مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أيام ” ميليسية ” عاصفة تنتظر سوريا؟

مواطنون سوريون يتابعون عبر الصحف نتائج زيارة دتليف ميليس إلى بلادهم (دمشق - 12 سبتمبر 2005) Keystone

هل بات مصير النظام السوري، أو على الأقل مصير الرئيس السوري بشار الأسد، معلّقاً على كلمة واحدة ينطق بها رجل واحد: دتليف ميليس؟

كل آثار الأقدام التي يخلفها وراءه رئيس لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق (والذي نقل نشاطه الكثيف منذ يوم 12 سبتمبر من بيروت إلى دمشق)، تقود إلى الرد بالإيجاب.

فإذا ما أعلن ميليس في نهاية التحقيقات التي سيبدأها خلال أيام أن كبار الجنرالات السوريين، وعلى رأسهم غازي كنعان ورستم غزالة وآصف شوكت (صهر الرئيس الأسد ومدير الأستخبارات العسكرية) وغيرهم، متورطون في عملية الإغتيال، فهذا سيسفر عن خلخلة النظام حتى ولو بقي الأسد رئيساً.

وإذا ما حملّ ميليس الرئيس السوري نفسه المسؤولية السياسية عن هذه العملية، فهذا سيؤدي إلى دحرجة رأس الأسد وبعض الرؤوس الامنية الأخرى، وإلى إدخال تعديلات جذرية على تركيبة النظام الحالي.

لماذا هذا التشابك بين مصير النظام السوري ورئيسه، على عكس ما جرى ويجري في لبنان حيث أسقط ميليس الجهاز الأمني بدون أن يؤدي ذلك إلى سقوط النظام؟

ببساطة لأن السياسة والأمن في النظام السوري توأمان سياميان لا ينفصلان. فالثاني يتحكم كلياً بالأولى، والاولى لا تستطيع إلا ان تدفع ثمن أخطاء الثانية.

بكلمات أوضح: أي محاكمة او إدانة دولية لمسؤولي أجهزة الامن السورية بتهمة المشاركة في إغتيال الحريري، ستقود حتماُ إما إلى محاكمة أو إلى إدانة المسؤولين السياسيين او إلى إفقادهم قدرة السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد.

هذه المعادلة، الناجمة عن طبيعة النظام السوري التوتاليتارية-الأمنية، هي بالتحديد ما يجعل دمشق الرسمية تكاد تختنق الآن بأنفاسها وهي تراقب ميليس يصول ويجول في حواريها ودهاليزها، كاشفاً الغطاء عن الجهاز الامني السري الذي يحكم سوريا منذ أكثر من 35 عاماً.

فالمسألة هنا لا تتعلق بجريمة منفردة يدفع مرتكبوها الثمن ويقفل بعده الملف، بل هي أولاً وأساساً أشبه بلعبة الدومينو التي يؤدي فيها سقوط حجر إلى تداعي كل بنيان الأحجار الأخرى.

التقاطع

هذه نقطة. وثمة نقطة أخرى مشتقة منها لا تقل أهمية: نقطة إقليمية- دولية هذه المرة.

وهنا تتقاطع المعلومات الدبلوماسية الغربية المتوافرة بكثرة هذه الأيام(وعلنا) في بيروت على القول بأن حصيلة تحقيقات ميليس ستقود حتماً إلى هزات عنيفة داخل سوريا على كل المستويات السياسية والأقتصادية والأمنية.

والحال ان هذه الهزات بدأت بالفعل. وهي أجبرت الرئيس السوري على إلغاء رحلته المقررة إلى نيويورك للمشاركة في قمة الجمعية العامة للامم المتحدة، الأمر الذي دفع الكثير من المسؤولين السوريين إلى التخّوف من أن النظام السوري بدأ يسير على طريق العزلة ذاته الذي سار عليه في السابق نظام الرئيس صدام حسين وأدى في النهاية إلى هلاكه.

إضافة إلى ما سبق، سجلّ المراقبون المعطيات الخطرة الآتية التي تدفقت خلال أسبوع واحد:

1- فياناشال تايمز “الموثوقة”: “التحقيقات حول قضية إغتيال الرئيس الحريري تراقب عن كثب في واشنطن وعواصم غربية أخرى، وقد تكون لها مضاعفات بعيدة المدى على السياسات الغربية إزاء سوريا”.

2- “يديعوت أحرونوت” : “تقرير إستخباري أميركي سري وحساس للغاية يؤكد ان أميركا وفرنسا على وشك فرض عقوبات سياسية وإقتصادية كبيرة على سوريا، ستؤدي في مرحلة ما إلى إطاحة الرئيس السوري على يد جهات داخل سوريا وخارجها”.

3- معلومات غربية مؤكدة وأخرى شرقية شبه مؤكدة: الاولى تقول أن واشنطن أنجزت تقريباً الأعداد لجبهة معارضة سورية تضم قطاعات واسعة من الاحزاب السورية في الدول الغربية وبعض الدول العربية. والثانية تتحدث عن وجود رفعت الأسد في شمال العراق وعناصر عدة مؤيدة لعبد الحليم خدام وحكمت الشهابي والأخوان المسلمين في لبنان.

4- مصادر لبنانية وغربية تؤكد ان ضباطاً سوريين عدة انقلبوا على النظام في دمشق، وهم يقدمون الان معلومات خطيرة للجنة التحقيق الدولية التي يرئسها ميليس.

