أين يقف السُـنة العرب في العراق؟
بينما لم يتبق على موعد الانتخابات العراقية سوى قرابة أسبوعين، يتساءل كثير من المراقبين عن ماهية هذه الانتخابات التي تهددها السيارات المفخّـخة والهجمات الانتحارية والمقاطعة الشعبية.
كما يتساءل كثيرون عن موقف السنة العرب من هذه الانتخابات، ومن العملية السياسية المزعومة برمّـتها، وتاليا ما هو موقعهم في العراق الجديد؟
بدءا ينبغي الإشارة إلى أن المقاطعة الشعبية المتوقعة للانتخابات المقبلة في العراق، لا يعتمدها السنة العرب فحسب، وإن كانوا الأغلبية فيها، فقد تجاوز عدد التيارات الرافضة لإجراء الانتخابات في الموعد المقرر 75 حزبا وتيارا، بينها قوى شيعية لا ينبغي إغفالها، في مقدمتها تيار الشيخ جواد الخالصي، والتيار الصدري.
ويشير السياسيون ورجال الدين السُـنة في العراق، إلى أنهم لا يُـعارضون إجراء الانتخابات لخِـشيتهم من نتائجها التي قد تؤدّي إلى تهميشهم، كما يُـروّج آخرون، إذ أن اعتراضاتهم تنصَـبّ بالدرجة الأساسية على عدم إمكانية إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية، وبوجود 150 ألف جندي أمريكي، يمثلون قوة احتلال حقيقية، فضلا عن اعتراضات على النواحي الإجرائية والعملية، وهي اعتراضات تجد أصداء عربية ودولية متعددة، لعل أبرزها موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والأخضر الابراهيمي، السفير لدى الأمم المتحدة.
معوقات عملية
وفي الحقيقة، فإن ثمة قضايا إجرائية وعملية تتعلّـق بالعملية الانتخابية ما تزال غير مُـكتملة حتى الآن، ومنها عدم وصول أوراق المشاركة في الاقتراع لجميع من يحِـق لهم التصويت، حتى في العاصمة بغداد، وهناك السرية المحيطة بأسماء المرشحين.
وفي هذا السياق، يؤكـّد فريد أيار، المتحدث الرسمي باسم المفوضية العليا للانتخابات العراقية، أن الأحزاب المشاركة في الانتخابات ترفض نشر أسماء مرشحيها، مما يعني أن المواطن العراقي سيتوجّـه إلى صناديق الاقتراع، دون أن يعرف الأشخاص الذين سيختارهم ومَـن يمثلون، إضافة إلى عدم وجود دعاية انتخابية حقيقية في البلاد، وأخيرا، هنالك قانون الطوارئ الذي يُـعتبر عائقا يعطل العملية السياسية في البلاد.
موقف السُـنة العرب
ولكن أين يقف السُـنة العرب من كل هذا؟ وما هي حقيقة موقفهم من الانتخابات في حدّ ذاتها؟
هنا، يتعيّـن الإشارة إلى أن السُـنة العرب لا يرفضون الانتخابات من حيث كونها الوسيلة الأكثر عدالة ومنطقية لتحديد شكل ونظام الحكم في العراق، إلا أن اعتراضاتهم تذهب إلى مناقشة التفاصيل والظروف التي ستُـجرى فيها.
ففي مؤتمرهم الأخير، الذي عُـقد في بغداد، بحضور كردي وتركماني ملحوظ، دعت الفصائل والقوى السُـنية العراقية إلى عدم المشاركة في هذه الانتخابات، بسبب تردّي الأوضاع الأمنية، وعدم استكمال الإجراءات الإدارية الضرورية، فضلا عن عدم وجود جهة محايدة ونزيهة تتولّـى مُـراقبة الانتخابات والإشراف عليها، وعدم وجود آلية موثوق بها للتأكّـد من صحّة أوراق الناخبين الثبوتية، بعد أن ثبت لكثيرين حصول تزوير واسع النطاق في الأوراق الثبوتية العراقية خلال العامين الأخيرين، إضافة إلى ما يجري تداوله من مزاعم تتحدث عن منح نحو مليون إيراني أو من أصول إيرانية الجنسية العراقية، وتؤكد بعض الجهات وجود دلائل عديدة على ذلك، ليس مجال إيرادها الآن.
وفي مؤتمر عُـقد في مدينة تكريت، طالب ممثلون عن سبع محافظات عراقية بتأجيل الانتخابات العراقية لمدة ستة أشهر، وأكدوا عزمهم على اتخاذ قرار حاسم، يقوم على أساس مقاطعتها، والدعوة إلى عدم الاشتراك فيها، في حال رفْـض المفوضية العليا للانتخابات تأجيلها.
ووقّـع على القرار ممثلون عن العشائر والتنظيمات السياسية في محافظات صلاح الدين، والتأميم، وبغداد، ونينوى، والأنبار، وديالى، وبابل، والجبهة التركمانية، التي مقرها كركوك، وممثل عن هيئة علماء المسلمين، ودائرة الوقف السُـني.
