أية حروب.. وراء حرب “فتح الإسلام”؟
ما سِـرّ تنظيم "فتح الإسلام"؟ من يقف وراءه أو أمامه؟ وكيف يمكن لحركة عنفية سياسية حديثة العهد أن تولد قوية على هذا النحو وبهذا الحجم؟
الاجتهادات تتعدد بتعدد المصادر: خصوم أمريكا الإيرانيون والسوريون في المنطقة، يضفون على هذه الحركة سِـمة أيديولوجية جهادية بحتة، ثم أنهم بعد أن يتبرؤوا من أي علاقة بها، ينحون باللائمة على السياسة الأمريكية في العراق وأفغانستان وفلسطين، لنشأة مثل هذه التنظيمات.
هذا الموقف يستند إلى تبرير قوي: “فتح الإسلام” وغيرها من الحركات العنفية المتطرّفة، تكفّـر كل من كان من غير أهل السُـنة، وهي تجهر بأنها تنوي إعمال السيف في رقابهم، تمهيداً لإقامة إمارات وممالك إسلامية جديدة، وبالتالي، من غير المنطقي أن تعمد دمشق أو طهران إلى تزويد من ينوي حفر قبرهما بالمعاول اللازمة لذلك.
خصوم سوريا وإيران في المقابل، يؤكِّـدون أن “فتح الإسلام” وأشباهه من التنظيمات، من اختراعهما من الألِـف إلى الياء. ولكن ما هي الدلائل على ذلك؟ إنها، برأي الخصوم، كثيرة:
– ولادة التنظيم قبل نحو سنتين في سوريا، تحت تسميات مختلفة بما في ذلك “جند الشام” قبل انتقاله إلى لبنان. صحيح أن السلطات السورية أعلنت عن اشتباكات عديدة بين قواتها وبين أفراد التنظيم، إلا أن ذلك يمكن أن يكون مجرد ذرٍّ للرماد في العيون لإخفاء الأهداف الحقيقية لإنشاء هذه الحركة.
– احتمال وجود علاقة نشأة بين أبو خالد العملة، مؤسس حركة “فتح الانتفاضة” وبين “فتح الإسلام”. وإذا ما كانت هذه الفرضية صحيحة، فإنها ستؤكد دور دمشق في إقامة أو رعاية هذا التنظيم، لأن أبو خالد كان مقرباً من كل من الماركسيين والشيوعيين ومن سوريا.
– وجود سوابق على دعم كل من دمشق وطهران للتنظيمات السُـنَية العنفية، وهكذا يقال الآن، أن الثانية كانت ولا تزال تموّل وتَـرعى وتَـستقبل على أراضيها عناصر عدّة من تنظيم “القاعدة”، العاملة في العراق، إضافة إلى تنظيمات سُـنية عدّة أخرى. وكذا تفعل دمشق. وتبعاً لذلك، لا يُـستغرب أن يكون الطرفان متورطان في هذه الظاهرة الجديدة.
سبب بسيط
أي الطرفين هو الأقرب إلى الصحة؟ كلاهما! لكن، كيف يمكن لوجهتي نظر متناقضتين لبعضهما البعض أن تكونا على حق في نفس الوقت؟
السبب بسيط: الجميع في المنطقة، بلا استثناء، يلعب هذه الأيام ورقة التنظيمات الإرهابية أو المتطرفة، وللتذكير: الاستخبارات الأمريكية كانت وراء نشأة عشرات التنظيمات اليسارية المتطرفة في حِـقبة الستينات والسبعينات، والتي كانت شعاراتها المُـعلنة تدعو إلى “ثورة أممية عالمية ضد الامبرياليتين، الأمريكية والسوفييتية”، وقد تكشف لاحقاً أنها كانت أداة في يد واشنطن لتشويه سُـمعة اليسار وزعزعة الإتحاد السوفييتي. وكذا الأمر في الثمانينات، حين رعت الولايات المتحدة، بدعم عربي، قيام النواة الأولى لتنظيم “القاعدة” في أفغانستان.