ماذا تعني كل هذه المعلومات والمعطيات المترابطة؟

أمر واحد: ثمة نذر عاصفة عاتية تتراكم فوق سماء دمشق، وقد تتحّول في أية لحظة إلى تسونامي سياسي- أمني كبير يجتاح بلاد الامويين. السبب الظاهر لهذه العاصفة هو بالطبع تزايد الشكوك حول دور دمشق في عملية إغتيال الحريري. لكن هذا السبب الرئيس ليس أكثر من خدعة رئيسة تختفي تحت قبعتها القانونية-الدولية مخططات إستراتيجية أخطر: إستكمال تنفيذ صفقة “سايكس بيكو” الفرنسية-الاميركية الجديدة لتقاسم النفوذ في لبنان وسوريا.

هذه الصفقة، كما يذكر الجميع، وقعهاّ الرئيسان شيراك وبوش في باريس في شهر يونية 2004 الماضي، أي قبل أشهر عدة من اغتيال الرئيس الحريري. وهي كانت الصخرة التي أقيمت فوقها كنيسة القرار 1559.

والآن، وبعد أن هضمت باريس وواشنطن عملية تنفيذ الشطر الاول من الصفقة، والذي تمثلّ في “طرد” القوات السورية من لبنان، آن أوان على ما يبدو لتنفيذ الشطر الثاني: “طرد” نظام دمشق من دمشق. وبالطبع، إذا ما تم ذلك، سيصبح تجريد “حزب الله” من السلاح، مجرد تحصيل حاصل.

متى موعد هذه المرحلة الثانية؟

الأن!. فهي دخلت بالفعل قيد التنفيذ، ليس فقط من خلال إقتراب “ليلة السكاكين الطويلة” في بيروت (والتي تدحرجت فيها رؤوس الجانب اللبناني من الجهاز الأمني السوري- اللبناني)، من ذقن دمشق، بل أولاً وأساساً بسبب تلك المحادثات الغامضة والكثيفة والمريبة التي يجريها الأن الفرنسيون والاميركيون، والتي إنضم إليها فجأة مؤخراً البريطانيون، بهدف مناقشة “مستقبل لبنان وسوريا” ، كما قال ديفيد ولش مساعد وزير الخارجية الأميركي.

الرئيس بشار الأسد، يعرف تماماً مخاطر هذه التطورات. وهو، وفق مصادر موثوقة، قال للرئيس مبارك الذي زاره ليحذّره منها أنه لو كانت التنازلات تفيد، لما تواصلت الضغوط الاميركية على النظام المصري برغم كل شيء.

حسناً. المعرفة مفيدة، لكن هل هي قادرة على إنقاذ دمشق من التسونامي العاتي الذي يتشكّل الان فوق رأسها؟

تفاؤل .. ولكن؟

الدوائر اللبنانية القريبة من دمشق تبدي تفاؤلاً حذراً بإمكانية الإنقاذ هذه. وهي تستند في ذلك إلى ما يقال عن وساطة تقوم بها حالياً المملكة العربية السعودية بين سوريا والولايات المتحدة، تقوم أساساً على موافقة الأولى على كل أو معظم شروط الثانية (خاصة وقف دعم المقاومات اللبنانية والعراقية والفلسطينية)، مقابل تعهد الثانية بالحفاظ على نظام الأولى.

أنباء هذه “الصفقة”، كما أسمتها الدوائر، اكدها أيضاً دبلوماسي غربي في دمشق نسبت إليه ” فاينانشال تايمز” تكهنه بأن “سوريا ستحاول مواجهة نتائج تحقيقات ميليس بالرد إيجاباً بسرعة أكبر على المطالب الاميركية في العراق وفلسطين ولبنان”.

بيد أن هذا الدبلوماسي نفسه يسارع إلى القول بأن هذه الخطوة السورية “ربما باتت متأخرة الأن”.

وهذا كان أيضاً كان رأي فلينت ليفيريت، الخبير الأميركي في الشؤون السورية والمسمؤول السابق في وزارة الخارجية. فهو قال أن: “الادارة (الاميركية) مصممة على إخراج بشار الأسد من السلطة، وهي تعمل الان مع أعضاء المعارضة السورية في الخارج والداخل، بمن فيهم رفعت الأسد عم بشار، لتحقيق ذلك”.

كل هذه النذر الخطرة ترافقت مع التصريحات الأخطر التي أطلقها الرئيس الاميركي بوش وسفيره في بغداد زلماي خليل زاد قبل أيام، والتي حذّرا فيها من أن “صبر الولايات المتحدة على سوريا بدأ ينفد”.

لكن لماذا بدأ هذا الصبر ينفد الآن، وليس قبل سنة أو سنتين كانت خلالها الإدانات الأميركية للسلوكيات السورية في العراق أشد وأكثر مرارة بما لا يقاس من الأن؟. هل لذلك علاقة بقرب صدور تقرير ميليس في 23 أكتوبر أو ربما قبل ذلك بأسبوعين؟

الأرجح أن الامر كذلك. والأرجح أيضاً ان النظام السوري بعد أن ينطق هذا الرجل كلمته، لن يبقى كما كان عليه قبل هذه الكلمة.

سعد محيو- بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية