أي عنف تتحدثون عنه؟
حادثة عنف شهدتها مدينة سويسرية قبل أسبوعين هزت البلاد بأسرها، وأثارت تساؤلات عديدة، واعتبرتها الأوساط السويسرية اليمينية المتطرفة مبررا لدق نواقيس الخطر والتحذير من مغبات العنف.... عنف الشباب الأجنبي ضد نظيره السويسري.
القصة تعود إلى معركة جرت وقائعها في المدينة القديمة بآراو ليلة السادس من أغسطس/آب الجاري.. تسع شبان أجانب من جنسيات تركية وبوسنية وعراقي واحد اشتبكوا في مواجهة دامية مع أربعة عشر مجندا سويسريا لمدة نصف ساعة. وعند وصول قوات الشرطة لاذ الاجانب بالفرار. سبب المواجهة بقي رهن التكهن… ومبرر العراك الذي ترك أثاره الدامية على وجوه المجندين ظل غامضا.
لكن… لعله كان من المناسب عدم طرح هذا السؤال أو التطرق إلى هذا “التفصيل”. فمن الواضح أن البعض تلقف الفرصة سريعا وسعى إلى صب الزيت على النار. بعض أعضاء حزب الشعب السويسري اليميني المتطرف وجدوها فرصة حانية لتكرار آرائهم المعروفة عن الأجانب. فعضو مجلس النواب اولريخ شلوور Ulrich Schlüer صرح ببساطة شديدة:” انظروا إلى أي مدى وصلنا. في الوقت الذي يتواجد فيه جنودنا السويسريون في مناطق الأزمات في الخارج لتأمين السلام، يعمد أبناء تلك البلدان إلى ضرب جنودنا هنا في عقر دارنا.” بعبارة أخرى، أراد السيد شلوور أن يقول “إتق شر من أحسنت إليه”.
أما عضوة مجلس دويلة سانت جالين ماريانا شتاينرMariana Steiner فقد ذهبت بعيدا في تعبيرها عن غضبها مطالبة باستقالة جماعية لكل أعضاء الحكومة السويسرية :” ماداموا غير قادرين على تأمين حرية حركة جنودنا.” وأعتبر عضو أخر لمجلس النواب جاكوب فرويند Jakob Freund ، وهو ينتمي إلى نفس الحزب، أعتبر ما حدث مبررا كافيا لطرد كل أجنبي شاب يعتدي على جندي سويسري من البلاد بدون رجعة.
عنف متواجد..
تعليقات أعتبرها الكثيرون مبالغا فيها، وربما عنصرية، هدفها الاصطياد في المياه العكرة، خاصة وأن هدفها لم يزد عن أكالة الاتهامات للشباب الأجانب وتبرئة ساحة المجندين السويسريين كأنهم لا يتحملون قسطا من مسئولية ما حدث، وهو أمر مستبعد لاسيما وأن طيش الشباب يظل سمة عرفت عنهم.
لكن تجاهل الحادثة كليا يمثل خطئاً قد يدفع في اتجاه معاكس. فالعنف بين الشباب بدأ يبرز كظاهرة تستدعي الدراسة، ويتواجد في المدرسة والشارع وأماكن الترفيه، صوره تختلف بين عنف جسدي أو لفظي، وأعمال التخريب، وتهديد وابتزاز الأطفال واليافعين في المدرسة أو الشارع أو أماكن الترفيه، وهو عنف لا يعرف فرقا بين شاب أجنبي أو سويسري. كلاهما طرف فيه وكلاهما يعاني من أثاره.
وعنف الأجنبي متواجد أيضا
رغم ذلك، يظل من الضروري التنويه بأن بعض الدراسات السويسرية أظهرت أن المراهقين الأجانب هم أكثر ميلا إلى الأقدام على أعمال العنف التي يعاقب عليها القانون. وُيضرب بذلك مثلا بحث الدكتور مانويل أيزنر Manuel Eisner الأستاذ في علم الاجتماع بجامعة زيوريخ عن جنوح الأحداث والصادر عام 1998، والذي أثبت وجود تباين كبير بين فئتي المراهقين السويسريين والأجانب في إقدامهم على أعمال العنف، وأن اليافعين الأجانب، وبالتحديد من بلدان يوغسلافيا السابقة وألبانيا الكوسوفو، هم اكثر ميلا إلى الانحراف.
ويميز الدكتور الين جوجينبول Allan Guggenbühl ، الأستاذ في علم نفس المراهقين ، في حوار سابق مع إذاعة سويسرا العالمية، عند حديثه عن جنوح الأحداث لدى الأجانب في سويسرا. يقول:”نحن نتحدث عن فئة محددة منهم. فنحن لا نعني مثلا المراهقين الإيطاليين أو الألمان أو الأتراك. إنما نقصد بالتحديد اليافعين من مناطق محددة في أوروبا وخاصة من ألبانيا والكوسوفو ويوغسلافيا سابقا، والتي عانت من حروب أهلية ومشاكل طاحنة. هم يواجهون مصاعب جمة في سويسرا نتيجة لتلك الأوضاع . فأعمال العنف التي يقدمون عليها ما هي إلا ردة فعل لما يحدث في وطنهم وشعورهم بالعجز والغضب حيالها.”
وعلى صعيد أخر، فإن هذه النوعية من المراهقين الأجانب تعاني أيضا من صعوبة اندماجها في المدرسة أو العمل أو الحياة العامة عموما… فرصهم في النجاح قليلة، والحياة تقف مدبرة، فلا غرابة أن يشعروا بالنقص، ولا عجب في أن تعتمل في نفوسهم مشاعر الإحباط والغضب والثورة… فالجنوح.
لكن مثل هذا الحديث لا يدخل في إطار حملة التحامل على الأجنبي الشاب واعتباره شرا لا يجب القبول بتواجده في المجتمع. هو إقرار لواقع يتوجب التعامل معه وإيجاد حلول له.. تماما كما يتوجب التعامل مع جنوح المراهق السويسري وإقدامه على العنف. فلم نسمع يوما أحدا من أولئك السياسيين اليمينيين المتطرفين يطالب بترحيل اليافع السويسري عند جنوحه؟؟ ولو فعلوا .. لاتهموا بالجنون.
إلهام مانع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.