أمريكا تخسر معركة “العقول والقلوب” في العراق
أظهر أحدث استطلاع للرأي العام العراقي أن 54% من العراقيين يعتقدون بأن كل الأمريكيين يتصرّفون بنفس الطريقة التي تصرّف بها الجنود الأمريكيون مع السجناء في سجن أبو غريب.
في المقابل، أظهر الاستطلاع تراجع ثقة الشعب العراقي في سلطة التحالف من 47% في أواخر العام الماضي إلى 11% حاليا.
لا يكاد يمر يوم في العراق إلا وتزداد معاناة الشعب العراقي من سوء الأحوال الاقتصادية وقسوة الاحتلال الأجنبي وتردي الوضع الأمني، وانفلات السيطرة على مرافق البلاد الحيوية، وخاصة خطوط أنابيب البترول، فيما لا تبدو الحكومة المؤقتة قادرة على تولي مسؤولياتها عندما يحين موعد نقل السلطة من تحالف الاحتلال إليها في 30 يونيو الحالي.
غير أن الرئيس بوش، وفي محاولة منه لرفع معنويات جنوده الذين جرهم إلى حرب في العراق، يُـجمع الخبراء العسكريون الأمريكيون أنه لم يحسن تخطيطها، واصل الرئيس الأمريكي التأكيد على أن القوات المسلحة الأمريكية أنقذت أمّـتين في العراق وأفغانستان، وأن التضحيات التي بذلتها تلك القوات كانت من أجل الحرية وجعلت الولايات المتحدة أكثر أمنا.
وأغرق الرئيس بوش في الحديث بفخر عن انهيار حكم الطغاة في أفغانستان والعراق وتنفس الشعبين العراقي والأفغاني لنسيم الحرية، إلا أنه عاد فأقـر بأن الأسابيع القادمة ستشهد المزيد من أعمال العنف في العراق مع تولي الحكومة الانتقالية مقاليد السلطة، ولكنه بشّـر الشعب العراقي بمستقبل أفضل وبأن المقاومة أو التمرد في العراق لن يُـوقف مسيرة البلاد نحو الحرية والديمقراطية.
ولكن هذه النظرة المتفائلة لم تحظ حتى بمساندة من أحدث استطلاع للرأي العام العراقي تم رصده لحساب سلطة التحالف المؤقتة، حيث أظهر أن 54% من العراقيين يعتقدون بأن كل الأمريكيين يتصرّفون بنفس الطريقة التي تصرّف بها الجنود الأمريكيون مع السجناء العراقيين في سجن أبو غريب وأن 55% من العراقيين يُـؤمنون بأنهم سيكونون أكثر أمنا إذا انسحبت القوات الأمريكية فورا من العراق.
وأعربت نسبة 63% من العراقيين الذين استطلعت آراؤهم لحساب سلطة التحالف بأن الأوضاع سوف تتحسّـن عندما تتسلّـم القوات العراقية زمام الأمن دون مساعدة من القوات الأمريكية. كما أظهر الاستطلاع تراجع ثقة الشعب العراقي في سلطة التحالف من 47% في أواخر العام الماضي إلى 11%.
الحقيقة المؤلمة في تقرير دولي
وعلى صعيد آخر، أظهرت دراسة أجراها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وهو جماعة لحقوق الإنسان تتّـخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، أن الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة لم يهتم على الإطلاق برأي الشعب العراقي، ولم يعبأ بمشاعره عندما اتخذت واشنطن قرارات السياسة الخاصة باستئصال عناصر حزب البعث من مؤسسات الدولة العراقية دون التفرقة بين من تلطّـخت أياديهم بالدماء ومن انضموا لحزب البعث لأسباب تتعلق بالوظائف والمنافع، وعندما تعاملت مع اكتشاف المقابر الجماعية واستغلتها فقط في التأكيد على فداحة وبشاعة نظام حكم صدام دون أن تعيـر الاهتمام الكافي لمساعدة العراقيين في البحث عن أقاربهم المفقودين ومعرفة مصيرهم.
وأظهرت الدراسة، التي جاءت تحت عنوان “أصوات عراقية”، أن هناك أسبابا متعددة لمشاعر العداء التي يكِـنّـها العراقيون لقوات الاحتلال، على رأسها ارتكاب انتهاكات فاضحة لحقوق المعتقلين في سجن أبو غريب.
ويقول السيد هاني مجلي، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية الذي أعد الدراسة، “لقد اتّـسمت العمليات المرتبطة بإعادة البناء الاجتماعي في العراق بالقصور، وانطوت على ارتكاب أخطاء بسبب الاستناد إلى افتراضات لا مبرر لها عن احتياجات الشعب العراقي ومطالبه، بالإضافة إلى سوء النصح والمَـشُـورة المقدمة لسلطة الاحتلال من عدد محدود جدا من الأشخاص”.
