“أنصار المهدي”.. بلاغات واحتمالات
مبدئيا، يختلف تنظيم "جماعة انصار المهدي" المعلن عنه مؤخرا في المغرب عن غيره من التنظيمات الاصولية المتشددة التي كانت أسماؤها متداولة في المملكة.
وحسب البلاغات الرسمية، كانت هذه الجماعة تسعى لشن حرب عصابات تهدف قلب نظام الحكم كما أنها تضم عسكريين وتحمل اسما يحمل تأويلات وإحالات على اوضاع اقليمية ودولية.
بداية الاسبوع الثاني من أغسطس، أصدرت وزارة الداخلية المغربية بلاغا تبعه بلاغ من النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بمدينة سلا يتحدث عن “تفكيك شبكة اصولية متشددة تضم 44 فردا من بينهم 5 عسكريين كانوا يستعدون لشن حرب عصابات وعمليات تفجيرية ضد اهداف متعددة الاختصاصات والمهام لزعزعة الاستقرار بالبلاد تمهيدا لقلب نظام الحكم” وأشار إلى أن الجماعة اختارت غابات في منطقتي الناظور ووزان شمال البلاد لتدريب ناشطيها وأعضائها.
وقال البلاغان ان الشبكة تحمل اسم “جماعة انصار المهدي” وان زعيم التنظيم هو حسن الخطاب احد المعتقلين سنة 2003 على خلفية انتمائه لتيار السلفية الجهادية وان الخطاب قصى عامين بالسجن تنفيذا لحكم صدر ضده.
واذا كان الإعلان قد جاء بعد اكثر من اسبوعين من تفكيك الشبكة فإن المصادر الرسمية لا زالت تلتزم الصمت منذ ذلك الاعلان تاركة المجال لتقارير صحفية لا يمكن الحسم بمدى مصداقيتها ودقة المعلومات الواردة فيها خاصة وان السلطات لا تنفي او تؤكد ما يرد في هذه التقارير.
الجيش المغربي لا زال محصنا
إعلان السلطات أن جماعة انصار المهدي تضم عسكريين والحديث عن تشكيل جناح عسكري بقيادة الناشط ياسين الورداني اثار بعض المخاوف حول سلامة الجيش المغربي ومدى حصانته وهو المؤسسة التي التزمت منذ بداية السبعينات بالابتعاد عن السياسة أو الشؤون الداخلية.
ومنذ محاولتي الانقلاب ضد النظام 1971 و1972، لم يجر حديث عن دخول الجيش المغربي معمعان السياسة وحتى ما جرى من تداول عن محاولة الجنرال احمد الدليمي الانقلاب على النظام في عام 1984، لم يشر إلى مشاركة لناشطين سياسيين فيها.
وتؤكد مختلف المصادر التي اتصلت بها سويس إنفو أن الجيش المغربي لا زال محصنا وان ما كشف عنه ليس اختراقا يهدد هذه الحصانة رغم أن بعض الصحف تحدثت عن “اعتقال عشرة عسكريين بعد البدء بالتحقيق مع اعضاء الشبكة المفككة”.
ويقول الباحث المغربي محمد ظريف المتخصص بشؤون التيارت الاصولية المغربية “ان ما كشف عن الجماعة واهدافها يجعل بحثها عن عسكريين للانخراط بصفوفها امرا طبيعيا لانها تختلف عن غيرها من الجماعات المتشددة الاصولية العنفية التي اعتمدت الهجمات الانتحارية”.
وبعد الاعلان عن تفكيك الجماعة تحدثت التقارير عن تغييرات واسعة في صفوف مخابرات الجيش (المكتب الخامس) واقالة مديرها الجنرال بلبشير بل ذهبت التقارير الى ان المراجع العليا سحبت من هذا الجهاز صلاحياته وفوتتها للمخابرات المدنية المعروفة بجهاز حماية التراب الوطني ولجهاز الدرك الملكي.
اسم وتساؤلات
الا ان ما توقف امامه المراقبون مطولا هو اسم الجماعة أي “انصار المهدي” وهو يحمل ايحاءات شيعية يستبعدها محمد ظريف الذي قال لسويس انفو: “إن حسن الخطاب الذي تقول البلاغات الرسمية بزعامته للجماعة اعتقل على خلفية انتمائه لتيار السلفية الجهادية وهي جماعة سنية متشددة اقرب الى المذهب الوهابي وتنظيم القاعدة وهي جماعات تكفر الشيعة وتعتبرهم روافض”.
وفيما تتعدد الاتجاهات والايحاءات لهذا الاسم، يعتقد ظريف ان يكون انصار المهدي اسما اختارته السلطات للجماعة للايحاء بانتمائهم للمذهب الشيعي في بلد يعتنق سكانه المذهب المالكي السني وقد يكون الهدف ايضا ربط الجماعة بايران وما يحمل ذلك من ارتباط خارجي لا يقابل بارتياح لدى المغاربة كما قد يرمي إلى الحد من اندفاع المغاربة في دعمهم لحزب الله اللبناني الذي تصاعد بعد ان قدم بطولة متميزة في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للبنان وقيادته لصمود دام اكثر من شهر وكان الجهة العربية الوحيدة التي مست الامن الداخلي الاسرائيلي باستهدافه لكل منطقة شمال فلسطين المحتلة منذ عام 1948 واجباره مستوطنيها على النزول إلى الى الملاجئ.
واذا كان الاسم من اختيارالجماعة فقد يكون بالنسبة لظريف “محاولة للتقارب مع حزب الله والاستفادة من اشعاعه”، دون ان يستبعد الخبير المغربي امكانية انقلاب حسن الخطاب على مذهبه واعتناق المذهب الشيعي.
إمكانية تركيب الرواية .. قائمة
على كل، يدعو ظريف الى التريث في التعاطي مع المعلومات الرسمية او الواردة في التقارير الصحفية ويقول لسويس انفو: “إن السلطات اعتادت المبالغة في التعاطي مع التيارات الاصولية المتشددة لحسابات سياسية داخلية”.
وأشار الى ما اعلنته السلطات في شهر يونيو 2002 عن تفكيك خلية نائمة لتنظيم القاعدة قالت انها كانت تخطط لهجمات مسلحة ضد اهداف امريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق او أهداف مغربية سياحية في مراكش وتبين فيما بعد (أي في أعقاب محاكمة افراد الخلية وصدور الاحكام ضدهم) أن السعوديين الثلاثة الذين قالت السلطات إنهم اعضاء الخلية كانوا فعلا اعضاء في تنظيم القاعدة إلا أنهم قدمو إلى للمغرب كملجأ إثر الاحتلال الامريكي لافغانستان.
ويعتقد ظريف بـ “إمكانية تركيب الاجهزة الامنية لرواية جماعة انصار المهدي كرسالة الى الجهات العليا لقطع الطريق امام تطبيع العلاقات بين السلطات وتيار السلفية الجهادية” الذي يقبع قادته وناشطوه في السجن منذ هجمات 16 مايو 2003 دون أية إثباتات عن مشاركتهم كأفراد أو كتيار في تلك الهجمات تخطيطا أو تنفيذا.
ويشرح ظريف رؤيته بالإشارة إلى أن المراجع العليا انتهجت منذ شهور سياسة تخفيف حالة التوتر مع السلفية الجهادية بعد اضراب عن الطعام أحرج السلطات وايضا بعد شمول عدد كبير من المعتقلين المنتمين لتيار بعفو ملكي. كما يلفت ظريف النظر إلى تركيز البلاغات الرسمية المغربية الصادرة في إطار هذه القضية على ان حسن الخطاب الزعيم المفترض لجماعة انصار المهدي كان معتقلا في نفس الاطار وعلى نفس الخلفية.
وفيما تتناسل المعلومات وتتعدد التقارير الصحفية التي تورد تفاصيل تثير الدهشة، لا يملك المراقب إلا التزام الحذر في انتظار أيام قادمة تنجلي فيها الحقيقة إما من خلال المحاكمات (إن انعقدت) أو عبر طي الملف.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.