“إسلام المُدن: بين الجوال والقرآن”…
عُنوانٌ مُثير لمعرض في متحف الحضارات ببازل. يأخذ الزائر إلى إسطمبول ومراكش وداكار وباراماريبو وزيورخ وجنيف وبازل ليتعرف على وجوه مُسلمة معظمها شابة.
بالنص والصورة والصوت والفيديو وديكور ثري، يُظهر المعرض كيف يعيش شباب تلك المدن إسلامهم بين مستجدات العصر وتعاليم الدين، وكيف تختلف ممارسة وتصور الدين من شاب لآخر.
“يومْ وَرا يومْ.. حبـيبي أنا كـُنتِ بـحْلم بيك بـِعنيك.. وياما استنـَّى ألبي.. يـومْ وراء يوم.. حبيبي ما جاني نوم..”…
أيُّ قارئ عربي قد يُكمل هذه الأغنية الشبابية المشهورة لدويتو مغربي جزائري غني عن التعريف…
سَمِعتـُها في معرض “إسلام المُدن: بين الجوال والقرآن” في متحف الحضارات ببازل، فأسرعت أولا إلى الجناح الذي يُذيعها، دون أن أتوقف طويلا في مدخل المعرض الذي يقترح رواقا يوضح النسبة الكبيرة للمسلمين في العالم، ومبادئ الإسلام وأركانه، ويعرض مخطوطات وصورا ووثائق وتحفا إسلامية جميلة للغاية.
أغنية “يـُوم وَرا يوم” الراقصة كانت ضمن الموسيقى التصويرية للشريط القصير الذي يُعرضُ على شاشة كبيرة في الجناح المُخصص لمدينة مُراكش المغربية.
نتعرف فيه على الشابة حنان المُحجبة (20 عاما) التي تـُدوِّن مذكراتها باللغة الفرنسية في دفتر مُزخرف. تتساءل عن صحة خياراتها الدينية. هل هي مُحقـّة؟ هل ستفي بالوعد الذي قطعته على نفسها أمام الله؟ تتمنى الحصول على إجابات…
بين “يوم ورا يوم” وعمرو خالد..
تقول حنان: “أنا مسلمة عصرية. يعني ذلك بالنسبة لي أنني منفتحة على العالم، على الأشياء الجديدة، على الثقافات الأخرى، لكن دون نسيان ديني”.
وبينما نشاهد صورا في شارع مراكش تتجول فيها شابات بأزياء عصرية وأخرى تقليدية، تستطرد حنان بلهجتها المغربية: “المْرَة (المرأة) العصرية مش لازم تكون عصرية بزاف (كثيرا)، خْصْها (يلزمها) حدود فلباسها وتصرفاتها ولازم تحافظ على دينها”.
ترافقها الكاميرا في بيتها وبين شوارع مراكش الحمراء التي تمتزج فيها الثقافات. تشاهد مع صديقاتها المحجبات وغير المحجبات سلسلة “فراندز” (الأصدقاء) الأمريكية الشهيرة. ثم تُصنف حنان الأوجه المختلفة لممارسة الدين في المغرب، بين المتشدد والمعتدل والتقليدي والمتجاهل…
وبينما يواصل الدويتو أغنية “يوم ورا يوم”، تثير انتباهي في باقي أروقة الجناح صور هواتف نقالة عليها وجهُ حنان. بجانب كل صورة جوال صغير يمكن للزائر أن يشغله للاستماع لقصة ارتداء حنان للحجاب ومعارضة أحد أساتذتها لذلك. وبما أن المعرض متعدد اللغات (ألمانية، فرنسية وإنجليزية)، فللزائر أن يختار..
وتقابل تلك الهواتف شاشةٌ صغيرة يملؤها وجه الداعية المصري الشاب عمرو خالد الذي حثت خطاباته عشرات آلاف الفتيات المغربيات على ارتداء الحجاب في السنين الأخيرة.
