مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اختيار زيورخ مركزا لحوار الأديان الإبراهيمية

swissinfo.ch

جاء تأسيس منتدى الديانات الإبراهيمية في زيورخ يوم 2 يوليو 2007 تتويجا لتجربة ناجحة، سبق أن خاضتها الديانتان اليهودية والمسيحية منذ 170 سنة.

ويأتي هذا الحدث الهام، في ظل قلق وعدم رضى عن سلوك بعض الأحزاب السياسية، التي جعلت من ملف الأقلية الإسلامية في سويسرا وبعض الأحداث المعزولة، محورا لحملتها الانتخابية من أجل تعزيز مكاسبها السياسية في سنة انتخابية شديدة الحساسية.

في الوقت الذي يشير تقرير، صدر حديثا عن مؤسسات الإتحاد الأوروبي إلى انتشار واسع لظاهرة الإسلاموفوبيا وإلى أن أكثر من 50% من الأوروبيين يحملون أفكارا سلبية عن الإسلام، تتأسّـس شيئا فشيئا شبكة من منتديات الحوار بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، بهدف محاصرة تلك الظاهرة وإدماج الأقليات الإسلامية المقيمة في القارة.

ومثلما كان لزيورخ الريادة في إدماج الأجانب منذ أزيد من عقد من الزمان، شهدت المدينة نفسها هذا الأسبوع الإعلان عن تأسيس منتدى الديانات الإبراهيمية، ويأتي هذا الحدث تتويجا لتجربة ناجحة، خاضتها الديانتان اليهودية والمسيحية منذ 170 سنة، والتحق بهما الإسلام، في ظل وضع دولي يسوده التوتر والصراع وتُـستخدم فيه الأديان من أجل التعبئة في صراعات عنوانها الأساسي، الغلبة والهيمنة..

ويأتي هذا الحدث الهام، في ظل قلق وعدم رضا عن سلوك بعض الأحزاب السياسية السويسرية، التي جعلت من ملف الأقلية الإسلامية في الكنفدراليةوبعض الأحداث المعزولة، محورا لحملتها الانتخابية من أجل تعزيز مكاسبها السياسية في سنة انتخابية شديدة الحساسية.

ولتفسير دوافع تأسيس منتدى الأديان الإبراهيمية، يقول السيد ستيفان شرينر، رئيس المنتدى: “لا يمكن أن ينعم المجتمع بالاستقرار والأمن، ما دام جزء منه يشعر بالتمييز والظلم، ومن الحِـكمة، الانفتاح على مختلف مكوِّنات المجتمع”.

أهمية الخطوة

وتنبع الأهمية الخاصة لهذه الخطوة، المدعومة بتجارب سابقة في الحوار على المستويين، المحلي والدولي، في أنها تعبـّر بشكل واضح عن إقرار بأن الوجود الإسلامي في القارة الأوروبية ليس وجودا طارئا، إذ ساهم المسلمون بفعالية في بناء نهضتها وصياغة فترات طويلة من تاريخها، في كل من إسبانيا ومنطقة البلقان، وما الدور الرائد لعلماء وفلاسفة الإسلام في استنهاض العقل الغربي، إلا مثالا ساطعا على ذلك.

ومما لا شك فيه أن ما مهّـد الطريق لمثل هذه المبادرة هو ما أبداه المسلمون أيضا من تفاعل وانفتاح على محيطهم ومن سعي لتعديل بوصلة خطابهم، وصياغتهم لمواثيق وبيانات تؤكّـد احترام المسلمين في أوروبا لقِـيم المجتمعات، حيث يقيمون التزامهم بدولة القانون والمؤسسات، وحفاظهم على أمن مجتمعاتهم، وهو الأمر الذي لقي الاستحسان والإشادة من أنصار الحوار والتعايش من الساسة والمفكرين الأوروبيين ورجال الدين.

وحول أهداف المنتدى، يقول السيد ستيفان شرينر: “علينا أن نتعايش حتى لو اختلفنا، وغرضنا ليس الوصول إلى وحدة الأديان أو تحقيق اتفاق أو أنصاف اتفاق، بل الغرض أن نتعايش مع اختلافنا وأن نتعارف مع تعدّدنا، وعلينا أن نتجنّـب الصِّـدام والصِّـراع، من دون أن نُـلغي التنافس”، هذا على المستوى الداخلي، وأما على المستوى الدولي، يضيف: “إننا نسعى إلى أن نمثل جِـسرا للحوار والتفاهم بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المعنية بالحوار، وعلينا أن نهزم دُعاة الحروب والصِّـراع بين الحضارات”.

ولتكريس هذه المعاني، أعلن المنظمون سَـعيهم إلى تنظيم ندوات ومؤتمرات حول القضايا، التي تمس بالعلاقة بين العالمين وبالتقريب بين البلدان المُـطلة على البحر الأبيض المتوسط.

