اتفاق مكة وسياسة الغموض الايجابي
لم يستغرق الامر طويلا، أقل من ثلاثة أيام توصل خلالها قادة فتح وحماس في رحاب مكة المكرمة إلى اتفاقات طال انتظارها، فلسطينيا وعربيا.
الإتفاقات شملت تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس واتفاقا تضمن بعض مبادئ للتحرك المشترك مستقبلا، وخطابا لتكليف الحكومة الجديدة، أكد على احترام القرارات العربية والدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
لم يستغرق الامر طويلا، أقل من ثلاثة أيام توصل خلالها قادة فتح وحماس فى رحاب مكة المكرمة إلى اتفاقات طال انتظارها، فلسطينيا وعربيا، شملت أولا تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الفصائل الفلسطينية، فضلا عن المستقلين ،ولكن ترأسها حماس باعتبارها الفائز الأكبر فى الانتخابات التشريعية قبل عام.
وشملت ثانيا اتفاقا تضمَّـن عدة بنود تمثل بعض مبادئ للتحرك المشترك مستقبلا، وثالثا خطابا لتكليف الحكومة الجديدة، أكد على احترام القرارات العربية والدولية، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، بما فى ذلك اتفاقات منظمة التحرير الفلسطينية.
نزع فتيل الأزمة
الاتفاقات الثلاثة نزعت فتيل أزمة كادت بداياتها ـ كما تمثلت في المواجهات الأمنية في الأسابيع القليلة التى سبقت اجتماعات مكة المكرمة ـ أن تعصف بكل ما أنجزه الفلسطينيون على درب الكفاح المسلح طوال ستة عقود من التضحيات والمنازلات في ميدان القتال وميدان السياسة معا.
ولعل هذه النتيجة المباشرة هي التي دفعت الفلسطينيين للتعبير عن فرحتهم وبهجتهم بمجرد إعلان الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، لان البديل كان بالنسبة لهم لا يقل عن كابوس كبير ونهر من الدم، دم الأبناء والاخوة والأباء.
أما باقي النتائج، فالبعض منها يبدو متفقا عليه، سواء من حيث المبادئ أو الإجراءات التنفيذية ،كما هو الحال في توزيع حقائب حكومة الوحدة الوطنية الذي جاء مفصلا، والبعض الآخر، اتفق على مبادئه دون الاتفاق على عناصره التنفيذية بعد.
نجاح الحكومة مفتاح ضرورى
ربما أمكن هنا تفسير ذلك التباين بين مسألة وأخرى بأن ثمة تعويلا على تشكيل الحكومة أولا والتى بدورها قد تساعد على استعادة الثقة المفقودة ثانيا شرط أن تسير الأمور بقدر من التوازن والانسجام النسبى على ارض الواقع، وبما يسهم فى تحقيق انفراج فلسطينى دولى يؤدى بدوره إلى عودة الأموال والاتصالات بصورة طبيعية، وبعدها يمكن الولوج إلى جوهر عدد من القضايا الكبرى، فى مقدمتها إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وبما يسمح بمشاركة حماس وعدد من الفصائل الأخرى غير المنضوية تحت لوائها الآن، أن تكون أعضاء فاعلين فيها لاحقا، وبعد أن تنضج الظروف الداخلية والإقليمية لمثل هذه المشاركة.
الفكرة الضمنية هنا أن النجاح فى تشكيل الحكومة سوف تنهى تلقائيا فرصة الاقتتال الفلسطينى الفلسطينى، وبالتالى يحرم عمليا الدم الفلسطيني ويكرس بدوره الوحدة الوطنية عملا وليس قولا، ومن ثم تقوى أسس النضال الفلسطينى، وفق مبادئ الشراكة السياسية وتفعيل القوانين المعمول بها فى السلطة الوطنية الفلسطينية.
جولات حوار أخرى رسم الانتظار
والحقيقة أنه، وفقا لمنطوق اتفاق مكة ونص خطاب التكليف، ثمة أمور إما بحاجة إلى جولات حوار أخرى من قبيل تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية أو أمور تم التوصل فيها إلى تفاهمات مكتوبة أو شبه مكتوبة، ولم يكن من الحصافة السياسية إعلانها، وهو ما يبرز في البند الرابع من نص الاتفاق، الذي يشير إلى تأكيد مبدإ الشراكة السياسية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين، وهناك أمور لا توجد أصلا في الاتفاق، من قبيل توزيع الصلاحيات بين الحكومة والرئاسة، لاسيما ما يتعلق بمسألة المفاوضات المحتملة مع إسرائيل، إن قبلت بصورة ما التعامل الايجابى مع هذه التطورات الفلسطينية.
