أصوات العرب الأمريكيين قد تتحول إلى المرشح أوباما
في انتخابات عام 2000، توهّـم العرب الأمريكيون أن التصويت للمرشح الجمهوري جورج بوش سيخدم قضايا العرب والمسلمين، خاصة مع تعهُّـده بأن أمريكا لن تُـمارس دور شرطي العالم. وصوّتت نسبة تصل إلى 46% منهم لصالح الرئيس بوش وخسِـروا الرِّهان، حينما كشَّـر عن أنيابه بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية وغيَّـر السياسة الأمريكية، بل ووجْـه وصورة أمريكا في العالم.
فكيف سيختلف تصويت العرب الأمريكيين هذه المرة، ولماذا يعتقدون بأن الانتخابات الرئاسية من الأهمية بمكان هذه المرة، ولماذا كرهوا السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، نظَّـم مركز الحوار العربي في واشنطن كؤخرا ندوة تحدّث فيها الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي وخبير بحوث الرأي العام في مؤسسة زغبي إنترناشيونال لبحوث الرأي العام، فاستعرض الأهمية القُـصوى، التي يُـوليها العرب الأمريكيون لقضايا المنطقة الرئيسية، في إطار مسْـعاهم لحشد التأييد لمواقف أمريكية أكثر توازُنا وإنصافا مع تغيير مَـن يدير دفّـة الحُـكم في البيت الأبيض.
وقال زغبي: “يدخل العرب الأمريكيون انتخابات الرئاسة القادمة وهم يُـواجهون موقِـفا فريدا، حيث زاد التورّط الأمريكي في العالم العربي بشكل يُـظهِـر أنه لن يكون بوسْـع الرئيس القادم الخروج بسرعة من الحُـفرة التي أوقع فيها الرئيس بوش الولايات المتحدة، خاصة في العراق التي تجبر الظروف القائمة هناك أي رئيس يخلف بوش في البيت الأبيض على موقف بالغ التعقيد، حيث لا يُـمكنه الاستمرار وليس بوسْـعه الخروج منه قريبا”، وهو ما عبّـرت عنه مُـواطنة عراقية ببلاغة شديدة، حينما قالت في مناسبة الذكرى الرابعة للغزو الأمريكي للعراق، نريد من الأمريكيين الجلاء، لأننا نكرّه احتلالَـهم لبلادنا، ولكننا نريد منهم البقاء، لأننا نخاف ممَّـا سوف يحدُث بعد جلائِـهم عن أراضينا!
وقال الدكتور زغبي، إن المرشح الديمقراطي السناتور باراك أوباما أدرك هذه المُـعضلة وأوجد لها تصوّرا للحلّ حين قال: “نريد إستراتيجية للخروج من العراق تتَّـسم بالمسؤولية وتتجنّـب الرعونة والقُـصور في التفكير الذي اتّـسم به دخولنا إلى العراق، بحيث لا نترك وراءنا بُـؤرة قلاقِـل تمتدّ بآثارها إلى دُول الجوار في الشرق الأوسط وتُـهدد الاستقرار في المنطقة”.
وتطرق الدكتور زغبي إلى الأزمة اللّـبنانية والأزمة الفلسطينية، والتي لعبت فيها سياسة الرئيس بوش دورا كبيرا فقال: “إن التعامل الأمريكي مع الوضع في لبنان والصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو صورة متكَـرِّرة لمسلَـك إدارة الرئيس بوش في السياسة الخارجية عموما، والذي يتجسَّـد في إهمال التحرّك في الوقت المناسب، وعندما تتحرّك إدارة بوش، فإنها تخطُـو وِفق منهَـجٍ أيديولوجي تتوارى معه رُؤية الواقع، وعندما تتعثّـر الجهود الأمريكية وتخفق في تحقيق هدفها، تبحث إدارة بوش عن سبيل لتوجيه اللّـوم إلى الضحية أو تغيير الموضوع كُـلية وبسرعة، بحيث لا يلحظ أحد أخطاء الإدارة الفادحة”.
على أي أساس سيصوتون؟
وخلُـص الدكتور زغبي من تحليله إلى أن هناك مخاطِـر وفُـرصا سانِـحة، تتعلّـق بالسلام والأمن والرفاهية الاقتصادية والحريات والحقوق المدنية، يتعيّـن معها على العرب الأمريكيين أن يهتمُّـوا بشكل أكبر بانتخابات الرئاسة القادمة ويطلعوا المرشَّـحين من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، على مطالبهم كعرب أمريكيين، لذلك، يقود المعهد العربي الأمريكي حملة لجمع مائة ألف توقيع على التِـماس يقدّم إلى المرشحَـين اللَّـذين يفوزان بترشيح الحِـزبين، الديمقراطي والجمهوري لخوض معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية في شهر نوفمبر القادم.
