أي دور لليبيا في التوصل إلى سلام في دارفور؟
في ردّه على الانتقادات التي رأت عدم أهلية ليبيا استضافة مباحثات فصائل التمرد في دارفور المقررة في 27 أكتوبر المقبل، قال بان جى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، إن القذافي "لاعب إقليمي له دور أساسي فى حل النزاع".
وهى جملة تلخِّـص الكثير مما يدور حول ليبيا وعنها في الآن نفسه، لاسيما فيما يتعلّـق بعدد بارز من القضايا والنزاعات الإفريقية.
وكأن لسان حال جي مون يقول، إن اختيار ليبيا ليس عشوائيا، بل إنه يرتكِـز على عناصر صلبة، من بينها علاقات ليبيا مع قادة وزعماء حركات التمرد من جهة، والجهود التي بذلتها سابقا، سواءً بمفردها أو بالتعاون مع مصر وتشاد وجنوب إفريقيا والسودان نفسه من جهة أخرى، ومن بينها أيضا الدور الذي تقوم به ليبيا منذ عامين على الأقل فى تأمين وصول الإمدادات إلى اللاجئين الفارّين من دارفور إلى تشاد، لاسيما حين كان متعذِّرا نقلها من أي جهة أخرى، حسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، الذي أوضح أن ليبيا ساعدت منذ شهر أغسطس 2004، على توفير ممر مُـهم للنقل البري، يمتدّ من ميناء بني غازي حتى الصحراء الكبرى وعبر الحدود إلى تشاد، وهو الطريق الذي لا زال سالِـكا أمام مئات الشاحنات ولا تفرِض عليه الحكومة الليبية أية رسوم.
نحو فضاء إفريقي
فليبيا القذافي، سوّت مشكلة لوكيربي مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم انفتحت أكثر على أوروبا، وأصبح لديها توجّـه أساسي يُـعنى بالتركيز على الشؤون الإفريقية.
وللقذافي نظرية شهيرة، ملخَّـصها أن العالم المعاصر، وهو عالم فضاءات كبرى، وإفريقيا مؤهلة أن تكون فضاءً كبيرا ومتكاملا يُـحوِّلها إلى قوة كبرى معاصرة، وأن ليبيا تعتَـبر أن مهمتها الأساسية الآن هي قيادة الجهود التي تُـحوِّل الفضاء الإفريقي إلى كِـيان معاصر يُـحسب له ألف حساب.
بيد أن هذه الجهود ليست في طريق مُعبد، فهناك أزمات هيكلية كبرى تعاني منها القارة وهناك الكثير من النزاعات والخلافات بين عدد من دول القارة أو في داخل بعض هذه الدول، وهناك أيضا لاعبون أفارقة كِـبار منافِـسون ولهم حساباتهم المختلفة عن الحسابات الليبية، سواء في الشأن الإفريقي العام أو الشأن الإقليمي المحدود، فضلا عن حسابات وصِـراعات ومنافسات القوى الكبرى الراهنة، وتحديدا الصراع الخفي بين الولايات المتحدة والصّـين حول نفط القارة وموارِدها وثرواتها المعدنية والطبيعية.
ومع ذلك، فليبيا مستمرّة في جهودها وفي تطلّـعاتها، ويحسب لها أنها صاحبة تحويل منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، وأنها صاحبة مبادرة إنشاء تجمّـع الساحل والصحراء الذي يتشكّـل الآن من 23 دولة إفريقية، لها اجتماعات القمة الدورية المنتظمة منذ إنشائه في شهر فبراير 1998.
نحو حل سلمي للنزاعات
هذا السياق العام للاهتمام الليبي بإفريقيا، أسهم بدوره في بلورة اهتمام ليبي آخر، وهو المشاركة في حل النزاعات الإفريقية، ونقطة البدء هي في حل النزاعات المحيطة بليبيا نفسها، وهنا يكمُـن السبب الأول وراء التركيز منذ ثلاث سنوات على إيجاد حل سياسي سلمي لأزمة دافور، ومن قبل تسوية النزاع الاريتري – السوداني والتشادي – السوداني.
وإذا كانت دارفور تُـمثل في المنظور العام أزمة مركّـبة ذات أضلاع إنسانية وسياسية وأمنية، فإنها بالنسبة لليبيا باب للتوتر الإقليمي الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الذاتية نفسها.
