استكشاف صيني هادئ للمنطقة المغاربية
تواصل الصين بهدوء زحفها في أنحاء المعمورة دون أن ترفع شعارات طنانة طغت على خطابها على مدى أربعة عقود بعد استقلالها في نهاية الأربعينات.
من الولايات المتحدة إلى السعودية فالمغرب، جال مؤخرا الرئيس الصيني هو جينتاو لفتح أسواق جديدة لصناعات بلاده الناهضة أو ليؤمّـن لها مواد أولية ضرورية.
تواصل الصين بهدوء زحفها في أنحاء المعمورة. بايجينغ لا ترفع اليوم تلك الشعارات الطنانة التي طغت على خطابها على مدى العقود الأربعة التي تلت استقلالها في نهاية الأربعينات، وهي لا تولي اهتماما للايديولوجيا أو لصراعها مع الامبريالية أو للتطاحن الطبقي بين الفقراء المسحوقين والأغنياء المستغلين، بل هي تزحف وتحفر المزيد من الثغرات في الأسواق العالمية لسلعها وصناعاتها، غير آبهة – رغم أنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي – بصراعات العالم ونزاعاته.
من الولايات المتحدة إلى السعودية فالمغرب، جال الرئيس الصيني هو جينتاو، يفتح لصناعات بلاده أسواقا جديدة أو يؤمّـن لها مواد أولية. كان كلامه في تلك الزيارات قليلا وحتى من رافقه من المسؤولين الصينيين، كانوا أكثر ميلا للصمت منه للتصريحات الصحفية حتى المجاملة منها.
فالتصريحات في العلاقات الدولية تعني سياسة، وتعني موقفا من قضية ما، والمسؤولون الصينيون في القضايا الدولية حريصون على عدم اتخاذ موقف لأنهم يتجنبون المواجهة مع أطراف الأزمات الدولية.
المحور الاقتصادي أولا!
وحين تحدث وزير الخارجية الصيني تشاو شينغ قبيل وصول الرئيس جيناو للمغرب الأقصى، قال في السياسة الكثير ولم يقل شيئا كان المغرب يود سماعه، خاصة في قضية الصحراء الغربية، وكل ما قاله إن بلاده تحرص على “تكريس مبدأ المساواة وتعزيز الثقة المتبادلة في المجال السياسي”.
فالمسؤول الصيني يوزع تصريحه بالرباط، وعينه على الجزائر، شقيقة المغرب اللّـدود، وخصمه في نزاع الصحراء الغربية، وهو يريد الجميع وليس طرفا، لأنه يريد كل العالم مفتوحا أمام بضائعه، وليس سوقا واحدا.
والموقف الصيني بالنسبة للرباط، لا يختلف عن موقفه بالنسبة لمجموعة من العواصم التي يطمح المسؤول الصيني لأن تكون محورا في استراتيجياته الاقتصادية القائمة على دعوة هذه العواصم للصين لتحضر بكل ترحيب ودون إكراه، دون حساسية من ماض ولا خوف من مستقبل.
في الرباط، وقع الوفد الصيني المرافق للرئيس هو جينتاو الذي انشغل في مباحثات بروتوكولية مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، وزيارات سياحية لمعالم مغربية، سبع اتفاقيات تعاون تهم قطاع السياحة والصحة والثقافة والاقتصاد والأشغال العمومية والبحث العلمي والتجارة.
لكن الرباط، بالنسبة لبكين، تحتل موقعا متميزا كغيرها من عواصم المغرب العربي بحكم رخص اليد العاملة وتوفرها للمواد الأولية، فالسياسة الاقتصادية الصينية قائمة على مرتكزات ونقاط انطلاق نحو أسواق أوسع، وتحديدا الأسواق الأوروبية.
وحسب إدريس جطو، رئيس الحكومة المغربية، فإن الصادرات الصينية إلى المغرب ارتفعت بنسبة 400% منذ بداية القرن الحالي، وبلغت أكثر من ملياري دولار سنويا، دون احتساب أكثر من 500 مليون دولار استثمارا للقطاع الخاص الصيني في ميدان التجهيزات، وإن كانت الصادرات المغربية متوقفة عند 277 مليون دولار.
الصين لا تؤيد ولا تعرقل
فبعد أن اخترقت البضاعة الصينية والتجار والمقاولون والعمال الصينيون الأسواق المغاربية، وتجاهل السلطات في الدول المغاربية لتحذيرات وتهديدات تجار ارتبطوا تاريخيا بالسوق الأوروبية، وتحديدا السوق الفرنسية أو حديثا بالسوق الأمريكية، وجد الصينيون أن هذه البلدان تشكل نقاط ارتكاز مفيدة، بل وضرورية نحو أسواق أخرى على غرار جبل علي بدبي نحو أسواق الشرق الأوسط ودول آسيوية، ونقطة الكامرون، حيث استغلال مجالات البترول وشق الطرقات، وهي استثمارات انتزعت من بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، لتشع هي الأخرى على الأسواق الإفريقية.
وتراهن الدول المغاربية في اجتذاب وتشجيع الاستثمارات الصينية على موقعها الجغرافي القريب من الأسواق الأوروبية، ورخص اليد العاملة والمواد الأولية. فالفوسفات، بالنسبة لتونس والمغرب، والبترول والغاز بالنسبة للجزائر.
الإستراتيجية الاقتصادية والتجارية الصينية قد تشكل فرصة ذهبية للدول المغاربية لإنعاش اقتصاديتها وإيجاد مخارج لأزماتها الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أزمة البطالة التي تهدد انعكاساتها أمنها واستقرارها.
لكن هذه الإستراتيجية قد تصطدم بالسياسات المنتهجة في الدول المغاربية وعلاقاتها الثنائية القائمة على المماحكة والتنافسية التناحرية التي تقوم على الإلحاحية على الأطراف الدولية في تحديد موقف مع هذا الطرف أو ذاك، حتى لو ذهبت المصالح الاقتصادية نحو الجحيم والتنمية إلى تراجع وتخلف مرعب في الاقتصاد والتجارة والثقافة والعلوم.
والصين لن تحرجها إلحاحية هذا الطرف أو ذاك، فهي التي استطاعت بحكمة كونفوشيوس ونظرية ماركس وانجلز وماو باعتماد الاقتصاد أساسا للسياسة والمصالح أساس الموقف بالتعامل مع اخطر الأزمات التي مر بها العالم منذ انهيار المعسكر الشيوعي نهاية ثمانينات القرن الماضي بحيادية باردة لا تؤيد ولا تعرقل.
هل تستطيع الصين مواصلة الحياد البارد؟
فالصين، إن كان في المؤسسات الدولية، تحديدا في مجلس الأمن الدولي، لم تنفرد بموقف من حرب الخليج الثانية 1991 ولا من احتلال العراق ولا الملف النووي الإيراني، إذ كانت دائما تستند في موقفها المعارض للموقف الأمريكي إلى الموقف الروسي أو الفرنسي.
لكن السؤال الذي يُـطرح بشكل متواتر هو: هل تستطيع الصين أن تواصل سياسة الحياد البارد وتجاهل القضايا والصراعات الدولية، خاصة إذا ما وجدت نفسها أمام تحرك الدول الصناعية الأخرى لوقف زحف سلعها وبضائعها التي لم تسلم منها حتى أسواق الدول الصناعية؟
وهنا قد تعاد صياغة النظام العالمي الجديد على أسس مختلفة، عمادها الاقتصاد، فتعيد بكين حساباتها وقد تعيد النظر في رؤيتها للدول المغاربية، إذا لم تجد أنها أسواق مفيدة أو أنها أسواق لا زالت محكومة بالسياسة “الساسوية” و”المماحكات” و”التنافس التناحري”، وتضيّـع هذه الدول فرصة ستكون من بين الفرص التاريخية العديدة التي ضيّـعتها منذ استقلالها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.