دعم سياسي قوي

اللافت للنظر هذه المرة، هو التخلي عن الحياد، الذي حكم تقليديا موقف الدولة تُـجاه مثل هذه المبادرات، وكانت كلمة ممثل السيدة ميشلين كالمي – ري، رئيسة الكنفدرالية في حفل الإعلان عن تأسيس المنتدى، قوية وواضحة.

وبعد تعبيره عن الدعم المطلق لمثل هذه الخطوة، دعا السيد ديديي فيرتر، العاملين في حقل حوار الأديان إلى “التحرك بسرعة لوأدِ الإسلاموفوبيا، مرض العصر، قبل فوات الأوان، أولا، لأنها نزعة تُـسيء إلى مجتمعاتنا وتُـهدد استقرارنا، وثانيا، لأن دُعاتها يجهلون الحقائق التاريخية، التي تؤكِّـد أن المجتمعات الإسلامية، قديما وحديثا، كانت مجتمعات متعددة، ثقافيا ودينيا، من مصر إلى سراييفو، ومرورا بقرطبة وغرناطة، ولا ينكر إلا متحامل، ما كان ينعم به اليهود في الأندلس والمسيحيون في الشام من تسامح”.

كما أكّـد ممثل رئيسة الكنفدرالية على الدور المتصاعد للأديان في الحياة العامة، “فالدِّين كمرجع أساسي لصياغة الهويات المختلفة في العالم، لم يفقد أهميته، بل على العكس، بات دور الدّين اليوم أكثر فعالية على مستويات مختلفة، ومن هذا المنطلق، من مصلحة الجميع أن يتعزّز الحوار بين الأديان، وعلينا الاستفادة من القوة الرمزية للأديان في إطفاء الحرائق، بدلا من إذكائها”.

وأما وزير العدل والشرطة بكانتون زيورخ، فقد عرّج عن العلاقة بين الدولة والأقليات الدينية، وشدّد على أن الوضع في سويسرا لم يعد يحتمل تجاهُـل تلك الأقليات أو تهميشها، “وأن واجب الدولة، خدمة المجتمع، وإذا كانت مصلحة المجتمع في نشر التسامح وتعزيز الحوار بين طوائفه الدينية، فإن على الدولة أن تدعم هذا الحوار وأن توفّر ما باستطاعتها لإنجاحه”.

البرنامج المستقبلي لحوار الأديان

كان ضيف الشرف في حفل التأسيس، الشيخ مصطفى تسيريتش، مفتي الديار البوسنية، اعترافا بالجهود الجبارة، التي يبذلها من أجل تعزيز الحوار بين الأديان ودعوته للمسلمين المقيمين في أوروبا للاندماج والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل هذه القارة، ويعتقد هذا الأخير، أن “قضية المسلمين في الغرب هي قضية القرن الحادي والعشرين”.

وفي كلمته أمام الحضور، شدّد على أهمية البُـعد الديني في الحياة المعاصرة، إذ أصبح اليوم يسكُـن العقل والوجدان، وتسرب من الأديرة والكنائس والمساجد، ليصبح المتديِّـنون نشطين في الحياة العامة ومشاركين فاعلين في بِـناء مجتمعاتهم، ومن هناك، تحوّلت المسألة الدينية إلى قضية شأن عام، وبالتالي، اقتضَـت المصلحة تنظيم هذا الوجود.

كما تعرض الشيخ مصطفى تسيريتش كذلك إلى التجربة التاريخية الأوروبية مع الظاهرة الدينية، ليخلِّـص إلى أن التناقض المفترض بين الدِّين والمعرفة والمادّة والروح والإله والطبيعة، هو تناقض موهوم، جلب على أوروبا كوارث وحروبا وخلق لديها أزمة هوية، مبيِـّنا أن أوروبا جرّبت كل الأفكار والفلسفات، وعليها اليوم أن تنفتح على جميع الأطروحات دينية ووضعية، وألا تستمع للمتعصِّـبين من أي فئة كانوا.

وحول حوار الأديان في أوروبا، أشار مفتي الديار البوسنية إلى أن “جميع الرسالات السماوية نزلت في الشرق، وأن ما نملكه نحن الأوروبيون، هي نسخ من تلك الرسالات، ولا أحد منا يمكنه الإدِّعاء بأنه يملك النسخة الصحيحة”، وأشار إلى أن هذا الجيل محظوظ، إذ بإمكانه أن يُـعيد صياغة التجربة الأوروبية، مستنيرا بنجاحات وأخطاء الأجيال السابقة، في انفتاح على جميع المدارس الفكرية والتيارات العقائدية، واختتم بالقول: “أعتقد أن هذا المنتدى هو الإطار المناسب لصياغة هذه الهوية، وهذه التجربة الجديدة”.

بين متفائل ومشكِّـك

لاختبار أهمية هذا الحدث والآمال المعلّـقة عليه، سألت سويس انفو أولا السيد ميشال بولاق، ممثل الديانة اليهودية في هذا المنتدى حول تجربتهم في حوار الأديان، وإن كان متفائلا لمآلات هذا المسار، فرد بالقول: “يجب التذكير أن الحوار بالمعنى الحقيقي، بين اليهودية والمسيحية، لم ينطلق إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وما كان قبل ذلك، هو محاولة من المسيحيين للتَّـبشير في صفوف اليهود، وإذا كُـنت متفائلا نوعا ما، فلأنه ليس هناك خيار آخر”.

كذلك، لا يختلف كثيرا جواب الدكتور إسماعيل أمين، أحد رموز الجالية الإسلامية في زيورخ وسويسرا، الذي قال: “طبيعة الوضع القائم الآن تُـجبرنا على أن نكون متفائلين، واستطعنا من خلال حوار الأديان والعمل مع الهيئات المدنية أن نغير البرامج التعليمية، التي كانت تُـسيء للإسلام تغييرا كاملا، واستطعنا بالحوار، أن نقنع تلك الأطراف أنه لا يجب أن يُستثنى المسلمون من أي حقوق يتمتّـع بها غيرهم، فسمح لنا بتأسيس مقابر خاصة وبتشييد مراكز للعبادة، وتوصّـلنا إلى ربط علاقات متينة بالأحزاب السياسية والجمعيات المدنية”.

هذا عن الحوار بين المتديّنين، فماذا عن بقية الهيئات والمنظمات النشطة في المجتمع؟ وكم هي نِـسبة المتديِّـنين المعنيين بذلك الحوار؟ أسئلة عديدة تظل في انتظار العثور على إجابات شافية ودقيقة عليها.

عبد الحفيظ العبدلي – زيورخ

تؤكِّـد التقارير، التي تنجزها مؤسسات مدنية رسمية ومستقلة، تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا في البلدان الأوروبية، ومن أشهر تلك التقارير، ما صدر عن اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في سويسرا، وتقرير الإتحاد الأوروبي، الذي انتهى إلى أن المسلمين يعانون من التمييز والتهميش في ميادين العمل والتعليم والسكن، كما أنهم ضحايا الأفكار المُـسبقة المُـنتشرة بين غالبية السكان ووسائل الإعلام، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى تعرّضهم إلى العنف الجسدي واللّـفظي أو الإضرار بمُـمتلكاتهم ودور عباداتهم، ويجب أن يفهم هذا في ظل مناخ عام من الكراهية ضد المهاجرين والأقليات، وبرغم اتساع هذه الظاهرة، تظل عملية توثيقها محدودة جدا، ومن أبرز ما سجله تقرير الإتحاد الأوروبي:

أن المسلمين يقعون في الغالب، ضحايا الأفكار المُـسبقة التي يساهم الإعلام في إشاعتها، وأنهم يتعرّضون لأشكال مختلفة من الإهانة.

يعاني غالبية المسلمين في أوروبا، خاصة فئة الشباب، من محدودية الفرص في مجال التدريب والعمل، وهم عُـرضة للإقصاء الاجتماعي وللتمييز العنصري، وهو ما يدفع البعض منهم إلى اليأس وإلى التمرد على القواعد المعمول بها.

تشير غالبية الدراسات والإحصاءات، على أن غالبية المسلمين يسكنون الأحياء الفقيرة وأن نِـسب التعليم في صفوفهم، دون المعدلات الوطنية العامة، ونِـسب البطالة مرتفعة لديهم.

على الرغم من أن المسلمين قد عمروا طويلا في إسبانيا ولا يزالون في دول البلقان، فإن أغلب المسلمين الموجودون حاليا في أوروبا، قد جاؤوا إلى القارة كعمّـال مهاجرين بين 1960 و1990.

أغلب هؤلاء المسلمين، من المذهب السُـني، مع وجود أقلية شيعية.

يبلغ عدد المسلمين في أوروبا، ما يناهز 30 مليون نسمة، أعلى نسبة منهم في فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

تعترف بعض الدول الأوروبية بالإسلام كأحد الديانات الرسمية، في حين تمتنع بعض الدول الأخرى عن ذلك.

يعاني المسلمون من التّـمييز، خاصة في إسبانيا والبرتغال وهولندا وإيطاليا، مقارنة ببقية الدول الأوروبية.

في أيرلندا مثلا، تبلغ نسبة البطالة بين المسلمين 11%، مقارنة بنسبة 4% فقط بين صفوف بقية المواطنين.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية