أنابوليس الذي يتحرّك ولا يُـحرّك
لم يكن ممكنا على الإطلاق تجاهل منظر رجال الأمن الفلسطينيين وهم يلاحقون بالهراوات والأسلحة متظاهرين مناهضين لمؤتمر أنابوليس وحولهم صحفيون يجاهدون لتغطية الحدث في مدينتي رام الله والخليل بالضفة الغربية.
فبعد ساعات قليلة على افتتاح المؤتمر، فشل المتظاهرون في اغتنام الفرصة الضيِّـقة المحدودة للتعبير عن رأيهم، لكنهم وعلى قلتهم (بضع مئات) نجحوا في لفت الأنظار إلى موقف جمهور الأراضي الفلسطينية من المؤتمر.
السلطة الفلسطينية كانت قد سعت من خلال عدد من الإجراءات السابقة إلى التّـعتيم على الموقف المناهض من المؤتمر، الذي بلغ ذِروته بالإعلان عن إطلاق مفاوضات جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
فقد أجهزة الأمن الفلسطينية أمرت بمنع أي تجمعات تحريضية ضد السلطة وضد أنابوليس، وقال اللواء عبد الرازق اليحيى، وزير الداخلية لصحفيين جاؤوه محتجِّـين على تنكيل رجاله بزملائهم، إن السلطة “لديها معلومات بوجود مندسّـين يريدون أن يوقعوا الفوضى والخراب”.
وليس ثمّـة حاجة لتفكير عميق لمعرفة هوية هذه الجماعات أو من يقف وراءها، فالسلطة الفلسطينية تشير جِـهارا وسِـرا إلى حركة حماس الإسلامية، التي سيطرت على قطاع غزة الصيف الماضي، والتي قالت أيضا قولها في مؤتمر أنابوليس.
حماس سارعت إلى الإعلان مباشرة وعلى لسان أكثر من متحدث باسمها، أن مؤتمر أنابوليس قد فشل. وقال سامي أبو زهري، المتحدث باسم حركة حماس “إننا في حماس نؤكِّـد على فشل هذا اللقاء، بحسب ما ورد من خطابات”.
وأوضح أبو زهري أن “خطاب (الرئيس الأمريكي جورج بوش)، هو دليل على فشل لقاء أنابوليس، لأن بوش حينما دعا لهذا المؤتمر منذ البداية، أعلن انه سيتمخّـض عن إعلان دولة فلسطينية، فإذا به الآن يُـعلن عن انطلاق المفاوضات”.
خوف الوقوع في فخّ
ويبدو أنه، بالرغم من الإعلان رسميا في أنابوليس عن انطلاق المفاوضات حول الوضع النهائي والإيحاء بوجود تحرك جديد في الأفق، فإن المؤتمر لم ينجَـح في إطلاق روح التفاؤل لدى الفلسطينيين بشكل عام.
وفي حين أن غالبية الفلسطينيين قالوا في أكثر من استطلاع للرأي نُـشرت مؤخرا، إنهم يؤيِّـدون الذهاب إلى أنابوليس، إلا أن غالبتيهم قالت أيضا إنها لا تتوقّـع نتائج ملموسة من هذا التجمّـع الدولي حول السلام في الشرق الأوسط، بل إن صحيفة “القدس، الأكثر اعتدالا والأوسع انتشارا في الأراضي الفلسطينية، والتي عنونت افتتاحيتها بـ “بداية مشجّـعة لمؤتمر أنابوليس”، لم تجد الكثير من الذي يُـمكن أن تستند إليه لتأكيد ذلك.
وكتبت الصحيفة غداة قمة أنابوليس تقول “ومع أن هناك ما يُـشبه الإجماع بين مؤيدين لمؤتمر السلام ومعارضيه على أن التوقعات بشأن نتائجه قليلة… فإن على الولايات المتحدة أن تبذل قُـصارى جهدها للخروج بنتائج إيجابية”.
حتى أن حركة فتح، التي يقودها الرئيس محمود عباس والدّاعمة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، لم تُـظهر حماسا كبيرا للنتائج الأولية من أنابوليس، وقد سارع فهمي الزعارير، أحد المتحدثين باسم الحركة في الضفة الغربية إلى القول بأن “القرارات الشرعية الدولية، هي مرجعية المفاوضات التي أطلقها مؤتمر أنابولس”، وهو بذلك، إنما يريد إلى الإيحاء بأن مذكّـرة التفاهم التي تلاها الرئيس الأمريكي جورج بوش في المؤتمر، والتي تشير فقط إلى “خطة خارطة الطريق” كمرجعية للمفاوضات، ليست وحدها المرجعية.
