“إرسال مقرر خاص..أمر مرفوض”
عارض مسؤول حقوق الإنسان بوزارة الخارجية العراقية إمكانية إرسال مقرر خاص معتبرا أنه من السابق لأوانه فرض رقابة دولية على أوضاع حقوق الإنسان في العراق.
ويقود السفير سرود نجيب الوفد العراقي المشارك في الدورة الـ56 للجنة الفرعية لترويج وحماية حقوق الإنسان في جنيف. سويس انفو التقت بالمسؤول العراقي وأجرت معه حوار مطولا.
بمناسبة انعقاد الدورة الـ56 للجنة الفرعية لترويج وحماية حقوق الإنسان (من 23 يوليو إلى 13 أغسطس 2004) في قصر الأمم المتحدة بجنيف، ترأس مسؤول ملف حقوق الإنسان بوزارة الخارجية العراقية السفير سرود نجيب وفد العراق الذي أجرى عدة لقاءات مع سفراء الدول ومسؤولين في مؤسسات حقوق الإنسان من بينهم المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة لويز آربور.
وفي حديث خص به سويس إنفو، تطرق السفير نجيب لوضع حقوق الإنسان في العراق، ووضع السجناء، وكيفية معالجة المحافل الدولية للانتهاكات التي يتعرض لها العراقيون، ونظرة الحكومة الانتقالية الحالية لموضوع الاحتلال والسيادة، وللمسؤولين عن العمليات التفجيرية اليومية.
كما عبر عن معارضة العراق لإرسال أي مقرر خاص للعراق في الوقت الحالي مؤكدا رغبة الحكومة العراقية في تأمين حقوق المواطن العراقي واستعادة السيادة تدريجيا. وعبر المسؤول العراقي عن نظرته لكيفية حل مشكل الفلسطينيين الذين طردوا من العراق وكيف ينظر إلى إمكانية تعويض اليهود الذين غادروا العراق بعد الثمانية والاربعين.
سويس إنفو: سعادة السفير، عند الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في العراق يتم تجاهل الأوضاع الحالية للتركيز على الانتهاكات في عهد النظام السابق. هل هذه الوضعية تلائمكم؟
السفير سرود نجيب: بالطبع أي إنسان لن تلائمه مثل هذه الوضعية. نحن لا نقول إنه ليست هناك انتهاكات لحقوق الإنسان، هذا كلام مبالغ فيه. والانتهاكات موجودة في كل بلد من بلدان العالم. فيما يخص العراق في الوقت الحالي، هناك أكثر من خط يمكن للمواطن العراقي أن يتقدم به في التحقيق في موضوعه: هناك الخط العام عن طريق المحاكم والشرطة، وهناك مؤسسات المجتمع المدني الموجودة في كل مكان، وهناك وزارة حقوق الإنسان ودائرة حقوق الإنسان بوزارة الخارجية. ونحن نشجع المواطن العراقي على استعمال هذه القنوات، ولن نتساهل مع من يعمل على إهدار حقوقه وكرامته.
سويس إنفو: عند الحديث عن حقوق المواطن العراقي يتبادر للذهن إهدار حقوق الأسير العراقي على ضوء ما تم في سجن أبو غريب، ما الذي عملتم على تحسينه في هذا الإطار؟
السفير سرود نجيب: تمت إثارة هذا الموضوع مع الجهات الأمريكية بشكل كبير، وهو شيء مخجل ومؤسف. لكن الأوضاع الآن مختلفة عما كانت عليه في السابق: لقد تمت زيادة عدد الأطباء في مراقبة السجون إلى أكثر من 160 طبيب. إضافة إلى مراقبتنا الدائمة لظروف الاعتقال من غرف وملابس وطعام، ووقت محدد للاغتسال والرياضة. ونتعاون مع الجهات الأمريكية، كما تساعدنا في ذلك عدد من المنظمات. فقد تم فتح مكتب لوزارة حقوق الإنسان في سجن أبو غريب بعد أن كنا نُمنع من الاتصال بالأسرى والمعتقلين من قبل. ونطمح في أن يتوسع هذا كي يشمل كافة السجون العراقية. كما نطمح في أن يبث في موضوعهم، فإذا كان هناك إجرام، يجب أن يقدموا للمحاكمة لأن بلدنا يجب أن يكون بلد القانون. لم نتسلم الملفات كاملة لحد الآن، وبالتالي فإن المعتقلين هم متهمون، ولا يمكن أن يعتبروا مجرمين ما لم تنظر المحاكم في ذلك.