ومن هنا، تجسَّـد الموقف الرافض للتدخل الدولي في السودان، دون ترتيب مسبق، لأنه في هذه الحالة سيكون عودة للاستعمار السافر لنَـهب موارد دارفور والسودان معا، وسيشكل ضغطا على أمن ليبيا نفسه، وتلك معضلة كبرى يتوجّـب منعها بأية صورة.
رؤية قذافية
وللقذافي رؤية متعدِّدة العناصِـر بشأن الوضع في دارفور، فهي حرب قبلية، ولكن تمّ تسْـييسها، وأن اللاعبين الكِـبار هم المسؤولون عن استمرار الأزمة وتعقيدها من خلال وقوف كل منهم وراء حركة أو زعيم معيّـن للتمرّد وامتناعهم عن توقيع العقوبات على الذين لم يتجاوبوا مع جهود الاتحاد الإفريقي السلمية، وهو تعقيد يعود أيضا ويتفاقم بسبب مطامِـع دولية على البترول في السودان ودارفور، وصراع بين الصين والولايات المتحدة بسبب النفط.
وما دام الأمر مرهون بالتدخلات الدولية الكبرى، فإن ليبيا ترى أن دعوات إرسال قوات ليبية إلى هناك للمساعدة في استتباب الأمن في الإقليم المضطرب، ليست واقعية، فما دام، والكلمات للقذافي، المنشورة في موقع بي بي سي العربية بتاريخ 18 مايو الماضي، “اللاعبون الكِـبار هم المسؤولون وقد حزموا أمرهم لتأمين مصالحهم واتَّـخذوا قرارهم بشأن هذه الأزمة، فلماذا نرسل نحن قُـواتنا؟”
وحسب القذافي، فإن الحل المناسب هو أن يُـترك أهل دارفور يحلُّـون مشاكلهم بأنفسهم. ولا ينسى القذافي بين الحين والآخر دعوة زعماء هذه الحركات لطرابلس من أجل التباحث في سُـبل التسوية السلمية. ومن هنا، تبدو علاقاته الشخصية معهم واحدة من مفاتيح ترجيح دور طرابلس في استضافة الاجتماع المقبل لهؤلاء الزعماء من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة يتِـم على أساسها التفاوض مع الحكومة السودانية تحت الرعاية المزدوجة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي معا.
دعوة لنزع السلاح
ومن آخر دعوات القذافي لهؤلاء الزعماء، أن ينزعوا أسلحتهم أو أن يتركوها لدى ليبيا تقوم بتخزينها لديها مؤكِّـدا على أن “السلام أفضل من الاستسلام، وأن يأتي بإرادتك أفضل من أن تُـجبر عليه”، وهى الدعوة التي جاءت بعد أقل من أسبوع على استضافة طرابلس قمّـة ثلاثية، ضمت رئيسي مصر وتشاد للبحث في أمر دارفور.
في ظل هذه الرؤية القذافية لطبيعة الأزمة فى دارفور وكيف الخروج منها ومسؤولية القوى الكبرى، يمكِـن فهم موقف ليبيا ذي البُـعدين، الأول، الحرص على عدم دخول قوات أجنبية في الإقليم دون أن يكون هناك توافُـق على المبدإ والأسلوب، وهو ما يجعل ليبيا قريبة جدا في موقفها من موقف الحكومة السودانية، التي تمسَّـكت به إلى أن تم التوصل إلى صيغة القوة الهجين التي فصلها القرار الدولي 1769، وهي القوة المفترض أن تدخل الإقليم لحفظ السلام، بعد التوصّـل إليه.
والثاني، هو أن يتِـم التوصُّـل إلى اتفاق سلام شامل بين الحكومة والحركات المناوئة، يكون فيه الالتزام بوقف إطلاق النار أمرا مفروغا منه، وأن يكون التفرّغ للتنمية وإعادة الإعمار، طريقا وحيدا لبِـناء السلام.
اطمئنان أممي ولكن!
هذان البُـعدان المتكاملان يمثلان الأساس الذي يجعل الأمم المتحدة مطمئِـنة بأن جهود ليبيا في بلورة توافُـق بين جماعات المتمرِّدين، مسألة ضرورية، ليس فقط لإنهاء التوتر في الإقليم، وإنما أيضا لإنجاح مهمّـة القوة الهجين لاحقا بعد نشرها.