كان يقول متحدثا عن الشابات المُسلمات عندما اقتربْتُ من الشاشة: “أناقتي عالية أوي، عايزا أجوز، واحد حِلو أوي”، ثم يسأل جمهورا من الشابات والشبان: “إنت هدفك إيه، ما ينفعش، إنت هدفك إيه؟ البنات: الموضة، جمالي، أجوِّز، يكون معايا فلوس، وفين ربـِّنا؟ ييجي في المرتبة التاسعة؟ علشان كيدا بتصلوا متأخر”. ثم يتوجه بنفس السؤال للشبان (…): أنا عايز بنت، أتخرج، شغلانا كويسة، فلوس… وفين ربنا؟”.
ومعظم الشباب المغربي، وربما العربي، قد يستمع في نفس الوقت إلى عمرو خالد، وإلى “يوم ورا يوم”…
من أتا ترك…
جناح مراكش يقع بين جناحي مدينتي إسطمبول (تركيا) وباراماريبو (سورينام في أمريكا الجنوبية).
الأول يوحي بأجواء تركيا العلمانية، مُجسم لوجه كمال أتاتورك، علم البلاد، أزياء تجمع بين الحداثة والتقاليد، صور مجلات عليها شابات مسلمات محجبات ترتدين “جينز” وعلى وجههن تطرية (ماكياج) بارزة.. أخريات غير محجبات لا يختلف مظهرهن عن بنات أوروبا. وشريط مصور يقدم نموذجا لفصل الدين عن السلطة.
فيرهات أستاذ تركي يتمسك بتعاليم أتاتورك. أمه تصلي وتصوم ولا تُجبر أحدا على العمل بالمثل. أبوه أقل ممارسة للطقوس الإسلامية ويشرب الكحول. أصدقاءه “مزيج متنوع من المحافظين والراديكاليين…”.
يستشهد مرارا بأتاتورك الذي قال: “يجب أن نترك العقل والعلم لقيادتنا”. يؤمن فيرهات بأن الدين “مسألة خاصة، وليس بمشكلة”. يؤمن بالله والقرآن، “لكنه لا يمارس تعاليم الإسلام بالحرف”. وهو على قناعة بأن “المظهر ليس الأهم”. الأهم بالنسبة له هو “الأمانة والضمير والمعاملة الحسنة للناس”.
… إلى الشيخ بامبا
أما الجناح المخصص لمدينة باراماريبو، عاصمة سورينام (التي تقع شمال قارة أمريكا الجنوبية، وتضم أقلية مسلمة تناهز 20% من مجمل السكان)، فيـُقدم للزوار الشابة فارينا (21 عاما، طالبة في علم الاجتماع والتنمية) التي ترعرعت في هذا البلد المتعدد الثقافات والأديان حيث يتعايش الهندوس والكاثوليك والبروتستانت ومعتنقو الديانات الأصلية في تلك المستعمرة الهولندية السابقة.
تقول فارينا التي ترتدي الحجاب فقط عندما تذهب إلى المسجد “أنا مسلمة في مجتمع متعدد الديانات. أعتقد أننا، نحن السوريناميون، نهتم بالقواسم المُشتركة أكثر من أوجه الاختلاف”. وتضيف عن ارتداء الحجاب: “في القرآن، مكتوب أن المرأة يجب أن تغطي زينتها. لكن النقاش الكبير يدور حول معرفة ماذا يـُعنى بالزينة (…)”.
وفي زاوية من الجناح، منضدة زينة وُضعت عليها أنواع كثيرة من مستحضرات ولوازم التجميل. وتحت رف التجميل نقل المعرض رأي فارينا في الماكياج…
ومن جناح باراماريبو يسمع الزائر نغمات إفريقية من رواق داكار حيث تعرض رسوم وصور حائطية كبيرة بالألوان الحية التي تميز القارة السمراء.
سرعان ما يثير الانتباه لوحة كبيرة للشيخ أمادو بامبا (1853-1927) مؤسس الطريقة الصوفية السنغالية التي يطلق عليها إسم “المُريدية”.
ويقدم الشريط المُصور المعروض في الجناح السنغالي الشاب أليون (23 عاما)، بائع الأشرطة الموسيقية في العاصمة داكار. هو من أتباع الشيخ بامبا الذي يعتبره “الأفضل، والنابغة والشخصية الساحرة”.
