إيران على صفيح ســـاخن!
تستعد إيران لخوض انتخابات برلمانية في عام 2004 وأخرى رئاسية في عام 2005 في ظل احتدام الصراع السياسي بين من يوصفون بالمحافظين والإصلاحيين.
لكن دخول الطلاب على خط الإحتجاجات وانتقادهم المتزايد لمرونة الرئيس محمد خاتمي ومطالبتهم بإجراء استفتاء حول مستقبل النظام السياسي في إيران ينذر بتجذر المطالب والمعارضة للنظام برمته
في ظل انشداد الإهتمام الدولي والإقليمي إلى ما تهيؤه الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، تتحول عملية التنقيب في متاهات تطورات الأوضاع الداخلية في بلد بمثل التعقيد الحزبي والعرقي والطائفي الذي يميز إيران إلى أشبه شيء بالبحث عن إبرة في كوم من التبن.
وعلى الرغم من أن الأوضاع السياسية العامة في الجمهورية الإسلامية قد شهدت عددا من التطورات المهمة منذ وصول الرئيس محمد خاتمي إلى مؤسسة الرئاسة في ربيع عام 1997 إلا أن الآمال العريضة التي صاحبت انتخابه تراجعت شيئا فشيئا لتتحول إلى خيبة أمل واسعة.
فقد اتضح للإيرانيين – وللشباب والنساء بصفة خاصة – أن اختيارهم لرئيس إصلاحي، لا يشُـكـّون في صدق نواياه ورغبته في إجراء إصلاحات حقيقية، لا يكفي بالمرة لإجراء التغيير الذي يحلمون به على النظام السياسي الذي وُلد من رحم الثورة الشعبية الهائلة التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي في بداية عام 1979.
ومثلما كان الطلبة الجامعيون في السبعنيات من القرن الماضي، الشريحة الرئيسية التي جرّت وراءها قطاعات واسعة من الشعب الإيراني في المظاهرات والإحتجاجات التي أطاحت في النهاية بالعرش البهلوي، اندلعت شرارة الرفض في السنوات الأخيرة مجددا من نفس جامعات طهران ومن أوساط الطلبة عموما.
وفيما تركزت التحركات في فترة أولى على تعزيز موقع الإصلاحيين بقيادة خاتمي داخل السلطة ومحاولة الحد من تجاوزات الأجهزة الأمنية الخاصة وتغوّل الجهاز القضائي وتعويق النواب المحافظين لمشاريع الرئيس وأنصاره في البرلمان، احتدت نبرة الطلاب واتخذت تحركاتهم طابعا أكثر تجذرا في الأشهر الماضية.
انفصام التحالف؟
هذا المنحى الراديكالي لم يبرز فجأة، لكنه يمثل تتويجا لمسار تصاعدي تراكمي بدأ بالإعتصامات والاحتجاجات العنيفة التي اندلعت منذ شهر نوفمبر من عام 1998 إثر سلسلة الإغتيالات وعمليات الإختطاف التي طالت خمسة من المثقفين المعارضين على الأقل على أيدي عناصر مسؤولة في أجهزة الإستخبارات، ليتحول – إثر صدور حكم بالإعدام من طرف إحدى محاكم همذان في بداية شهر نوفمبر الماضي على الجامعي المنشق هاشم آغاجاري بتهمة “الزندقة” – إلى ما يشبه القطيعة المطلقة مع النظام في شكله الحالي.
فللمرة الأولى منذ عدة أعوام، وجهت بعض الأطراف التي تقود تحركات الطلاب الإحتجاجية منذ أكثر من شهر سهام انتقاداتها إلى خاتمي شخصيا في ما يشبه بداية الإفتراق بين قطاع شعبي رئيسي مطالب بالإصلاحات وبين رئيس الجمهورية.
ففي ندوة صحفية عقدتها الجمعية الإسلامية لطلبة جامعة أمير كبير في طهران في 11 ديسمبر الماضي، قال رضا ديلباري أحد مسؤولي الجمعية: “إن بعض الطلاب قد يتوصلون إلى استنتاج مفاده أن غياب (الرئيس خاتمي) من الساحة سيساعد على تقدم الإصلاحات وسيسمح بممارسة المزيد من الضغط على المُـمسكين بالسلطة”.
