إضراب العمال وأهرامات دبي!
تبذل السلطات الإماراتية جهودا كثيفة لمحاصرة التداعيات السلبية المحتملة للاضرابات العمالية المتلاحقة على سمعة البلاد وصورتها على المستوى الدولي.
وفيما سعت الجهات المعنية لاحتواء مظالم العمال الاجانب، ومعظمهم من بلدان شبه القارة الهندية، لكن تصاعد تكاليف المعيشة، وضعف الأجور التي تتراوح بين 150 و200 دولار في المتوسط كانت شرارة جديدة أشعلت نيران المواجهة وخاصة في دبي التي تشهد طلبا هائلا على العمالة الرخيصة لتنفيذ مشاريعها الضخمة.
ُيُروج بعض الكتاب الإماراتيين الذين تناولوا مسألة إضراب العمال “الآسيويين”، إلى أن تكرار هذه الإضرابات في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا في إمارة دبي، “صار أمرا ملفتا ومزعجا لكثير من المواطنين والمقيمين”.
وربما يكون هذا الأمر صحيحا بالنسبة للمواطنين أو من يلبس ملابس “مواطن”، لأن الكثير منهم، خصوصا أولئك المتجنّـسين الذين لا يمتّون لهذه الأرض بصلة التاريخ، يستحق أن تنظم ضده إضرابات وإضرابات بسبب سوء تصرفه وتعامله الاستعلائي مع المقيمين، أيّا كانت جنسيتهم..
أما أن تزعج إضرابات العمال “الآسيويين”، المقيمين، فهذه مسألة فيها نظر، مع ملاحظة أن ذلك النوع من الإضرابات الذي يؤدي إلى إغلاق الطرق ويؤثر بالتالي على حركة المرور، هو الذي يثير غضب المقيمين المتّـجهين، المحروقة أعصابهم كل يوم بالاختناقات المرورية “وكثير منها مفتعل” في دبي بشكل خاص، حسب رأي بعضهم.
لكن يجب التّـمييز بين غضب وغضب. فالمقيمون “من غير المُـضربين”، الذين جاؤوا إلى دولة الإمارات بحثا عن لُـقمة العيش، “وما عادوا يحصلون عليها بسهولة”، ليسوا بأفضل حال من العمال الآسيويين الذين مارسوا مؤخرا حقّـهم في التعبير عن مُـعاناتهم، ولم يتعدَّوا حدود الإضرابات، حتى إذا تخلّـلت ذلك بعض أعمال الشَّـغب، وهو أمر مألوف جدا في مثل هذه الحالات.
وربما يبدو الأمر غريبا بعض الشيء أن تشير بعض الأطراف إلى أن الكثير من العاملين في شركات خاصة في الإمارات، وحتى الذين يعملون في مؤسسات تخضع لسلطة مدينة دبي للإعلام مثلا، لديهم معاناتهم المماثلة، ولعلها لا تختلف كثيرا في جوهرها عن مُـعاناة العمال الآسيويين.
ويرى كثيرون أنه ليس صحيحا على الإطلاق أن يثير تِـكرار الإضرابات غضب المقيمين أو تخفض من درجة التعاطف مع قضيتهم الإنسانية في بلد، لا يشك أحد على الإطلاق في أن المقيمين عليه يرفضون جُـملة وتفصيلا إلحاق الأذى برعاياهم المقيمين على وجد التحديد.
مراجعة عاجلة
ويمكن القول أن الحكومة، وبتعليمات مباشرة من الشيوخ، يريدون حلّ هذه المشكلة بطريقة حضارية، عندما طلب مجلس الوزراء الإماراتي من وزارة العمل القيام بـ “مراجعة عاجلة لمستوى أجور عمال البناء” في الإمارات، التي تشهد طفرة عمرانية هائلة.
والمُـلفت في كل هذا، أن رئيس مجلس الوزراء، حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يسابق في أهراماته التي يبنيها له العمال الهنود موسوعة “غينيس” العالمية، هو من وجه وزارة العمل بإعداد تصوّر عاجل حول مسألة أجور العمال في قطاع الإنشاءات والمقاولات، وذلك بالتعاون مع الشركات المعنية.
وقد أوعز الشيخ محمد بن راشد، الذي يدرس أيضا في ظروف سكن العمال و”ظروف دفع الأجور”، من واقع أن أرباب العمل يُـماطلون في الدفع، رغم تدنّـي الأجور إلى أقل مستوى في دولة غنية كالإمارات، إلى السماح للمضربين “المسالمين” بالعودة إلى عملهم من دون محاسبة، فيما يقول مسؤولون، إن من وصِـفوا بالمضربين “المخربين”، رحّـلوا إلى ديارهم بخُـفي حنين.
ويعمل نحو 700 ألف آسيوي، معظمهم من الهند وباكستان وبنغلادش في قطاع البناء، الذي يشهد ازدهارا في الإمارات، وهم يعيشون في ظروف قاسية للغاية ويسكنون بالجملة و”يباعون بالكِـيلو”، ولا يحصلون على أبسط حقوق الحيوان، ويتقاضون أجورا تمنع من أن يسمِـن العامل لتُـصبح له عضلات، حتى يأتي بعض الكتّـاب الإماراتيين ليُـندِّدوا بهذه المجموعة من العمّـال، التي شاركت في الإضرابات “لتستعرض عضلاتها”.
موضة “الأهرامات”!
وربما ينسى البعض أثناء هذا السباق المحموم لإنشاء أعجوبة ثامنة في دُبي، أن الإنسان أهم من الحجر والأهرامات، وأن وصف تِـكرار الإضرابات العمالية بـ “الموضة”، لا يتوافق مع تطلّـعات قادة البلاد، وأن إبداء “قلق” بسبب “حالات التوقّـف عن العمل في عدد من منشآت قطاع الإنشاءات ” و”تفعيل هذه الآليات وتعزيزها” على حساب حقوق العمال الممزوجة برائحة النفط وأسعاره المرتفعة الصاعدة دون نزول، ليس متوافقا مع الشرائع والقوانين المحلية والمعاهدات الدولية.
وحتى إذا اعتبر هذا البعض أن “التجاوزات بحق العمال استغلالا لا تقبل به الدولة ولا تسمح به القوانين والأنظمة المعمول بها”، فإن هذه القوانين المعمول بها حاليا قد لا تكون مدخلا لحل سليم يتوافق مع “رؤية” الشيخ محمد بن راشد المُـفعمة بروح الحضارة والمتشبّـعة بإنسانية عبر عنها في كتابه “رؤيتي.. التحدّيات في سباق التميـز”، والمنسجمة تماما مع ما كان يجسِّـده الراحل الشيخ زايد آل نهيان الذي يصفه كثيرون بـ “آخر حكماء” هذا العصر حول الاهتمام بالإنسان المبدع للسباق مع الزمن ومواجهة تحديات العولمة.
أخيرا، يشير مراقبون إلى أنه يُفترض في من وجه الانتقاد إلى “الإضرابات” الأخيرة أن يعرف أنها تظل الحل “الأفضل” للمطالبة بالحقوق في القرن الحادي والعشرين وأنه عليهم تقبّـله والتعامل معه رغم أنه أمر مستجد على مجتمع باتت الأمور الغريبة فيه كثيرة، ويلاحظون أن سلسلة الإضرابات قد لا تتوقف إذا لم تعالِـج الدولة أصل المشكلة، وأن الاهتمام بمَـن يُـحرِّض على الإضراب، ليس هو المشكلة على الإطلاق، وأن منطقة سنابور، والتي تعتبر أكبر تجمّـع عُـمالي بالدولة، تَـغلي بآلام العمال الذين لا يحتاجون إلى أكثر من “الإنصاف”.
مراسلة خاصة بسويس انفو من دبي
دبي (رويترز) – خلف الأبراج المتلألئة والطرق السريعة المزدحمة والفيلات الفاخرة في إمارة دبي، يعيش مئات الآلاف من عمال جنوب آسيا الذين ساعدوا في بناء هذه المنشآت في مناطق صناعية ضيقة ومتربة.
وفي ظل إحباطهم من الأجور الضئيلة وساعات العمل الطويلة، يشكو عمال البناء في دبي منذ فترة طويلة من أوضاع العمل السيئة خلف عملية الازدهار العمراني التي تشهدها الإمارة. وخلال هذا الأسبوع اتخذت احتجاجاتهم شكلا عنيفا.
وقال عامل مصري، طلب عدم نشر اسمه، أن العمال “قلبوا سيارات الشرطة وجاءت الشرطة وبدؤوا بإثارة المشاكل معها”، وأضاف “إنهم يطالبون بزيادة الأجور… توقفوا فجأة عن العمل وأوقفوا السيارات، وجاءت الشرطة لتمنعهم من إغلاق الطريق، فهاجموا الشرطة، وحاصرت هذه الأخيرة المخيم (السكني) وأخذت .. عمالا ووجهت لهم اتهامات”.
وذكرت صحيفة غولف نيوز اليومية، يوم الخميس 1 نوفمبر أن من بين نحو خمسة آلاف عامل اعتقِـلوا خلال الاحتجاجات يوم السبت، لا يزال 800 رهن الاحتجاز. ونسبت الصحيفة إلى القائد العام لشرطة دبي ضاحي خلفان تميم القول، أن العمال الذين شاركوا في تخريب عربات الشرطة والممتلكات العامة سيحاكَـمون.
ومنذ فترة طويلة، تواجه دبي، وهي واحدة من سبع إمارات تتألف منها دولة الإمارات العربية المتحدة، انتقادات من جماعات دولية معنية بحقوق الإنسان، تقول إن الإمارة تتغاضى عن مسألة عدم دفع أجور العمال وعدم توفير الرعاية الطبية لهم وإسكانهم في مساكن دون المستوى.
ويشكل الأجانب، وبينهم العمال والموظفون الذين يتلقون أجورا متوسطة ومرتفعة نحو 85% من سكان دولة الإمارات، وعددهم أربعة ملايين نسمة.
ويمكن رؤية العمال بزيِّـهم الملون وهم يعملون في مواقع البناء في جميع أنحاء دبي، التي استغلت عائدات النفط الذي بلغت أسعاره مستويات قياسية في تنفيذ مشروعات طموحة، من بينها مشروع أطول مبنى في العالم وثلاث جُـزر على هيئة شجر النخيل ومشروع بناء أرخبيل صناعي على هيئة خريطة العالم.
وعدلت الحكومة قانون العمل في الشهور الأخيرة ليشمل إلزام أصحاب العمل بدفع نفقات سفر العمال الوافدين وتصاريح العمل والفحوص الطبية والرعاية الصحية.
كما أغلقت الحكومة بعض مخيمات العمال، التي لا تفي بالحد الأدنى لمعايير الصحة والسلامة في مسعى للتصدي للشركات التي تستغل العمال الوافدين.
لكن في مارس الماضي، ذكرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش)، ومقرها نيويورك أن مسودّة قانون العمل الإماراتي لا ترقى إلى المعايير الدولية بشأن حقوق العمال.
وقال عامل باكستاني بلغة إنجليزية ركيكة “المشكلة في الأجور، لأن أجورنا زهيدة.. ربما مائة دولار.. وهذه مشكلة كبيرة”.
وتبدأ بعض المشاكل في مواطن هؤلاء العمال، الذين يتم توظيفهم بوعود زائفة بالحصول على أجر جيد يستطيع تحويله إلى بلده.
وكثير من هؤلاء العمال أمِّـيون ولا يستطيعوا قراءة العقود التي يوقِّـعونها قبل السفر. وفي دبي ينتهي الحال بكثير منهم بالعيش في غرف مكتظة يقتسمونها في مخيمات تديرها شركاتهم. ويحتجز بعض أرباب العمل جوازات سفر العمال لمنعهم من الهرب.
وتضغط الولايات المتحدة، التي تتفاوض مع دولة الإمارات لإبرام معاهدة تجارة حرة على الحكومة، لتطبيق المعايير الدولية على القوى العاملة.
لكن رغم تعهد الإمارات بمعاقبة الشركات التي لا تدفع أجور عمالها في الوقت المحدد أو تجبرهم على العيش أو العمل في أوضاع سيئة، فلا تزال اتحادات العمال غير مشروعة، كما كثيرا ما تنتهي الاحتجاجات بترحيل العمال.
وقال عامل مصري آخر “سيتم ترحيل البعض.. من يثيرون المشاكل يرحَّـلون إلى بلدانهم… ومن يعملون دون إثارة المشاكل سيتم الإفراج عنهم من السجن وإعادتهم إلى عملهم”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 نوفمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.