إشكالية الإسلاميين تشتعل عربيا
بعد أن فازت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، علّـق أحد كبار المسؤولين العرب بالقول، "إنه زلزال كبير وعلينا أن نتحمل توابعه".
لكن المسؤول البارز لم يفصح ماذا يقصد بهذه “التوابع”، و لم يُحدد هل هي تخص الفلسطينيين وحدهم، أم أنها تمتد أيضا لتشمل كل بلد عربي يعاني من “مشكلة ما” مع تيار أو فصيل إسلامي.
بعد أن فازت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، علّـق أحد كبار المسؤولين العرب بالقول، “إنه زلزال كبير وعلينا أن نتحمل توابعه”.
لكنه لم يفصح ماذا يقصد بهذه التوابع، هل هي تخص الفلسطينيين وحدهم، أم تمتد أيضا داخل كل بلد عربي يعاني من مشكلة ما مع تيار إسلامي أو جماعة محظورة، ولكن ذات نفوذ في الشارع أم أنه كان يقصد كل أنواع التوابع، فلسطينيا وعربيا ودوليا معا.
توابع فوز حماس
على كل، يبدو أن توابع فوز حماس ومن قبل فوز أعضاء ينتمون إلى الإخوان المسلمين في انتخابات البرلمان المصري، وهيمنة القوى الدينية الشيعية العراقية على مسار العملية السياسية الجارية في العراق المحتل، وإشكالية حزب الله ـ كحركة مقاومة وكسلاح وكنفوذ سياسي وشعبي وامتداد معنوي إلى ما وراء حدود لبنان.
والجدل الذي يثور حينا ويخفت حينا حول استيعاب بعض رموز جبهة الإنقاذ الجزائرية في النظام السياسي وعملية الوفاق الوطني، والضغط التونسي المتتالي على أي نشاط إسلامي إذ يُـنظر إليه باعتباره نقيضا للنظام العلماني. وكذلك الوضع في سوريا التي ترى في إخوان سوريا في الخارج خطرا يهدّد النظام، وأنهم عملاء لجهات أجنبية، دون التساؤل عن سبب خروج هؤلاء إلى الخارج قبل ربع قرن مضى.
كل هذه الحالات تشكّـل معا بعض مظاهر الحالة الإسلامية السياسية، عربيا، في شقها المتوتر.
الاندماج القلق
أما في شقها المندمج أو شبه المندمج مع النظام القائم، فتبرز حالات اليمن والأردن والمغرب والسودان، حيث توجد أحزاب إسلامية، بعضها امتداد لحركة الإخوان المسلمين أو تطوير لها، وبعضها الآخر يعكس خصوصية المجتمع بلا منازع، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الاندماج لا يعنى غياب المشكلات مع الحكومة القائمة أو مجمل النظام السياسي ـ مع استثناء السودان ـ فهناك دائما حركة شدّ وجذب واتهامات وتضييق، ولكنها لاتصل إلى حدّ القطيعة التامة، بل نرى في النموذج المغربي محاولة أكثر اتساعا لجذب حركة العدالة والتنمية الإسلامية لتكون جزءا من الحكومة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى طبيعة نظام الحكم ووضعية الملك فيه باعتباره أمير المؤمنين لا ينازعه البيعة أحد، سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي أو بمعنى آخر، لا يشكل الإسلاميون خطرا ينازع مؤسسة الملك.
والأمر نفسه شبيه بما يجرى في الكويت، حيث الحركة الإسلامية الموجودة في صلب الحياة السياسية، والتي أدّت مواقفها الأخيرة والمعترضة بشدة في البرلمان الكويتي ضدّ قانون الدوائر الانتخابية، ذي الدوائر العشر الذي قدمته الحكومة إلى قرار أمير البلاد بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكّـرة في نهاية الشهر الجاري، يؤمل معها أن تؤدي إلى تقلّـص نفوذ النواب المحسوبين على الحركة الإسلامية، وليس إقصائهم تماما من مُـجمل حركة النظام.
الشق المتوتر.. حصار وعزل
في الشق المتوتر من الحالة الإسلامية، وبغضّ النظر عن التفاصيل اليومية، ثمة عناصر جامعة تصبّ في عملية حصار منهجي للمنظمات الإسلامية باعتبارها تمثل نقيضا للنظام القائم أو تحمل معها – إن نجحت في الممارسة السياسية العلنية – عناصر ضغط هائلة على النخب القائمة.
ففي فلسطين كما في مصر، يبدو القاسم المشترك هو احتواء صعود الإخوان برلمانيا وحماس برلمانيا وحكوميا معا، وربما يكمُـن الفارق الأهم بين الحالتين في أن حالة حماس، وبما أن لها صلة مباشرة بمستقبل الكيان العبري، فهي حالة دولية تقودها الولايات المتحدة بهدف إنهاء أسطورة حماس كحركة مقاومة مزعجة وذات شعبية ضاربة الجذور، على الأقل في قطاع غزة.