لكن هذا الاطمئنان يَـعوقه أمر مهم، وهو أن وحدة زعماء التمرّد ليست مضمونة حتى اللحظة، فطالما بقي عبد الواحد نور، مؤسس حركة تحرير السودان، والذي ينتمي إلى قبيلة الفور الأكبر بين نظيراتها في الإقليم بعيدا عن هذه الجهود، ستظل هناك ثغرة كبيرة، بيد أن المسؤولية لن تكون على ليبيا وحدها، بل على الذين يوفِّـرون لنور الملاذ الآمن ويتركونه يغرِّد بعيدا عن سَـرب السلام.
د. حسن ابوطالب – القاهرة
الخرطوم (رويترز) – دعا أحد زعماء المتمردين في دارفور يوم الخميس 20 سبتمبر لتأجيل محادثات سلام مقترحة في أكتوبر القادم مع الحكومة السودانية طالبا “عدّة أشهر من الهدوء التام” في هذه المنطقة، التي يمزِّقها الصِّـراع قبل بدء المفاوضات.
وأصبح أحمد عبد الشفيع، زعيم فصيل منشق عن حركة تحرير السودان ثالث زعيم كبير للمتمردين يثير مخاوف بشأن مدى ملاءمة المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في ليبيا يوم 27 أكتوبر.
وقال فصيل عبد الشفيع في بيان، إن استمرار العنف في غرب السودان يعني أن أطراف الصراع في دارفور ليست مستعدة بعدُ لبدء مفاوضات سياسية جادة، وأضاف البيان أن هناك حاجة لإعادة النظر في توقيت الجولة المقبلة من محادثات السلام.
وجاءت هذه التصريحات بعد أسبوع من إعلان خليل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة أن استمرار الاشتباكات مع القوات الحكومية، ربما يجعل من المستحيل عليه السماح لمقاتليه بحضور المفاوضات.
كما قال عبد الواحد محمد النور، وهو زعيم فصيل آخر من حركة تحرير السودان ويعيش في باريس، إنه يرفض أي محادثات سلام قبل وصول قوات حفظ سلام مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وقِـوامها 26 ألف فرد، ونزع أسلحة الميليشيا المدعومة من الحكومة ووجود ضمانات أمنية في أنحاء المنطقة.
وأجرت يوم الخميس خمْـسُ جماعات للمتمردين، بينها حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، مفاوضات في العاصمة التشادية نجامينا لليوم الثاني للتوصل إلى موقف مشترك من محادثات السلام.
وقال عبد الشفيع لرويترز، إنه لم يحضر اجتماع تشاد لأن فصيله يرغب في التركيز على توحيد موقفه. وبدلا من ذلك، أرسل مطالبه مباشرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون قبل عقد مؤتمر عن دارفور بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في نيويورك يوم الجمعة، وأضاف عبد الشفيع أنه لم يُـهدد بعدُ بالانسحاب من محادثات ليبيا وأنه يريد الانتظار لمعرفة ما إذا كان من المُـمكن تنفيذ مطالبه، وأردف قائلا “نحن نطالب بعدّة شهور من الهدوء، غير أن الفترة المحدّدة خاضعة للتفاوض. ما نقوله هو أنه إذا لم تنفَّـذ مطالبنا، فسيكون من الصَّـعب للغاية نجاح هذه المحادثات”.
ومن بين المطالب، وقف فوري لإطلاق النار واتخاذ إجراءات لبناء الثقة وإنهاء ما يقول متمرِّدون إنها سياسة حكومية بإعادة توطين أجانب في دارفور.
ووعد الرئيس السوداني عمر حسن البشير في الأسبوع الماضي بالالتزام بوقف إطلاق النار في دارفور مع بدء محادثات السلام. واستمر ظهور تقارير عن الاشتباكات بين القوات الحكومية وفصائل المتمردين في المنطقة خلال الفترة التي تسبق المحادثات.
وفي وقت متأخر من يوم الأربعاء 19 سبتمبر، قال عبد الشفيع إن مقاتليه هاجموا كتيبة من جنود الحكومة، قال إنهم كانوا يسدّون مسارات إمدادات رئيسية في منطقة جبل مرّة بوسط دارفور، ولم يتسنّ على الفور الاتصال بمتحدث باسم القوات المسلحة للتعليق.
ويقدِّر خبراء دوليون بأن 200 ألف شخص لقوا حتفهم وأن 2.5 مليون أصبحوا بلا مأوى في الصراع الدائر بدارفور منذ أن بدأ المتمردو، وأغلبهم من أصول غير عربية، في حمل السلاح في أوائل عام 2003 متّـهمين الحكومة المركزية بإهمال المنطقة. وتقول الحكومة السودانية إن تسعة آلاف فقط قتلوا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.