إلى أين تتجه الأحداث بلبنان؟
نظم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة لمناقشة الوضع في لبنان، وما يمكن أن يقود إليه.
يأتي ذلك في وقت تتأرجح فيه لبنان بين الأمل في إقامة نظام ديمقراطي سليم، والخوف من تشرذم طائفي قد يقودها إلى طريق مُر عرفته سابقاً.
نظم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة لمناقشة الوضع في لبنان، وما يمكن أن يقود إليه، تحدّث فيها الدكتور داود خير الله، أستاذ القانون الدولي بجامعة جورجتاون، والسفير اللبناني السابق محمد شطح، والدكتور كلوفيس مقصود، رئيس مركز دراسات عالم الجنوب بالجامعة الأمريكية في واشنطن.
وعلق الدكتور خير الله على سلسلة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي استهدف آخرها وزير الدفاع اللبناني المؤيد لسوريا إلياس المر، فقال “إن المستفيد من مسلسل العنف في لبنان هم من يريدون خَـلق وضع أمني صعب يُـعيق جهود التحول الديمقراطي في لبنان، ويشيع جوا من عدم الاستقرار الذي يزيد من فعالية الضغوط الخارجية، سواء السياسية أو الاقتصادية، لتطبيق كل بنود القرار رقم 1559، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق هدف نزع سلاح حزب الله خدمة لأهداف إسرائيلية تتبنّـاها الولايات المتحدة”.
وتساءل عن السبب في تغيير الموقف الأمريكي فجأة من الوجود السوري في لبنان، حيث درج المسؤولون الأمريكيون على القول بأن الوجود السوري في لبنان هو عامل هام من عوامل الاستقرار، وكانت واشنطن تستعين بسوريا في كل مرة تثور فيها أي مشكلة في لبنان. وفجأة، أصبح الوجود السوري خطرا على السِّـلم العالمي استوجب تحالفا أمريكيا فرنسيا لاستصدار قرار من مجلس الأمن المختص بالحفاظ على السلم العالمي يُـطالب ضمن بنوده بنزع سلاح حزب الله، وهو “هدف إسرائيلي تدعمه أمريكا”، على حد قوله.
وأشار الخبير اللبناني إلى أن حزب الله أظهر قوته السياسية ووجوده على المسرح السياسي اللبناني بمظاهرته الحاشدة في الثامن من مارس، التي ضمت ما يقارب المليون شخص، والتي أظهرت إيمان المتظاهرين بأن احتفاظ حزب الله بسلاحه هو ضمان لأمن الجنوب اللبناني، الذي لم تستطع الحكومة اللبنانية في الماضي حمايته من الاعتداءات الإسرائيلية.
فيما زادت مظاهرة القوى اللبنانية الأخرى المناهضة لسوريا على المليون شخص، وكان من المُـلفت للنظر أن الذين تظاهروا في الرابع عشر من مارس الماضي جمعتهم النِّـقمة على الوجود السوري في لبنان، والقمع والفساد الذي استشرى بسبب ذلك الوجود غير الطبيعي، الذي تسببت فيه الحرب الأهلية اللبنانية.
الطائفية تلقي بظلالها
وأعرب الدكتور خير الله عن اعتقاده بأن الانتخابات اللبنانية الأخيرة أظهرت نوعا من الاحتكار الطائفي، وكان من الملفت للنظر ما وصفه بظاهرة الجنرال ميشيل عون الذي رفع لواء إزالة الطائفية، وفي نفس الوقت كان هناك اصطفاف مسيحي لبناني واضح خلف عون، كما أن التحالفات السياسية التي انطوت عليها الانتخابات اللبنانية عكست تناقضات واضحة بين الخلفيات والأهداف السياسية للمتحالفين، ودلل على ذلك بتحالف تيار المستقبل وأسرة الجْـمَـيّـل في بيروت، وتحالف وليد جنبلاط والقوات اللبنانية في الشوف وعاليه.
وتوقع الدكتور خير الله أن تستمر الضغوط الخارجية على لبنان، وربما تزداد لتحقيق هدف إسرائيل في نزع سلاح حزب الله مهما كانت العواقب في الداخل اللبناني، وقال إن الدِّرع الوحيد الواقي من تلك الضغوط يتمثل في شيء وحيد، هو تحقيق نوع من التضامن الداخلي ضد تنفيذ ذلك المخطط الذي يستخدم الطائفية كمنفذ له للتلاعب في الشأن الداخلي اللبناني.
ونبه الدكتور داود خير الله إلى أن التغيير الديموغرافي في لبنان قد يدفع ببعض النُّـخب اللبنانية للدعوة إلى القضاء على النظام الطائفي واستبداله بنظام تمثيل نيابي ديمقراطي حديث صالح لتأسيس دولة جامعة لكل أبنائها ولوطن لبناني لجميع اللبنانيين.
حركة وسطية لبنانية
وتحدث في ندوة مركز الحوار العربي في واشنطن السفير اللبناني السابق محمد شطح، فعدد السِّـمات التي تجعل الوضع السياسي في لبنان يموج بكل تلك التطورات، وقال إن لبنان فريد في المنطقة العربية بتعدد طوائفه وتداخل أموره الداخلية مع الجوار، سواء في شكل علاقة خاصة مع سوريا أو وجود فلسطيني على أراضيه أو متاخمته لإسرائيل، ثم التدخل الأمريكي والفرنسي في الشأن اللبناني والتأييد الإيراني للشيعة.
