أوروبا تتساءل: الأمـــن أم الحـقـوق؟
تسعى بريطانيا خلال فترة رئاستها للإتحاد الأوروبي إلى دفع شركائها نحو تعديل المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان بما يعزز صلاحيات أجهزة الأمن ويساعدها على تجاوز العراقيل القانونية وتسهيل اعتقال من تشتبه فيهم وترحيل بعضهم عند الاقتضاء.
وتهدف المقترحات ايضا تشديد اجراءات ترحيل المهاجرين السريين وتقييد شروط منح صفة اللجوء.
يمثل الموقف البريطاني خطوة اضافية في سياسات التشدد والرقابة، في عهد ما بعد تفجيرات لندن، على تحركات المهاجرين المقيمين والمتواجدين بصفة غير شرعية فوق تراب الاتحاد. وتأمل بريطانيا التوصل الى اجماع بلدان الاتحاد حول مقترحات تعديل المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان قبل موفى هذه السنة.
وكانت كافة البلدان الأعضاء في الإتحاد قد وقعت على المعاهدة التي تحمي، في بعض بنودها، الرعايا الأجانب من اجراءات الترحيل خاصة نحو البلدان المعروفة بسجلاتها السلبية في مجالات حقوق الانسان. كما سبق لمحكمة حقوق الانسان الأوروبية (مقرها ستراسبورغ شرق فرنسا)، أن أكدت بان البند الثالث من المعاهدة، المتصل بحظر الممارسة المحطة بالحرمة البشرية، وسيلة قانونية تكفي لحماية الرعايا الأجانب من خطر الترحيل الى البلدان التي قد يتعرضون فيها الى ممارسات مهينة.
من جهتها استندت منظمات حقوق الانسان وهيئات الدفاع، في الأعوام الماضية، الى بنود المعاهدة لافشال محاولات بذلتها العديد من البلدان العربية في اتجاه حكومات بلدان الاتحاد من أجل استرداد نشطاء اسلاميين دينوا في بلدانهم في قضايا سياسية.
كما استفاد دعاة متطرفون من اجراءات الحماية خاصة في بريطانيا التي سلكت حتى الصيف الماضي سياسة “احتواء”، عكس بعض شركائها في الاتحاد الأوروبيين، حيال النشطاء الاسلاميين، معتدلين كانوا أم مغالين.
وكانت بريطانيا تعرضت في العشرية الماضية لانتقادات شديدة من جانب البلدان العربية لأنها “تأوي إرهابيين” وكذلك من جانب فرنسا وايطاليا واسبانيا والمانيا التي اتبعت سياسة صارمة تجاه المتشددين الاسلاميين ولم تتردد عن ترحيل بعضهم. ويرى مراقبون أن لندن قد تكون انتهجت سياسة “التسامح” حيال الاسلاميين لأسباب تتعلق بطبيعة الديمقراطية البريطانية من ناحية وبغرض مراقبة نشاطاتهم من ناحية أخرى.
إعادة النظر في البند الثالث
الا ان تفجيرات لندن قلبت الموقف ودفعت حكومة رئيس الوزراء البريطاني الى تبني طروحات أجهزة الأمن في البلدان الأوروبية الأخرى. وقد اعتقلت قوات الأمن البريطانية على مدى الأشهر الماضية عددا من المشتبه فيهم ولا زالت تنتظر استكمال الاتفاقات مع البلدان الأخرى لترحيلهم.
وتسعى بريطانيا، التي لا تنتمي لعضوية اتفاقية شنغن حول حرية تنقل الأشخاص، الى تأمين دعم أوروبي قد يعزز موقفها حيال مؤسسات القضاء والمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التي كانت أولت البند الثالث من المعاهدة بشكل حوله إلى ما يشبه الحصن لحماية الرعايا الأجانب من خطر ترحيلهم الى بلدان قد يكونون فيها عرضة للتعذيب والاهانة.
وقد دعا وزير الداخلية البريطاني شارل كلارك، أمام البرلمان الأوروبي، الى معاودة النظر في البند المعني في المعاهد الأوروبية لحقوق الانسان. ورأى بان الظروف الحالية لا تتناسب مع نص المعاهدة التي صيغت قبل خمسين عاما.
وحث النواب الأوروبيين على إيجاد “التوازن بين استحقاق حماية حقوق الافراد والحق الجماعي في الأمن ضد اولئك الذين يرتكبون العمليات الارهابية”، ويرى شارل كلارك بان “التوازن منعدم اليوم ويقتضي المراجعة في ظل التهديدات المعروفة اليوم”. وذكر بان كلا من الأردن والجزائر ولبنان أبدت استعدادها لاعادة توطين بعض رعاياها الذين تم اعتقالهم “لأنهم يشكلون تهديدا على الأمن العام”.
تباين المواقف والطروحات
وعلى الصعيد الأوروبي، تبحث الرئاسة البريطانية مع الشركاء في الاتحاد، منذ تفجيرات لندن في يوليو الماضي، مقترحات تهدف تعزيز صلاحيات أجهزة الاستخبارات في مجالات رصد الاتصالات والمكالمات بين الأفراد والجماعات التي قد تكون مشبوهة في تقديرات مجلس الأمن.
وتشمل المقترحات توسيع تجهيزات رقابة حركة التنقل في الشوراع والمحطات والأماكن العامة، وإلزام مؤسسات الاتصال وموفري خدمات شبكات الانترنت يتخزين مضمون المكالمات وأرقام الهواتف، بما في ذلك الإتصالات التي لم يتم الرد عليها، وكذلك محتوى البريد الالكتروني، لفترة 12 شهرا، من أجل تمكين أجهزة الأمن من تحديد تأثيرها على الأمن العام والتحرك عند الاقتضاء لتحييد الشبكات والأفراد الذين يخططون لأعمال ارهابية.
وفيما تأمل الرئاسة البريطانية التوصل الى اتفاق على مستوى وزراء الداخلية في منتصف شهر أكتوبر المقبل، قبل إحالته الى البرلمان، تعرب منظمات حقوق الانسان عن تحفظات عديدية على المشروع البريطاني “لأنه يهدد حرمة الحياة الفردية” ويقلل من سلطة القضاء على أجهزة الأمن.
من جهتها، لا تزال بعض البلدان، منها ألمانيا وفنلندا، تتردد في الموافقة على المقترحات البريطانية التي تحظى من ناحية أخرى بدعم كل من فرنسا واسبانيا وايطاليا والسويد. ويعتقد مراقبون بان السياسة الأمنية ستظل – رغم كل شيء – خاضعة لشروط الأمن القومي والسرية في التعاطي مع الشركاء في ظل افتقاد الاتحاد الأوروبي الى سياسة أمنية وآليات مشتركة.
ويرى الخبير في مركز الابحاث السياسية في بروكسيل رفائيل ماتيو بان العمليات الارهابية التي أدمت مدريد ولندن دفعت الأوروبيين الى حقيقة الحاجة الملحة لمزيد التنسيق الأمني. ويلاحظ أيضا بان أجهزة الأمن في كل من البلدان الأعضاء “لا تبادر بتبادل المعلومات مع الشركاء بشكل آلي”، بالاضافة الى تأخرها عن تنفيذ القرارات المشتركة مثل “مذكرة التوقيف الأوروبية” والتي يفترض ان تعزز التعاون بين أجهزة الأم، هذا علاوة عن تباين الطروحات من عاصمة لأخرى حيال المنظمات الاسلامية المتطرفة.
نور الدين الفريضي – بروكسل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.