إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل
أعادت الدول العربية طرح موضوع إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أمام مؤتمر نزع السلاح بجنيف.
وفي الوقت الذي يشتد فيه النقاش حول الملف النووي الإيراني، ذكرت الدول العربية بمبادرة مصرية – إيرانية تعود إلى عام 1995 تساندها كل دول المنطقة بشكل متفاوت، باستثناء إسرائيل.
طرحت البحرين من جديد، باسم الدول العربية يوم 7 سبتمبر الحالي أمام مؤتمر نزع السلاح في جنيف، موضوع إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
ورأى ممثل البحرين لدى الأمم المتحدة في جنيف، السفير عبد الله عبد اللطيف عبدالله، أن “طرح هذا الموضوع أصبح اليوم يكتسي أهمية اكثر من أي وقت مضى بسبب التطورات التي تعرفها المنطقة”.
اقتراح إيراني
وفي الوقت الذي تولي فيه المجموعة الدولية أهمية بالغة لحل مشكلة الملف النووي الإيراني، قد يكون من الفائدة التذكير بأن إيران كانت، إلى جانب مصر، وراء فكرة إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط، وذلك عام 1974.
وفي عام 1990، اقترح الرئيس المصري حسني مبارك، بموازاة مع ساعي إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي، جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ومفهوم أسلحة الدمار الشامل، كما يورده معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح “unidir” في كتيب صدر عام 2004 تحت عنوان “إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، هو منع الأنظمة الدولية في الإنتشار والتجارب الإقليمية”، وهو ما تم تعريفه عام 1948، بالأسلحة الذرية المتفجرة، والأسلحة ذات المواد المشعة، والأسلحة الكيميائية والبيولوجية الفتاكة، وأي أسلحة تخترع في المستقبل لديها خصائص مماثلة، من حيث التأثير المدمر الذي تُـحدثه القنبلة الذرية أو غيرها من الأسلحة المذكورة أعلاه”.
وينتهي تعريف اليونيدير الى أنه بمفهوم اليوم، يمكن تعريف أسلحة الدمار الشامل بـ”الأسلحة النووية والمشعة والبيولوجية والكيميائية أو أي أسلحة ذات آثار مماثلة”.
إجماع عربي بتحفظ، واستثناء إسرائيلي
وفي تقريره للدورة 57 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2002، بخصوص منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، اعترف الأمين العام كوفي أنان بـ”عدم إحراز أي تقدم”.
وبإلقاء نظرة على جدول مشاركة دول الشرق الأوسط والمنطقة المحيطة به في النظم المتصلة بأسلحة الدمار الشامل، يتضح بأن الدول العربية وإيران وقّـعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأن إسرائيل هي البلد الوحيد في المنطقة الذي لم يوقع عليها.
وإلى جانب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يتطلب الأمر مصادقة دول المنطقة على اتفاقيتي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والتوكسينية او السامة، إضافة الى بروتوكول جنيف.
ولا نجد سوى 11 بلدا موقعا على كل هذه المعاهدات والبرتوكول، وهي الجزائر والبحرين وإيران والأردن والكويت وليبيا والمغرب وقطر والسعودية وتونس واليمن.
بينما لم توقع إسرائيل، إلا على بروتوكول جنيف، وهذا ما دفع بعض البلدان مثل مصر وسوريا ولبنان الى الامتناع عن التوقيع على معاهدتي الأسلحة الكيميائية او البيولوجية.
ويرى الخبير في إدارة الأمم المتحدة لنزع السلاح، جيز ليتلوود أن “لترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية تأثيرا كبيرا على إصرار بعض دول المنطقة على الربط بالأسلحة الأخرى”. فمصر ربطت تصديقها على اتفاقية الأسلحة الكيميائية بانضمام إسرائيل الى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
كما يرى أن انضمام دول المنطقة الى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية جعل إسرائيل معزولة، وهو ما دفع المؤتمر الاستعراضي السادس لمعاهدة عدم الانتشار الى الإشارة بالاسم لإسرائيل لأول مرة في هذا المجال بعد ان ظل يتفادى ذلك.
قيود خاصة على البحث والتطوير
وإذا كانت عدة مناطق من العالم تعرف قيام مناطق منزوعة السلاح النووي، فيما يعرف بمعاهدة بانكوك، جنوب شرق آسيا، ومعاهدة بيلندابا في إفريقيا ومعاهدة تلاتيلولكو في أمريكا اللاتينية ومعاهدة راروتونغا في منطقة المحيط الهادي، فإن ما تنص عليه هذه المعاهدات يختلف باختلاف خصوصية المنطقة والظروف التي أقيمت فيها تلك المعاهدة.
ويرى الدكتور فوزي حماد، الأستاذ الفخري في هيئة الطاقة الذرية المصرية، أنه “في الوقت الذي تسمح فيه معاهدة تلاتيلولكو ومعاهدة عدم الانتشار بالتفجيرات النووية السلمية، وتسمحان ضمنا بامتلاك أو تداول الأجهزة النووية، نجد أن معاهدة راروتونغا تحظر تواجد أي نوع من السلاح النووي (سواء كان مجمعا او غير مجمع)”.
أما فيما يتعلق بما هو مقترح لمنطقة الشرق الأوسط، فيرى الدكتور فوزي حماد “أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 الخاص بالعراق، يحظر في فقرته 12 البحث والتطوير فيما يتصل بالأسلحة النووية”، معتبرا ذلك “عنصرا جديدا يضاف الى شروط المناطق الخالية من الأسلحة النووية، ويجب أخذه بعين الاعتبار، خصوصا وأن عددا من الدول الأعضاء في معاهدة بيلندابا، بحكم انتمائها الإفريقي، ستصبح عضوا في منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط.
المتطلبات والعقبات
أما المدير العام لهيئة الطاقة الذرية في سوريا، إبراهيم عثمان، فيثير بالدرجة الأولى مشكلة تعريف ما يقصد به منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وما إذا كان ذلك يشمل أيضا المناطق البحرية التابعة لدول المنطقة، مثل سواحل حوض البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وخليج باب المندب والمضايق الفاصلة بين هذه البحار، مثل مضيق جبل طارق وباب المندب وهرمز وقناة السويس؟
ويركز الدكتور إبراهيم عثمان في تدخله على أن من أهم تدابير بناء الثقة في المنطقة، ضرورة تطبيق نصوص معاهدة عدم الانتشار بشأن حماية المرافق النووية على جميع دول المنطقة، إذ يرى أن “ذلك يعني أن على إسرائيل، التي ليست طرفا في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، أن تخضع مرافقها النووية لنظام الضمانات”، بل يعتقد أن حتى “إخضاع مفاعل ديمونة لنظام الضمانات الشاملة او إغلاقه، لن ينهي مشكلة وجود أسلحة نووية في حوزة إسرائيل”.
وينتهي الدكتور إبراهيم عثمان الى أن إسرائيل لديها قناعة “بضرورة التوسع في إنتاج الأسلحة الإستراتيجية في إطار مفهومها الخاص بالأمن المعتمد على نقطتين: أولا، التفوق النوعي على العرب في مقابل الميزة العددية التي يتمتعون بها. وثانيا، العمل على تعزيز التحالف الإستراتيجي الثابت مع الغرب”.
ويبدو أن الحديث عن البرنامج النووي الإسرائيلي مازال يشكل إحراجا في المحافل الدولية على النقيض مما يتم بخصوص الملف النووي الإيراني، وهو ما طرحته سويس إنفو على الأمين العام للأمم المتحدة خلال ندوته الصحفية الأخيرة في جنيف، لما قابل وزير الخارجية الإيراني لبحث الملف النووي الإيراني، عندما سألته: لماذا لا تتخذ المجموعة الدولية إطار مبادرة منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل لمعالجة الملف النووي الإيراني، إن كانت جادة في البحث عن حل لمشاكل المنطقة، بما في ذلك المشاكل المترتبة عن البرنامج النووي الإسرائيلي؟
أجاب الأمين العام، إذ كان قد عبر عن دعم مبادرة خلق منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وعن الأمل في حل مشكلة الملف النووي الإيراني بطرق سلمية، لـكنه لم يجد الكلمات للحديث عن كيفية حل مشكلة البرنامج النووي الإسرائيلي، مكتفيا بالقول بنوع من الإحراج “ما الذي يمكن قوله بخصوص البرنامج النووي الإسرائيلي”؟
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.