اتفاق على التطبيع الكامل بين طرابلس وواشنطن
مثلما توقعت "سويس انفو" في وقت سابق من العام الجاري، اتفقت ليبيا والولايات المتحدة أخيرا على التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية.
سويس انفو التقت بنائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية غوردن غراي، المسؤول عن منطقة شمال إفريقيا والجزيرة العربية، وعرفت منه المزيد من التفاصيل.
يتزامن استكمال التطبيع الذي يتوج مسارا طويلا من التقارب، مع الذكرى العشرين لقطع العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين في ظل إدارة الرئيس الجمهوري رونالد ريغن الذي أرسل قاذفاته لقصف مدينتي طرابلس وبنغازي، ولم يوفر بيت الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في ثكنة باب العزيزية.
وأكد نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية غوردن غراي، المسؤول عن منطقة شمال إفريقيا والجزيرة العربية في تصريح خاص لـ”سويس انفو” – في ختام جولة مغاربية شملت ليبيا- أن خطوة التطبيع الكامل للعلاقات، بما في ذلك إعادة فتح السفارتين، تم حسمها خلال المحادثات التي أجراها وفد مجلس الشيوخ الأمريكي بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس ريتشارد لوغار (جمهوري) مع كبار المسؤولين الليبيين، وفي مقدمتهم القذافي والتي شارك فيها غراي.
وقال إن إدارة بوش تفهم خطوة التطبيع الكامل مع ليبيا على أنها “مكافأة” على المبادرة التي اتخذتها طرابلس بالتخلي الطوعي عن برامجها الرامية لإنتاج أسلحة محظورة، وبوصفها “مبادرة ساهمت في تعزيز السلم والأمن العالميين” على حد تعبيره.
انفتاح سياسي ونفط
وأفاد أن المحادثات تطرقت إلى مطالبة القذافي باتخاذ إجراءات جديدة لتكريس الانفتاح السياسي والاقتصادي، لكنه رفض إعطاء تفاصيل عن طبيعة تلك الإجراءات.
في المقابل، أوضح مصدر أمريكي لـ”سويس انفو” أن الخطوات التي طلب الأمريكيون اتخاذها شملت ثلاثة مستويات، هي إطلاق السجناء السياسيين الذين لم يستخدموا العنف، وإعادة الممتلكات التي تم تأميمها أو الإستحواذ عليها في “الفترة الثورية” إلى أصحابها، ودعم مسار التسوية في الشرق الأوسط بما يشمل إقامة علاقات مع إسرائيل.
كما تضمنت لائحة الطلبات الأمريكية إعطاء تسهيلات وامتيازات للشركات النفطية للإستثمار في ليبيا. وقد بدأت فعلا بعض الشركات الأمريكية تضع قدما ثابتة في السوق الليبية.
ولوحظ أن النجل الأكبر للقذافي سيف الإسلام، الذي يحظى بسمعة جيدة لدى الأمريكيين والذي يرأس “مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية”، أعلن قبل مغادرة الوفد الأمريكي طرابلس أن أكثر من 130 سجينا سياسيا من المقربين للإخوان المسلمين، والذين يقبع بعضهم في السجون منذ الثمانينات، سيـُفرج عنهم “قريبا” من دون تعيين تاريخ محدد.
كما دعا إلى سن قوانين وإجراءات تشجع ظهور صحافة حرة وإذاعات مستقلة، وحرض الصحفيين على الإلقاء بالتعليمات عرض الحائط. ووعد سيف الإسلام أيضا برد البيوت والعقارات التي انتزعت من أصحابها اعتمادا على منطق الثورة في مطلع السبعينات إلى أصحاب الحق، مما اعتبر تجاوبا مع الرغبات الأمريكية. لكنه لم يقل شيئا عن موضوع التطبيع مع الدولة العبرية.
تـشكـيك
إلا أن زعماء المعارضة الليبية في الخارج شككوا في مصداقية تلك الإجراءات، واعتبروها تهرَبا من الانفتاح الحقيقي الذي رأوا أن الحكم الحالي غير قادر على تحمل استتباعاته، ومؤكدين أن سيف الإسلام الذي لا يشغل أي منصب رسمي غير مؤهل للتحدث باسم الدولة.
من جهة أخرى، أفادت مصادر ليبية أن الوفد الأمريكي ربط استكمال تطبيع العلاقات الثنائية بتسوية ملف الممرضات البلغاريات الخمس المحكوم عليهن بالإعدام في بنغازي في مايو من العام الماضي، بعد إدانتهن بالتسبب في إصابة أطفال ليبيين بالايدز في أعقاب حقنهم دما ملوثا.
وكان هذا الشرط مطروحا قبل زيارة الوفد الذي قاده لوغار لطرابلس، لذلك مهد الليبيون لتلك الخطوة بمفاوضات أجراها سفير ليبيا في بريطانيا الوزير السابق محمد بلقاسم الزوي مع السفير البريطاني أنطوني لوين، ورئيسة الشؤون السياسية والاقتصادية في مكتب الارتباط الأمريكي اليزابيت سريتشلي (التي تقوم مقام سفيرة) يوم 17 أغسطس الجاري في طرابلس، أي قبل يومين من بدء الزيارة، وتركزت على بحث صيغ إطلاق الممرضات البلغاريات الخمس.
ومعلوم أن طبيبا فلسطينيا حُكم عليه بالإعدام معهن، لكن الظاهر أن المفاوضات لم تشمله. ووفقا لمصادر متطابقة، توصل الجانبان إلى حل يتمثل في دفع الجانب البلغاري تعويضات لأسر الأطفال الليبيين لقاء الإفراج عن الممرضات. لكن طريقة الدفع المعقدة التي ستتم من خلال “مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية” ربما تؤدي في نهاية المطاف إلى إعفاء البلغار من تقديم التعويضات.
على الطريقة الفرنسية
وأكد مصدر ليبي أن القذافي يستعد لتسمية سفير في واشنطن، فيما ستعرض الإدارة الأمريكية قريبا على مجلس الشيوخ اسم السفير المرشح للعمل في ليبيا، تمهيدا لجلسة الاستماع التي تسبق التعيين الرسمي، وذلك في إطار تنفيذ الخطوات التي تم الاتفاق عليها مع لوغار.
وأوضح أن الخطوتين ربما تتمان بعد شهر رمضان، غير أنه توقع أن تسبقهما زيارة لسيف الإسلام القذافي إلى واشنطن لاستكمال إجراء محادثات سياسية مع مسؤولين في كل من البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، على أن يشمل برنامج الزيارة إقامة معرض لرسوم سيف الإسلام على الطريقة التي توخاها خلال زيارته إلى باريس التي مهدت للتطبيع الليبي – الفرنسي.
والملاحظ أن القذافي حمَل لوغار، وهو أرفع مسؤول أمريكي زار ليبيا منذ استئناف العلاقات بين البلدين، دعوتين رسميتين لكل من الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس لزيارة ليبيا. ولا يُعرف متى سيُلبيانهما، لكن الواضح أنهما تعكسان المنعطف الجديد الذي دُفعت فيه العلاقات الثنائية منذ تخلي ليبيا عن أسلحة الدمار الشامل في سنة 2003.
ولم يستبعد المصدر أن يُعلن في الأيام المقبلة عن إجراءات انفتاحية جديدة بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين للانقلاب الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي وأتى بالقذافي إلى سدة الحكم، وهي إجراءات تخص فتح باب التقارب مع المعارضة في الداخل والخارج، والتي يسميها جناح في الحكومة الليبية “المصالحة الوطنية” فيما يعتبرها جناح آخر “تصحيحا للأوضاع التي مرت بها مسيرة الثورة”.
وتشمل تلك الإجراءات الإفراج عن سجناء مرت على محاكمتهم فترة طويلة، والتعويض للمتضررين من “المحاكم الثورية”، إضافة لفتح قنوات الحوار مع المعارضة في الخارج وتشجيع رموزها على العودة إلى البلد.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.