غزة الأقل تأثرا
وربّـما استطاعت حركة حماس، المُـسيطرة على قطاع غزّة العمل على دفع عشرات الآلاف للخروج في تظاهرات “سياسية” مناهضة لمؤتمر أنابوليس، لكن سكّـان غزة سيظلّـون في ذات الوقت الأقل تأثرا بما جرى في أنابولس.
ولعل الحِـصار القاسي والأشهر الأخيرة من الاضطراب والقلق، التي تركتها تداعيات سيطرة حماس على هذا القطاع الضيِّـق، إضافة إلى عمليات القتل اليومية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، لن تترك مجالا للإحساس بأنابولس.
وكتب توفيق وصفي، الكاتب في صحيفة الأيام يقول “لا زالت الأمهات في غزة يناغين أطفالهن بين أحضانهن أو وهم يتدحرجون أمامهن، هذه بترديد أغنيه أو أهزوجة، وتلك بإعادة اسمه مرّات ومرات بصوت رقيق، وأخرى بذكر مقطع من الآذان، دون أن يشغلهُـن عن هذه المتعة، حدث يشغل الرجال كمؤتمر أنابوليس”.
وأضاف توفيق وصفي “عندما يغالي الزوج أو الأب أو الشقيق الأكبر في الإصرار على متابعة ما يتعلّـق بالمؤتمر، يجادلنهم ليس حول المؤتمر، بل لأن متابعته لا تعنيهِـن كمسلسل يتابع حلقاته أو برنامج يثير اهتمامهن، مثل برامج الطبخ ومكافحة السمنة، وينجحن في الغالب بإعادة الشاشة إلى حيث يردن، إلا حين يكون الرجل من المهتمِّـين بالسياسة أو لا يثيره فن الطهي ولا القد المياس”.
وقال وصفي، وهو أحد سكان غزة “ومن يدري، فالخوف من مصائد غير متوقعة في المؤتمر قد يتحقّـق، إن وقع الفلسطينيون هناك في فخّ، يجعل الشعب بين فخّـين، عندها فليعته اللسعة على تحمّـل النتائج”.
رام الله – هشام عبد الله
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام – أعرب حزب الشعب الفلسطيني عن بالغ إدانته لمقتل الشاب هشام نعيم البرادعي، خلال قيام أجهزة أمن رئيس السلطة محمود عباس باستخدام القوة المفرطة لتفريق مسيرة سلمية مناهضة لمؤتمر “أنابوليس”، انطلقت في مدينة الخليل مساء أمس الثلاثاء 27/ نوفمبر.
كما استنكر الحزب في بيان تلقى “المركز الفلسطيني للإعلام” نسخة منه يوم الأربعاء 28 نوفمبر بشدة اعتداء أفراد الأجهزة الأمنية على المظاهرات التي نظمتها العديد من الفعاليات والمؤسسات الأهلية في بعض مدن الضفة الغربية، وكذلك الاعتداء على الصحافة ورجال الإعلام خلال قيامهم بواجبهم المهني، ما أسفر عن إصابة العديد من المواطنين والصحفيين جراء ضربهم بالهراوات وإطلاق النار واعتقال بعضهم، مما يعد ذلك خرقاً فاضحاً لسلامة المواطنين ولحرية التجمع والاحتجاج السلمي والرأي والتعبير.
وأضاف فهمي شاهين، القيادي في حزب الشعب الفلسطيني، أن ما أقدمت علية أجهزة أمن السلطة من حظر وقمع للتجمعات والتظاهرات السلمية والحق في حرية التعبير واستخدام القوة المفرطة، بما في ذلك إطلاق النار، يعد مساساً مباشراً بالمكتسبات الديمقراطية الفلسطينية وانتهاكاً صارخاً للحريات العامة المكفولة قانوناً.
وأعتبر شاهين أن ما جرى من أعمال قمع للمسيرات والفعاليات الاحتجاجية ولحرية الرأي والتعبير، استهتاراً بتضحيات الشعب الفلسطيني ومكتسباته الديمقراطية، مطالباً باسم حزب الشعب، بتشكيل لجنة فورية للتحقيق في أحداث قمع المسيرات والصحفيين ومقتل المواطن البرادعي وإصابة آخرين.
(المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام بتاريخ 28 نوفمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.