“أسابيع حاسمة” في سوريا
يلحظ زوار دمشق هذه الأيام وجود قلق خطر لا مثيل له بين أوساط المسؤولين، يطاول مروحة واسعة من القضايا.
فبعد إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية شعارات تؤكد على أن الأولوية هي للتغيير “مهما تكن مخاطره”، ولا للاستقرار “مهما كانت فوائده”، بات المسرح جاهزاً لتغييرات درامية وتاريخية على مستويين: فكري وإستراتيجي.
يلحظ زائرو دمشق هذه الأيام وجود قلق خطر لا مثيل له بين أوساط المسؤولين، يطاول مروحة واسعة من القضايا:
· فثمة ضجة كبرى في عاصمة الأمويين هذه الأيام حول الأنباء التي تتردد بأن الإدارة الأمريكية وضعت لائحة تضم أسماء ما بين 30 إلى 40 مسؤول أمني سوري، تتهمهم بـ “عمليات إرهابية” داخل لبنان ودول أخرى، وبأنها تنوي اغتنام فرصة تشكيل لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، للمطالبة بمحاكمة هؤلاء المسؤولين.
· وهناك تساؤلات واجفة في دمشق حول طبيعة الصفقة التي عقدتها فرنسا والولايات المتحدة حيال لبنان: هل تشمل هذه الصفقة أيضاً سوريا، بحيث تتقاسم الدولتان النفوذ في هذه الأخيرة أيضا؟ وإذا ما كان هذا صحيحاً، هل سيتم ذلك من خلال تغيير النظام السوري الحالي؟
ويتوقف المسؤولون السوريون مطولاً أمام تطورين أمريكيين أخيرين يعتبرانهما في غاية الخطورة:
الأول، ما كشف عنه مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن عن خطة عسكرية وضعها البنتاغون لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، “ينهار فيها الجيش السوري خلال أربعة أيام، يتم بعدها تغيير النظام”، على حد تعبير المركز.
والثاني، التصريح الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مؤخرا، والذي أعلنت فيه أنها “أصبحت أقل خِـشية من أن يحل إسلاميون متطرفون مكان الحكومات السلطوية، لأن الشرق الأوسط لن يبقى مستقراً، على أي حال، في ظل هذه الحكومات. إن التطرف سببه عدم وجود أقنية أخرى للنشاط السياسي. لذا، وحين تُـدرك أن الأمر الواقع لم يعد بالإمكان الدفاع عنه، يكون عليك الاستعداد للتحرك في اتجاه آخر”.
حديث رايس هذا كان الأول من نوعه منذ 60 عاماً، الذي تسقط بموجبه الإدارة الأمريكية حُـجّة سوريا ومصر وباقي الأنظمة العربية، بأنها لا تَـقدِم على الإصلاحات، لأن بديلها سيكون أصولياً إسلامياً.
المحللون الذين انتبهوا إلى هذا البيان “الكوندوليسي” الانقلابي الخطير، أطلقوا عليه وصف “البلاغ الانقلابي رقم 2″، الذي سيُـدشّـن انهيار جدار برلين، الأمر الواقع الراهن في الشرق الأوسط، بعد البلاغ رقم 1 الذي أُعلِـن بعد 11 سبتمبر 2001 “الثورة الأمريكية” على هذا الأمر الواقع.
لماذا بيان “كوندي” انقلابي؟ لأن العقبة الوحيدة التي كانت تقف في وجه المشروع الأمريكي لتغيير سوريا ومنطقة الشرق الأوسط الكبير، كانت رفض أو خوف واشنطن من إطلاق عمليات ديمقراطية تكون القوة الرئيسية فيها هي الإسلام السياسي. أما الآن، وبعد أن أعلنت رايس أن الأولوية هي للتغيير “مهما تكن مخاطره” لا للاستقرار “مهما كانت فوائده”، بات المسرح جاهزاً لتغييرات درامية وتاريخية كبرى على مستويين في آن: فكري وإستراتيجي.
“حسّ الفاجعة”
هذه العوامل، مضافاً إليها “حس الفاجعة”، الذي يشعره المسؤولون السوريون لخسارتهم لبنان، ولتوجسّـهم من الحصار العربي والدولي الحقيقي، الذين يعيشونه منذ اغتيال الحريري في 14 فبراير الماضي، تعطيهم كل الحق للشعور بالقلق العميق.
