استباق أوروبي لمشاركة حماس في السلطة
دخلت علاقات الاتحاد الاوروبي مع كل من اسرائيل والفلسطينيين ممرا ضيقا لايوفر هامشا كافيا للمناورة بالنسبة لخافيير سولانا، الممثل الاعلى للسياسة الخارجية في الإتحاد .
هذا الوضع يشتد تأزما مع قرب استحقاق الانتخابات العامة في أراضي السلطة الفلسطينية في موفى يناير المقبل (إذا ظل الموعد ثابتا) وفي شهر مارس القادم في إسرائيل.
من خلال إطلالة عامة على المشهد، يبدو أن كل طرف من الاطراف المعنية يسير على حبل مشدود وقد تضطره النتائج النهائية للاقتراع الى مراجعة حساباته.
وبعد الاختراق الذي حققته وزيرة الخارجية الاميركية عندما الزمت الاسرائيليين في شهر نوفمبر الماضي الاسراع في ابرام اتفاق معبر رفح ودخول الاتحاد الاوروبي في صفة الطرف الرسمي الثالث لمراقبة حركة التنقل عبر المعابر التي تربط قطاع غزه بالعالم الخارجي، رأت بعض المصادر الدبلوماسية أن ما تحقق من تعاون ثلاثي (اسرائيلي، فلسطيني، اوروبي) قد يؤسس لدور اوسع يتولاه الاتحاد في مستقبل عملية التسوية.
وتقتضي الآفاق المحتمله في الدبلوماسية الاوروبية سلوك “أسلوب متوازن في المرحلة الدقيقة التي يجتازها الطرفان”. فالفصائل الفلسطينية تخوض حملة الانتخابات العامة في ظروف استثنائية افرزها الانسحاب الاسرائيلي آحادي الجانب من قطاع غزه وما تلاه من إرباك للوضع الامني داخل القطاع ونجاح مرشحي حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في الانتخابات البلدية واحتمالات فوزهم بنصيب كبير من مقاعد المجلس التشريعي المقبل.
في المقابل، تشق حركة “فتح”، التي ينتمي اليها الرئيس محمود عباس وغالبية أعضاء السلطة، انقسامات داخلية ستقلل من حظوظها في صناديق الاقتراع. كما يخلق الوضع الانتخابي فرص “المزايدة” بالنسبة لحركة الجهاد الاسلامي التي رفضت الانخراط في العملية السياسية.
وفي الساحة الاسرائيلية، لا يقل الوضع تعقيدا. فانسحاب ارييل شاورن من تجمع الليكود وانشائه حزب “كاديما”، الذي قد يتحالف في المستقبل مع حزب العمل، ترك تجمع الليكود بين اليمينيين والمتطرفين الذين كانوا رفضوا إخلاء المستوطنات في قطاع غزه في شهر سبتمبر الماضي والذين سيخوضون الحملة الانتخابية، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، على أساس “عدم التنازل ورفض اخلاء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية”.
تقرير غير منشور .. وموقف مثير
وللأسباب نفسها، تحفظ المجلس الوزاري الاوروبي في اجتماعه في 12 ديسمبر الجاري عن نشر تحليل كان أعده قناصلة الدول الأعضاء في الاتحاد في القدس الشرقية حول مخاطر تفجر الوضع في القدس جراء حملة الاستيطان في ضواحي القدس وقطع الطرقات التي تربطها تقليدا بالمدن الفلسطينية والضفة الغربية بالاضافة الى توسع البؤر الاستيطانية داخل الحي الاسلامي من المدينة.
وقال مسؤولون في بروكسيل بان نشر التقرير في ظل ظروف الحملة الانتخابية “قد يساعد في إلهاب الوضع خاصة وأنه تعلق بالقدس. لكن الاتحاد ابلغ اسرائيل مواقفه المعروفة تقليديا بعدم اعترافه بضم القدس الشرقية وانكاره سيادة اسرائيل على المستوطنات”.
وابلغ خافيير سولانا الرئيس الفلسطيني مضمون التقرير ووجهة نظر الاتحاد وسعى من جهة ثانية لدى الاسرائيليين من أجل ايجاد “حلول عملية تضمن مشاركة الفلسطينيين في القدس في الانتخابات”. لكن اسرائيل قررت العكس واعلنت حظر مشاركة المقدسيين في الاقتراع المقرر مبدئيا في 25 يناير 2006.
ويرى دبلوماسي اوروبي بان الوضع لا يسمح بالمخاطرة “وإعلان مواقف تكون في مثابة صب الزيت على النار في ظروف الحملة الانتخابية”. وأوضح المصدر نفسه بان دوافع الحذر من الوضع الانتخابي قد تكون السبب وراء تهديد الفلسطينيين في مطلع الاسبوع بان افتراض فوز حماس في الانتخابات وبالتالي دخولها السلطة قد يدفع الاتحاد الى وقف المساعدات التي يقدمها للفلسطينيين.
وكان الموقف مثيرا لأنه فهم من طرف البعض على أنه بمثابة التدخل في الانتخابات ومحاولات فرض خيارات اوروبية على الناخبين الفلسطينيين والتوصية اليهم بعدم انتخاب ممثلي حركة “حماس”.
تصريحات سولانا
وقال مصدر اوروبي رسمي لسويس إنفو بان تصريحات الممثل الاعلى للإتحاد جاءت في معرض الرد على اسئلة الصحافيين في غزة يوم الاثنين الماضي (19 ديسمبر). وفي نفس السياق، ذكرت كريستينا غالاش، المتحدثة الرسمية باسم الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي بان سولانا أكد بان “القرار في شان من يشارك في الانتخابات الفلسطينية يتخذه الفلسطينيون وفق قوانين السلطة الفلسطينينة. ويرفض الاتحاد التدخل فيها. ولايعترض على مشاركة حماس أو أي فصيل آخر في الانتخابات. وحق المشاركة تقرره السلطة الفلسطينية”.
ويتميز الموقف الاوروبي في هذا الشان عن موقف كل من اسرائيل والولايات المتحدة التي دعت السلطة الى حرمان حماس من حق المشاركة في الانتخابات لأنها “منظمة ارهابية ولا تعترف بحق اسرائيل في الوجود”.
وكان مسؤولون في الاتحاد الاوروبي أجروا مشاورات مع قيادات “حماس” لتشجيع فرص الهدنة مع اسرائيل وذلك على رغم تصنيف الحركة ضمن المنظمات الارهابية ووضعها على القائمة السوداء للإتحاد. ولا يعارض الاتحاد مشاركتها في الانتخابات ولايحظر على المراقبين الاوروبيين الذين سيشرفون على العملية الانتخابية (ينتظر أن يصل عددهم إلى 150) الاتصال مع مرشحيها، إلا ان الموقف الاوروبي نضج اكثر فاكثر بعد الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزه وتوفر بعض مؤشرات تنشيط الحياة السياسية في اراضي السلطة واحتمال استئناف المفاوضات مع اسرائيل.
وذكر خافيير سولانا في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الاثنين 19 ديسمبر في قطاع غزه بالبيان الاخير الذي اصدرته القمة الأوروبية في بروكسيل وأكدت فيه “وجوب عدول كافة المنظمات، منها حماس، عن العنف وكذلك وجوب اعترافها بحق اسرائيل في الوجود ووجوب التخلي عن سلاحها”. كما يعتقد الاتحاد بان “الذين يرغبون الانخراط في المسار السياسي يتحتم عليهم التوقف عن النشاطات المسلحة. وهناك تناقض كامل بين اعمال العنف وبناء دولة ديمقراطية”.
وهدد سولانا قائلا بان “لا احد يستبعد في أن الاوروبيين سيفكرون مرتين حول التزامهم تجاه السلطة الفلسطينية ودفع موارد دافعي الضرائب الاوروبيين اذا كان اعضاء من القيادة الفلسطينية المنتخبة لايعدلون عن العنف و لايعترفون باسرائيل”.
مراجعة سياسية؟
ويمكن القول أن الموقف الاوروبي يتميز الآن بالوضوح ولا يقبل التأويل. فالاتحاد يشجع انخراط “حماس” في العملية السياسية ولا يعترض على مشاركتها في الانتخابات. ويتحصن ايضا بتحذير الفلسطينيين بشكل مسبق بانه “ليس في وارد الدخول في مواجهة مع اسرائيل وانصارها في الاتحاد الاوروبي” حول الوجهة التي يقصدها الدعم المالي الاوروبي.
وكانت المفوضية الاوروبية واجهت في الاعوام الماضية انتقادات كثيرة ثبت انها باطلة ونسب فيها أعضاء اللوبي الاسرائيلي الى الاتحاد تقديم معونات مالية للسلطة الفلسطينية لكنها في الحقيقة كانت تخدم مصالح “منظمات ارهابية”. وعطلت اجراءات التحقيق صرف المعونات واثارت الشكوك في صدقية المفوضية والسلطة الفلسطينية على حد سواء. وكانت النتيجة مشرفة للطرفين عندما أكد جهاز مكافحة التزوير قبل اكثر من عام بان التحقيقات التي اجراها لم تثبت اتهامات استخدام المعونات لأغراض اخرى غير اهداف التنمية.
ويخشى مسؤولون أوروبيون ليسوا محسوبين ضمن انصار اسرائيل من أن يستغل اللوبي الاسرائيلي وصول بعض مرشحي “حماس” الى مواقع السلطة على الصعيدين البلدي والحكومي لوضع عراقيل جديدة أمام مسار الدعم للمؤسسات الفلسطينية. وتستند الحسابات الدبلوماسية الاوروبية المسبقة الى رفض امريكي وتدخل مباشر في الحملة الانتخابية وتحرك عربي محدود يقتصر حول دور مصر في مساعدة السلطة على إدارة الازمة المتواصلة.
لكن مشاركة “حماس” في الانتخابات واحتمال فوزها بنتائج مقنعة قد تدفع كافة الاطراف، منها قيادات الحركة، إلى القيام بمراجعة سياسية اخرى غداة الاقتراع المقرر، هذا إذا لم يؤجل.
نورالدين الفريضي – بروكسيل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.