاتوري من أجل دفع الفهم خطوة نحو الأمام”.

واستشهد بكتاب “دافينشي كود” الذي يعتقد بأنه سمح “بتوسيع دائرة النقاش حول السيد المسيح، لذلك لا يجب منعه”.

واختتم رجل الدين البروتستنتي تعليقاته بالقول “يجب على أصدقائنا المسلمين أن يفهموا بأن التصوير الكاريكاتوري حر في مجتمعاتنا وراسخ في ثقافتنا”.

أما رجل الدين اليهودي فرانسوا غاراي، كما اوردت صحيفة “لا تريبون دو جنيف”، فيرى انه “يجب الانزعاج من هذه الصور لو كان لها طابع عنصري، وهو ما لا ينطبق على هذه الحالة” حسب قوله.

كما اعرب عن استياءه للثمن الذي تدفعه الدنمارك كبلد بسبب نشر الكاريكاتورات قائلا إن “العقاب مس بلدا بأكمله عن طريق المقاطعة بسبب تصرف شخص او صحيفة”.

وينتهي رجل الدين اليهودي الى خاتمة “أن ذلك يعكس تصورا اجتماعيا للعالم، يتم فيه تصنيف الفرد حسب تصورات المجتمع بدون ترك أي مجال لتصرفه الفردي”.

مواقـف الإعلاميين

وحتى من وجهة النظر الصحفية او الإعلامية، ترى الصحف السويسرية أن هناك مواقف متضاربة.

رئيس جمعية “صحفيون بلا حدود” روبير مينار صرح، كما ورد في صحيفة “لوتون” بأن :من حق الصحافة أن تنشر معلومات مثيرة بالنسبة للجمهور”. واستشهد في حديث نقلته الصحيفة “بأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اقرت بأن الكاريكاتور من المكاسب الأساسية في الأنظمة الديمقراطية”.

ووجه رئيس منظمة “صحفيون بلا حدود” نداء “لكي تقف كل الحكومات الأوروبية وراء السلطات الدنمركية من أجل الدفاع عن حق كل صحيفة في النشر، ولئن كان محتواها يمس شعور البعض”. قبل أن يضيف “ولئن بدت هذه الأقوال مستفزة، فإن لها مبرراتها وبالتالي لا يجب ان تقدم اعتذارات لأي كان”.

أما صحيفة “تاغس انتسايغر” الصادرة بالألمانية في زيورخ (عدد 3 فبراير الجاري)، فقد خصصت افتتاحيتة عرضت فيها وجهة نظر “حماة الديمقراطيات الغربية المدافعين عن حرية التعبير والصحافة” و”النشطاء الإسلاميين الذي ردوا على ذلك بالمظاهرات ونداءات المقاطعة والتهديد بالقتل”.

وترى صحيفة “تاغس انتسايغر” أن هذه الحالة تعكس جليا “صعوبة ربط علاقة بين الغرب والعالم الإسلامي في زمن الإرهاب الإسلامي”. كما تساءلت الصحفية عن دور الإعلام في القرية الكونية.

صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” استعرضت من جهتها يوم الخميس ايضا، وتحت عنوان عريض على الصفحة الأولى “خلاف بدون نهاية بين الغرب والشرق”، مختلف ردود الفعل العربية الشعبية والحكومية.

المصور الكاريكاتوري لصحيفة “لوتون” باتريك شابات يرى في تصريح نقلته صحيفة لوتون “أن هذه الصور ليس بها ما يثير القلق” وأن ما يصدمه أكثر “هو رد فعل الدول الإسلامية لأنه يعكس تأثير التيارات الإسلامية الراديكالية”.

وأشار الرسام الكاريكاتوري الى “أن تيارات شمولية تحاول السيطرة على العالم، فبعد ان فرضت أراءها على العالمين العربي والإسلامي، تحاول اليوم فرضها على الغرب، وبعد أن حجبت النساء ها هي اليوم تحاول فرض حجاب على الرسوم الصحفية”. واختتم شابات تعليقه بالقول “إن مثل هذه الممارسات تشكل خطرا على حرية الصحافة”.

مـخاطر خلط المفاهيم

زميله الرسام الكاريكاتوري في صحيفة “لا تريبون دو جنيف” حلل الأزمة الحالية على صفحات جريدته من منطلق مهني، بحيث يرى جيرالد هيرمان في تحليله للرسم الممثل للنبي بعمامة فيها قنبلة “أنه رسم يشتمل على ثلاثة أغلاط مهينة مخالفة للقوانين الدينية والفكاهية والمهنة الصحفية”.

وأضاف هيرمان “أن عدم السماح في الإسلام لتصوير النبي لا يعفي الرسام ولئن كان غير مسلم من عدم الامتثال لذلك”.

أما من حيث قواعد الفن الكاريكاتوري كوسيلة فكاهية ترفيهية، يقول جيرالد هيرمان بأن “الهدف الاجتماعي للرسم الكاريكاتوري يتمثل في تمكين الضعيف من الرد على القوي وقهره في مجال الخيال”.

وفي هذه الحالة، يرى هيرمان “أن الغرب القوي هو الذي يسخر من المسلم الذي يشعر بالضعف وبأنه هو الضحية لعدة أسباب اقتصادية وسياسية”. وينتهي الى القول أن “الغرب أضاف الى القوة الإهانة”.

ويختتم الرسام الكاريكاتوري جيرالد هيرمان تعليقه بالقول “إن ما يقلقني أكثر كصحفي هو الجانب المهني، وبالأخص الخلط بين الإسلام والإرهاب لأن هذا الخلط يدفع المسلمين الى الخلط بدورهم بين الدنمركيين والأوربيين، مما أدى الى حالات حرق الأعلام والتهديد بالانفجاريات”. وفي حالة مماثلة، يرى الرسام الكاريكاتوري السويسري أنه “يجب الالتزام بحدود ما يسمح به المقدس، وهو توازن يصعب التمسك به دوما”.

سويس انفو – محمد شريف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية