مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إعلام الحرب بين الحقيقة والتضليل

رغم تغطية وسائل الإعلام للحرب على العراق المباشرة يتساءل المراقبون عما إذا كانت تعكس ما يحدث فعلا عل على أرض الواقع Keystone

أتاح التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الإعلام المجال لتغطية الحرب ضد العراق على الهواء مباشرة.

لكن المراقبين يتساءلون عن مدى موضوعية هذه التغطية الإعلامية في ظل القيود التي تفرضها المصادر العسكرية.

يحلو للعديد من المراقبين المقارنة بين حربي الخليج الثانية والثالثة من زاوية التقنيات العسكرية المستخدمة فيهما. لكن الخبير الإعلامي السويسري هيريبت سايفيرت يتعامل معهما من منطلق الأسلوب الذي استخدمته وسائل الأعلام في تغطيتهما؛ فالفرق بينهما كبير.

فقد اتسمت التغطية الإعلامية لحرب الخليج الثانية بقيود صارمة فرضتها الولايات المتحدة على مصادرها العسكرية، إلى المدى الذي اضطرت فيه وسائل الإعلام السويسرية والأوروبية عموما عام 1991 إلى الاعتماد بصورة شبه كلية على المعلومات المقدمة من قبل قوات التحالف، وبطريقة لم تعكس في أحيان كثيرة حقيقة التطورات الجارية فعلاً على أرض الواقع.

القيود لازالت قائمة..

لا تختلف حرب الخليج الثالثة عن سابقتها عندما يتعلق الأمر بالقيود التي تفرضها المصادر العسكرية الأمريكية. يكفي الاستماع إلى ما قاله الصحافي أورليخ تيلجنر، مراسل التلفزيونين السويسري والألماني، والذي أصر على البقاء في بغداد رغم بدء الحرب.

ففي رده على سؤال لصحيفة SonntagsZeitung الأسبوعية عما إذا كان الصحافيون يتعرضون للترهيب من قبل الولايات المتحدة، رد قائلا: “يحاول البنتاغون (وزارة الدفاع) أن يملي علينا نحن الصحافيون كيف وأين تتم تغطيتنا للأحداث. ولهذا، على سبيل المثال، هدد بقصف الفندق الذي يقيم فيه الصحافيون إذا لم يغادروا المدينة في الوقت المناسب”.

الفرق في الأسلوب والتقنية!

فيما عدا ذلك، يتبدى التباين بين التغطية الإعلامية للحربين صارخاً منذ اللحظة الأولى لبدئهما. فلم يشهد التاريخ تغطية حية مباشرة على مدارالساعة لحرب اندلعت كما هو الحال مع الحرب الحالية على العراق.

يعود ذلك أساساً إلى التطور التكنولوجي الذي شهدته الساحة الإعلامية، والذي سمح على سبيل المثال للصحافيين بتصوير الحدث ونقله عبر الهاتف المرئي، أو بث وقائع حدثين أو اكثر في نفس الوقت.

أما الجديد والأهم، كما يقول الخبير الإعلامي السويسري هيريبت سايفيرت في مقال له بصحيفة NZZ الأسبوعية، فيتمثل في تبني أسلوب “المراسلين الُمدمجين”.

فقد عرضت واشنطن على مئات المراسلين مرافقة قواتها العسكرية، كي يتمكنوا من متابعة عملياتها العسكرية مباشرة، وتصوير ما يحدث ونقله إلى المشاهدين لحظة وقوعه.

حرب من صنع الخيال؟

كل هذه الأساليب والتقنيات الحديثة لم تفلح في التأثير على السيد سايفيرت، فهو يبدو مقتنعا بأن متابعة الحدث مباشرة، رغم الدخان المتصاعد والقنابل المتساقطة والدبابات الزاحفة، ظلت فارغة.. دون محتوى حقيقي.

“من يبحث في هذه الحرب عن تغطية مغايرة لسباق سيارات راليز باريس- داكار، لن يجدها. فهو لن يتمكن من الإجابة على تساؤلات مثل، ما مدى دقة الأسلحة المستخدمة في إصابة هدفها؟ وما هي طبيعة “الأضرار الجانبية” التي تسببت فيها؟ وما هو الوضع العسكري القائم فعلاً في البصرة…؟

هذا الغياب للوقائع رغم التواجد الإعلامي الملموس يعكس إلى حدٍ بعيد الدروس التي تعلمتها الولايات المتحدة من حربها في فيتنام. فقد تولد لديها اقتناع، كما يقول أستاذ علوم الاتصال بجامعة سانت غالن السويسرية بيتر جلوتز، بضرورة عدم عرض صور القتلى أو الجرحى أو الدمار على الرأي العام.

“حرب من أجل شاشات التلفزيون”؟

بدلا من ذلك، لجأت واشنطن إلى عرض لقطات مدروسة ومنتقاة بعناية للقذائف المتهاوية على الأهداف المحددة لها، وابتكرت الفاظا من نوعية “القنابل الذكية” و”الأضرار الجانبية”.

حرب الخليج الثانية كانت نقطة الانطلاق لهذا الأسلوب في التغطية الإعلامية، وتلتها الحرب الثالثة التي تحولت إلى مسرح فعلي لها رغم الصور المتلاحقة المعروضة على مدار الساعة.

ولهذا السبب بالتحديد، صّمم الصحافي أورليخ تيلجنر، مراسل التلفزيونين السويسري والألماني، على البقاء في بغداد: “كان العامل الحاسم في قراري أن الأمريكيين يديرون هنا نوعاً جديدا من الصحافة. صحيح أن بعض الزملاء قاموا في حرب الخليج الثانية بتغطية هجمات عسكرية لم تحدث أصلاً على أرض الواقع، إلا أن ما يحدث اليوم أشد”.

ويضيف السيد تيلجنر: “تحدث الهجمات العسكرية في أوقات تسمح لمحطات التلفزيون الأمريكية بنقل وقائعها مباشرة”، ووصل الأمر إلى حد أن: “قصف وزارة التخطيط الذي حدث قبل عدة أيام تم إعداده بشكل يسمح للكاميرات بتصويره”.

بكلمات أخرى، يريد السيد تيلجنر أن يقول، إن الأمر وصل إلى مدى أصبحت فيه الأهداف العسكرية تُختار وفقا لمعيار إمكانية تصويرها، وبدلا من أن يلهث الصحافي وراء الخبر، أصبح يجده أمامه جاهزا مهيئا للبث. والمحصلة في النهاية لا تزيد عما يراه المشاهد على شاشات التلفزيون..

إلهام مانع – سويس إنفو

الصحف السويسرية اتخذت عددا من الإجراءات لتحقيق التوازن في تغطية الحرب.
صحيفة ال Tages Anzeiger رفضت عرضا لمرافقة القوات الأمريكية.
صحيفة الNZZ أوعزت لمراسليها التعامل بحذر شديد مع المصادر الإعلامية والعسكرية.
حرب الخليج الثالثة تختلف عن سابقتها في وجود قنوات فضائية كالجزيرة وأبو ظبي التي توفر بديلا مقابلا لما يُقدم على الشبكات الأمريكية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية