أسباب التشاؤم أكثر من مبررات التفاؤل
احتلت صورة مصافحة محمود عباس وآرييل شارون في قمة شرم الشيخ صدر الصفحات الأولى لجميع الجرائد السويسرية، التي اهتمت بالحدث وعلقت عليه من زوايا مختلفة.
وإذا كانت الصحف قد نظرت بعين من التشاؤم إلى القمة “التاريخية”، فإن أغلب المحللين أنحوا باللائمة على اللاعب الرئيس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تغيب عنها.
تساءلت أغلب تعليقات الصحف السويسرية عن السبب في إضفاء صفة “التاريخية” على قمة شرم الشيخ ليوم 8 فبراير 2005 وعن الجديد فيها الذي يمكن أن يجعلها بالفعل متميزة عن غيرها.
فقد رأت “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر في زيورخ) ضرورة الرجوع أولا إلى تاريخ القمم الإسرائيلية الفلسطينية قبل التعجل والحديث عن مستقبل وردي للسلام بين الجانبين، والتي لم تسفر عن أي شئ ملموس.
بيما تسائلت “تاغس انتسايغر” الصادرة في زيورخ: “لماذا نعلق الأمل على أن اتفاق وقف إطلاق النار الحادي عشر بين الجانبين سيتحقق؟ ولماذا يجب أن نصدق بأن مفاوضات السلام بين الطرفين ستكون جدية هذه المرة؟”.
علامات الاستفهام لم تغب أيضا عن تعليق يومية “فانت كاتر أور” (تصدر في لوزان) الناطقة بالفرنسية بعنوان: “لم تعد هناك حرب ولكنه ليس السلام”، مضيفة “بعد أربعة اعوام من العنف المتبادل، يلتقي شارون وعباس لنقول بأنها فرصة جديدة، فهل هي فرصة؟ وهل سيأتي معها الخير؟”
من جهتها، طرحت “بازلر تسايتونغ” (تصدر في بازل) تساؤلات أخرى: “هل يمنح شارون الوقت الكافي لمحمود عباس ليتمكن من السيطرة على الوضع الأمني في المناطق الفلسطينية؟ وكيف يجب على اسرائيل أن تتعامل مع الاستفزاز الإرهابي؟ وهل سيقطع شارون هذه المرحلة السلمية ليعطي الضوء الأخضر للدبابات للقصف؟”.
جديد القمة
هذه التساؤلات لم تمنع عثور المحللين على بعض الجديد في القمة، حيث رصدت “نويه تسورخر تسايتونغ” أن “الجديد في هذه القمة هو أن عباس لا يتحدث فيها كرجل ثان في السلطة الوطنية الفلسطينية، بل كزعيم منتخب للفلسطينيين مما يعطيه حجما كبيرا من المصدافية والثقل السياسي في نفس الوقت”.
من جهة أخرى، “وعد شارون بالتخلي عن المستوطنات مما أعطى دفعة جديدة أو أملا بأن عملية السلام يمكن أن تأخذ دفعة ايجابية قوية ويتزامن هذا مع إقامة تحالف بين الليكود والعمل، وتضحية شارون بحلفائه من أقصى اليمين الإسرائيلي، مما يمكن أن يكون دليلا على انسحاب اسرائيلي أكيد من قطاع غزة مع حلول صيف هذا العام”.
أما العنصر الثالث في هذا الجديد حسب “نويه تسورخر تسايتونغ” فهو ملاحظة الديناميكية الأمريكية السريعة التي صاحبت إعادة انتخاب بوش لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ورغبة واشنطن في أن ينعكس هذا على بقية دول المنطقة، بشكل ينسجم مع مصالحها السياسية في المنطقة.
في المقابل، رأت باربارا إينغل في صحيفة “دير بوند” (تصدر في برن) في تعليق تحت عنوان “شركاء غير متكافئين” بأن أسباب التفاؤل تعود إلى حصول محمود عباس منذ انتخابه على أكثر مما توقعه، “فلم تحدث الفوضى التي كانت متوقعة بعد وفاة عرفات، وتم انتقال السلطة بشكل ديموقراطي ووافقت الفصائل الفلسطينية على وقف عملياتها الإرهابية، حتى أن حماس وعدت بالمساهمة في بناء الدولة”.
أما “تاغس انتسايغر” فرأت بأن هذه القمة تختلف عن آخر قمة اسرائيلية فلسطينية انعقدت قبل عامين في العقبة، “فعرفات قد رحل وعلى محمود عباس أن يبرهن على أنه قادر على ضمان أمن الاسرائيليين وتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين”، لذلك تعتقد الصحيفة بأن أبو مازن بحاجة إلى “هدوء نسبي ليتمكن من وضع منظومة تأسيس دولة ليست مثل قطع متناثرة هنا وهناك”.
