إعلان صنعاء “الميت الحي”
لم تكن ثمة إشارات كافية باحتمال تحقيق اختراق في محادثات حركتي فتح وحماس الفلسطينتين في العاصمة اليمنية، لكن الإعلان عن توقيع "إعلان صنعاء" جاء بمثابة تطور كبير على طريق عودة الاخوة الأعداء إلى الحوار.
كانت الحقائق القائمة على الأرض في كل من غزة الخاضعة لسيطرة حركة حماس الاسلامية، وفي الضفة الغربية حيث الرئاسة الفلسطينة ومعها فتح، تؤكد رفض الطرفين التراجع عن مواقفهما المسبقة إزاء إنهاء حالة الانقسام والفرقة القائمة منذ الصيف الماضي.
أرسلت الرئاسة الفلسطينية وفدها تحت يافطة منظمة التحرير الفلسطينية، لكن بقيادة عزام الأحمد، رئيس كتلة فتح البرلمانية، وبدعوة إلى تطبيق مبادرة الرئيس اليمني وليس الحوار حولها.
أما وفد حركة حماس بقيادة موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي، فقد طار إلى صنعاء “للتحاور” حول المبادرة اليمنية، وليس فقط للإعلان القبول بها، كما تشترط الرئاسة الفلسطينية.
وعلى مدار أربعة أيام من المفاوضات والاتصالات والمشاورات، خرج الطرفان باتفاق إعلان صنعاء الذي ينص على اعتبار الميادرة اليمنية إطارا للحوار والاتفاق على استئناف الحوار بين الطرفين.
لم تمض سوى ساعات على توقيع الإعلان حتى انقلبت الأمور في رام الله حيث الرئاسة الفلسطينية، إلى ساحة جدل وتباين داخلي في صفوف حركة فتح وأركان الرئاسة حول حقيقة الاعلان وماهيته وصلاحية التفويض الذي حمله الاحمد ممثلا عن فتح والرئاسة.
وقد طغى الخلاف والجدل الداخلي المحتدم على شحنة التفاؤل المحدودة التي أطلقها مشهد ممثلي حماس وفتح يوقعان على اتفاق لاول مرة منذ انهيار محادثاتهما الصيف الماضي، والتي أعقبتها سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة.
غداة توقيع الاتفاق كانت الصحف الفلسطينية الصادرة في الضفة الغربية تنعاه “ميتا” وتؤكد أن الاحمد لم يكن مخولا بالتوقيع، في الوقت الذي كان فيه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يقول إنه سيطرحه على القمة العربية المقبلة في دمشق.
ضيافة كريمة وأخرى “ثقيلة”
أحد المعاونين الكبار للرئيس محمود عباس، والذي فضل عدم الكشف عن هويته، قال لسويس انفو “ليس هناك اتفاق ولم يكن المطلوب التوقيع على نص الإعلان في اليمن، المطلوب هو تنفيذ المبادرة اليمنية وليس فتح بنودها والتحاور حولها وفق ماتريد حماس”.
بيد أن السفير الفلسطيني في اليمن، أحمد الديك، قال في اتصال هاتفي مع سويس انفو “أولا، يجب علينا شكر الرئاسة اليمنية على كرم ضيافتها وجهودها، لاسيما وأننا استطعنا التوصل إلى اتفاق يمكن البناء عليه من أجل اسئتناف الحوار مع حماس، وهو إنجاز كبير يجب تطويره لاسيما في ظل الظروف الصعبة وحالة الانقسام التي يعيشها الفلسطينيون”.
هناك تفسير لهذه البلبلة يُقدمه عضو المجلس الثوري لحركة فتح، أحمد غنيم، الذي قال في حديث لسويس انفو “هناك أسباب للارتباك الذي تلى توقيع إعلان صنعاء والسبب الرئيسي في ذلك، جاء نتيحة زيارة الضيف “ثقيل الظل”، نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني” إلى رام الله.
