إيران وأمريكا: هل الصِّـدام حـتـمـي؟
تواصل أمريكا وإيران اللعب على حافة الهاوية، لكن من دون قطع خط الرجعة إلى حد الآن.
لكن حروب الموارد، والصراع على السلطة في الشرق الأوسط وعبره على قارة أوراسيا، والإستراتيجيات الأمريكية المتمحورة في معظمها حول استخدامات القوة، يجعل كل الاحتمالات مفتوحة على كل المخاطر.
تواصل أمريكا وإيران اللعب على حافة الهاوية، لكن من دون قطع خط الرجعة.
الأولى تسّرب “معلومات” عن خطط عسكرية لتوجيه ضربة جوية ماحقة، وترد الثانية، بإجراء مناورات عسكرية ساحقة على مرمى حجر من مضيق هرمز.
تلوح الأولى، كما أورد سايمون هيرش في “نيويوركر”، باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية، فيرد عليها الرئيس احمدي نجاد بإعلان “انضمام بلاده إلى نادي الدول النووية في العالم”.
وبرغم ذلك، تستمر أحاديث المفاوضات العلنية وغير العلنية بين طهران وواشنطن، وإن على إيقاع المسيرات العسكرية المتبادلة.
ماذا يجري؟ هل المسألة هنا كلها مجرد كذب وكذب مضاد؟ ألا يحتمل أن يقود اللعب قرب الهاوية في بعض المراحل إلى الإنزلاق ثم السقوط فيها؟
التهديدات الأمريكية
أمريكياً، يبدو هذا وارداً بقوة، وهذا ليس فقط بسبب تهديدات الرئيس الأمريكي ونائبه تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد المتكررة بأنهم لن يسمحوا للإيرانيين “لا بامتلاك السلاح النووي، ولا بالقدرة على صنعه، ولا بالمعرفة التكنولوجية المؤدية إليه”، بل لأن المبادئ والتوجهات الإستراتيجية التي أصدرتها إدارة بوش خلال السنوات الأخيرة (وأثبتت منذ غزو أفغانستان والعراق أنها تصدرها لتنفّـذها)، تضع استهداف إيران على رأس أولوياتها، وهذه التوجهات تبلورت في وثائق ثلاثة رئيسة:
– “إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي” الأربعية (تصدر كل أربعة سنوات) التي نشرت هذا العام، وحددت إيران على أنها “العقبة الأكبر” في وجه المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم. وتعهد هذا التقرير، كما هو معروف، رسمياً بشن الحرب على هذه الدولة “في حال فشلت المفاوضات الراهنة في منعها من تطوير أسلحة نووية”، مثلما ورد في النص.
– وثيقة “إعادة النظر بالوضعية النووية” السرية، والتي أعترف البنتاغون بوجودها في 9 يناير 2002، وهذه حددت 7 دول يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة الأسلحة النووية ضدها، ووضعت مروحة واسعة من الظروف يمكن أن تملي هذا الاستخدام. إيران نصّـبت على رأس الدول المستهدفة إلى جانب العراق وليبيا (آنذاك) وسوريا وكوريا الشمالية وروسيا والصين. أما الأهداف فحددت على النحو الآتي: “توفير خيارات عسكرية موثوقة لردع جملة واسعة من التهديدات، تشمل أسلحة الدمار الشامل، والقوات العسكرية التقليدية الكبيرة، وتعرّض إسرائيل إلى الخطر أو الهجمات. إضافة (وهنا المهم)، يمكن استخدام الأسلحة النووية الصغيرة ضد أهداف تستطيع تحمّـل الهجمات غير النووية، مثل الخنادق العميقة المحفورة تحت الأرض أو منشآت الأسلحة البيولوجية”، أو في حال حدوث هجوم بالأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية، أو إذا ما طرأت تطورات عسكرية مفاجئة”.
– وأخيراً، وفي العام الماضي، أقدمت إدارة بوش على إدخال تطويرات خطيرة على “مبادئها” العسكرية الجديدة، حين دمجت للمرة الأولى الخيار النووي في منظومتها الخاصة بالحروب الاستباقية التي تم تبنيها عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد ورد هذا التطوير في “مبدأ العمليات العسكرية المشتركة” الذي أقره البنتاغون عام 2005، والذي استند برمته تقريباً إلى وثيقة “إعادة النظر بالوضعية النووية” لعام 2002.
وقد دمج المبدأ هذه الحروب بالعقيدة النووية الأمريكية، كما دمج الأسلحة التقليدية ودفاعات الصواريخ بالتخطيط الاستراتيجي. حينها، ادعت إدارة بوش أن هذا التطوير سيزيد من قدرات الردع ويقلّـص بالتالي من الحاجة لاستخدام الأسلحة النووية. بيد أن معظم الخبراء الأمريكيين توصّـلوا إلى استنتاج معاكس تماماً: بدلاً من انحسار دور القنبلة، يعيد المبدأ التأكيد على المنحى الهجومي الجديد للوضعية النووية، بحيث تصبح الأسلحة التقليدية “مكملة” للأسلحة النووية لا بديلاً عنها.
مسرح العمليات النووية .. يتوسع
الفصل الأهم في التقرير الخاص بالمبدأ كان ذلك المتعلق بـ “مسرح العمليات النووية”، إذ هو كان جديداً كلياً ويتعلق برمته بمرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث التهديد للمصالح الأمريكية في العالم يأتي أساساً من دول إقليمية (أي ما يسمى بـ “دول متشردة”) لديها أسلحة نووية أو كيماوية أو جرثومية، لا من قوى كبرى. كما أنه (الفصل) يعكس التنافس المستمر منذ أكثر من عقد بين القادة العسكريين الأمريكيين في مسارح العمليات وبين القيادة الإستراتيجية الأمريكية (ستراتكوم) حول من “يملك” حق التخطيط للضربات النووية الإقليمية.
لمصلحة من حسم هذا التنافس؟ بالتأكيد لمصلحة القادة الميدانيين، مما يعزز إلى حد كبير منحى تحويل الأسلحة النووية إلى مجرد أداة أخرى “عادية” من أدوات الحرب. والحصيلة؟ إنها ولادة ما تسميه “رابطة نزع السلاح” الأمريكية “الحرب الاستباقية النووية”، التي أصبحت مدمجة بالمبدأ النووي الأمريكي للمرة الأولى في التاريخ. حيث أن الهدف هنا لم يعد الردع عبر التهديد بالرد النووي، بل استخدام الأسلحة النووية لتدمير أهداف محددة في الجبهة.
كتب هانس كريستنسن، أحد أهم الخبراء العسكريين الأمريكيين: “المبدأ النووي الجديد يستند في الواقع إلى فرضية خفية تقول إن الردع النووي سيفشل عاجلاً أم آجلاً. وقبل أن يحدث ذلك، يجب أن تكون القوات النووية الأمريكية وخطط الحرب جاهزة وقادرة على توجيه الضربات، بما في ذلك الضربات الاستباقية”.
كما هو واضح، تهور إدارة بوش يبدو بلا سقف، وهذا ما دفع بعض كبار الضباط الأمريكيين (كما قال هيرش) إلى التفكير بالاستقالة إذا ما وضعت هذه المبادئ موضع التنفيذ. لكن هذا ليس كل شيء. فهذا التهور يتم في سياقين آخرين، مما يزيد خطورته خطورة: الأول، الندرة المتوقعة في النفط العالمي (ما بين 2010 و2015) والزيادة الكبيرة لاستهلاك الصين والهند منه، وهذا ما دفع أمريكا إلى شن “حرب موارد” ليس فقط في العراق، بل في كل مكان تتوافر فيه قطرة نفط انطلاقا من من بحر قزوين ومرورا بآسيا الوسطى ووصولا إلى السودان وغرب إفريقيا.
والثاني، أن أمريكا لا تستطيع السماح لإيران، لا بالسيطرة المباشرة أو غير المباشرة على جنوب العراق الذي يحتوي على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، ولا في مقدورها قبول بروز إيران كدولة عظمى إقليمية تشاطرها الهيمنة على 40% من منابع العالم البترولية.
الفريسة لن تكون سهلة
في عام 1979، حين انتصرت الثورة الخمينية، سارعت أمريكا إلى إغراء العراق بشن حرب ضدها دامت عشر سنوات لتحقيق هذا الهدف بالذات: منعها من التبلور كقوة إقليمية. وحين خرج العراق منتصراً من هذه الحرب بدعم أمريكي، سارعت واشنطن إلى تدميره ككيان وكوطن لمجرد أنه راودت صدّّام فكرة التحول إلى قوة إقليمية نفطية كبرى. والآن، جاء على ما يبدو، دور إيران.
الفريسة لن تكون سهلة هذه المرة، وقد تدفّع أمريكا عشرات أضعاف الأثمان التي تدفعها الآن في العراق. إلا أن المزيج الكيميائي الخطير من حروب الموارد، والصراع على السلطة في الشرق الأوسط وعبره على قارة أوراسيا، والإستراتيجيات الأمريكية المتمحورة في معظمها حول استخدامات القوة، يجعل كل الاحتمالات مفتوحة على كل المخاطر، وهي مخاطر ستتفاقم أكثر إذا ما واصل اللاعبون على حافة الهاوية رمي المزيد من عيدان الثقاب المشتعلة قرب حقول النفط.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.