لكن، وبعد قول كل شيء عن مشاعر التوجس، ماذا عن الحلول والمخارج؟ ثمة شبه إجماع في العاصمة السورية على أن ساعة الإصلاح دقّـت، ولم يعد ثمة مناص أو مفر من الإقدام عليها إنقاذاً للنظام، وهذا يمكن أن يتحقق خلال المؤتمر القطري لحزب البعث في يونيو المقبل من خلال:
1. إلغاء القيادة القومية لحزب البعث، كخطوة رمزية يُـعلن فيها النظام قبوله بحصر نفوذه داخل الحدود الوطنية السورية، كما حددتها اتفاقات سايكس – بيكو في مطلع القرن العشرين.
2. شطب البنود في الدستور، التي تشير إلى حزب البعث بصفته “قائد الدولة والمجتمع”.
3. إلغاء أو تعديل قوانين الطوارئ المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
4. الانتقال نهائياً إلى اقتصاد السوق، هذا إضافة إلى إقالة عدد كبير من المسؤولين الأمنيين والسياسيين.
لكن من سينفذ مثل هذه الإصلاحات؟ هنا “بيت القصيد” مستقبل سوريا برُمّـته. لكن هنا أيضاً، ليس هناك شيء محسوم، حتى الآن على الأقل.
فهناك من يقول إن الرئيس بشار الأسد وفريقه المكوّن أساساً من مدير المخابرات، آصف شوكت وشقيقه ماهر، هو الذي سيقوم بـ “انقلاب القصر”، مطيحاً بمحور الشهابي- خدام – كنعان (ومعه خاله، صاحب النفوذ الاقتصادي الكبير محمد مخلوف ونجله).
وهناك من يقول إن هذا المحور الأخير هو الذي سيطيح ببشار وفريقه، مستندا إلى البيان الخطير الذي أدلى به الرئيس الأمريكي بوش قبل أيام، وأشار فيه إلى أنه سيُـعامل بشار الأسد كما عامل ياسر عرفات، أي التجاهل والعزل والحصار، وهذا سيعني في النهاية إسقاط بشار.
ثم هناك فريق ثالث، يعتقد أن اللعبة الأمريكية مع فلسطين- عرفات ستتكرر بحذافيرها مع سوريا- الأسد، حيث ستضغط واشنطن لإضعاف هذا الأخير عبر إجباره على تشكيل حكومة جديدة (ربما برئاسة حكمت الشهابي)، على أن تُـمنح صلاحيات واسعة تقيّد في النهاية صلاحيات الرئيس السوري.
وإلى هذه الخيارات، هناك بالطبع السيناريو الأخطر، والمتمّثل بأن يؤدي الصراع على السلطة من فوق، إلى اضطرابات أمنية من تحت، تشارك فيها مجموعات عديدة، تشمل الأكراد (2 مليون) والدروز، وقوى المعارضة الإسلامية والقومية العربية والليبرالية.
هذا السيناريو ليس مستبعداً على الإطلاق، خاصة وأن واشنطن أوضحت للعديد من الأطراف السورية، أنها “مستعجلة” لتغيير سلوكيات النظام السوري، بسبب رغبتها في تسريع إعادة ترتيب الأوضاع في العراق (أساساً عبر تقليص عديد قواتها مع نهاية هذا العام).
المصير
ماذا يعني كل ذلك؟ شيء واحد: مصير النظام السوري سيتحدد خلال أشهر قليلة، إن لم يكن أسابيع.
وبرغم أنه ليس من الواضح حتى الآن في أي مرفأ ستُـرسي السفينة السورية المضطربة (هذا إذا ما رَست على الإطلاق)، إلا أنه من الواضح أن بلاد الشام على وشك إغلاق فصل كامل من تاريخ عمره 30 عاما، وفتح فصل جديد تتساوى فيه المخاطر مع الفرص، استنادا إلى قدرة أو لا قدرة الوطنية السورية على تخطي الأزمة التاريخية الراهنة.
وفي الانتظار، سيبقى القلق هو سيد الموقف بلا منازع في دمشق.
سعد محيو- بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.