“اخـتـبـار نــوايـا” بين صنعاء والرياض
لم يكن طلبُ اليمنِ للسلطات السعودية تسليمَ وزير الخارجية اليمني الأسبق المجيد الأصنج، سوى مؤشر على أن ثمة أزمة صامتة بين الرياض وصنعاء وفقا لما يمكن استنتاجه استنادا إلى معطيات عدة.
ويرى مراقبون أن الطلب اليمني بتسليم الرجل لم يكن إلا محاولة لاختبار الدور السعودي في تحريك المعارضة اليمنية في الخارج في هذه المرحلة.
لم يكن طلبُ اليمنِ للسلطات السعودية تسليمَ وزير الخارجية اليمني الأسبق المجيد الأصنج، سوى مؤشر على أن ثمة أزمة صامتة بين الرياض وصنعاء وفقا لما يستنتجه المراقبون استنادا إلى معطيات عدة.
ويرى عدد من المراقبين أن الطلب اليمني بتسليم الرجل لم يكن إلا محاولة لاختبار الدور السعودي في تحريك المعارضة اليمنية في الخارج، التي زاد نشاطها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ.
ويضيفون بأن الهدف المقصود منه، ليس الرجل الذي ظل معارضا لسلطات صنعاء منذ أن حوكم في عام 1981 بتهمة التخابر لصالح المملكة السعودية، وإنما استجلاء الموقف السعودي من تحرك أطراف سياسية معارضة لسلطات صنعاء تحظى بدعم سعودي.
معارضة الخارج
في الأشهر الستة الأخيرة، كثفت فعاليات سياسية معارضة للنظام في صنعاء من تحركاتها ونشاطها في الخارج بشكل ملحوظ، وذلك بالتزامن مع تزايد المطالب والضغوط على صنعاء من أجل اتخاذ ترتيبات وإجراءات ذات علاقة بمكافحة الإرهاب، والحد من تسرب السلاح من اليمن إلى يد الإرهابيين، مما يحيل إلى أن ثمة استحقاقات ترتبط بتحريك ملف وزير الخارجية اليمني الأسبق، أكثر من ارتباطه بشخصه أو بما يمثله من ثقل وتأثير، فيما يطلق عليه بمعارضة الخارج.
ومنذ أن أصدر الرئيس اليمني قرار عفوه عن وزير خارجيته عبد الله الأصنج، الذي أدين بتهمة تسريب معلومات للسعودية تتعلق بالأمن الوطني عام 1981، ظل الرجل يقود معارضة خارجية ضد الرئيس علي عبد الله صالح، لكنه مع ذلك بقي صوتا هامشيا غير مثير للسلطات اليمنية، حتى في أسوإ الظروف التي مرّ بها اليمن عندما انقلبت عليه المعارضة اليمنية في الخارج بعد حرب صيف 1994، والتي نتج عنها نزوح قيادات الحزب الاشتراكي اليمني خارج البلاد.
فقد تمكن الأصنج من الانخراط في صفوفها بشغله منصب مسؤول العلاقات الخارجية في جبهة المعارضة الجنوبية “موج”، التي تشكلت في الخارج من القيادات النازحة عقب حرب صيف 1994، وظل متنقلا بين الرياض وعواصم عربية وأوروبية، دون أن يشكل مصدر قلق لصنعاء التي لم تطالب السلطات السعودية بتسليمه.
غير أن المطالبة بتسليمه في هذه الظروف بالذات، يدل على أن علاقة البلدين تمر بظروف غير طبيعية، وأنها تعيش أزمة صامتة تتبدى في أكثر من مؤشر، أبرزها تزايد المطالب السعودية لسلطات صنعاء بتشديد مراقبتها لحدوده الشمالية مع المملكة.
“دولـة مـجـاورة”
لقد درج المسؤولون السعوديون في الآونة الأخيرة على الربط بين ما تشهده السعودية من أعمال عنف، وبين تسرب السلاح إلى أيدي منفذي تلك الأعمال من دولة مجاورة، والمعني بها اليمن، حيث جرت العادة عند إدلاء مسؤولي البلدين بتصريحات تتعلق بإشكالات مطروحة بينهما تجنبهم الإشارة صراحة إلى الدولة المعنية والاكتفاء بالإشارة إلى أنها دولة مجاورة.
لذلك، شكلت الصحافة ووسائل الإعلام، الفضاء الأكثر شفافية، لإبراز ما هي عليه علاقة البلدين. وفي هذا الإطار، استمرت وسائل الإعلام السعودية المعروفة بتبعيتها للسلطات هناك أو المقربة منها على تحميل اليمن، صراحة وبدون مواربة، بعضا من وزر أعمال العنف الذي ينفذه متطرفون إسلاميون.
وغير مرة ذهبت تلك الصحافة، وخاصة منها المقربة من الأمراء السعوديين النافذين، إلى أن الأسلحة التي عثر عليها بحوزة متشددين إسلاميين يقفون وراء أعمال العنف هناك، مصدرها اليمن، ومنها أسلحة تابعة للجيش اليمني قيل إنها استخدمت في الهجوم على القنصلية الأمريكية في الدمام.
وباستثناء ما تطرحه تلك الصحافة حول هذه المسائل، عادة ما يكتنف الغموض تعامل المسؤولين مع كثير من الملفات المطروحة، نظرا للتقليد المتبع من قبل سلطتي البلدين في معالجة القضايا الخلافية التي تطرأ من حين لآخر بين الدولتين، وهو أسلوب السرية التامة، وعدم الإفصاح عن طبيعة الخلافات تلك، مما يترك المجال لقراءتها في مؤشرات قد لا ترتبط بطبيعة الإشكالات المطروحة، كما هو الحال في طلب صنعاء المفاجئ من الرياض، تسليمها وزير الخارجية الأسبق عبد الله الأصنج، وإنما بما هو أعمق من ذلك بكثير.
أزمة جديدة
هذا الطلب لا يمكن قراء ته، حسب كثير من المتابعين والمراقبين، إلا في سياق أزمة جدية بين البلدين، ترتبط بالتحركات المتزايدة التي بدأ يقودها معارضون يمنيون في الخارج عبر نشاطات مختلفة، بعضهم تربطه علاقات خاصة بالمملكة كعبد الله الأصنج، والسفير عبد الله نعمان، إبن رئيس الحكومة الأسبق، احمد النعمان، والسفير عبد الله سلام الحكيمي، والسفير اليمني في دمشق الذي طلب اللجوء السياسي في لندن، وجميعهم كثفوا في الآونة الأخيرة من نشاطاتهم المعارضة للرئيس صالح، وأعلنوا أنهم “بصدد التنسيق مع أطراف أخرى بهدف توحيد صفوف المعارضة اليمنية في الخارج”.
وقد حضي تحرك المعارضة اليمنية في الخارج بتغطية واهتمام ملحوظ من قبل الصحافة السعودية والكويتية والإماراتية، وبشكل متزامن، الأمر الذي أقلق المسؤولين في صنعاء، وآثار لديهم أكثر من تساؤل حول الأطراف التي تقف وراء تحريك خيوط معارضة الخارج.
ومن هنا جاء الطلب اليمني للسلطات السعودية تسليمها وزير الخارجية الأسبق بغاية الوقوف على وجهة علاقة البلدين، على ضوء التطورات الحاصلة واستحقاقاتها المنتظرة على مستوى تسوية الكثير من الملفات ذات الصلة بعلاقة البلدين، كمراقبة الحدود، ومكافحة الإرهاب، ودور المملكة في تحريك المعارضة في الخارج.
“اختبار نـوايـا”
ويعد اختبار مدى حجم الثقل السعودي إلى جانب المعارضة الخارجية مسألة مهمة للغاية، نظرا لقوة التأثير السعودي على جاره الفقير، ولارتباط المملكة بأطراف داخلية في اليمن، تتطلع من خلالها دوما إلى ضمان استمرار ذلك التأثير، ولعب دور في الساحة اليمنية، وهو ما تخشى منه صنعاء، نظرا لأن الثقل السعودي في المعادلة، خاصة في الظرفية الحالية، قد يلتقي مع تناغم المساعي الدولية التي تروم ترتيب كل بلدان المنطقة وفق الأجندة الأمريكية المرسومة.
وعلى ما يبدو، فإن الاختبار اليمني للدور السعودي هو “اختبار نوايا”، لكنه مازال دون إجابة، وربما إلى حين تسوية الكثير من المطالب المطروحة بين الجانبين.
وقد برهنت التجارب السابقة أن الرياض وصنعاء، كثيرا ما تلين مواقفهما كلما جاءت التدابير المتخذة من كل طرف مرضية للطرف الآخر، عقب كل أزمة مرت بها علاقة البلدين، مثلما كان عليه الأمر في ملف الحدود بين البلدين الذي سُـوي بعد أسوإ أزمة عرفتها العلاقات بين البلدين عام 1990 على خلفية غزو صدام للكويت.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.