أيامُ التدخين في الأماكن العامة باتت .. معدودة!
بعد مجلس النواب، يعتزم مجلس الشيوخ حظر التدخين في الأماكن العامة، مع ترك إمكانية تخصيص قاعات للمُدخنين. ويسمح مشروع القانون الفدرالي، الذي اعتمده المجلس يوم 4 مارس بـ 25 صوتا مقابل 9، للكانتونات باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مجال حماية السكان من التدخين السلبي.
وخلافا للنواب، أبدى الشيوخ قدرا أقل من الحساسية إزاء مصالح قطاعي الفندقة والمطاعم، بحيث أعطوا الأولوية لصحة السكان والعاملين في المقاهي والحانات والمطاعم بوجه خاص.
حمايةُ مجموع سكان سويـسرا من التدخين السلبي، وتقليصُ الاستثناءات إلى أقصى حد لدى اعتماد الحظر الوطني القادم للتدخين في الأماكن العامة من أهم أهداف المشروع الذي صوت عليه مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء 4 مارس الجاري في برن.
فبعد مجلس النواب، فتح مجلس الشيوخ الباب بوجه مشروع قانون فدرالي. وقد شـدّد لهجته بمعارضة فكرة تخصيص مطاعم وحانات للمُدخـنين، تاركا فقط إمكانية تخصيص قاعات منفصلة للمدمنين على السجائر.
كما يعتزم مجلس النواب ترك الحرية للكانتونات لـسن قوانين أكثر صرامة في مجال حماية السكان من التدخين السلبي.
ويُذكر أن مشروع القانون الفدرالي حول الحماية من التدخين السلبي الذي جرت مُناقشته في البرلمان هو تتويج لمُبادرة برلمانية قدمها في أكتوبر 2004 فيليكس غوتزفيلر، الذي كان آنذاك نائبا في الغرفة السفلى للبرلمان، قبل التحاقه بمجلس الشيوخ الذي مازال عضوا فيه.
ويـعتمد هذا القانون على مبدأ حظر التدخين في مواقع العمل التي يشتغل فيها أشخاص كثيرون، وفي جملة من الفضاءات العمومية: من الإدارة العامة إلى المستشفيات، مرورا بالمراكز التجارية ومحطات النقل العمومي. ولا يمس هذا القانون المواقع الخاصة.
تغيير ثقافي
وأمام زملائها في مجلس الشيوخ، ذكـّرت ليليان موري باسكيي بمخاطر التدخين السلبي: فهو يحصد سنويا أرواح مئات الأشخاص في سويسرا، كما يتسبب في نفقات تناهز 500 مليون فرنك.
من جهتها، شددت جيزيل أوري على أن “السكان يريدون منا أن نتخذ إجراءات كاملة وليس مجرد أنصاف الإجراءات”.
أما بالنسبة للسيناتور ديك مارتي، فإن حدوث تغيير ثقافي في سويسرا إزاء مشكل التدخين السلبي أمر لا جدال فيه؛ وتشهد على ذلك عمليات التصويت التي نـُظمت في كانتونات مختلفة – أو قبول القوانين التي تحظر التدخين في الأماكن العامة. وأكد السيد مارتي على ضرورة اهتمام البرلمان برأي الجمهور وإلا سيُواجه تهديـد تنظيم استفتاء شعبي في هذا الإطار.
من جانبه، قال وزير الصحة باسكان كوشبان أن مشروع القانون “مُفعم بالحس السليم ومتناسب”.
حدود الحرية
حظر التدخين في المستشفيات ودور العجزة والمدارس والسجون والمتاحف والمسارح ودور السينما والإدارة العمومية لم يكن موضع معارضة؛ وتقرر في هذا الصدد معاقبة الانتهاكات بغرامة مالية قدرها 1000 فرنك.
لكن المصير المخصص للدخان في المطاعم والحانات والنوادي الليلية كان محل نقاش؛ إذ حذر هانس هيس، رئيس رابطة تجارة التبغ، من الآثار السلبية لمنع التدخين على قطاعي الفندقة والمطاعم. وأضاف أن فرض ذلك الحظر في المطاعم والحانات هو بمثابة تقييدٍ مبالغ فيه للحريات الفردية.
غير أن ديك مارتي نوه إلى أن تجربة إيطاليا وكانتون تيتشينو السويسري الجنوبي (المتحدث بالإيطالية) تثبت العكس تماما، حتى أن المُدخنين أنفسهم اقتنعوا بالخطوة.
وعزز هذا الطرح عضوُ مجلس الشيوخ روبير كرامير بتذكيره بأن سكان جنيف، الذين وافقوا يوم 24 فبراير الماضي على حظر التدخين في كافة المؤسسات العمومية، ليسوا بأعداء للحرية، مؤكدا أن التشريع يهدف في المقام الأول إلى حماية العمال، وأن المخالفات في مجال الصحة العمومية ليست مقبولة.
حظر واستثناءات
في المقابل، سيـُسمح بتحضير فضاءات خاصة بالمدخنين شريطة أن تحمل بوضوح شارة السماح بالتدخين، وأن تكون منعزلة ومزودة بنظام تهوية كافية. ومن حيث المبدأ، لا يجب أن تُقدم أي خدمة من قبل الموظفين في مثل هذه الأماكن.
غير أن مجلس الشيوخ وافق، بصفة استثنائية، وبتحفظ الحصول على موافقة صريحة من العمال، أن يعمل هؤلاء في القاعات المخصصة للتدخين. لكن الشيوخ رفضوا رفضا باتا السماح بوجود مؤسسات تأذن بالتدخين في كافة أرجائها.
وكان مجلس النواب قد اقترح هذا الإعفاء بالنسبة للفنادق والمطاعم وغيرها من النوادي الليلية التي تثبت بأن فصل المناطق الخاصة بالمدخنين وغير المدخنين ليس مُمكنا. لكن الشيوخ رفضوا هذا الاستثناء للقاعدة. كما اعترضوا على منح هذه المؤسسات مهلة سنتين بعد دخول القانون حيز النفاذ لتطبيق حظر التدخين.
منح الحرية للكانتونات
من جهة أخرى، وافق أعضاء مجلس الشيوخ على منح الكانتونات حرية وضع قواعد أكثر صرامة. وتعرَّض هذا القرار للانتقاد من طرف أنصار تقنينٍ أكثر ليونة.
وأوضح هانز هيس أن هذا القرار من شأنه أن يثير الارتباك؛ مشيرا إلى أن أصحاب المقاهي والزبائن أو السياح لن يفهموا شيئا إذا كانت القواعد تتغير من مكان إلى آخر.
من جهته، قال وزير الصحة باسكال كوشبان إن الأمر يتعلق بخيار سياسي. ففي كل الأحوال، سيسود نوع من عدم اليقين القانوني؛ سواء تم التوضيح بأن الكانتونات تتمتع بإمكانية سن قواعد أخرى أو تم إلغاء هذا الحكم.
وكما هي العادة في حال عدم اتفاق النواب والشيوخ على مجمل نقاط مشروع القانون المعروض للمناقشة، سيعود الآن مشروع القانون الفدرالي حول الحماية من التدخين السلبي غرفة النواب في محاولة للقضاء على الخلافات بين المجلسين.
سويس انفو مع الوكالات
نشرت الحكومة الفدرالية تقريرا حول التدخين السلبي في شهر مارس 2006.
كشف التقرير عن أن هذه الظاهرة تتسبب في وفاة 400 شخص سنويا.
إضافة إلى ذلك، هناك أضرار مالية قدّرها التقرير بحوالي 500 مليون فرنك في كل عام.
طبقا لإحصائيات عام 2005، تقدّر نسبة المدخنين في سويسرا بـحوالي 30% من السكان.
كشفت دراسة حديثة لجامعة زيورخ أن معظم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و65 عاما يؤيدون منع التدخين في المطاعم والحانات.
في أبريل 2007، وعلى إثر تصويت جرى في عام 2006، كانت دويلة تيتشينو الجنوبية المتحدثة بالإيطالية أول كانتون سويسري يفرض حظر التدخين في الأماكن العامة.
ومنذ ذلك التاريخ، وافقت خمسة كانتونات أخرى على تشريعات مماثلة: سولوتورن، غراوبوندن، أبنزل أوسرهودن، الفالي، جنيف.
كما تم حظر التدخين في مجموع شبكة النقل العمومي في ديسمبر 2005.
في عام 2004، كانت جمهورية أيرلندا أول بلد عضو في الاتحاد الأوروبي يمنع التدخين في أماكن العمل، بما فيها المطاعم والحانات.
ثم فرضت دولٌ أوروبية عديدة، من بينها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، حظرا مماثلا. لكن بعض البلدان الأوروبية تسمح بتخصيص قاعات منعزلة ومُهواة للمُدخنين.
في ألمانيا، يُتوقع أن تعتمد الولايات تشريعات من هذا النوع في منتصف هذا العام، وذلك تطابقا مع توصيات الاتحاد الأوروبي.
وفقا للقانون الأمريكي، تعود صلاحية اتخاذ قرار منع التدخين للولايات وللسلطات المحلية. حاليا، ينتهج أكثر من نصف الولايات سياسة صارمة في مجال منع التدخين في المطاعم والحانات.
قدمت كندا قانونا فدراليا يحمي غير المدخنين في أماكن العمل منذ 1986. لكنها تسمح بتخصيص قاعات للمدخنين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.