وطالب المجتمعون، الحكومة المؤقتة، والمفوضية العليا للانتخابات بتوفير الأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات، وتحسين الأوضاع الأمنية وإعادة النظر بنظام القائمة الموحّـدة واستبدالها بقوائم انتخابية لكل محافظة على حِـدة، على أساس الكثافة السكانية وضمن الرُّقع الجغرافية للمحافظات، وكذلك ترك الحرية للنساء للترشيح وعدم الإصرار على نسبة 25%، التي حدّدها القانون الانتخابي الحالي.
ويعترف أياد علاوي، رئيس الوزراء المؤقت بأن مناطق عراقية عديدة، لم يسمها، لن تشارك في الانتخابات. ومن المؤكّـد، أن هذه المناطق تشمل محافظة الأنبار، ومناطق في محافظات صلاح الدين والتأميم ونينوى وديالى وبابل، والعاصمة بغداد أيضا، مما يعني أن الطعن في إجرائها ومشروعية نتائجها وما سيترتب عليها قائم، بل حتمي أيضا.
لذلك، فماهي المشروعية التي ستكون لانتخابات لا يشارك بها أكثر من ثلث سكان العراق؟
يقول الشيخ محمد بشار الفيضي، الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق، إن مجرد طرح فكرة استبعاد بعض المناطق، تُـعطي الانطباع بأنها ليست انتخابات، وإنما مجرد لُـعبة، وستكون مثيرة للضحك ولن تكون موضع ثقة العراقيين.
ويعتقد كثيرون أن البرلمان العراقي الجديد لن يشهد تغييرا في القوى وتوزيع نسب المشاركين على نحو خطير يخالف التوجهات الأمريكية، إذ لا يُـتوقّـع ان تسمح الولايات المتحدة لقوى وطنية أو قومية أو دينية بعينها بالهيمنة عليه، بمعنى أن أسس المحاصصة، العرقية والطائفية، التي اعتمدت في تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، ولاحقا في الحكومة المؤقتة، ستعتمد في هذا البرلمان، حتى وإن تعالت الأصوات في الحديث عن الديمقراطية التي تحسِـم نتائجها صناديق الاقتراع.
مساع أمريكية
على صعيد آخر، يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى منح الشرعية لهذه الانتخابات من خلال بعض الجهود المبذولة، بهدف إقناع السُـنة العرب بالمشاركة فيها، إدراكا منها لخطورة الموقف الُـسني وأهميته، باعتباره الرقم الأساسي الصعب في المعادلة العراقية.
وفي هذا السياق، تأتي تحرّكات بعض أركان الحكومة العراقية المؤقتة على بعض الأقطار العربية، مثل مصر والأردن، حيث تحدث وزير الدفاع المؤقت، المثير للجدل، حازم الشعلان عن إمكانية تأجيل الانتخابات إذا ما أبدى السُـنة العرب موافقتهم على المشاركة فيها، وكان يبحث في القاهرة جهودا على هذا الصعيد.
كما شهد الأسبوع الماضي اتصالات رسمية بين السفارة الأمريكية ببغداد، وهيئة علماء المسلمين التي تُـعَـدّ المرجعية الدينية لأهل السُـنة في العراق. لكن المترشح عن تلك الاتصالات، أنها لم تُـؤد إلى نتيجة تُـذكر. فقد وافقت الهيئة على حثِّ السُـنة على المشاركة في العملية الانتخابية، في صورة ما إذا وضعت القوات الأمريكية جدولا زمنيا مُـحددا لانسحابها من العراق، وهو ما رفضه الجانب الأمريكي بشدة، حيث لا ينوي الموقف الرسمي الأمريكي وضع مِـثل هذا الجدول، ولا حتى مجرد الحديث عنه في الوقت الحاضر.
جولات أخرى من الصراع
من المؤكّـد حتى الآن إجراء الانتخابات العراقية في الموعد المقرر لها، حيث لا تعير الإدارة الأمريكية، وحكومة علاوي، وأطراف عراقية أخرى، أذنا صاغية لكل الاعتراضات العراقية والعربية والدولية، بل تبدو هذه الأطراف مُـصرّة على إجراء الانتخابات بأي ثمن، حتى لو نجمت عنها خسائر كبيرة، وألحقت أضرارا بالغة بمُـجمل الأوضاع في البلاد، وهو ما أكّـده مؤخرا المتحدث باسم البيت الأبيض، سكوت مكليلان، الذي أقَـرَّ بأن الانتخابات ستُـواجه مشاكل وعراقيل كبيرة في أربع محافظات عراقية على الأقل، لكنه قال إنه “يتعيّـن أن تمضي قُـدما كما هو مخطط لها”.
غير أن القوى المعارضة لهذا التوجه تعتقد، على ما يبدو، أن إجراء الانتخابات لا يمثل نهاية الأمر. فهناك جولات أخرى من الصراع السياسي، ستسفر عنها المرحلة المقبلة، وأولها معركة الدستور المقبل، وهذا له قصّـة أخرى وحديث لاحق!
مصطفى كامل – بغداد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.