ويشرح غنيم وجهة نظره قائلا “في اللحظة التي وصلت فيها أنباء إعلان صنعاء، كان تشيني في استضافة رئيس الوزراء سلام فياض، وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه قد تلقف النبأ وخرج إلى الصحافة معلنا أن الاتفاق ولد ميتا، دون الرجوع إلى الرئيس من أجل إرضاء الضيف تشيني ومعه الادارة الاميركية” التي تضغط على الرئاسة الفلسطينية و”تمنعها” من الحوار مع حماس.
ويرى غنيم وأعضاء آخرون في حركة فتح أن الطاقم المحيط بالرئيس عباس، بما في ذلك عبد ربه، لايريدون الدخول في حوار مع حماس، ويصرون فقط على الطلب منها التراجع عن “الانقلاب” وإعادة الامور إلى ما كانت عليه.
وأضاف غنيم في هذا السياق “لا يعقل أن هناك وفد رسمي مرسل من قبل أعلى مستوى، ويتحاور مع الرئيس اليمني ثم نقول إنه غير مخول ولم يكن هناك اتفاق، هذا غير معقول وغير مقبول وغير أخلاقي”.
هناك في المقابل، لاسيما الدائرة المحيطة بالرئيس عباس، من يتهم “دعاة الحوار” بأنهم يستعجلون الأمر فقط من أجل تحقيق مكاسب شخصية والحصول على مناصب وزارية في حكومة وحدة وطنية مستقبلية.
الرابح الأكبر
أما حركة حماس التي كانت تُقدَّم على أنها الرافض لتطبيق المبادرة اليمنية وتصر على عدم الدخول في حوار مشروط، فيبدو أنها غدت الفائز الأكبر من إعلان صنعاء المرجح تبنيه في قمة دمشق خلال ايام.
فقد نجحت حماس في التأكيد على أن الخلاف القائم ليس مع منظمة التحرير الفلسطينية، وإنما مع حركة فتح، و هي استطاعت كذلك التخلص من وصف “الانقلاب”، لاسيما وأن المبادرة اليمية وإعلان صنعاء ينصان على “إعادة الامور إلى ماكانت عليه”، الأمر الذي يساوي بين ما يجري في الضفة وغزة.
ولعل حماس كسبت أيضا ود الشارع الفلسطيني، لاسميا وأنها كانت على “قلب رجل واحد” مقابل حركة فتح التي ظهرت منقسمة على نفسها، وهي التي كانت تدعو للحوار وتتهم حماس برفضه.
ويقول غازي حمد، أحد قادة حماس في حديث لسويس انفو “اعتقد أنه يجب اسثمار إعلان صنعاء وعدم التباطؤ في بدء الحوار، وثمة توجه داخل حماس ولدى مختلف الأطياف بضرورة الخروج من حالة الانقسام الحالية”.
ربما لم تسنح الفرصة، أو لم تسمح جهات وأطراف لـ “إعلان صنعاء” بالاستمتاع بلحظة الميلاد، فأعلنت وفاته في المهد، لكن حييثيات الصراع الفلسطيني الفلسطيتني والصراع الاسرائيلي الفلسطيني، قادرة على إخراج الحي من الميت، كما هي قادرة على دفع الموت في الحياة.
هشام عبدالله -رام الله
القدس (رويترز) – قال ديك تشيني، نائب الرئيس الامريكي، يوم الاثنين 24 مارس 2008 إنه لا يعتقد أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيوافق على المصالحة مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ما لم تتنازل عن السيطرة على قطاع غزة.
واختتم تشيني زيارة استغرقت ثلاثة أيام الى القدس والضفة الغربية بهدف دعم محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي تأمل واشنطن في أن تؤدي إلى اتفاق باقامة دولة فلسطينية بحلول يناير كانون الثاني 2009.
وتأتي تصريحات تشيني بعد يوم من إصدار ممثلين لحركة فتح التي يتزعمها عباس، المدعوم من الغرب، وحماس التي تعارض محادثات السلام مع إسرائيل إعلانا في صنعاء للاتفاق على استئناف الحوار بموجب مبادرة يمنية لرأب الصدع بين الجانبين.