هذا التصريح الخطير من طرف مسؤول في منظمة تبنت مؤخرا بقوة فكرة تنظيم استفتاء وطني حول المستقبل السياسي لإيران، يؤشر لاحتمالات عديدة.
فهو يكشف عن بوادر انفصام في العلاقة المتينة – يعتبرها البعض تحالفا – التي ميزت علاقة الشباب والجامعيين بالنهج الإصلاحي خلال السنوات الأخيرة. كما يعني بداية يأس من إمكانية التغيير المتدرج بعد أن فشل الرئيس خاتمي على مدى السنوات الخمس الماضية في فرض إصلاحاته على مراكز القوى الأخرى في النظام الإيراني (أي مرشد الثورة، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس مراقبة الدستور والسلطة القضائية، التي لا زالت تهيمن عليها القوى المحافظة بشكل مطلق).
كما أن “الميوعة” التي تميز بها موقف الرئيس الإيراني من بعض تجاوزات الأجهزة الأمنية في التصدي للإحتجاجات الطلابية الأخيرة وحرص أنصاره داخل مؤسسات النظام الأساسية على تجنب الدخول – في الوقت الحالي على الأقل – في مواجهات حقيقية مع معارضيهم حفاظا على “الإنسجام” ومراعاة “للمصلحة العامة” قد أفقدت خاتمي الكثير من شعبيته.
هذه التطورات “المكتومة” نسبيا، تتزامن مع تصاعد هجمة المحافظين – من خلال القضاء وأجهزة الأمن والإعلام – على أنشط المعارضين سواء كانوا من الطلبة أو المثقفين أو نشطاء حقوق الإنسان وهو ما أدى إلى مزيد من التوتر السياسي والإحتقان الداخلي المثير للمخاوف في ظل ظروف اقتصادية صعبة واجتماعية ضاغطة.
“فليرحل الطالبان عن إيران”
ولعل هذا هو الذي دفع حزب “جبهة المشاركة” الذي يتزعمه محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الإيراني، وهو التنظيم السياسي الذي مثل الأداة الرئيسية لدعم توجهات محمد خاتمي في مجلس الشورى ومحاولة كبح جماح المحافظين، إلى التعبير أكثر من مرة في الآونة الأخيرة عن خشيته مما يمكن أن يترتب على استمرار المواجهة المفتوحة بين دعاة التغيير الديموقراطي الفعلي وبين الأطراف المتشبثة بعدد من “ثوابت” النظام التي لم تعد مُستساغة من طرف الأجيال الجديدة والقوى الداعية للتغيير بل من أغلبية الإيرانيين، طبقا لما يردده العديد من المراقبين.
من هنا جاءت الدعوة الملحة التي وجهها محمد رضا خاتمي نائب رئيس مجلس الشورى إلى خصومه في التيار المحافظ في العاشر من شهر ديسمبر في افتتاح مؤتمر استثنائي عقده حزب “جبهة المشاركة” بأن “يأخذوا مطالب الطلبة مأخذ الجد” محذرا إياهم من مصير مماثل لمآل الملكية التي أُطيح بها قبل ثلاثة وعشرين عاما ” نتيجة لـ “لصمود الطلبة والمثقفين الذين كانوا يطالبون بالمزيد من الحرية والعدالة والحقيقة” على حد تعبيره.
وبما أن المطلب الرئيسي للطلاب الإيرانيين يتمثل الآن في “إقامة ديموقراطية حقيقية ودائمة” – مثلما نُـقـل على لسان القيادي الطلابي رضا ديلباري – وفي الإفراج عن السجناء السياسيين وإقرار المزيد من الحريات، فان المأزق يبدو اليوم كاملا بين الطرفين وهو ما يدفع المراقبين لمآلات الأوضاع الإيرانية إلى الإعراب عن قدر كبير من التشاؤم بخصوص المستقبل.