وبالمثل، يؤكد جون كولي في كتابه الشهير “الحرب غير المقدسة” وبالوثائق، أن إيران تدعم الكثير من التنظيمات المتطرفة في شتى أنحاء العالم، بغضِّ النظر عن إيديولوجية هذه التنظيمات وتوجّـهاتها. وعلى أي حال، حرب الرهائن التي شنّـتها طهران على واشنطن منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، كانت تستلزم في الدرجة الأولى إقامة تنظيمات سرية متطرفة للقيام بمثل هذه العمليات.
ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني، بوضوح أن ما يجري الآن في لبنان، ليس في محصِّـلته النهائية، سوى حرب إستخبارية بوسائل أخرى، وهذا لا يعني أن عناصر “فتح الإسلام” ربّـما يكونون مشبعين بالفعل بالإيديولوجيات المغلقة التي تحفِّـزهم على الانتحار. قد يكونون كذلك، لكنهم حتماً، لا يدرون أنهم مجرد أداة لتحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها البتّـة بإيديولوجيتهم الخاصة.
مصير لبنان
هذا عن “فتح الإسلام”. ماذا الآن عن مصير لبنان؟ مهما كانت طبيعة الجهة التي تقف وراء تنظيم “فتح الإسلام”، فثمّـة حقيقة لا يمكن القفز فوقها: حرب مخيم نهر البارد، كشفت بشطحة قلم مدى قابلية الوضع اللبناني للانفجار.
قبل هذه الحرب، كانت تسود قناعتان: الأولى، أن الطوائف اللبنانية مُـنهكة من جرّاء الحروب المستمرة على أرض لبنان منذ 30 عاماً، وبالتالي، فهي لن تكون مستعدة للانجرار إلى حروب جديدة.
والثاني، أنه ليس من مصلحة الطرفين الأساسيين المتصارعين في لبنان، وهما أمريكا وإيران، تفجير الوضع في بلاد الأرز: الأولى، لأنها قد تخسر نظاماً حليفاً لها يتجسّـد في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والثانية، لأنها قد تخسر فوراً ورقة حزب الله في حال اندلعت الحرب الأهلية.
بيد أنه ثبت أن كل هذه التوقعات كانت تنظـّر لما قد يأتي من الشرق، أي بين اللبنانيين، فإذا بالشرارة تنطلق من الغرب، أي من المخيمات الفلسطينية التي ظن الكثيرون أن صفتها طويت مع طي فصول كتاب دولة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عام 1982، ثم ما لبِـثت هذه الشرارة أن تمدّدت إلى بيروت عبر تفجيري الأشرفية وفردان “المدروسين”.
وإذا ما عنى هذا الأمر شيئاً، فإنه يعني أحد أمرين: إما أن هناك “قوى ثالثة” تلعب من وراء ظهر واشنطن وطهران في لبنان، وتحاول أن تفرض عبر المخيمات الفلسطينية أجندتها الخاصة أو أن هذين الطرفين جزء خفي مما يجري في العلن، وفي كلا الحالتين، ستكون هذه أخبار سيئة للبنان، إلا إذا ما سارعت قوى 8 و 14 آذار إلى تلبية دعوة الرئيس لحود إلى الحوار.
قد لا يؤدّي ذلك بالضرورة إلى حل الأزمة السياسية الراهنة، خاصة منها الجانب المتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن ذلك يتطلب توافقاً يبدو مستحيلاً الآن بين “الناخبين” الرئيسيين، إيران وأمريكا، لكنه على الأقل يمكن أن يسفِـر عن إعادة الإمساك بخيوط اللعبة مجدداً ووقف المسيرة الراهنة نحو الهاوية.
فهل يحدث ذلك؟
في الإجابة على هذا السؤال، سيتوقف مصير بلاد الأرز: فإما تهدئة سريعة وعودة إلى لعبة توازن القوى الدقيق بين إيران وأمريكا أو انتفاخ الصراع الراهن وتحوّله إلى انفجار شامل، قد يطال هذه المرة بقاء لبنان نفسه ككيان سياسي.
وليد جنبلاط يبدو متأكّـداً من أن ظاهرة “فتح الإسلام” هي مجرد خطوة أولى في سيناريو شامل يقود إلى هذا الانفجار الشامل.
الجميع يتمنى أن يكون مخطئاً، برغم أن هذا السياسي الناري، نادراً ما أخطأ في توقع الأسوأ في تاريخ لبنان!
