استمرارُ الدعم السويسري لأوروبا الشرقية
برن ستُواصل مساعيها من أجل ترسيخ الديمقراطية واقتصاد السوق في جنوب شرقي أوروبا رغم الصعوبات التي يواجهها مسار الانتقال السياسي في هذه المنطقة.
هذه واحدة من أبرز تعهدات المؤتمر السنوي للتعاون السويسري في أوروبا الشرقية الذي انعقد في زيورخ وأكد أنه سيركز على تفعيل دور المجتمع المدني في ثلاثة بلدان تحديدا.
بعد مرور 15 عاما على سقوط جدار برلين، لم ينجز مسار الانتقال السياسي في بلدان أوروبا الشرقية إلا بصورة جزئية. هذه هي القناعة التي عبرت عنها وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي لدى مشاركتها يوم الثلاثاء 2 نوفمبر بزيورخ في أعمال المؤتمر السنوي لبرامج التعاون السويسري في تلك المنطقة. وقد خُصص مؤتمر هذا العام لثلاث دول هي مقدونيا وألبانيا وبلغاريا.
ولئن تمكنت بالفعل الدول الثماني التي كانت أعضاء في حلف وارسو سابقا والتي انضمت في غرة مايو الماضي إلى الاتحاد الأوروبي، من تلبية جزء من طموحاتها، فإن السيدة كالمي راي ترى أن الطريق مازالا طويلا أمام دول البلقان وباقي بلدان الاتحاد السوفياتي السابق.
وعن الأوضاع في هذا الدول، قالت الوزيرة السويسرية: “إن حياتهم اليومية قاسية وآفاق إحرازهم لتحسن سريع تظل ضعيفة”.
وتعتقد السيدة كالمي راي أن السبيل لتعزيز مسار الانتقال السياسي يكمن في تغيير أسلوب التفكير، حيث قالت: “ليس على المواطنين أن يكونوا في خدمة المؤسسات، بل على المؤسسات أن تكون في خدمة المواطنين”.
وأكدت الوزيرة أن الخطوة التي قامت بها هذه الدول من نظام الحزب الواحد إلى “الديمقراطية الشكلية” تمت بسرعة، لكن مازال معظمها يعاني من صعوبة إرساء ديمقراطية حقيقية.
تفعيل دور المجتمع المدني
وأعربت السيدة كالمي راي عن نية برن في التشديد على دور “الفاعلين الذين يتم إغفال احتياجاتهم بسهولة”، أي المجتمع المدني والقطاع الخاص، حيث صرحت أن “دورهم لا يجب أن ينحصر في دور الناخبين البُكم”، مضيفة “لكي يدوم تغيير نظام ما، يجب عليهم أن يشاركوا في المسار”.
وترى الوزيرة في هذا السياق أنه بوسع المساعدات السويسرية أن تتجاوز مجرد تقديم الدعم المالي، مذكرة بإمكانيات توفير التعاون أيضا في مجالات حماية الأقليات أو الإصلاحات البلدية. كما أشارت لإمكانية استفادة بلدان المنطقة من خبرات برن في مجال الزراعة وحماية البيئية وتشجيع الشركات المتوسطة والصغرى.
وشددت الوزيرة أيضا على “أهمية المساهمة السويسرية” في نمو دول الكتلة الشيوعية السابقة، حيث ذكرت أن برن “تدعم تقريبا، ومنذ اللحظات الأولى، التغييرات من أجل الحرية ودولة القانون واقتصاد السوق في أوروبا الشرقية”.
وتخصص برن كل سنة أكثر من 40 مليون فرنك لمساعدة مقدونيا وألبانيا وبلغاريا. وقد أكد رئيس دائرة التنمية والتعاون السويسرية التابعة لوزارة الخارجية السيد فالتر فوست أن هذه الأموال “تُستثمر بشكل جيد”.
