إيران ومعاهدة شنغهاي: إنقلاب تاريخي؟
هل تعد إيران، ومعها روسيا والصين، لانقلاب درامي من شأنه خلط كل الأوراق في ما يُعرف بقارة أوراسيا (أوروبا - آسيا)؟
يبدو السؤال للوهلة الأولى وكأنه سباحة في عكس التيارات الدولية الراهنة. لكن واقع الأمور يشير إلى أن الأمور ليست على هذا القدر من البساطة.
فطهران لا توحي بأنها تعمل لإحداث انقلابات، بل تسعى بكل جهدها لاستئناف ما انقطع من حوارات مع الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، وهذا كان واضحاً من خلال رسالة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الرئيس الأمريكي بوش، والتي ترافقت فوراً (كما أشارت “فينانشال تايمز”) مع إتصالات سرية قامت بها طهران مع واشنطن طالبة إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين.
وموسكو وبكين، من جهتهما أيضاً، تبدوان بعيدتين في هذه المرحلة عن أجواء الألعاب الانقلابية. فهما انضمتا إلى الأوروبيين في “الضغط المخملي” على إيران، عبر دبلوماسية الحوافز النووية والاقتصادية، برغم معرفتهما أن هذه الحوافز تستبطن احتمال تسليط العقوبات الاقتصادية، وربما العسكرية أيضاً.
الأجواء العامة إذن، لا تشي بوجود توجهات درامية على الجبهة الإيرانية – الروسية – الصينية. لكن، وكما أنه ليس كل ما يلمع ذهباً، ثمة ما يشي بأن ما يجري فوق سطح منطقة آسيا الوسطى – الشرق الأوسط الكبير، لا يكشف عن كل ما يحدث تحت هذا السطح.
ففي موازاة التطور الصاخب المتعلق بشد الحبال العنيف بين طهران والغرب حول الأسلحة النووية، هناك تطور هادئ يكاد لا يحظى باهتمام الإعلام، لكنه قد يثبت بعد حين أنه تاريخي بما في الكلمة من معان.
عم نتحدث هنا؟ عن الجهود الحثيثة والجدية لتوجه إيران شرقاً لحماية نفسها من الغرب عبر بوابة معاهدة شنغهاي أو ما بات يعرف بـ “إتفاقية شنغهاي للتعاون”.
كيف؟ وما هي آفاق نجاح هذه السياسة؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، بعض الأضواء على طبيعة هذه المعاهدة وأهدافها والدور الإيراني المحتمل فيها.
البدايات
اتفاقية شنغهاي للتعاون (أس. سي. أو SCO)، هي منظمة دولية تأسست في 14 يونيو 2001 على يد قادة كازاخستان وكيرغيستان وروسيا والصين وطاجكستان وأوزبكستان. وعدا هذه الأخيرة، كانت الدول الخمس الأولى وقعت عام 1996 “معاهدة تعميق الثقة العسكرية في المناطق الحدودية” في شنغهاي. وفي عام 1997، وقعت الدول نفسها “معاهدة خفض القوات العسكرية في المناطق الحدودية” خلال قمة انعقدت في موسكو.
لكن، في سنتي 2001 و2002 تم توسيع أهداف ومبادئ وبُـنى المنظمة على نطاق واسع، لتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، إضافة إلى بناء الثقة العسكرية. كما تم ضم الهند وباكستان ومنغوليا إليها بصفة مراقب.
وبرغم أن إعلان تأسيس اتفاقية شنغهاي احتوى على بيان يشدّد على أن هذه الأخيرة “ليست تحالفاً موجهاً ضد دول أو مناطق أخرى، وأنه يلتزم بمبادئ الانفتاح”، إلا أن معظم المراقبين يعتقدون أن أحد أهم أهداف هذا التجمع، الذي يضم نصف البشرية، هو العمل كموازن للقوة الأمريكية، وتجنب النزاعات التي تسمح لواشنطن بالتدخل في مناطق قريبة من حدود الصين وروسيا.
كما يعتقد مراقبون آخرون أن الاتفاقية شهدت النور كردّ مباشر على التهديد الذي باتت تفرضه أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكي، بعد أن غيّرت الولايات المتحدة سياساتها النووية وبدأت تعزيز ما بات يُـعرف بـ “الدفاع الصاورخي القومي”، أو “حرب النجوم”.
التطلع شرقاً
حتى الآن، لا تثير المنظمة قلقا كبيرا في الغرب، إلا أن محللين يعتقدون أن ذلك قد يكون سوء حسابات كبير من قبل المخططين الجيو – إستراتيجيين الغربيين. وعلى أي حال، أكدت التطورات الأخيرة ضرورة هذا الشعور بالقلق.
ففي 14 أبريل 2006، أعرب نائب وزير الخارجية الإيراني منوشهر محمدي خلال زيارته إلى موسكو عن رغبة بلاده في أن تصبح عضواً كاملاً في منظمة شنغهاي، موضحاً أن إيران “بدأت سياسة التطلع إلى الشرق”. وأضاف أن طهران ترى فوائد جمة في هذه المنظمة “لأنها تستطيع أن تجعل العالم أكثر أمناً”.
