أهي موجةُ عداء للأجانب؟
قبل أقل من شهر من تصويت الناخبين السويسريين على مبادرة يمينية مُتشددة في مجال اللجوء، تحتدم المواجهة بين أنصار ومعارضي سياسة اللجوء في الكنفدرالية.
وبينما تخشى نسبة هامة من المُواطنين الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لتدفق طالبي اللجوء على بلادهم، يتخوف الأكاديميون من انتشار ظاهرة العداء للأجانب في المجتمع السويسري
بعد أن كشفت نتائجُ سبرٍ للآراء أُنجزَ مُؤخرا في سويسرا، أن 57% من المواطنين يؤيدون مبادرة حزب الشعب ذي الاتجاه اليميني الداعية إلى التصدي لما تصفه بـ”التجاوزات في مجال اللجوء”، بدأ المُثقفون والأكاديميون يتأملون هذه الأرقام متسائلين إن كانت تُخفي مشاعر عداء مُتنامية للأجانب في سويسرا. وقد يبدو هذا التخوف مشروعا إن ألقى المرء نظرة على نص المبادرة والأدوات التي تقترحها للتسلح ضد ما تعتبره “انتهاكات لحق اللجوء” في الكنفدرالية.
حزبُ الشعب، الذي يمثل أقصى اليمين في المروحة السياسية السويسرية، يقترح إدخال تعديلات جذرية على الدستور الفدرالي فيما يتعلق بسياسة اللجوء حيث يطالب الكنفدرالية بالتقيد بستة مطالب أو مبادئ جديدة تتسمُ جميعها بلهجة متشددة وصارمة وبرغبة واضحة في الاكتفاء بضمان الحد الأدنى من المساعدات المالية والصحية لطالبي اللجوء. وتذهب المبادرة إلى حد اقتراح فرض حظر تام على عمل طالبي اللجوء في الكنفدرالية أثناء فترة انتظار صدور القرار النهائي حول وضعيتهم.
جدل مغلوط
وان كان تأييد أغلبية السويسريين لهذه المقترحات المُتشددة (حسب نتائج استطلاع الرأي المذكور) يثير استغراب البعض ومخاوف البعض الآخر، فان البروفيسور أولي فينديش، أستاذ علم الاجتماع في جامعة جنيف، يعتقد أنه يجب أولا محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء استعداد نسبة كبيرة من الناخبين للتصويت لصالح المبادرة بدل إدانة أو مدح موقفهم.
ولتسليط الضوء على هذه الأسباب، يعودُ البروفيسور فينديش إلى طبيعة وجوهر النقاش المُتعلق باللجوء. ويرى البروفيسور أن “الخطاب المُرتبط باللجوء مُثقل مع الأسف بالمفاهيم الأيديولوجية. فمن جهة، نلحظ محاولات مُستمرة للتقليل من شأن التجاوزات التي تُسجل في هذا المجال، ومن جهة أخرى، يتم استغلالُ أبسط الأخطاء” لتأخذَ أبعادا تفوق حجمها.
وان لم يُسَم البروفيسور الجهات التي تُنقِّص من شأن التجاوزات والأخرى التي ترتكب أبسط الأخطاء، وربما حتى أخطرها في مجال اللجوء، فان الرسالة قد تبدو واضحة لمُتتبعي هذا الملف في سويسرا. فلعله يقصدُ بالفئة الأولى مُختلف السلطات المكلفة بشؤون اللجوء واللاجئين وشريحة المواطنين الذين يعتبرون نفقات اللجوء حملا يثقل كاهلهم. أما الفئة الثانية فتضم بلا شك طالبي اللجوء أو اللاجئين غير المنضبطين والذين يثيرون بسبب مخالفاتهم الخطيرة أحيانا للقانون مشاعر الغضب والاحتقار تجاه اللاجئين الذين يُوضعون بعد ذلك في “سلة واحدة”.
التركيز على السلبيات
أما السيد ايف بروتش، المُتحدث باسم المركز الاجتماعي البروتستانتي في جنيف الذي يُعنى أيضا بتقديم المساعدات القانونية والاجتماعية للاجئين، فيرى أن “الحديث عن اللجوء تمحور خلال الخمس عشرة سنة الماضية على التجاوزات التي تقوم بها أقليةٌ من طالبي اللجوء وعلى النفقات المُترتبة عن التكفل باللاجئين عموما.” ويضيف المتحدث أن السياسيين، والسلطات الفدرالية خصوصا، نادرا ما تشرح للرأي العام حقائق اللجوء وأهمية التضامن الدولي إزاء الشعوب المُضطهدة.
بعبارة أخرى، يطغى الحديث عن الصفحات السوداء في دفتر سياسة اللجوء في سويسرا على التذكير بالوضع الإنساني للاجئين والمآسي التي أرغمتهم على الهجرة أو الهروب من بلدانهم.
ويرى المحللون أن الحديث عن السلبيات من جهة وتجاهل الأسباب التي أدت إلى إنشاء مؤسسات متخصصة في مساعدة اللاجئين من جهة أخرى، يولدان مغالطة تمنح للتيار اليميني القومي الشعبوي ساحة مناورة شاسعة لتعزيز انتصاراته الانتخابية السابقة. ومن السهل تحقيق مكاسب انتخابية في مختلف أنحاء سويسرا عندما يتعلق الأمر بقضية اللجوء خصوصا وشؤون الأجانب عموما، لما يثير هذان الملفان في وجدان المجتمع السويسري من مشاعر متناقضة لعل أبرزها الخوف مما يجسده اللاجئ أو الأجنبي من اختلافات ثقافية وعقائدية وفكرية.
كبش الفداء
ويظل التاريخ أصدق شاهد على اللعب على وتر الخوف من تدفق اللاجئين والأجانب خاصة في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي التي تتعزز خلالها التيارات الشعبية وخاصة تلك المعادية للأجانب. وتوضح أستاذة الفلسفة في جامعة جنيف ماري كلير تشوب في تحليلها لهذه الظاهرة أن “الإنسان يقاوم بصعوبة كبيرة الرغبة في تعيين كبش فداء عندما ينتابه شعور بعدم الأمن”.
وتواصل أستاذة الفلسفة تحليلها بالتنويه إلى أن الإنسان الذي لا يشعر بالأمان يركز كافة تخوفاته على “كبش الفداء” وأن أول من يدفع ثمن هذا المنطق المُستقرون في أدنى درجات السلم الاجتماعي والأجانب تحديدا.
وترى الأستاذة الجامعية أن مبادرة حزب الشعب اليميني “تستغل بقوة تخوفات شعب يواجه تحديات العولمة وارتفاعَ نسبة البطالة واقتصادا ذا توجه ليبرالي جديد لا يأخذ الفرد بعين الاعتبار على الإطلاق.” لكن الأستاذة تْشُوبْ لا تلقي المسؤولية بأكملها على حزب الشعب حيث تشدد على أن كافة الأحزاب السياسية والحكومة “لا تمتلك الشجاعة لمواجهة ما يختفي وراء هذه التخوفات.”
“خطاب حكومي غير واضح”
من جهتهم، يؤكد المدافعون عن اللجوء وحقوق اللاجئين أن الحكومة لم تتبن خطابا واضحا حول ملف اللجوء، فضلا عن تشديدها تدريجيا لإجراءات اللجوء منذ حوالي عشرة أعوام عن طريق تبني جملة من المبادئ التي روج لها اليمين القومي. ويُذكِّر المتحدث باسم المركز الاجتماعي البروتستانتي ايف بروتش في هذا الصدد أن “معظم المقترحات التي تقدم بها حزب الشعب اليميني تم إدماجها بعدُ بشكل أو بآخر في مراجعة قانون اللجوء.”
ويعتقد المتحدث أن هذا التصرف هو جوهر المشكلة حيث تضفي الحكومة، عن طريق تبني جزء من مقترحات حزب الشعب اليميني، الشرعية على الخطاب اليميني القومي، سواء كان ذلك بقصد أو دون قصد. وان لم يتم الالتفات إلى هذا الواقع وأخذه مأخذ الجد فقد تتزايد مشاعر الخوف من اللاجئين والأجانب وتتسع رقعة الحركات الأكثر تطرفا.
اصلاح بخات – سويس انفو
في مُوفى شهر سبتمبر 2002:
بلغ عدد طالبي اللجوء في سويسرا 40829 شخص
مُُنح حق اللجوء لـ6185 شخص وحق اللجوء المؤقت لـ27268 آخرا
1486 طالب لجوء طُردوا أو غادروا سويسرا
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.