وتنُـص صياغة الالتِـماس على الخُـطوط العامة المُـرشدة، التي اتّـفقت عليها عشرات من المنظمات العربية الأمريكية وتقول: باعتبارنا مواطنين أمريكيين مهتمِّـين بالشأن الأمريكي، فإن ما نتطلّـع إليه من الرئيس الأمريكي القادم هو:
أولا، على الصعيد المحلي، نظرا لشعورِنا بالقلَـق المتزايد إزاء تراجُـع الحريات المدنية الأساسية، فإننا نُـريد زعامة تبني مجتمعنا القومي وتعزِّز احترام كافّـة الأديان والأصُـول العِـرقية، وتعترف بأن التنوّع الثقافي والعِـرقي، يشكِّـل أبرز نِـقاط قوة المجتمع الأمريكي، ونسعى لحماية الحريات الأساسية، التي كفَـلها الدستور الأمريكي وتجسّـدت في وثيقة الحقوق الأساسية للمواطن، كما نريد إعادة التأكيد على الالتزام بحُـكم القانون.
ثانيا، على الصعيد الخارجي، نشعُـر بقلق عميق إزاء الحدّ الذي وصلت إليه سياسة التحرّك المنفرد للولايات المتحدة، والذي أسفر عن عزل الولايات المتحدة وتهاوي مستويات الاحترام لها في الخارج، وجعلها أقلّ أمنا في عالم متغيِّـر، ولذلك، نريد سياسة خارجية أمريكية تجلُـب السلام وتُـقيم العدل وتكرِّس حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وترسي أسُـس المصالحة في لبنان وتجعله يُـمارس سيادته الكاملة، وتعيد الأمن للشعب العراقي وتضع نهاية للاحتلال والحرب فيه، ونحن نريد أن تكون الولايات المتحدة دولة قوية تقود من خلال أنها قُـدوة، وتُـساند تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي وتلتزم بالمعاهدات الدولية.
ونحن كعرب أمريكيين، نريد سياسة خارجية تُـعيد إلى أمريكا مكانَـتها في الخارج وتتعامل مع الأسباب الجذرية للتطرّف، بدلا من أن تشعل فتِـيله، نريد سياسة خارجية توفِّـر الأمن القومي بمُـساندة قوية للتسامح مع الاختلافات العرقية والدِّينية واحترام حقوق الإنسان وحريّـته في مواجهة العُـنف العشوائي والقَـهر، وهي نفس المبادئ الأمريكية التي نتمسك بها ونعزّزها في الداخل، هذه هي القضايا التي نسعى لإثارتها في النِّـقاش الوطني وهي القضايا التي سيستنِـد إليها تصويتُـنا في انتخابات الرئاسة في عام 2008.
لمن سيصوتون؟
يرى الدكتور جيمس زغبي أن وضع الجمهوريين في انتخابات الرئاسة القادمة، يبعث على الاعتقاد بضُـعف فرصتهم في الاحتفاظ بمقعَـد الرئاسة في البيت الأبيض، خاصة بعد سلسِـلة الأخطاء والفضائح التي انطوَت عليها فترتا رئاسة بوش والانقسام الحالي في المعسكر الجمهوري ما بين مُـناصرين لمبدإ صقور الدّفاع وفرض هَـيبة الولايات المتحدة باستخدام القوة المسلحة، كما يروج لذلك داخل هذا الجناح، المحافظون الجُـدد، ويتزعَّـم هذا الجناح المرشّـح الجمهوري السناتور جون ماكين، ومساندين لجناح أنصار الحرية الشخصية، الذي ينادي بدور أقل للحكومة الفدرالية وعدم تدخّـلها في حياة المواطنين، ويمثل هذا الجناح المرشح الجمهوري رون بول، وكان رئيس بلدية نيويورك رودي جولياني، قد تقمّـص قبل انسِـحابه من المنافسة، دور ممثل المحافظين الاقتصاديين المؤمنين بتقليص حَـجم الحكومة الفدرالية وخفض الضرائب لإنعاش الاقتصاد بزيادة الإنفاق، وكان يُـنافسه في نفس التوجّـه قبل انسحابه، ميت رومني.