وقال، إن لبنان يتعرّض الآن إلى عاصفة داخلية تستهدف التحول الديمقراطي والمطالبة بالتغيير، ولكن يجب إدراك أن الدستور اللبناني الحالي هو دستور يرسِّـخ النظام الطائفي، واللاعبون الرئيسيون في الساحة السياسية لايجدون الآليات السياسية، ولا الإطار السياسي الملائم الذي يسمح بالتحول إلى نظام سياسي حديث، وبالتالي، يجب ألا يتوقع أحد أن تسفِـر التفاعلات الحالية على المسرح السياسي اللبناني عن إفراز واقع سياسي جديد، وإنما مجرد الانتقال إلى وضع يسمح ببداية بناء نظام سياسي جديد يعتمد على التعددية السياسية والحزبية، وليس على الاصطفاف الطائفي.
وتوقَّـع السفير شطح أنه إذا تم اقتلاع الخوف من المجتمع اللبناني، وإذا أتيحت الفرصة للمرشحين لدخول معركة حقيقية سياسية وخلق إطارات سياسية للناخب اللبناني، سيمكن التحول بالنظام السياسي اللبناني مع مرور الزمن من النظام الطائفي إلى نظام التعدّدية الحزبية، التي لا تستند إلى الطوائف، وإنما إلى البرامج المُـعلنة لتلك الأحزاب.
وقال السفير شطح، إنه يجب أيضا عدم إغفال الأجندات السياسية والاستراتيجية الخارجية وأثرها فيما سيحدث في لبنان، مثل أهداف أمريكا وأهداف إسرائيل فيما يتعلق بلبنان.
وأعرب عن أمله في أن تكون المظاهرة الحاشدة التي شارك فيها مئات الآلاف من الشباب اللبناني غير الطائفي للمطالبة بالتغيير، مقدمة لحركة وسطية لبنانية تشكل نواة لمستقبل سياسي مختلف للبنان، خاصة وأن هؤلاء الشباب أدركوا أنهم جزء من الطيف السياسي الوطني، ولم يسبق لهم أن حصلوا على فرصة للمشاركة السياسية من خلال أحزاب سيشهد المستقبل نشأتها على خلفية غير طائفية.
وتوقع أن تختفي على المدى الطويل التحزبات في الشارع السياسي اللبناني حول أشخاص بعينهم، مثل سمير جعجع أو العماد ميشيل عون، ليتحول الالتفاف في المستقبل حول البرامج المعلنة للأحزاب السياسية غير الطائفية، سواء الدينية منها أو الثقافية.
كفاية نموذج لمواجهة الطائفية
أما الدكتور كلوفيس مقصود، رئيس مركز دراسات عالم الجنوب بالجامعة الأمريكية في واشنطن فأعرب عن اعتقاده بأن المتضرر من سلسلة الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات في لبنان هو الشعب اللبناني، والموقف العربي العام، أما المستفيد من ذلك، فهو إسرائيل التي تهدف إلى “تفتيت الوحدة الوطنية اللبنانية”، على حد قوله.
وقال الدكتور مقصود، إنه على الرغم من استمرار الحالة الطائفية في لبنان، إلا أن التعايش سيتواصل بين فئات الشعب اللبناني، الذي تعلم من الحرب اللبنانية الضارية أن الاقتتال الطائفي يضر بالجميع.
وتوقع الدكتور مقصود أن يتمكن الزعماء السياسيون في لبنان من التغلب على عقبات تشكيل الحكومة بوجود مكثف لمعظم قوى المعارضة، ثم زيادة إحكام الدولة اللبنانية على أجهزتها الأمنية.
ويرى الدكتور مقصود أن ما يجمع بين فئات وطوائف الشعب اللبناني حاليا يفوق بكثير ما يفرّق بينها، ولذلك، فإنه بمجرد توفر الإطار السياسي الملائم والمرجعية اللازمة، سيمكن للبنان الانتقال من النظام الطائفي إلى نظام سياسي حديث، وسيحتاج ذلك التحول إلى مرحلة من المخاض الفكري العقائدي القومي يتخطّـى خلالها الشعب اللبناني ما حدث في الانتخابات الأخيرة، حيث مارس حقه الانتخابي بحرية وديمقراطية، ولكنه رسم بالصوت الانتخابي من جديد تكريسا جديدا للطائفية.
وتوقع الدكتور مقصود أن تستفيد حركة المطالبة بالتحول الديمقراطي في لبنان من تجربة حركة كفاية في مصر، التي تمكنت من تخطي الانتماءات الدينية والفكرية، وتمكنت من حشد جماعات سياسية مختلفة، ضمّـت الإخوان المسلمين والمستقلين والمثقفين المسيحيين وبعض أقطاب المعارضة المصرية من كافة التيارات، وبذلك فصلت بين التحول الديمقراطي ومرجعية رجال الدين.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.