سويس إنفو: في ظروف مواصلة الاحتلال وغياب توفر سيادة كاملة باعتراف الجميع، ألا ترون أنه من فائدة العراقيين وجود رقابة دولية على الأقل في مجال حقوق الإنسان، ومن خلال آليات حقوق الإنسان؟
السفير سرود نجيب: أنا لا أتفق معك أنه ليست لدينا سلطة، بل بالعكس. نحن استعدنا سلطات كثيرة من التحالف، ونمارسها بشكل مباشر. نعم لا زلنا دولة محتلة بحسب قرار مجلس الأمن الدولي رغم استلامنا السيادة بقرار أممي آخر. ولكن هذا سينتهي عند تنظيم الانتخابات بحيث ستكون هناك سلطة شرعية معترف بها دوليا. السلطة الحالية هي سلطة شرعية ولكنها سلطة مؤقتة. أما موضوع حقوق الإنسان فكن على ثقة أننا نتابع هذا الملف بشكل دقيق ونرحب بكل مساعدة ممكنة سواء من الخارج او من الداخل.
سويس إنفو: هناك حديث في اللجنة الفرعية عن إرسال مقرر خاص أو على الأقل تكليف المقرر الخاص الحالي حول الانتهاكات في عهد النظام السابق بالتحقيق في الانتهاكات الحالية، هل هذا يقلقكم؟
السفير سرود نجيب: نحن لا نقلق من أي شيء، وليس لدينا شيء نخفيه ونرحب بأي شخصية تأتي لتقول لنا بأن هناك خرق لحقوق الإنسان في هذه المنطقة أو في هذه الدائرة. أما موضوع المقرر الخاص، فهو موضوع من نوع آخر إذ أنه سياسي أكثر مما هو شخصية تأتي للاطلاع. ولذلك نرفض قبول مقرر خاص لأننا نرغب في إقامة العدالة بأنفسنا. من كان مقصرا علينا محاسبته. نحن لا نريد أن تكون هناك إرادة دولية تشرف علينا لكي لا نبدو وكأننا لا نقوم بواجبنا. فلدينا العديد من منظمات المجتمع المدني التي تقوم بمساعدتنا. أما إرسال مقرر خاص فهذا أمر مرفوض بالنسبة لنا لأنه سيقحمنا في مشاكل سياسية بدل حلها. إذا كان الأمر يتعلق بانتهاكات ارتكبها اشخاص، فيجب تقديمهم للمحاكمة. أما إذا كان الأمر يتعلق بسياسة منهجية، فهذا أمر آخر وعندها يمكن الكلام عن مقرر خاص. فالإدارة العراقية الحالية قادرة اليوم على التعامل مع هذه الأوضاع والحمد لله.
سويس إنفو: كمسئول عن حقوق الإنسان، كيف تنظرون إلى إمكانية فرض حالة الطوارئ في العراق، وكيف يمكنكم التأثير لاحترام أكبر قدر ممكن من الحقوق في هذه الظروف؟
السفير سرود نجيب: “قانون السلامة” هو قانون استثنائي ومؤقت ولا يتجاوز الشهرين، وسيفرض في منطقة أو مناطق في حالة وجود ضرورات أمنية كبرى. وللعلم من بين الشخصيات المشرفة على قانون السلامة، وزيرا حقوق الإنسان والعدل، وهذا لإبعاد أي شبهة في أن هذا القانون سيقضي على الحقوق المدنية او الإنسانية. ولحد الآن لم يمارس هذا القانون بمعالجة وضع أمني سيئ او وضع إرهابي سيئ.
سويس إنفو: تحدثتم عن تفعيل دور منظمات المجتمع المدني، لكن هناك حديث عن إمكانية حل نقابة المحامين التي تعد إلى جانب العدالة، حسب علمنا، السلطة الوحيدة المقربة من المواطن لحمايته في غياب الأمن والسيادة الكاملة؟
السفير سرود نجيب: لا علم لي بذلك، ويجب أن نتأكد من هذا الخبر لأنني لا اعتقد أنه هناك نية في حل نقابة المحامين لأنها انتخبت بشكل حر وديموقراطي.
سويس إنفو: من بين مواضيع حقوق الإنسان في العراق اليوم ظروف محاكمة أقطاب النظام السابق، هل تعتبرون أن الشروط متوفرة لتقديمهم لمحاكمة عادلة ونزيهة؟
السفير سرود نجيب: كن على قناعة، وهنا أحدثك بشكل رسمي وبشكل شخصي، من أنه ستوفر لكل الموقوفين والمتهمين من النظام السابق كافة القضايا القانونية وإمكانيات الدفاع، ولن يكون هناك أي ضغط وأي تسويف في هذا الموضوع. هذه المحاكمة يجب أن تتم بشكل طبيعي وبشكل قانوني لأن هذه هي إرادة العراقيين في بناء مستقبلهم. وهذه هي الخطوة الأولى لبناء عراق ديموقراطي.
سويس إنفو: كانت هناك بعض التحفظات حتى من قبل المفوضة السامية لحقوق الإنسان بخصوص ظروف محاكمة صدام حسين وأعوانه، هل هذا من بين النقاط التي ستثيرونها مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة لويز آربور؟
السفير سرود نجيب: نعم كانت هناك بعض التحفظات، ولكن هذه التحفظات تم الرد عليها بشكل قانوني، ومن حق المفوضة السامية أن تبعث بمندوب لمتابعة هذه المحاكمة، ونحن نرحب بأية ملاحظة إذا كان هناك أي تقصير.
سويس إنفو: كيف يفسر سفير حقوق الإنسان بالعراق اهتمام المجموعة الدولية المتزايد بالأوضاع في دارفور بالسودان وتسميتها بحرب الإبادة، وتجاهلها سقوط المئات من الضحايا العراقيين في الانفجارات اليومية؟
السفير سرود نجيب: كان من الأخطاء أن توافد على العراق عدة آلاف من الإرهابيين. وقد تم قبل يومين قتل اكثر من ثمانين عراقيا في “بعقوبة” نتيجة تفجير سيارة. تسعون في المائة ممن يسقطون في ضحايا هذه العمليات الإرهابية هم من المدنيين العراقيين. وما يتم من تفجير لا يمس الأمريكيين بقدر ما يمس المصالح العراقية من ضرب للبترول، والكهرباء ومضخات المياه، والتفجير في الأماكن السكنية. أما حالة السودان فتختلف كليا.
سويس إنفو: هل كل من يقوم بهذه التفجيرات هو إرهابي؟
السفير سرود نجيب: بالطبع، أي إنسان يلجأ إلى تفجيرات وإلى قتل إنسان مدني وضرب مصالح عراقية هو إرهابي بدون شك.
سويس إنفو: والمصالح غير العراقية؟
السفير سرود نجيب: ليست هناك مصالح غير عراقية. أما إذا كان هناك من يأتي لتصفية حسابات أخرى فهذا موضوع ثاني.
سويس إنفو: من المجموعات التي هضمت حقوقها بعد الإطاحة بالنظام السابق، مجموعة الفلسطينيين الذين نهبت ممتلكاتهم وتحولوا إلى لاجئين لم يقبل أحد إيوائهم. كيف ترون حل هذه المشكلة؟
السفير سرود نجيب: هذه حالة خاصة، وانا اتفق معك أن قسما منهم نهبت ممتلكاتهم وسرقوا حالهم حال العراقيين. ولكن هذه الحالة تدرس الآن بشكل جدي مع الجهات الأردنية لغرض إيجاد حل عادل ودائم. نحن لا ننظر إلى من تعامل مع النظام السابق او من لم يتعامل، نحن ننظر إلى الموضوع من منظور من أجرم ومن لم يجرم في حق الشعب. وأعتقد أن من جملة الحلول بالنسبة لمن لم يجرم، العودة واستعادة الممتلكات والتعويض حالهم حال كل العراقيين الذين تضرروا. والعراق ارض واسعة يمكن أن تستوعب الجميع
سويس إنفو: وهناك حديث أيضا عن تعويض اليهود العراقيين الذين غادروا العراق…
السفير سرود نجيب: موضوع اليهود الذين غادروا العراق موضوع معروف لدى الجميع وقسم كبير منهم باعوا ممتلكاتهم في الحقيقة، وقسم منهم تركوا ممتلكاتهم ووضعت تحت الحجز أو ما شابه ذلك. وهذه وضعية قانونية اكثر مماهي سياسية وهي تتابع. فإذا كانت لهم حقوق فحالهم حال أي عراقي آخر في استعادة حقوقهم. أما موضوع عودتهم او عدم عودتهم، فهذا يشمله قانون الجنسية وقانون الأحوال المدنية المعمول به. فالعراق بلد مفتوح ونحن لا ننظر إلى الإنسان لأنه ينتمي إلى ديانة معينة او إلى قومية معينة، نحن ننظر إلى الإنسان كعراقي، هذا هو الأساس.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.