مبررات للتشاؤم
أما مسحة التشاؤم التي طبعت أغلب التعليقات التي نشرتها الصحف السويسرية، فقد عزته “نويه تسورخر تسايتونغ” إلى عدم وضوح أهداف ودوافع شارون من إعلانه الإنسحاب من قطاع غزة، بينما ربطت نجاح تلك الأجواء الدافئة بين الطرفين بشرطين اثنين؛ “عدم وقوع عمليات ارهابية فلسطينية، وقيام اسرائيل بتفكيك المستوطنات الغير قانونية في الاراضي الفلسطينية”.
وكان تعليق “لوتون” (تصدر في جنيف) ساخرا للغاية من الإفراط في التفاؤل، وقالت في ختام افتتاحيتها: “إن رقصات الزفاف تبدأ دائما باستعمال سلاح الإغراء، وقد تحددت الالتزامات، لكن التجربة علمتنا أن الوعود، في أغلب الأحيان، لا تـُلزم سوى من يدفعهم ضعفهم للوثوق بها”.
بينما رأت “دير بوند” بأن مصداقية شارون مشكوك فيها عندما قال للفلسطينيين “رغبتنا أكيدة في احترام حقكم في حياة مستقلة”، منوهة في الوقت نفسه إلى غياب الضغط الحقيقي للولايات المتحدة على اسرائيل، “حيث اهتمت واشنطن بتفعيل وقف إطلاق النار، ولم تمارس الضغوط اللازمة لتفعيل عملية السلام”.
فيما بررت “تاغس أنتسايغر” تشاؤمها قائلة: “لا توجد أية ضمانات بتحقيق كل ما تم الاتفاق عليه، كما أن المتطرفين على الجانبين متمسكون بالحد الأقصى من مطالبهم، فضلا على أن الولايات المتحدة لا تمارس دورها كوسيط نزيه بين طرفي النزاع”.
أخيرا وجدت “فانت كاتر أور” في المشاكل العالقة بين الطرفين طريقا طويلا مليئا بالبحث عن حلول لملف اللاجئين والقدس والمستوطنات والجدار العازل وتقسيم المياه، وكلها قضايا يمكن أن “تعود بالموقف إلى نقطة البداية”.
وللنجاح مقومات
من جهتها، فضلت “نويه لوتسرنر تسايتونغ” (تصدر في لوتسرن) أن تضع الحقائق بدلا من التساؤلات، ولخصت تعليقها في عنوان يقول “لا سلام بدون أفعال”، جاء فيه: “الوضع الراهن حرج للغاية، فعدد الضحايا الفلسطينيين يبلغ 3600 في مقابل 1000 على الجانب الاسرائيلي، وتل أبيب توسعت في المستوطنات واحتلت أراض جديدة، وانتهكت الحقوق المدنية للفلسطينيين بالجدار العازل، مخترقة بذلك القانون الإنساني الدولي، مما دمر ثقة الفلسطينيين في أن اسرائيل يمكنها بالفعل أن تقدم على السلام”.
ومع أن أغلبية تعليقات الصحف السويسرية رأت بأن تفعيل الأمل في السلام يقع في المقام الأول على عاتق الولايات المتحدة، (مثلما أشارت إليه يومية “لوتون” الناطقة بالفرنسية)، إلا أن يومية “نويه لوتسرنر تسايتونغ” ألقت بالمسؤولية أيضا على الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني (الذي يجب أن يعمل على نزع السلاح من الجماعات المسلحة حسب رأيها)، واختتمت تعليقها قائلة: “إن الأيام القادمة ستبرهن من هو الراغب الحقيقي في السلام، ومن هو ضده”.
تامر أبو العينين – سويس انفو
رأت الصحف السويسرية أن قمة شرم الشيخ بين محمود عباس وآرييل شارون في 8 فبراير 2005 ليست تاريخية بما تعنيه الكلمة من معنى، لعدم توافر المقومات الرئيسية التي تجعل ما اتفق عليه الطرفان ملزما، إلى جانب غياب الدور الأمريكي المؤثر، لاسيما على الجانب الإسرائيلي.
ضمت قمة شرم الشيخ رئيسي مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية والعاهل الأردني ورئيس وزراء اسرائيل،
الإجتماع كان أول لقاء بهذا المستوى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ قمة كامب ديفيد 2000 بين ياسر عرفات وايهود باراك.
تغيبت الولايات المتحدة عن تلك القمة على الرغم من دورها المؤثر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفي المنطقة عموما.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.