استياءٌ من مجلس حقوق الإنسان رغم اكتمال بناء مؤسساته
في ختام الدورة السابعة لمجلس حقوق الإنسان، تعقد أطراف الآمال على أن يشرع المجلس عمليا في معالجة ملفات حقوق الإنسان بعد اكتمال بناء مؤسساته، بينما ترى منظمات مدنية أنه "ورث التسييس والانقسام" عن لجنة حقوق الإنسان.
وفي حين تتوجه الأنظار إلى الدورة القادمة المخصصة لعملية الاستعراض الدوري، أعلنت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز آربور عن عدم رغبتها في الترشيح لفترة ثانية، بسبب ضغوط وانتقادات من بعض الدول.
تميزت الدورة السابعة لمجلس حقوق الإنسان التي استمرت من 3 إلى 28 مارس 2008 بحدثين: أولهما إكمال بناء مؤسسات المجلس التي شرع فيها قبل عام ونيف باختيار أعضاء اللجنة الاستشارية التي حلت محل اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، واختيار المقررين الخاصين والخبراء الذين يشرفون على الآليات الخاصة من جهة؛ وثانيها، إعلان المفوضة السامية لحقوق الإنسان، السيدة لويز آربور، عن عدم ترشيح نفسها لفترة ثانية على رأس المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
ويرى رئيس المجلس، الروماني دورو كوستيا، أنها “الدورة العملية الأولى لمجلس حقوق الإنسان بعد اكتمال بناء مؤسساته، والتي تم فيها التطرق للمواضيع الجوهرية لحقوق الإنسان”.
لكن منظمة هيومن رايتس ووتش عبرت عن استيائها، على لسان بيغي هيكس، التى صرحت للصحافة: “توقعاتنا (من الدورة) كانت متواضعة، ورغم ذلك تمكن المجلس من إثارة استيائنا”، إذ اعتبرت أن عددا من الدول يهتم بـ “تجنب إثارة غضب بعض الدول بدل الترويج لحقوق الإنسان”.
وقد قدمت مديرة المنظمة ثلاثة ـمثلة على ذلك: “غياب نقاش حول التيبت رغم رغبة بعض الدول في إثارة الموضوع، واعتماد لائحة حول دارفور بالإجماع بدون الإشارة الى الاعتداءات التي تمت في غرب المحافظة، وإنهاء مهمة المقرر الخاص حول الكونغو الديمقراطية”.
مرارة من انتقادات “غير مبررة”
مثلما جرت العادة في كل الدورات العادية لمجلس حقوق الإنسان، استمعت الدول الأعضاء في بداية الأشغال، وبعد القسم المخصص للشخصيات الرفيعة المستوى، لتقرير المفوضة السامية، السيدة لويز آربور، الذي استعرضت فيه أهم الخطوات التي خطاها المجلس والمفوضية في مجال بناء المؤسسات الجديدة خلال عام.
ولكن المفوضة السامية انتهزت هذه الفرصة للإعلان رسميا عما تردد في الكواليس منذ مدة من أنها سوف لن ترشح نفسها لفترة ثانية على رأس المفوضية السامية لحقوق الإنسان بعد انتهاء الفترة الحالية في نهاية شهر يونيو 2008. وإذا كان ذلك بمثابة فرصة لاستعراض حصيلة أربعة أعوام التي قضتها على رأس المفوضية، فإنها عبرت عن المرارة لـ “سماع إدعاءات من الدول الأعضاء بخصوص افتقار المفوضة السامية وأعضاء المفوضية للنزاهة وللانضباط وعدم القيام بالمسؤولية”.
وإذا كانت بعض الدول، مثل سويسرا، قد انتهزت الحوار التفاعلي مع المفوضة السامية للتعبير عن الأسف لعدم ترشيحها لفترة ثانية، فإن دولا شددت على ضرورة تعزيز الترابط بين مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية حقوق الإنسان، في الوقت الذي أكدت فيه دول أخرى على ضرورة ضمان استقلالية المفوضية عن المجلس. وهذا النقاش سيتواصل كلما تمت مراجعة آليات عمل المجلس.
