أزمة مكتومة بين الجزائر وسويسرا
قد يؤدي تعيين مراد دهينة على رأس المجلس التنفيذي للجبهة الإسلامية للإنقاذ ونشاطه انطلاقا من التراب السويسري إلى خلق أزمة بين برن والجزائر التي أحتجت بعدُ رسميا.
وفي انتظار تطور الأزمة الصامتة، يواجه مراد دهينة تحديات كثيرة في مقدمتها إعادة الاعتبار لحزب منحل وتفادي إثارة قلق السلطات السويسرية.
تم يوم السبت 5 أكتوبر الماضي اختيار الدكتور مراد دهينة لتولي منصب رئيس المجلس التنفيذي للحزب الإسلامي الجزائري المنحل، الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خلفا لعبد القادر حشاني الذي اغتيل في عام 1999.
تعيين السيد دهينة في هذا المنصب، يجعله يواجه العديد من التحديات “بعضها تنظيمي والآخر يتعلق بكيفية التحدث للشعب الجزائري” كما أوضح ذلك في حديث خاص مع سويس إنفو.
ولاشك أن اكبر تحد على السيد مراد دهينة مواجهته، يتمثل في كيفية إعادة الاعتبار لحزب تم حله بقرار قضائي في عام 1992. خطته في ذلك “تمر عبر مراحل أولها التعريف بحقيقة الأزمة الجزائرية للشارع الجزائري، وفضح المتسببين الحقيقيين فيها… وإعادة الأمل للشعب الجزائري بخطاب جديد وأسلوب جديد لا يتنكر للأصول التي قامت عليها الجبهة ولا لرموزها وشيوخها” حسب قول السيد دهينة.
كما يرى أن هذه الخطوة تستلزم “اعترافا من الناحية المؤسساتية للدولة الجزائرية بحق الجبهة وإن تطلب ذلك تعديلا في الدستور”!
نرفض “حوار الظل”
للوصول إلى تحقيق ذلك يتطلب الأمر التفاوض والحوار مع السلطة الحالية فهل الجبهة الإسلامية بقيادة مراد دهينة على استعداد للحوار وهل شرعت بالفعل في بعض الاتصالات؟ عن ذلك يجيب مراد دهينة بأن لديه شروطا لهذا الحوار “في مقدمتها كشرط أساسي الإفراج عن الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج، ثم محاسبة المجرمين مهما كانت انتماءاتهم ومحاكمتهم بطرق مشروعة وبضمانات دولية… ورفض حوار الظل كالذي أفضى إلى هدنة العسكريين، وتنظيم حوار شفاف على غرار ما تم في جنوب إفريقيا”.
وعلى الرغم من اعترافه بأن “بعض أطراف النظام حاولوا الاتصال ببعضنا”، إلا انه يرفض الاتصال هو مباشرة مع السلطة في وقت “يمكن لأصحاب القرار في الجزائر أن يبادروا بالاتصال بالشيخين” حسب قوله، ويكتفي بإيصال هذه الأفكار عبر وسائل الإعلام.
ولمراد دهينة تصور لحل الأزمة الجزائرية وفقا لقرارات مؤتمر الجبهة الأخير تكمن في حوار صريح يهدف إلى انسحاب الجيش من السياسة والنظر في قضايا المفقودين وتحديد المسؤولين عن المجازر بتحقيق دولي ومحاكمة المسؤولين مهما كانت انتماءاتهم والدخول في حوار مفتوح مع الفاعلين في السلطة بدون إقصاء.
أما عن المجازر التي ترتكب باسم الإسلام في الجزائر فيقول الرئيس الجديد للمجلس التنفيذي لجبهة الإنقاذ “إننا نطالب بلجان تحقيق دولية تكون قادرة على القيام بما لم تقم به لجان التحقيق الوطنية” ويعتبر أن الحركات الإسلامية مخترقة. كما يعترف بان الجبهة الاسلامية “ارتكبت بعض الأخطاء أثناء ممارساتها وترغب في تفاديها بعد تنظيم مؤتمر الشهيد حشاني” على حد تعبيره.
نشاط طالب لجوء تحت الرقابة
من جهة أخرى يكمن التحدي الأكبر بالنسبة لمراد دهينة بعد استلام هذا المنصب في وضعه كطالب لجوء لا زال طلبه الذي تقدم به قبل عدة أعوام معلقا. وهو ما يفرض عليه بالتالي مراعاة القيود المفروضة على النشاطات السياسية للاجئ سياسي فوق التراب السويسري. وقد أبدت بعض الأوساط الصحفية تخوفات من أن يؤدي هذا التعيين إلى “تحويل التراب السويسري إلى أرضية لنشاط إسلامي”
عن هذه التخوفات يقول مراد دهينة “إن ارضية الجبهة في الجزائر، وأنه يعرف القوانين السويسرية بدقة ويحترمها، وأن السلطات السويسرية على علم بكل ما هو مقبل عليه”.
كما أن الناطقة باسم المكتب الفدرالي للشرطة دانييل بيرسيي ” لا ترى مبررا لهذه التخوفات في الوقت الحالي ” مادام السيد دهينة يلتزم بالقيود المفروضة، والتعبير عن رأيه بدون دعوة للعنف” ولكنها تعترف في المقابل بأن ذلك “قد يخلق بعض المشاكل مع السلطات الجزائرية” على حد قولها.
احتجاج رسمي جزائري
وفي تطور آخر شمل تحركا ثلاثيا على مستوى السلطات الفدرالية وسلطات دويلة جنيف ولدى الممثل السويسري لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة، عبرت الجزائر بعد ظهر الثلاثاء الماضي – كما أوضح السفير محمد صالح الدمبري في تصريحات خاصة لسويس إنفو – “عن أسفها لكون السلطات السويسرية لم تتخذ الإجراءات الضرورية ولم تحترم القوانين الدولية” في هذا الملف.
فالجزائر، كما أوضح السفير محمد صالح الدمبري “تعتبر الشخص المعني، محكوما عليه من قبل القضاء الجزائري بعشرين سنة سجن، وأنه مطلوب بمذكرة توقيف دولية”. وذكر بأن الجزائر قدمت للسلطات السويسرية ملفا كاملا حول هذه القضية قبل سنتين. كما يستشهد السفير الجزائري بتصريحات ادلى بها السيد دهينة إلى صحف سويسرية يعتبرها “نداءا من أجل القيام باعمال قتل” حسب قوله.
وعما إذا كانت هذه القضية ستؤثر في وضع العلاقات السويسرية الجزائرية رد السفير الجزائري قائلا “إننا في انتظار تطور الأوضاع، ورد السلطات السويسرية على الالتماس الجزائري”.
وفي رد فعل للسلطات السويسرية على ما جاء في الاحتجاج الجزائري أوضح الناطق باسم المكتب الفدرالي للعدل، فولكو غالي “أن السلطات السويسرية رفضت طلب التسليم الذي تقدمت به الجزائر في الثاني عشر أكتوبر من العام الماضي”. وفي تعليل السلطات السويسرية لهذا الرفض أوضح السيد فولكو غالي “لم يكن ممكنا بالنسبة لنا الرد على هذا الطلب نظرا لأن الاتهامات الموجهة للسيد دهينة لا يعاقب عليها القانون السويسري”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.