فالتحركات الطلابية التي اتخذت طابعا شبه يومي في الأسابيع القليلة الماضية – التي حرصت السلطات على تطويقها ومنع انتشارها إلى الشارع – تركزت على المطالبة بالمزيد من حرية التعبير وبإعادة النظر في النظام السياسي الإيراني ورفعت العديد من الشعارات ذات الدلالة القاطعة من قبيل “فليرحل الطالبان عن إيران” تحولت إلى تهديد جدي لسلطة المحافظين غير المقيدة.
وبما أن الهجوم يتركز الآن على المؤسسات “غير المنتخبة” التي تخضع لإشراف آية الله علي خامنئي مرشد الثورة، فان محاولات الرئيس خاتمي الحد من سلطاتها من خلال مشاريع القوانين التي عرضها على مجلس الشورى مؤخرا والرامية إلى تحديد دقيق للجرائم السياسية وإلى منح رئيس الجمهورية حق التدخل بشكل مباشر في أحكام القضاء وإلى منع ممارسة التعذيب الجسدي أو النفسي على الموقوفين من أجل الحصول على اعترافات، تظل أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يطالب به المعارضون والطلبة.
ولاية الفقيه في الميزان
وفيما يُـتوقع أن يرفض مجلس خبراء الدستور (وهي مؤسسة دستورية محورية يسيطر عليه المحافظون) التنقيحات الجديدة التي أدخلها البرلمان على النص الأصلي، لوح رئيس حزب “جبهة المشاركة” – أهم تنظيم سياسي إصلاحي في البلاد – في السادس عشر من شهر ديسمبر بالإنسحاب من الحكم في صورة تحوله إلى ” نظام استبدادي” وإلى “ديكتاتورية ذات طابع ديني” حسب تعبير السيد محمد رضا خاتمي.
وعلى الرغم من أن هذا التهديد يظل مقترنا بشرط “استنفاد جميع الوسائل القانونية” لمنع التحول إلى الإستبداد، إلا أن الغليان السياسي والإحتقان الإجتماعي ورفض الأجيال الجديدة المتنامي للأسلوب “السلطوي” الذي يدير به رجال الدين المحافظون دواليب الحكم والإقتصاد في إيران ينذر بمواجهات أشدّ في المستقبل المنظور.
وفي ظل استمرار انغلاق المُمسكين الفعليين بمفاصل القرار السياسي والأمني والعسكري في البلاد واتهامهم للمعارضين والمطالبين بالإصلاح بالتآمر والعمالة للخارج، فان هذه المواجهة قد لن تقتصر في المستقبل على الأطراف المعترفة بنظام الجمهورية الإسلامية الذي أقامه آية الله الخميني (أي بين من يوصفون بالإصلاحيين والمحافظين).
إذ من المرجح أن يتسع مداها لتتحول إلى معركة حقيقية بين المؤيدين بشكل مطلق أو نسبي لاستمرار العمل بولاية الفقيه (أي لتحكم الملالي الصارم في حياة الإيرانيين) وبين فسيفساء هائلة من المعارضين سواء كانوا من الطلبة والإصلاحيين أو من دعاة الدولة العلمانية أو من المطالبين بمزيد من الحقوق للأقليات العرقية المختلفة أو من مؤيدي عودة الملكية أو من الرافضين جملة وتفصيلا للنظام الإسلامي الذي تمخض عن الثورة الإيرانية.
ومن هنا، فان تحركات الطلبة الأخيرة وتجذر مطالبهم دقت أجراس الخطر في طهران وذلك على الرغم من محدودية المشاركين فيها الذين لا يزيدون على بضعة آلاف وعدم انخراط الشارع فيه بعد. فأركان النظام الإيراني الحالي يتذكرون جيدا أن المسار الطويل الذي أدى إلى سقوط حكم الشاه قد بدأ بمظاهرة احتجاجية بسيطة على … مجرد مقال افتتاحي شتم الخميني في يناير من عام 1978!!!
كمال الضيف – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.