المرجح هنا أن هناك كثيرا من التفاصيل قد تم التفاهم حولها ،ولكنها إما حبيسة النفوس أو أنها في وثائق تكميلية غير مسموح بنشرها على الأقل الآن. وفي ذلك تبرز مسألتان: الاولى، الترتيبات الأمنية التي سيقوم بها وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية لإعادة الانضباط في أجهزتها الأمنية المختلفة، فضلا عن طريقة التعامل مع القوة التنفيذية المحسوبة على حماس وفصائل فلسطينية أخرى، فضلا عن طبيعة العلاقة بين وزير الداخلية كوزير سى الحكومة وبين الرئيس، الذي أعطى لنفسه صلاحيات أمنية من خلال الإشراف المباشر على عدد من الأجهزة الأمنية المختلفة، التي ربما ستكون من صلاحيات وزير الداخلية الجديد.
الغموض الايجابي
أما القضية الثانية، فتتعلق بسياسة الغموض الإيجابي، لاسيما فيما يتعلق بمدى قبول حماس شروط اللجنة الرباعية الدولية الثلاثة ـ أي الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقيات الدولية الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ـ وهي سياسة تسمح لكل طرف أن يدعي تحقيق الجزء الأكبر من مطالبه، كما تسمح في الآن نفسه للرئيس محمود عباس أن يسوق الاتفاق والحكومة الجديدة باعتبارها نوعا من الالتزام بالقرارات الدولية، وتحمل نوعا من الاعتراف الواقعي من قبل حماس، أو بالأحرى حكومتها، بإسرائيل، لاسيما وان خطاب التكليف أشار إلى الالتزام بمصالح الشعب الفلسطينى، كما أقرتها المجالس الوطنية وقرارات القمم العربية والاتفاقيات التى وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، وهي كلها ـ لاسيما الجزئية الأخيرة ـ تحمل اعترافا واضحا بإسرائيل.
بداية المطاف وليس نهايته
هذا الغموض الايجابي القابل للتفسير بما يرضى الشروط الأمريكية والإسرائيلية، لا يشكل نهاية المطاف، بل هو بدايته الحقيقية، ونعني به تسويق الاتفاق دوليا كمقدمة لرفع الحصار المالي والعزل السياسي للحكومة الفلسطينية.
ومثل هذا التسويق، وكما يبدو من مجمل التوازن المحيط بالقضية الفلسطينية، لا يمكن أن يكون مهمة الحكومة الجديدة أو الرئيس عباس وحدهما، فتلك المهمة اكبر من قدرات الطرفين، ولذلك تبدو مهمة التسويق مرهونة بمدى الجهد والاستعداد الذي قد تقدمه مصر والأردن لإقناع الإدارة الأمريكية وإسرائيل بالتعامل الإيجابي مع هذه التطورات الفلسطينية، كما تبدو مرهونة أيضا بمدى قدرة الرياض على إقناع واشنطن بأن تنظر إلى الشق الايجابي في الاتفاقات المعلنة وان تنهي حصارها المالي والسياسي، وان تقنع إسرائيل بأن تنظر إلى نصف الكوب الممتلئ وليس إلى نصفه الفارغ، وإلا بات الوضع مؤهل أكثر لمزيد من النفوذ الإيرايى على حساب النفوذ العربي المعتدل، وفي ذلك خسارة مؤكدة لأمريكا ولأصدقائها معا.
العبء الذاتي الفلسطيني
مهمة الإقناع هذه، تعد اكثر من ضرورية ـ ولكنها ستظل مرهونة أيضا بحسن سير التطورات على الساحة الفلسطينية نفسها، فما لم يكن هناك دعم فلسطيني ذاتي والتزام غير محدود بروح الوفاق والتوافق، التي تقوم عليها اتفاقات مكة المكرمة، فمن الصعب على أحد عريى كان أو دولي أن يقوم بنوع من الضغط السياسي والمعنوي على واشنطن وتل أبيب.
وربما أتى التريث التي التزمت به واشنطن في التعبير عن موقف معين إزاء هذه التطورات، ليس فقط في انتظار تفاصيل اكثر، كما اعلن ذلك متحدث رسمي باسم الخارجية الأمريكية، بل ربما، وهو المرجح اكثر، انتظار تفجر الوضع الفلسطيني بعد أيام قليلة وبما يرفع الحرج عنها في أن تكون هي العائق الرئيسي أمام اتفاقات مكة.
الأكثر من ذلك، فإن العبء الذاتي الفلسطيني يتطلب محاصرة الشكوك التي عبر عنها بعض منتسبي فتح وحماس حول مستقبل الاتفاق ذاته، وليس بعيدا، وإن على سبيل الاحتمال ، القول بأن هناك متضررين كثر من هكذا اتفاق، ومنبع الضرر لهم أن وضع حد للانفلات الأمني يعني بالنسبة لهم إغلاق منافذ كثيرة للارتزاق السياسي والمايى معا أو الظهور بمظهر الأرقام الصعبة على الساحة الفلسطينية، وليس مستبعدا أن يعمد بعض هؤلاء إلى إفشال اتفاق مكة ووضع العقبات العملية أمامه، وهنا تبرز أهمية أعمال القانون في مواجهة هؤلاء أولا بأول وردعهم عن مثل تلك الأفعال المتوقعة، كما تبرز أيضا أهمية الانضباط المؤسسي داخل كل فصيل، وهو العامل الذي يمنع خروقات القادة الميدانيين الصغار، ويفرض عليهم الالتزام بأوامر القيادات العليا أيا كانت.
ثمة فرصة إذن لكى تستعيد القضية الفلسطينية مكانتها، لاسيما في ظل التهديدات الجدية التي تحيط الآن بالمسجد الاقصى، حيث الحفريات الإسرائيلية التي تهدد وجود المسجد نفسه، أول القبلتين وثالث الحرمين للمسلمين جميعا، وليس الفلسطينيين وحدهم، وكلما كان الالتزام الذاتي قائما على التوافق والانسجام، كلما تدعم موقف الرئيس عباس في لقائه الثلاثي المرتقب بعد أيام قليلة مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس ورئيس الوزراء الإسرائيلى أولمرت، والعكس أيضا صحيح.
د. حسن أبو طالب – القاهرة
اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، مساء اليوم (9 فبراير 2007)، أن ميلاد حكومة الوحدة الوطنية هو ميلاد جديد لشعبنا وقضيتنا الوطنية.
وأشارت الحركة في بيان أرسل إلى “وفا”، إلى أن حكومة الوحدة تشكل إيذانا بعهد جديد من الإخاء والتلاحم الوطني، ويحمل بشريات طيبة حول طبيعة وآفاق العمل الوطني إبان المرحلة المقبلة، التي تتطلب وحدة الصف والكلمة والموقف في مواجهة مختلف التحديات.
وقال البيان، إن هذا الاتفاق يشكل خطوة متقدمة نحو إنجاز اتفاق آخر نأمل
أن يرى النور قريبا بصدد إعادة صياغة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية على طريق تحقيق الشراكة السياسية الكاملة، وأكد على ضرورة الإسراع والتعجيل في إنجاز هذه الخطوة الهامة، لطيّ آخر الملفات ذات العلاقة بترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، والتفرغ الكامل لمواجهة تحديات جدار الفصل العنصري وتهويد القدس وهدم المسجد الأقصى وتكثيف الاستيطان وكافة القضايا المصيرية، التي عانت طويلا من تشتت الجهد الفلسطيني وانشغال فصائلنا وأبناء شعبنا في خلافات داخلية غير مبررة.
وأشار البيان إلى أن تشكيل حكومة الوحدة انتظرها شعبنا بفارغ الصبر، مؤكداً أن الدم الفلسطيني سيبقى مقدسا طاهراً على الدوام، ولا يمكن التفريط به أو السماح بإراقته، إلا في مواجهة الاحتلال.
وشكر البيان، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وإخوانه في قيادة المملكة العربية السعودية، الذين دعوا ورعوا اتفاق مكة المكرمة، ووفروا الأجواء الطيبة والمناخات المؤاتية للإخوة المتحاورين، وبذلوا كل جهد مستطاع في سبيل إنجاح الحوارات الخاصة بتشكيل الحكومة، وأعلنوا دعمهم الكامل للاتفاق واستعدادهم لعمل كل ما من شأنه إنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بشعبنا وقضيته الوطنية.
ودعا البيان، الحكومات العربية والإسلامية كافة إلى التحرك العاجل في كافة المحافل والميادين الإقليمية والدولية، بغية تأمين الإفراج عن النواب والوزراء الذين اختطفتهم قوات الاحتلال في أوقات سابقة، وعلى رأسهم الدكتور عزيز دويك، رئيس المجلس التشريعي.
وأوضح أن الخطوة المقبلة التي تلت تطبيق الاتفاق المبارك حول تشكيل حكومة الوحدة، ينبغي أن تدور في فلك العمل الجاد على كسر وإنهاء الحصار الظالم المضروب على شعبنا، بما يؤمِّـن له حياة عزيزة وكريمة بعيدا عن الابتزاز المرفوض.
وشدد البيان، على أن الجهد الفلسطيني يجب أن يتلاحم مع الجهد العربي والإسلامي مع جهد كل أحرار العالم في سبيل إنهاء المعاناة اللاأخلاقية واللاإنسانية التي فرضت على شعبنا طيلة الأشهر الماضية، التي أعقبت تشكيل الحكومة الحالية.
وقال، إن إنجازنا الكبير بتشكيل حكومة الوحدة يجب ألا يغطي على حقيقة المخطط الإجرامي الذي يستحثه الاحتلال بحق المسجد الأقصى المبارك، وما أقدم عليه من قمع وإطلاق النار بحق شعبنا، الذي توافد للاقصى رغم المنع والإعاقة، داعياً كافة أبناء شعبنا للنفير نحو المسجد الأقصى، والدفاع عنه مهما كانت الآلام والتضحيات.
(المصدر: وكالة الأنباء الفلسطينية وفا بتاريخ 9 فبراير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.