وجدير بالذكر هنا أن برن أسست في تلك الدول الثلاث منتديات للمواطنين بهدف تشجيعهم على إقامة الحوار مع السلطات والإدارات. وأكدت وزيرة الخارجية السويسرية في هذا السياق أن هذه المقاربة تتم “أساسا” بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية كبرى.
مصالح مشتركة
من جانبه، قال إرهارد بوسيك، منسق ميثاق الاستقرار في جنوب شرقي أوروبا “إن عدم القيام بأي شيء قد يكلف أكثر”. وبعد الإشادة بالتقدم “الذي لا رجعة فيه” الذي تم إحرازه في مجال دمقرطة هذه البلدان، حيا السيد بوسيك المساهمة السويسرية “الفائقة للعادة” في مؤسسة ميثاق الاستقرار التي تم إنشاؤها بعد حرب كوسوفو.
ويعتقد المسؤولان فوست وبوسيك أن مساعدة دول المنطقة يسمح على وجه الخصوص بإثارة قضايا الهجرة التي تمس سويسرا مباشرة. كما أشار فوست إلى أن التنمية “تفتح الأبواب على المستوى الاقتصادي”.
وعلى غرار وزيرة الخارجية السويسرية، أقر مدير دائرة التنمية والتعاون فوست أن “عددا كبيرا من الأشخاص مستاء من مسار الانتقال”. وقد عبر عن هذا الاستياء عدد من المتدخلين من ألبانيا ومقدونيا وبلغاريا الذين أثاروا خلال الملتقى السنوي في زيورخ الهوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء، وبين المدن والأرياف أو التوتر الطائفي والديني الذي يمزق مقدونيا.
الاندماج الأوروبي
أما كاتب الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، جون دانييل غربر، فأعرب عن اعتقاده أن شعوب جنوب شرقي أوروبا لن تنعم بفرصتها إلا إذا تحقق فيها نمو اقتصادي. لكن قال إنه “متفائل جدا” حول مستقبل المنطقة، مذكرا بماضي الدول الشيوعية الثماني السابقة التي التحقت مؤخرا بالاتحاد الأوروبي ضمن الدول العشرة الجدد. ويذكر هنا أن الدول الثمانية المقصودة هي تشيكيا وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا.
وبعد الإشارة إلى أن مسار الانتقال السياسي لم يبدأ إلا في عام 1998، أوضح السيد غربر أن الدول الثمان لم تعد في حاجة إلى التعاون السويسري. لكن ذلك لا يعني أن برن تخلت عنها تماما إذ مازالت تقدم لها المساعدات، لكن في شكل آخر، وذلك عبر المساهمة السويسرية في مساعي الاندماج الأوروبي بعد توسعه شرقا بضم الأعضاء العشرة الجدد.
وجدير بالذكر أن هذه المساهمة التي تحرص برن على وصفها بالـ”تطوعية” تقدر بـ مليار فرنك سويسري على مدة خمسة أعوام، ويبررها المسؤولون السويسريون بالمزايا الاقتصادية والسياسية التي ستجنيها برن من وراء كرمها. وقد صرحت وزيرة الخارجية السويسرية بهذا الصدد أن الدول الجديدة في الاتحاد الأوروبي تمثل شركاء هامين بالنسبة لسويسرا ليس فقط على المستوى الاقتصادي بل على المستوى السياسي أيضا.
سويس انفو مع الوكالات
كانت عملية “الانتقال السياسي في دول جنوب شرقي أوروبا” محور الاجتماع السنوي لبرامج المساعدات السويسرية لأوروبا الشرقية في زيورخ، والذي خُصص هذا العام لكل من مقدونيا وألبانيا وبلغاريا.
تنسق دائرة التعاون والتنمية السويسرية التابعة لوزارة الخارجية المساعدات التنموية والمساعدات الإنسانية.
توظف الدائرة أكثر من 500 شخص وتتوفر على ميزانية سنوية بقيمة 1,2 مليار فرنك (حسب معطيات عام 2003).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.