ويواصل المنافسة حاليا ضد ماكين، المرشح الجمهوري مايك هاكابي، الذي يمثل الجناح الرابع للجمهوريين، وهو جناح المحافظين التقليديين الاجتماعيين الذين يؤمِـنون بضرورة تدخُّـل الحكومة الفدرالية لحماية القِـيم ضد عمليات الإجهاض وضدّ حقوق الشواذ جنسيا من المثليين.
ويرى الدكتور زغبي أن هناك فوارق واختلافات عميقة بين هذه الأجنحة، ولا يوجد مرشح جمهوري يتمتّـع بكاريزماتية رونالد ريغن، ليستطيع لمَّ شمْـل الفُـرقاء الجمهوريين، ولذلك، فحتى لو فاز السناتور جون ماكين بترشيح الحزب الجمهوري له، فإن معارضيه في أجنحة الحزب الأخرى لا يطِـيقونه ويتَّـهمونه بخِـيانة قِـيم المحافظين، بل إن عددا من الجمهوريين المحافظين يرون أنه قد تكون من مصلحة الحزب الجمهوري أن يخسِـر انتخابات عام 2008 ويعيد بناء الاتِّـجاه المحافظ داخل الحزب، ليكون قادرا على المنافسة بقوّة في انتخابات عام 2012، خاصة وأن غالبية الشعب الأمريكي ترغَـب في التصويت للديمقراطيين، رغبة في التغيير.
وردا على سؤال لسويس إنفو عن الكيفية التي سيُـصوِّت بها العرب الأمريكيون في نوفمبر القادم، قال الدكتور جيمس زغبي: “يجب أن نُـحلل أوّلا سِـمات العَـرب الأمريكيين: فثلاثة أرباعهم وُلِـدوا في أمريكا، وحوالي 70% منهم مسيحيون، أما فيما يتعلّـق بتشكيلتهم، فحوالي 60% منهم لُـبنانيون وسُـوريون وهُـم يصوِّتون بشكل عام كما تُـصوت الأقليات العِـرقية الأخرى، مع اختلافات بسيطة تتعلّـق بقضايا السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فالجيل الثالث منهم، يعتبِـر إقامة الدولة الفلسطينية شيئا بالِـغ الأهمية، وبينما قد يعتَـبر قرابة 40% من الأمريكيين أنه يجب احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ستجد أن النسبة بين العرب الأمريكيين تتخطى 95%”.
مخاوف من تكرر مأساة الإنقسام
وفيما يتعلّـق بالانتماءات الحِـزبية للعرب الأمريكيين، قال الدكتور زغبي، إن هناك تحوّلا نحو الحِـزب الديمقراطي بين العرب الأمريكيين. فبعد أن كانت نسبة الناخبين المنتمين أو الذين يُـصوِّتون لصالح الحزب الديمقراطي 34% مقابل 32% لصالح الحزب الجمهوري، وسبَـب التقارب في النِّـسبتين، هو أن العرب الأمريكيين اتَّـسموا بالتّـعاطف مع التوجّـهات المحافظة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والتقارب مع التوجّـه الليبرالي فيما يتعلق بالشؤون المالية وضرورة قيام الحكومة بتقديم خدمات مُـعينة وبرامج لمساعدة الفقراء.
وتظهر أحدث استِـطلاعات الرأي العام بين العرب الأمريكيين، أن نسبة الجمهوريين بينهم لا تزيد على 28%، بينما تبلغ نسبة الديمقراطيين 42%، ومع ذلك، يعتقد الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، أن العرب الأمريكيين سيُـصوتون بنسبة 66% على الأقل لصالح المرشح الديمقراطي، وتظهر توجّـهات الناشطين من العرب الأمريكيين كيف أن نسبة مَـن تطوّعوا لحملة المرشح الديمقراطي باراك أوباما من العرب الأمريكيين، تعادل ضِـعفي مجموع نسب مَـن تطوّعوا لحملات المرشّـحين الآخرين مُـجتمعين.
وهناك سابقة في عام 2004، يمكن تِـكرارها في الانتخابات القادمة، وهي تصويت 63% من الناخبين من العرب الأمريكيين للمرشّـح الديمقراطي السناتور جون كيري على طريقة “ليس حُـبا في زَيد، ولكن كراهية لمُـعاوية”، فوِفقا لمقابلات أجرتها مؤسسة زغبي لبحوث الرأي العام في عام 2004، أفادت عيِّـنة من الناخبين العرب الأمريكيين، بأنهم لم يُـعطوا أصواتهم لكيري، وإنما صوّتوا ضد الرئيس بوش بعدما خذلتهم سياساته.