يقول أليون: “أنا فخور بكوني مُريدي (…) إن كلمة المريدي تعني متبع طريق الله. وبالتالي فإن كافة المسلمين مريديون بالنسبة لي”.
ثم يضيف: “الحياة في داكار صعبة. للإفلات منها، يجب على المسلم أن يؤمن بالقرآن. عندما تؤمن لا تعاني من المشاكل”.
عن حياة الشباب المسلم، يقول أليون: “اعتقد انه من الأفضل للشبان الزواج في سن مُبكر. ربما ذلك أفضل لأنه يحمل أشياء إيجابية كثيرة. لا تنفق المال بسهولة كما في السابق ولا يتبقى الوقت للعب كباقي الشبان (…)”.
أليون يحترم أيضا الأولياء الذين يعتبرهم “قادة” في الإسلام. فهو يؤمن أن كل من علمه كلمة واحدة من القرآن وليه، وأن كل من يعمل لترسيخ تيار الشيخ بامبا يعمل من أجل الإسلام. أما مسألة الحجاب فلا تكاد تُطرح في بلاده، إذ ترتدي السيدات المتزوجات منديلا فوق رؤوسهن وليس الحجاب.
فسـيفـساء سويسرا
ويؤدي جناح داكار إلى الجناح السويسري الذي يعرض ستة أشرطة مصورة لـستة نماذج لمسلمي سويسرا. من مقدونيا والسينغال والعراق وتركيا و”البوسنة والهرسك” والمغرب.
يعكس هذا الجناح الاختلاف الكبير بين تصور هؤلاء لدينهم وكيفية ممارستهم لطقوسه، أو عدم ممارستها أصلا. فهمنهم من يصلي صلواته الخمس ويصوم، ومنهم من يعتقد أن الإيمان في القلب وأن الأهم هو المعاملة الحسنة واحترام الآخر، وعدم فرض الدين على الأبناء بل تركهم أحرارا لاختيار عقيدتهم.
ومن الشابات من ترتدي الحجاب بإيمان وقناعة قويين، ومنهن من لا يعني لها الحجاب شيئا دون أن ترى في ذلك انتقاصا من إسلامها.
ومن الشبان الذين ترعرعوا في سويسرا من كان مُلحدا إلى سن السابعة عشرة وتغيرت حياته عندما ازداد اهتمامه بجذوره ليتمسك أكثر فأكثر بالإسلام، ومنهم من يحاول التوفيق بين نمط الحياة في الغرب وتقاليد بلاده الأصلية. منهم من يقول إن صيام رمضان صعب جدا في الغرب، ومنهم من يؤمن بأن ممارسة الدين لا ترتبط بمكان معين…
وجوه وآراء مختلفة. إسلام واحد أم “إسلامات”؟ لتعزيز هذا الحوار، يقترح الجناح السويسري أيضا ورش عمل يشارك فيها التلاميذ (من 15 إلى 19 عاما) يتم تصوير نقاشهم حول الإسلام والمسلمين في سويسرا. ويضع المعرض رهن إشارتهم حاسوبا لتسجيل حواراتهم في أقراص فيديو مدمجة تعرض بعد ذلك على الزوار. ويتيح المعرض لكافة ضيوفه المشاركة في نقاش يعد بأن يكون ثريا، وربما ساخنا.
سويس انفو – إصلاح بخات – بازل
يتواصل معرض “إسلام المدن: بين الجوال والقرآن” في معرض الحضارات ببازل من 25 يناير إلى 2 يوليو 2006.
المعرض المتعدد الوسائط مستوحى من تصور “متحف المناطق الاستوائية في أمستردام” (كيت) وبالتعاون معه.
ينقسم المعرض إلى أجنحة تم نقلها من متحف أمستردام: مبادئ وأركان الإسلام، وأربع نماذج لمسلمين يقيمون في كل من مدينة إسطمبول التركية ومراكش المغربية وباراماريبو السورينامية وداكار السنغالية.
وأضاف متحف الحضارات في بازل إلى المعرض جناحا سويسريا يقدم ستة مسلمين يعيشون في سويسرا وينحدرون من دول مختلفة.
استغرق تحضير المعرض في متحف بازل أكثر من ثلاثة أشهر، وتتوفر كافة التعليقات باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.