ولئن ترددت أسماء عن مرشحين محتملين لشغل هذا المنصب، فإن أحدا لم يؤكد تلك الشائعات بشكل قاطع.
إكتمال بناء المؤسسات وسط موجة انتقادات
مجلس حقوق الإنسان الذي حل محل لجنة حقوق الإنسان منذ أكثر من عام، استكمل في دورته الحالية بناء مؤسساته وهيئاته باختيار 18 خبير الذين يشكلون اللجنة الاستشارية التي ستقوم بدور اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التي تم إلغاؤها.
ومن بين هؤلاء الخبراء، نذكر السويسري جون زيغلر الذي تم اختياره رغم تنظيم حملة معارضة من قبل بعض الأوساط الأمريكية وبعض المنظمات غير الحكومية. كما تم اختيار كل من المغربية حليمة مبارك الورزازي والمصرية منى دو الفقار.
يضاف الى ذلك أن المجلس اختار الخبراء الذين سيتولون مناصب المقررين الخاصين والخبراء المشرفين على الآليات الخاصة. وحتى هذا الاختيار لقي بعض الانتقاد بحيث احتجت بعض الدول على خيار رئيس المجلس الذي أبعد مرشحيها فيما وصفه البعض بـ “التصرف غير الشفاف”.
لكن رئيس المجلس شدد على “أنها المرة الأولى التي يتم فيها تعيين الخبراء المشرفين على الآليات الخاصة من قبل رئيس المجلس وبموافقة أعضاء المجلس … وهذا وفقا لمعطيات أكثر وضوحا من التلقائية التي كانت تُتبع من قبل”.
كما أثار اختيار الخبير ريتشارد فالك، اليهودي الديانة والأمريكي الجنسية، لمنصب مقرر خاص مكلف بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، انتقاد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين اتهمتا دوما المقرر الخاص السابق الجنوب افريقي جون دوغارد بالانحياز وعدم المصداقية واللتان اعتبرتا بأن “اختيار ريتشارد فالك سوف لن يعمل إلا على تعميق القلق “.
ولكن الممثل الفلسطيني رحب بهذا الاختيار على أنه اختيار لشخصية نزيهة معتبرا ريتشارد فالك “من أحسن خبراء القانون الدولي”.
اهتمام بالمناخ في انتظار الاختبار الحقيقي
وقد اعتمد المجلس 38 مشروع قرار، وهي قرارات تمتد من الوضع في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة الى ميانمار مرورا بالسودان والكونغو الديمقراطية. كما شملت مواضيع مثل الحق في الغذاء وحرية التعبير واستخدام المرتزقة وغيرها من المواضيع التي تعودت لجنة حقوق الإنسان على طرحها.
لكن الجديد هذه المرة في مشاريع القرارات، اعتماد المجلس بدون تصويت في آخر يوم من أشغال دورته لمشروع قرار ينص على القيام بدراسة حول مدى تأثير التغيرات المناخية على التمتع بحقوق الإنسان. وهو المشروع الذي تقدمت به دولة المالديف بحيث أوضح سفيرها بأنه “إذا كانت المجموعة الدولية قد قامت بدراسات حول التغيرات المناخية، فإن هناك افتقارا لمعرفة مدى تأثير تلك التغيرات على الإنسان، وبالأخص على الفئات الأكثر فقرا”.
ويتطلع الجميع للدورة القادمة التي سينظمها مجلس حقوق الإنسان في شهر أبريل القادم، والتي سيشرع فيها في الاستعراض الدوري لتقارير المجموعة الأولى من الدول، ومن ضمنها أربع دول عربية هي المغرب والجزائر وتونس والبحرين.