ومما يجب أن يثير قلقاً غربياً إضافياً، البيان الأخير للأمين العام للمنظمة زانغ ديغونغ، الذي قال فيه “إن القمة المقبلة للمنظمة في شنغهاي ستناقش تعديل ميثاقها لتسهيل دخول الدول التي تتمتع بوضعية المراقبة حالياً”، وهذه القمة، التي ستعقد في 15 يونيو الجاري احتفالا بالذكرى العاشرة لتأسيسها، يمكن أن يكون لها تأثير عميق على البُـنى الحالية للنظام الدولي. ومعروف أن الهند وباكستان ومنغوليا دول مراقبة، وضمها إلى المنظمة سيكون تطوراً جيو – سياسياً ذو أبعاد ضخمة.
ثمة شبكة عوامل عديدة ستحدّد حصيلة توجّـه منظمة شنغهاي للتوسع. فلا الصين ولا روسيا اتخذتا موقفاً نهائياً بعدُ، (علناً على الأقل)، حيال مسألة دعم ضم إيران كعضو كامل. وكلاهما كان يزعم بين الفينة والأخرى بأنه ليس ثمة ميكانيزمات للسماح بانضمام أعضاء جُـدد. بيد أنهما في الوقت نفسه، قالتا إنهما سترحّـبان بانضمام دول جديدة كأعضاء دائمة.
الصين وروسيا تتقاسمان مصالح مشتركة مع إيران حول قضايا عدة. وهكذا، ثمة بعض الدوافع للاعتقاد بأن بكين وموسكو، ربما تدعمان مسعى إيران للعضوية الكاملة. ووفقاً لمصادر الأنباء الإيرانية، أعلن وزير الخارجية الصيني لي زاوكسينغ في أكتوبر 2005 أن بكين وطهران “لهما وجهة نظر مشتركة حيال العديد من القضايا الدولية”، وأنه (أي لي) حث على الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الطرفين في منابر دولية، مثل الأمم المتحدة واتفاقية شانغهاي للتعاون. إضافة إلى ذلك، شدّد نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر أليكسيييف على “تقارب وتطابق مواقف موسكو وطهران في مروحة واسعة من المشاكل الدولية والإقليمية”.
إن كلاً من بكين وموسكو تشكّـان بأن واشنطن تريد إقامة نظام صديق لها في طهران في مسعى لفرض هيمنتها الإقليمية. كما أن لكليهما مصالح مهمة في إيران. وفي الوقت ذاته، وفي حين أن وزير الدفاع الروسي سيرغي إيفانوف قال “إن منظمة شنغهاي لن تتدخل عسكرياً لصالح إيران”، إلا أن هذه المنظمة قد تلعب ورقة “الانغماس” مع إيران للحصول منها على تنازلات، مما يحسّـن إلى حد كبير وضعيتها الدولية.
مصالح متشابهة وأخرى متنافرة
لا يتشاطر أعضاء منظمة شنغهاي مجموعة متشابهة من المصالح. ففي حين أنهم كلهم يرغبون في زيادة نفوذ المنظمة، إلا أنهم يواجهون صعوبات عدة. وكما لاحظت الدورية الروسية “كوميرسانت”، فإن “أحد المشاكل تتأتّـى من أن الصين تسعى بحيوية لمنح باكستان العضوية الكاملة، فيما روسيا لن توافق إلا إذا ما انضمت الهند أيضاً في الوقت نفسه. والسبب أن الصين وباكستان تعززان تحالفهما الديناميكي التقليدي، والكرملين لا يريد أن يكون شريكاً صغيراً للصين في قيادة المنظمة.
إضافة، من غير المحتمل إلى حد كبير، أن تتلقى الهند دعوة للانضمام وأن تقبلها. ولأن واشنطن لم تقم بالأمس بإفهام الهند بأن مصالحها تخدم بشكل أفضل مع الغرب، فعليها أن تفعل ذلك اليوم. ثم إن كازاخستان وقيرغيستان، وهما الدولتان اللتان توازنان مصالحهما بين الولايات المتحدة والدول الإقليمية، ستتعرضان إلى ضغوط من قبل واشنطن لمعارضة توسّع المنظمة.
لكن، وبرغم المصالح المتنافسة بين أعضائها، لا يجب إلغاء احتمال قيام منظمة شنغهاي بزيادة عضويتها. كما لا يجب أن ننسى أن الأمين العام للمنظمة من أبرز المتحمسين لتوسيع دور المنظمة في الشؤون العالمية.
ففي مقابلة له مع صحيفة “روسيساكيا غازيتا” في أوائل أبريل الماضي، أعلن الدبلوماسي الصيني أن الدولتين القائدتين في معاهدة شنغهاي، أي الصين وروسيا، “يجب أن تُـدركا بوضوح أن عليهما البقاء معاً”.
ولتوضيح ما يقول، أضاف: “لا أعني أن على الصين وروسيا أن تبقيا معاً لمهاجمة طرف آخر، بل للدفاع عن مصالحهما”. وفي خطوة عكست حماسته لتوسيع المنظمة، قال: “إذا ما تدبرنا أمر تعزيز التفاعل داخل المنظمة، فسيكون لهذه الخطوة بحق أهمية لا تقدر بثمن بالنسبة لمنطقتنا للعالم برمته، لأن هذه المنظمة تضم أصلاً نحو نصف الجنس البشري”.
الباحث ريتشارد غيراغوسيان كتب مؤخراً في دورية “الصين وأوراسيا” أن المنظمة “، لا تزال تحت سيطرة التكتيكات الصينية والروسية الخاصة باستخدامها كأداة للضغط على الولايات المتحدة، وللحصول على نفوذ أكبر، وهذا واضح على وجه الخصوص في التحرك لضم الإيرانيين”.
ويعتقد أن واشنطن طلبت وضعية المراقب في المنظمة، لكن طلبها رفض. وفي حين أن الموقع الجغرافي للولايات المتحدة هو بالتأكيد مبرر لذلك، وبأن وزير الدفاع الروسي قال إن طلباً مماثلاً من روسيا البيضاء قد يرفض أيضاً لأنها دولة غير آسيوية، إلا أنه من الواضح أن العديد من مصالح المنظمة تسير في عكس المصالح الأمريكية.
هل تنجح؟
نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: هل تنجح سياسة إيران في الاستدارة شرقاً، عبر طرق أبواب معاهدة شنغهاي؟
فلنقل، على الأقل، إن لطهران ومنظمة شنغهاي خصم مشترك: الولايات المتحدة، وهذا لا يدفع إلى المزيد من الحوافز الجيوسياسية لزيادة الحضور الإيراني في المنظمة فحسب، بل يتضمن أيضاً مضاعفات إستراتيجية كبيرة. فإضافة إلى تقليص النفوذ الأمريكي في وسط آسيا، لاحظ نائب الرئيس الإيراني محمد رضا عارف بأن قبول إيران كعضو دائم في المنظمة، يمكن أن يساعد على تسهيل مدّ نفوذ المنظمة إلى منطقة الخليج والدول المحيطة بها، وربما أيضاً إلى أوروبا.
إذا ما انضمت إيران إلى هذا التحالف كعضو كامل، فستكون هذه ضربة قاصمة للجهود الدولية لمنع إيران من الحصول على الترسانة النووية، والسبب هو أن عضوية إيران ستؤدّي إلى المزيد من التعاون السياسي بين أطراف المنظمة في النزاعات الدولية، وبوصفهما عضوتين دائمتين في مجلس الأمن، سبق لروسيا والصين أن قدمتا دعماً قوياً لإيران في المفاوضات النووية. لكن، وبعد أن أشاد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي علناً بمقاربة بكين لبرنامج بلاده النووي، طار وفد إيراني إلى موسكو لعقد اجتماع مع رؤساء حكومات منظمة شنغهاي، وهذا يوحي بأن طهران تعتبر المنظمة وسيلة لتعزيز موقفها في البرنامج النووي.
الآن، تواجه منظمة شنغهاي قراراً صعباً إزاء إيران، فروسيا، وإلى حد أكبر الصين، تفضل توجيه انتباه الولايات المتحدة بعيداً عن نشاطاتهما المحلية والدولية، وهذا ساهم في تمنعهما عن الموافقة على إجراءات قوية للحد من طموحات إيران وكوريا الشمالية النووية. وبالتالي، فإن منح إيران العضوية الكاملة قد يحوّل انتباه واشنطن نحوهما.
وفي المقابل، فوائد استقرار إيران وضمها إلى تحالف شنغهاي كبيرة أيضاً. وبالتالي، سيكون على موسكو وبكين، إضافة إلى الدول العضوة الأخرى في المنظمة، اتخاذ قرار حول كيفية استخدام إيران لمصلحتها.
إن الكرملين لا يرحب بفكرة بروز إيران نووية. لكنه يشعر بقلق من تفاقم التدخلات الأمريكية. وقد تقرر روسيا والصين بأنهما قد تخسران، إذا ما وقعت إيران في حالة اللاإستقرار أكثر بكثير مما قد تخسرانه إذا ما ضمتا إيران إلى المنظمة وتعرضتا إلى الإدانات من جانب واشنطن.
إضافة إلى أن النفوذ الغربي سيضعف، إذا ما لعبت منظمة شنغهاي دوراً بنّـاءا في إيران. كما أنه من المحتمل تماماً أن تقوم إيران بمقايضة مشروع تخصيب اليورانيوم في روسيا بعملية ضمها إلى المنظمة.
وبالطبع، مثل هذا التطور سيكون اختراقا كبيراً، لأنه حينها لن تواجه المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط آسيا تهديدات دائمة فحسب، بل سيكون عليها أيضاً أن تتعاطى مع إيران مدعومة بتحالف شرقي متوسّـع.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.