سعد محيو – بيروت
نهر البارد (لبنان) (رويترز) – تجمع لاجئون فلسطينيون حول جثتي صبيين قُـتلا خلال قصف الجيش اللبناني لمخيم نهر البارد للاجئين في شمال لبنان وسادهم شعور بالغضب العارم.
وقال رامي محمود، وهو من سكان حي الدامون في المخيم، الذي تقاتل فيه قوات الجيش اللبناني متشددين إسلاميين منذ يوم الأحد الماضي، “الجيش قصف كل مكان، استهدف كل شيء، حتى الإسرائيليون كانوا سيصبحون أكثر رحمة”.
وحي الدامون الذي سُـمي على اسم منطقة في الجليل، كانت وطنا للاجئين الفلسطينيين قبل أن يفروا لدى قيام إسرائيل عام 1948، دُمِّـر بدرجة كبيرة خلال ثلاثة أيام من القصف للمخيم، معقل جماعة فتح الإسلام المتشددة.
واستطرد محمود “فلتأتوا بايهود اولمرت” ملمِّـحا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان سيكون أكثر رحمة مع الفلسطينيين من الجيش اللبناني الذي يعلن دوما أنه لا يستهدف المدنيين.
وقتل في لبنان نحو 1200 من بينهم نحو 900 مدني خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين، كما قتل في الحرب 158 إسرائيليا، غالبيتهم جنود.
وحاول عشرات من سكان مخيم نهر البارد، الذي يقطنه نحو 40 ألفا، الاستفادة إلى أقصى درجة من الهُـدنة الهشّـة وفرّوا حفاظا على أرواحهم في عربات متهالكة على طول الطريق الساحلي المطل على البحر المتوسط، تحسُّـبا لاستئناف القتال.
وسمحت الهدنة الهشة لشاحنات إغاثة بدخول المخيم بعد ثلاثة أيام من القتال العنيف بين قوات الجيش اللبناني ومتشددين إسلاميين.
وانتهز المدنيون فرصة الهدوء للفرار ورفعوا رايات بيضاء من نوافذ سياراتهم، وقد تكدس في بعضها ما يصل إلى عشرة أشخاص.
وظهر عدد من مقاتلي فتح الإسلام، وهو فصيل صغير يقوده فلسطينيون في الأزقة المظلمة، وقد حملوا بنادق آلية.
كان عدد من الجثث ملقى في الشوارع التي تناثرت فيها الأنقاض، وقال محي الدين اللبواني، وهو ضابط في المخيم مع وكالة الأمم المتحدة التي ترعى الفلسطينيين، إن 20 شخصا قتلوا كما أصيب 70 في حي الدامون وحده.
وقدرت مصادر فلسطينية عدد القتلى من المدنيين في المخيم بنحو 27. وذكر سكان أن هناك عددا من الجثث لا زالت تحت أنقاض المباني التي دمرت خلال القتال.
وقال سكان المخيم، ومن بينهم لبنانيون فقراء، إن الجيش ربما يكون مبررا في ملاحقته مقاتلي فتح الإسلام، الذين يعتبرونهم سكان المخيم دخلاء، لكنهم قالوا إن القصف العشوائي الذي قام به الجيش اللبناني للمخيم، نزع الشرعية عن عملية الجيش. وقال محمود الهندي، “تكدسنا مثل السردين طوال ثلاثة أيام، 60 شخصا في الغرفة”، وأضاف “أتذكر حين تعرّض موقع قريب للجيش اللبناني للقصف خلال الغزو الإسرائيلي العام الماضي، هرع كل المخيم لتقديم المساعدة، انظر كيف يعاملونا”.
اخترقت قذيفة منزل الحاجة كاملة (80 عاما)، التي كانت من أول سكان المخيم، محدثة فجوة كبيرة، وقالت “العائلة كلها تجمّـعت في الطابق الأول، إنها معجزة ألا يُـصب احد، حياتنا كلها كارثة تلو الأخرى”.
وتساءلت جميلة أحمد، وهي لاجئة أخرى “كيف يطلبون منا نزع السلاح بعد ما فعلوه بنا، الفلسطينيون لن يلقوا السلاح قبل أن نعود إلى وطننا”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 مايو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.