ومن هنا جاء الحصار والعقاب الجماعى للفلسطينيين، والعزل المالي والدبلوماسي، ووضع الشروط القاسية التي تهدف إلى أحد أمرين: إما تغيير عقيدة حماس السياسية، لاسيما فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل وإنهاء كل ما يتعلق بالمقاومة المادية والعسكرية، وإما إفشال تجربتها السياسية في الحكومة وتوسيع الفجوة بينها وبين من أتوا بها، ومن ثم إسقاطها غير مأسوف عليها أو هكذا هو المخطط الأمريكي، دون اعتبار إلى حالة التوحد الشعبي بين فكر الحركة وبين الذين يؤيدونها، والذي يرجّـح فشل المخطط الأمريكي الإسرائيلي من جهة، بل ربما التفكير في فتح ثغرة للتعامل مع حماس مستقبلا، باعتبارها “قوة أمر واقع”، لا يمكن تجاوزها.
الحالة المصرية
أما في الحالة المصرية، فالقضية محصورة حتى الآن في الشدّ والجذب بين الحكومة والنظام السياسي وبين جماعة الإخوان، والضغط الحكومي في الأسابيع القليلة الماضية آخذ في التصاعد. وحسب تصريحات رئيس الوزراء، فهناك تفكير في تعديل دستوري يَـحُـول دون أن يكون للإخوان أعضاء في البرلمان، ومن قبل، نصح رئيس البرلمان فتحي سرور أعضاء الإخوان ألا يصفوا أنفسهم بأنهم كتلة الإخوان، لأنهم بذلك يمثلون جماعة سرية، وعندها يصبح من حقه أن يرفع عنهم الحصانة باعتبارهم أعضاء في جماعة محظورة قانونا.
وفي الأخبار الجارية، هناك حملة أمنية على رجال أعمال وتجار محسوبين أو هم أعضاء في الجماعة، حيث تم القبض على 58 رجل أعمال من الإخوانيين، وتم إغلاق 21 شركة يملكها أعضاء في الجماعة، ووجهت لهم تُـهم الانتماء إلى جماعة محظورة والمشاركة فى تمويلها. ولا يهم هنا تأثير ذلك على مناخ الاستثمار أو استيعاب البطالة المتزايدة، وهي تحركات، تعني أن القرار الرسمي بات يعني المواجهة المفتوحة سياسيا، والحصار ماليا وإعلاميا.
إنهاء الظاهرة أم استيعابها
إذن، وأيا كانت التفاصيل، فالمطلوب إنهاء الظاهرة الإسلامية المسيّـسة كحد أقصى أو محاصرتها وزيادة معاناتها وعزلها، ومنعها من كسب مؤيّـدين جُـدد، كحد أدنى.
والظاهر أن هذا الفكر يجد في المواقف الدولية، حتى برغم تشدقها بالإصلاحات والخيارات الديمقراطية وما إلى ذلك، دعما ظاهرا ومستترا معا في تلك المواجهة، إذ من اليسير الردّ على أي انتقاد أمريكي مثلا، بالقول “وماذا تفعلون أنتم مع حماس؟ فنحن لم نخرج عن نفس ما تقومون به، بل هذا يؤكّـد توحّـدنا معكم في النوايا والسياسات”.
والمعنى المتوحد هنا، أن إفشال حماس من شأنه إن يكون درسا وعظة لم يريدون أن تأتي قوة محسوبة على التيار الإسلامي لتقود النظام ولتطرح نموذجا مختلفا في الحكم والسياسة.
وربما كان لسان حال البعض أن ما يجري من عقوبات جماعية وضغوط على الشعب الفلسطينى، رغم ما فيها من ظلم بيّـن وتعقيد للمشكلة الفلسطينية التي ليست بحاجة إلى مزيد من التعقيد، “كفيل بأن يقدم نموذجا مبكّـرا مليئا بالضغوط والمعاناة لأي تطور قد يفضي إلى انتصار جماعة محظورة عبر صناديق الانتخابات”.
تحركات بلا شعبية
المشكلة في هذه الإجراءات، سواء أمريكيا أم مصريا وعربيا، أنها بلا شعبية أحيانا وبعيدة عن حركة المجتمع.
فالذين يراهنون على إسقاط حكومة حماس مثلا، لا يدركون أن هذا الإسقاط القسري لن يقود بالضرورة إلى تحسين الوضع وعودة المتعاونين مع المطالب الدولية إلى سدّة الحكم، بل يشكّـل هذا الإسقاط القسري مدخلا لفوضى وتيار جارف من العنف ستكون له آثاره السلبية بعيدة المدى على إسرائيل قبل غيرها، خاصة وأن حماس تعدّ حركة اجتماعية قبل أن تكون حركة سياسية أو مجرد فصيل مقاومة عسكري.
أما فى حالة الإخوان مثلا، فثمة حالة تعاطف شعبي في بعض المناطق التي يبدو فيها نفوذ الدولة الثقافي والتحديثي والتنموي، غائبا تماما أو شبه غائب، وهي مناطق ممتدة ومنتشرة في طول البلاد وعرضها. لذلك، فالحصار السياسي والتضييق المالي قد يؤدي غرضه في الزمن المباشر، أما على المدى الأبعد، فسيكون له تأثيره العكسي، لاسيما إذا ظلت السياسات الاقتصادية على حالها المعتاد تؤدّي إلى مزيد من إفقار الفئات الوسطى، واستمرت السياسات الثقافية محصورة في نخبة محدودة لا تأثير لها على رؤية وعقل رجل الشارع العادي.
د. حسن ابو طالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.