وقال تشيني للصحفيين “النتيجة التي توصلت إليها من خلال الحديث مع القيادة الفلسطينية هي أنها وضعت شروطا مسبقة لابد من تنفيذها قبل أن توافق على المصالحة بما في ذلك الغاء كامل لسيطرة حماس على غزة.”
وبعد لقائه تشيني، قال عباس إن توسيع المستوطنات الإسرائيلية وحواجز الطرق في الضفة الغربية والغارات التي تستهدف النشطاء تعرقل محادثات السلام التي إعيد تدشينها في مؤتمر سلام رعته الولايات المتحدة في أنابوليس بولاية ماريلاند الامريكية في نوفمبر تشرين الثاني.
وتتعرض إسرائيل لضغوط أمريكية متزايدة لاتخاذ خطوات لتخفيف القيود على تنقل الفلسطينيين والتجارة الفلسطينية. لكن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قال يوم الاثنين إنه في الوقت الذي ستحاول فيه إسرائيل تخفيف بعض القيود على التنقل داخل الضفة الغربية فانها ليست مستعدة للالتزام بازالة نقاط التفتيش.
وتنوي وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس أن تستغل زيارة إلى المنطقة في وقت لاحق هذا الاسبوع لحث الجانبين على الوفاء بالتزاماتهما بموجب خطة السلام المعروفة بـ “خارطة الطريق” التي ترجع لعام 2003.
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم الخارجية الامريكية شون مكورماك “أعتقد أن من الانصاف القول بأننا لا نزال في مرحلة حمل كل طرف على التركيز على ما هو بحاجة إلى فعله والابتعاد عن أسلوب توجيه الاتهام إلى الطرف الاخر.”
وتدعو المبادرة اليمنية إلى عودة “الوضع الفلسطيني” إلى ما كان عليه قبل يونيو حزيران عندما سيطرت حماس على قطاع غزة الذي يقطنه 1.5 مليون نسمة بعد اقتتال داخلي مع قوات حركة فتح.
وأوضحت القيادة الفلسطينية، ومقرها الضفة الغربية، في بيان بعد صدور إعلان صنعاء أنها ما زالت تطالب ضمن أي تجدد للحوار مع حماس بتخلي الحركة الاسلامية عن السيطرة على قطاع غزة. وترفض حماس هذا الموقف قائلة إن بنود الخطة اليمنية قابلة للتفاوض.
وفي إشارة إلى قطاع غزة، قال تشيني “من الواضح أنه وضع صعب ويرجع ذلك جزئيا إلى اعتقادي بأن هناك فعلا أدلة على أن حماس مدعومة من إيران وسوريا، وأنها تبذل قصارى جهدها لنسف عملية السلام.” ولم يذكر تشيني المزيد من التفاصيل.
وتدرب بعض نشطاء حماس في إيران، ويقيم رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في سوريا. وهدد العنف على الحدود بين إسرائيل وغزة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية الفلسطينية والغارات الاسرائيلية، بإخراج محادثات السلام عن مسارها. وقال مسؤولون في مستشفى إن القوات الاسرائيلية قتلت يوم الاثنين فلسطينيا أعزل، وأصابت آخر خلال اشتباك مع مسلحين على حدود قطاع غزة.
وتبحث اسرائيل عن تكنولوجيا يمكنها وقف إطلاق الصواريخ من غزة، والتي اوقعت عددا قليلا نسبيا من الضحايا لكنها اصابت البلدات الحدودية بجنوب اسرائيل بالشلل.
غير أن مسؤولا كبيرا بوزارة الدفاع الاسرائيلية قال يوم الاثنين إن اسرائيل قررت عدم شراء جهاز ليزر أمريكي مضاد للصواريخ لاستخدامه على الحدود مع قطاع غزة لضعف أدائه في التجارب الميدانية.
وتطور شركة رافائيل الاسرائيلية المملوكة للدولة نظاما تطلق عليه “القبة الحديدية” لاسقاط الصواريخ الفلسطينية التي تطلق من غزة باستخدام صواريخ صغيرة لكن من غير المتوقع أن يبدأ عمل هذا النظام قبل عام 2010.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 مارس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.