أما الحزب الديمقراطي، والذي تتقارب فيه شعبية مرشحيه، السناتور باراك أوباما والسناتور هيلاري كلينتون، فلا توجد فروق أساسية وجوهرية بين مَـنهج كلٍّ منهما، إذا نظر المرء إلى برنامج العمل المُـعلن لكلٍّ منهما، إلا أن باراك أوباما قدّم نفسه كمرشح لا يسعى للأضواء، وإنما كمرشَّـح راغبٍ في التغيير اعترافا بوجُـود أخطاء في السياسة الأمريكية في الداخل والخارج، يتعيّـن إصلاحها بتوجُّـه مُـختلف ومن خلال حركة اجتماعية تُـلهم الأمريكيين ويمكن أن تخلق ائتلافا أوسع نطاقا، يكون قادرا على إحداث التغيير من خلال انتخاب أعضاء في الكونغرس يمثلون طَـيفا أوسع من المجتمع الأمريكي يُـساندون توجّـه أمريكا نحو التغيير، ولعل هذه الرّغبة في التغيير الجذري، هي التي جعلت أوباما يُـحقق تلك الشعبية ويُـذهل أنصار مُـعسكر هيلاري كلينتون، الذي يُـدير حملة انتخابية تتوفّـر لها كلّ مقوّمات النجاح، ولكن لم تستطع الوصول إلى الاكتساح.
وأعرب الدكتور زغبي عن مخاوفِـه من أن يتمكّـن السناتور أوباما من الفوز بالعدد المطلوب من أصوات المندوبين إلى المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي لترشيحه لخوض معركة الرئاسة، ثم يُـقرر المندوبون الكِـبار من قيادات الحزب تغيير تصويتهم لصالح السناتور كلينتون، وأعرب عن اعتقاده بأنه لو حدث ذلك، سيتعرّض الحزب الديمقراطي لحالة انقِـسام شديد وسيشعر الناخبون الأمريكيون بخذلان قيادات الحِـزب لهم وعدم احترام رغبة الناخبين ولا حركة التغيير الاجتماعي التي يقودها أوباما، وساعتها، ستكون المنافسة على البيت الأبيض بين مرشحة ديمقراطية لن تُـساندها حركة التغيير الاجتماعي، ومرشح جمهوري من صُـقور الدّفاع تمقته أجنحة الحزب الثلاثة الأخرى، مما سيُـكرِّر مأساة انقسام الناخبين الأمريكيين في انتخابات عامي 2000 و2004.
محمد ماضي – واشنطن
أظهر الاستطلاع، الذي قامت به مؤسسة زغبي إنترناشيونال لأبحاث الرأي العام بتكليف من المعهد العربي الأمريكي، أن معظم العرب الأمريكيين سيصوتون للمرشح الذي تتوفر لديه إستراتيجية واضحة، للخروج من المأزق الأمريكي في العراق.
كما أظهر الاستطلاع أن 80% من العرب الأمريكيين، أعطوا الرئيس بوش تقييما سيِّـئا للغاية، فيما يتعلق بإدارته للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط.
لكن الاستطلاع، أوضح تآكلا في مساندة العرب الأمريكيين للحزب الجمهوري خلال سنوات حُـكم الرئيس بوش، بحيث انخفضت نسبة من ينتمُـون من العرب الأمريكيين للحزب الجمهوري من 36% إلى 26%، بالإضافة إلى أنه، حتى الذين حافظوا على انتمائهم للحزب الجمهوري، قالوا في استطلاع الرأي، إنهم سيُـصوتون بناءً على مواقف المرشح، وليس استنادا إلى الحزب الذي رشّـحه لخوض معركة انتخابات الرئاسة.
وعن تفضيل الناخبين من العرب الأمريكيين لمرشحي الحزب الديمقراطي، قال الدكتور زغبي: “37% منهم يُـساندون حاليا السناتور باراك أوباما، ويؤيد 33% منهم السناتور هيلاري كلينتون، ثم السناتور جون إدواردز بنسبة 12%”.
وقال إن ثُـلُـثا الناخبين من العرب الأمريكيين سيُـصوتون للمرشح الرئاسي، الذي يتعهّـد بأن يشارك بنشاط في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.