أصداء سويسرية لأحكام إعدام في ليبيا
لم تمر سوى ساعات قليلة على إصدار حكم الإعدام في حق أربعة مواطنين ليبيين وآخر بالأشغال الشاقة المؤبدة على ستة وسبعين، حتى صدر في سويسرا بيان من جمعية "التضامن لحقوق الإنسان"، التي يديرها معارضون ليبيون، يندد بها ويدعو المجتمع الدولي للتدخل..
الأحكام السابقة تم النطق بها في السادس عشر من فبراير شباط الحالي في ما بات يعرف بقضية الأخوان المسلمين في ليبيا والتي تنظر فيها محكمة الشعب التي تعتبر في نظر الكثير من المراقبين آلية استثنائية للقضاء على المعارضة مثلما هو الحال في هذه القضية والتي بدأت أحداثها عام ثمانية وتسعين لتنتهي بصدور الأحكام في عام الفين واثنين، وهي أحكام انتقدتها كافة المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
ومنذ بداية القضية قبل قرابة أربع سنوات بدأ عدد الليبيين الفارين إلى خارج بلادهم في تزايد، بحثا عن ملاذ آمن متوجهين إلى بلدان مختلفة، من بينها سويسرا، حيث قامت مجموعة منهم بتأسيس جمعية تحمل اسم “التضامن لحقوق الإنسان” تتخذ من جنيف مقرا لها.
الجمعية، حسب تصريحات اختص بها “سويس انفو” السيد جمعة العمامي أحد مؤسسيها مسجلة بشكل قانوني في الكونفدرالية وتهتم بحقوق الإنسان في ليبيا بالتعاون مع مختلف الجمعيات والمنظمات العربية والليبية التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي، وتعتبر، حسب رأيه، مكملة لما هو موجود على الساحة الليبية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة.
على الرغم من حداثة الجمعية إلا أنها تسعى، حسب قول المشرفين عليها، إلى عقد الندوات واللقاءات للتعريف بقضية حقوق الإنسان في ليبيا، واختارت مدينة جنيف مقرا لها لأنها تضم العديد من المنظمات الدولية التي تهتم بالقضايا المماثلة، مما يسهل عملية الاتصال بها والتنسيق معها في الملفات ذات الاهتمام المشترك.
فمن بين المنظمات والجمعيات التي تتعاون معها على الصعيد الأوروبي نجد الرابطة الليبية لحقوق الإنسان ومقرها أيضا جنيف واتحاد المدافعين عن حقوق الإنسان في هولندا وجمعية مشابهة في ألمانيا وذلك لمحاولة رفع قضايا حقوق الإنسان وسجناء الرأي في الجماهيرية على مستوى دولي والتعريف بها على أوسع نطاق ممكن.
إضافة إلى ذلك يرى السيد جمعه العمامي في حديثه إلى سويس انفو ضرورة تعزيز الروابط مع المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب ومقرها جنيف ومنظمة العفو الدولية حيث يشمل التعاون مع هذه المنظمات إعداد التقارير ومتابعة البيانات، علاوة على الاستفادة من خبرات الآخرين، كما تعد جمعية التضامن لحقوق الإنسان حاليا وبالتعاون مع المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب تقريرا مفصلا لرفعه إلى المفوضية العليا لحقوق الإنسان في مؤتمرها العام الذي ينعقد في غضون شهرين.
تعتيم داخلي تام
ومن بين المشاكل التي تقف حائلا دون توضيح الحقيقة كاملة حول انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا يضع السيد جمعه العمامي نقص المعلومات الواردة من داخل ليبيا نفسها على رأس تلك المشاكل.
حيث تعمل السلطات الليبية، حسب قوله، على التعتيم على الأحداث الواقعة هناك، كما لا يستطيع الإعلام الليبي أن يتعامل مع القضايا المتعلقة بالمحاكم وأحداث السجون، مما يؤدي إلى غياب المعلومات الكافية والدقيقة أو الموثقة من جهات محايدة التي تحتاج إليها المنظمات الحقوقية الدولية لإصدار تقاريرها، وعلى الرغم من ذلك، فإن ليبيا مدرجة ضمن قوائم الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
وتؤكد جمعية التضامن لحقوق الإنسان أن من بين المشاكل التي يعاني منها الفرد في ليبيا، غياب حرية التعبير والفكر والحقوق السياسية، إضافة إلى سوء ظروف توقيف واعتقال وسجن لا تتطابق مع ما جاء في الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها ليبيا أو حتى مع الحد الأدنى لما تضمنته “الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان” الصادرة عام واحد وتسعين في الجماهيرية بعد أن اعترفت الحكومة الليبية عام تسعة وثمانين بوجود خروقات لحقوق الإنسان، ولكن إصدار هذه الوثيقة “الكبرى” لم يؤد عمليا إلى تعديل المعايير المستخدمة في التعامل مع المعارضين.
وحسب تصريحات السيد جمعه العمامي من جمعية التضامن لحقوق الإنسان إلى سويس انفو فإن معظم سجناء الرأي في لبيبا من الكوادر العليا واغلبهم من أساتذة جامعتي قار يونس والفاتح أو من العاملين في شركات تصنيع النفط وهم يشغلون مناصب تقنية وفنية عالية إلى جانب آخرين يعملون في قطاعات مهنية مختلفة.
أهدافها واضحة
ولا يقتصر النقد الموجه إلى الحكومة الليبية على الجمعيات الحقوقية الليبية فقط بل امتد إلى غيرها من المنظمات الدولية التي يمكن اعتبارها محايدة أو موضوعية إلى حد بعيد. فقد اتهم التقرير السنوي الأخير لمنظمة العفو الدولية ليبيا بعدم احترام حقوق الإنسان منددا بإلقاء القبض على عدد من المواطنين دون تهم محددة واستمرار اعتقال سجناء الرأي لفترات طويلة دون معرفة السبب، كما أكدت أمنستي في تقريرها السنوي أن هناك أنباء تتوارد عن حالات تعذيب، لاسيما أثناء فترة الاحتجاز التي عادة ما تكون بمعزل عن العالم الخارجي.
وفيما يقول المشرفون على الجمعية أن الهدف من عملها يتمثل أساسا في الوصول بهذه الأفكار والانتقادات إلى السلطات الليبية من أجل الضغط عليها للتغيير إلى ما يعتبرونه الصالح العام، يبدو أن محاولاتهم لإبلاغ آرائهم إلى السلطات الحاكمة في ليبيا لم تجد لها أي صدى بعد في طرايلس الغرب.
أخيرا لا تطال انتقادات جمعية “التضامن لحقوق الإنسان” الأحكام القضائية القاسية فحسب، بل تمس أيضا المحكمة التي نظرت في القضية ، حيث ترى الجمعية أن هذه المحكمة تفتقر إلى أدنى الحقوق المتعارف عليها مثل حق توكيل دفاع مستقل وعدم السماح لمراقبين من الهيئات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان بحضور هذه المحاكمات، علاوة على تعرض المعتقلين إلى صنوف من العذاب والمعاملات القاسية، لم تتردد الجمعية في القول بأنها تصل إلى كثير من الأحوال إلى اللاإنسانية.
تامر أبو العينين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.