وشرح السيد مجلي ذلك فقال: “إن المشكلة الكبرى التي شهدها العراق خلال العام الماضي تتلخّـص في أن الولايات المتحدة استشارت عددا محدودا من العراقيين، معظمهم من أصدقائها ومستشاريها جاء كثير منهم من المنفى خارج العراق، كما أن تعليقات العراقيين الذين شملتهم الدراسة توضح انعدام الثقة في الولايات المتحدة بسبب دعمها فيما مضى للرئيس صدام حسين ثم عجزها عن توفير الأمن والنظام بعد الإطاحة بحكمه بالقوة من الخارج، مما فتح الباب على مصراعيه أمام انعدام النظام ووقوع عمليات السلب والنهب عقب سقوط النظام”.
عملية تقصي الحقائق
ويوضح تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن الشعب العراقي يريد إجراء محاكمات عادلة لمن ارتكبوا بحقه أبشع الجرائم، بشرط أن تكون عملية المحاسبة خاضعة لسيطرة العراقيين مع توفير المساعدة الخارجية في النواحي القضائية.
وفي هذا الصدد، لاحظ السيد هاني مجلي، مدير برنامج الشرق الأوسط في المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن المحكمة الخاصة التي تم تشكيلها في شهر ديسمبر الماضي لمحاكمة الرئيس العراقي المخلوع وكبار أعوانه في حزب البعث العراقي تحمل شكلا سمته أن قيادتها عراقية، بينما تتولاها بشكل فعلى الولايات المتحدة، فيما يظهر التقرير رغبة العراقيين في أن تكون المساءلة القانونية لصدام وأعوانه علنية لتكشف عن التفاصيل الكاملة لجرائم النظام مع تأييد شعبي واسع النطاق لضرورة إجراء عملية رسمية لتقصي الحقائق والحفاظ على الذاكرة التاريخية، لتعريف العالم بما كان يحدث وما كان العالم الخارجي يتعامى عنه، وكذلك لتذكير الأجيال القادمة من العراقيين بضرورة عدم تكرار تلك الأخطاء في المستقبل.
وقال السيد مجلي: “إن العراقيين مستاؤون من السيطرة الأمريكية المُحكمة على كل مرحلة من مراحل العدالة في العراق، كما أن عيوب التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في العراق أدّت إلى تحمّـل العراقيين لمشاق جمّـة وصعوبات بالغة في حياتهم اليومية، مما أسفر عن إثارة شكوكهم حول دوافع الولايات المتحدة وراء خوض تلك الحرب، كما أن الاحتكاك اليومي بين أبناء الشعب العراقي وبين قوات الاحتلال أدّى إلى إثارة الشعور بالإذلال على أيدي قوات الاحتلال.
وخلص السيد هاني مجلي إلى أن العراقيين ينتظرون باهتمام شديد كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع الجنود الضالعين في ارتكاب انتهاكات بحق المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب وقال: “إذا كان المعتقلون العراقيون قد تعرّضوا للتعذيب على أيدي الجنود الأمريكيين، فينبغي أن تكون هناك عملية محاسبة تتّـسم بالشفافية للمسؤولين عن تلك الانتهاكات، إذا كنا نتحدث عن إرساء سيادة القانون، وسيظل العراقيون مرتابين إلى حين إجراء تحقيق مستقل في فضيحة أبو غريب”.
“يجب تغييرها”..
غير أن العراقيين سيُـدركون الحقيقة يوما بعد يوم. فقد كشفت وسائل الإعلام الأمريكية عن أن عمليات التعذيب التي تمّ تنفيذها في قاعدة غوانتانامو مع المُـشتبه في أنهم إرهابيون بعد هجمات 11 سبتمبر، جرى العمل بها في سجن أبو غريب بعد زيارة للجنرال جيفري ميللر الذي تم تكليفه من قِـبل وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد بتحسين نتائج استنطاق المعتقلين في السجن، وأنه تمّ التصديق من قادة الجيش الأمريكي بمن فيهم الجنرال ريكاردو سانشيز، قائد العمليات العسكرية في العراق على أساليب التعذيب المستخدمة في أبو غريب.
كما كشفت شبكة إن بي سي الإخبارية أن وزير الدفاع الأمريكي أمر في العام الماضي بإبقاء مسألة اعتقال أحد أعضاء جماعة أنصار الإسلام في العراق طيّ الكتمان مخالفا بذلك أحكام القانون الدولي، وأن وكالة المخابرات الأمريكية نقلته إلى مكان غير مُـعلن عنه خارج العراق، وعندما اقترحت وزارة العدل إعادته للعراق لتجنب مخالفة القانون الدولي، أصدر رامسفيلد أوامره بعدم إدراج اسم السجين في سجلات المعتقلين حتى لا تنتبه إليه اللجنة الدولية للصليب الأحمر! لذلك، لم يكن من الغريب أن تُـصدر مجموعة من 27 من الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأمريكيين السابقين بيانا تُـطالب فيه الناخبين الأمريكيين بعدم انتخاب الرئيس بوش لفترة رئاسية ثانية.
وقال البيان الذي تلته السيدة فيليس أوكلي، المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأمريكية، إن إدارة الرئيس بوش اتّـبعت سياسات أيديولوجية أدّت إلى إلحاق أبلغ الضرر بسُـمعة ومكانة الولايات المتحدة في العالم، وعرّضت الأمن القومي الأمريكي للخطر ولم ترق إلى مستوى مسؤولية قيادة العالم، لذلك يجب تغييرها.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.