ولئن فضل الكثيرون انتظار رؤية كيفية تنظيم الدول لهذا الاستعراض الدوري، للحكم على نجاعة أو عدم نجاعة مجلس حقوق الإنسان، مقارنة مع ما كان متبعا في لجنة حقوق الإنسان، فإن ممثلة منظمة هيومن رايتس ووتش في جنيف جولي دو ريفيرو ترى أن “المجلس ورث عن لجنة حقوق الإنسان، التسييس والانقسامات بين المجموعات الجغرافية”. لكن المنظمة وصلت الى قناعة أن “لا بديل عن هذا المحفل وأن الكفاح يجب أن يستمر”.
سويس إنفو– محمد شريف – جنيف
تأسس مجلس حقوق الإنسان رسميا، يوم 19 يونيو 2006، ليُـعوِّض لجنة حقوق الإنسان، التي تعرّضت لانتقادات شديدة بعد تحولها في نهاية حقبة الحرب الباردة إلى ساحة مواجهات عقيمة بين الكتل السياسية والجغرافية.
يتألف المجلس من 47 دولة، تُـنتخب مباشرة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وتتراوح مدة عضويتها ما بين عام وثلاثة أعوام.
عقد المجلس في أقل من عامين 6 دورات استثنائية، خُـصِّـصت للنظر في قضايا عاجلة تعلقت بالحرب الإسرائيلية على لبنان والأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وميانمار ودارفور.
رغم الإصلاحات الجديدة، ظلت المواجهة قائمة داخل المجلس بين بلدان الشمال والجنوب، ولم يتمكن الهيكل الجديد من تجاوز الخلافات المزمنة ومنطق الكتل المتصارعة.
في الدورة الأولى، التي سيُـخصصها المجلس للمراجعة (أو الإستعراض) الدورية الشاملة، ستخضع 4 دول عربية لهذا الإجراء، وهي الجزائر والبحرين والمغرب وتونس في الفترة الممتدة من 7 إلى 18 أبريل 2008.
يعتبر الإستعراض (أو المراجعة) الدوري الشامل آلية جديدة وهامة في عمل مجلس حقوق الإنسان.
تتمثل المراجعة الدورية استعراض وضع حقوق الإنسان في كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفقا لنفس الشروط.
وتتكون عملية المراجعة من تقديم الدولة المعنية لتقرير حول أوضاع حقوق الإنسان فيها لا يزيد عن 20 صفحة، كما يقدم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ملخصا (من 10 صفحات) يتضمن التوصيات الصادرة عن آليات حقوق الإنسان الخاصة والمقررين الخاصين بخصوص وضع حقوق الإنسان في الدولة المعنية.
إضافة إلى ذلك، يقدم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريرا (من 10 صفحات) يتضمن ملخصا لكل ما قدمته المنظمات غير الحكومية من معلومات حول أوضاع حقوق الإنسان في الدولة المعنية.
يناقش المجلس في جلسة عمل تستمر ثلاث ساعات محتوى كل هذه التقارير، ثم يقوم ثلاثة مقررين بإعداد ملخص للنقاش الذي دار حولها وتقديم التوصيات الضرورية.
إثر ذلك، يناقش مجلس حقوق الإنسان لمدة ساعة إضافية تلك التوصيات ويصادق على ما يتم الاتفاق بشأنه وبموافقة الدولة المعنية، أما التوصيات والملاحظات التي لا تقبلها الدولة المعنية فيتم تدوينه جانبا ويكتفي المجلس بأخذ علم به.
يتوجب على مجلس حقوق الإنسان معالجة ملفات 48 دولة كل سنة على أن يتم تقديم كل دورة للمراجعة كل أربع سنوات.
اختار المجلس نظاما لاختيار الدول الأعضاء التي يجب استعراض تقاريرها بحيث يراعي الدول المتطوعة لذلك وتلك التي تقرب مدة عضويتها من الانتهاء وبتنويع بين الكتل الجغرافية وبين الدول الغنية و النامية
وستخضع سويسرا للمراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان في الدورة الثانية التي ستبدا في 5 مايو وتنتهي في 16 مايو 2008
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.