اصطفافات جديدة أم انقلاب جديد في العراق؟
يكثرُ الحديث هذه الأيام في الأروقة السياسية العراقية وأيضا في كواليس بعض الدوائر الإقليمية والدولية، أن الإدارة الأمريكية تفكِّـر بجدية في التخلُّـص من حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي
فأمريكا ترى أنها جزء من المشكلة السياسية والأمنية، وما عاد بمقدورها إيجاد حلٍّ للأزمة الراهنة التي تعصف بالعراق، خصوصا في شقها الأمني.
هذه الرواية يروّجها أقطاب نافذون في القائمة العراقية، التي يتزعمها رئيس الحكومة الانتقالية السابق أياد علاّوي، الذي يقوم بتسويق نفسه إقليميا بشكل خاص، وهو يعزف على وتر رفض المحاصصة الطائفية التي باتت جزءا لا ينفك من النظام السائد في العراق.
علاّوي كان نفسه مفصِـلا حيويا في نظام المحاصصة، بل وفي المشروع الأمريكي للعراق الجديد، حين استدعاه البنتاغون عام 2002 وستة آخرين من زعماء “الحل على الطريقة الأمريكية”، للحضور إلى واشنطن، قبل أن يلتئِـم مؤتمر لندن في منتصف ديسمبر من السنة ذاتها برعاية أمريكية، لتكريس الاتفاق على نظام المحاصصة كأسلوب “فريد” قادر على حل مشكلة جمع أقطاب المعارضة العراقية (آنذاك) وتحشيدهم في المشروع الأمريكي تحت يافطة “إسقاط نظام صدّام”.
والطريف في الأمر، أن علاّوي أخذ يبشر بما سمَّـاها جبهة وطنية عريضة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، متناغما في ذلك مع رغبة أمريكية لا تنسجم في الأساس مع المالكي وخلفية تاريخه في حزب الدعوة الإسلامية على نفس المنوال عندما تعاطت الإدارة الأمريكية مع سلفه إبراهيم الجعفري بطريقة عدائية لإقصائه من الترشح لرئاسة الوزراء، برغم أنه انتُـخب لهذا المنصب بطريقة “ديمقراطية”ّ.
وليس غريبا أن يتنصَّـل علاّوي من مبادئ “الديمقراطية” الجديدة في العراق الجديد، ويرفض “عمليا”، التسليم بنتائج الانتخابات التي جاءت بمجلس النواب الحالي وبحكومة المالكي، ويخطط علنا للانقضاض عليها ولإسقاطها، وهو يعمل أيضا على تأجيج عداء دُول المنطقة لها باتهامها بالطائفية، وأنها عميلة لإيران، ذلك لأن زعيم القائمة العراقية، التي تضم أعضاء سابقين في حزب البعث، والذي لا يحضر اجتماعات مجلس النواب، يكرر باستمرار أنه لم يكن في يوم عدُوا لحزب البعث المنحل، وإنما أراد بمعارضته لصدّام إصلاح ما فعله رئيس النظام السابق بالحزب، عندما حوله إلى منظمة سرية له ولأسرته وعشيرته.
ومعروف أن حزب البعث ظل على الدوام، وحتى في مرحلة ما بعد حكم صدّام، يفكِّـر بطريقة إقصائية، وأنه الحزب القائد لـ “المقاومة” في العراق، وهذا ما تؤكِّـده البيانات الرسمية الصادرة عنه وعن الذين يتحدثون باسمه “بحرية” في سوريا واليمن ودول أخرى.
ويستطيع أي مراقب أن يلاحظ أن علاوي ورفاقه في القائمة العراقية، ووزراء حكومته، الذين فرّ معظمهم من العراق، متَّـهمين بالفساد، وضعوا القائمة العراقية الشيعية نُـصب أعينهم لشنِّ الحرب عليها في كل محفل، في مسعى جدّي لتفكيكها أو إضعافها، مستغلِّـين الصِّـراعات القديمة التي تعصِـف بمفردات هذه القائمة، خصوصا الخلافات بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى، وبين الأخير والتيار الصدري، وبين الأخير وحزب الفضيلة، وبين الأخير والمالكي…
وقد تمكَّـن علاوي من تحقيق اختراق كبير في الائتلاف، عندما أعلن حزب الفضيلة، الانشقاق عنه، بذريعة التفكير بمرحلة جديدة، خالية من الاصطفافات الطائفية، حتى إن لم يكن زعيم القائمة العراقية أو أي من رفاقه يقف خلف خروج الفضيلة من الائتلاف الشيعي.
مرجعيات دينية!
تأسس حزب الفضيلة من جماعة الفضلاء المنشقَّـة أصلا عن التيار الصدري، وكانا يتبعان في الأساس، مرجعية الإمام الراحل محمد محمد صادق الصدر (الصدر الثاني)، الذي اغتاله نظام صدّام عام 1999 مع ولديه، لدى عودتهم من مرقد الإمام علي، ولكن حزب الفضيلة يتمسك اليوم بمرجعية آية الله محمد اليعقوبي.. التلميذ السابق للصدر الثاني، ويعتقد أنه المرجع الأعلى للشيعة.
ومعروف، فإن التيار الصدري، سواء بالفضيلة أو من دونه، لم يكن يوما على وفاق مع مرجعيات النّجف التقليدية، التي يطلق الصدريون عليها تسمية “المرجعية الصامتة”، وإذن، فليس مستبعدا أن يضع البعض انشقاق حزب الفضيلة عن الائتلاف، في خانة الخلاف القديم على المرجعية العليا وحولها، لأن الواضح في الخطاب الشيعي العام للمرجعيات “الأخرى”، ما عدا اليعقوبي ومرجعيات محسوبة على مدرسة كربلاء “الشيرازية”، أنها تبقى تدعم الائتلاف العراقي الموحَّـد كمِـظلة شيعية وترفض إضعافه بأي شكل من الأشكال، وهو ما تأكَّـد أثناء الانتخابات الأخيرة في ديسمبر 2006، حين ألقت مرجعية النجف، خصوصا العليا بزعامة السيد علي السيستاني، بكل ثقلها خلف قائمة الائتلاف، لتشكل بفوزها الكبير أكبر كتلة برلمانية ولتمسك وِفق ذلك بالحكومة.
مناكدة المالكي
بدا واضحا منذ أن نجحت السلطة الأمريكية في العراق في إجهاض ترشيح الجعفري لرئاسة الوزراء، أن السفير الأمريكي السابق زلماي خليل زادة ما انفك في مناكدة المالكي ومضايقته بطرق شتى، ما أدّى إلى نشوب أزمة سياسية بين المالكي وبين السلطة الأمريكية في العراق.
وقد أظهر المالكي حزما شديدا في مواجهة سلطة خليل زادة، وأعلن الحرب بطريقة خفية على نظام المحاصصة من خلال تسريباته، التي أصبحت علنية، عن عزمه على إجراء تعديل حكومي، بعد أن شعر المالكي أن المحاصصة قيّـدته تماما وشلَّـت عمل حكومته، أمنيا وخدميا، وقد وصف حكومته مرّات عدّة بأنها عاجزة، لم يخترها هو وأنها اختيرت وِفق حسابات المحاصصة الطائفية.
ولم يتوان رئيس الوزراء العراقي عن الاتِّـصال مباشرة بالرئيس الأمريكي جورج بوش، متشدّدا مُـدافعا عن برنامجه وعن حكومته وقُـدرتها على إعادة الأمن، إذا تُـرك الأمر له في اختيار وزرائه، وإذا توفَّـرت له إمكانيات عسكرية وقُـدرات لوجستية.
وبالفعل، حصل المالكي، قبل تنفيذ خطة أمن بغداد، أي قبل نحو ثلاثة شهور، على ثقة بوش به وبقدرته على تطبيق الخطة الأمنية، وأخذ يعلن مِـرارا أنه يُـوشك أن يجري تعديلا حكوميا، واختلف هنا أيضا مع حزب الفضيلة حول الوزارات، التي يطالب بها الحزب ومنها النفط، لتُـصبح هذه واحدة من أهم ذرائع الفضيلة في الانسحاب عن الائتلاف، برغم أن الفضيلة دخل مجلس النواب تحت خيمته وبدعم قوي من مرجعيات النجف، خصوصا السيستاني.
اصطفافات جديدة!
تشير معلومات يجري تداولها على نطاق واسع، أن الإدارة الأمريكية، وبعد فشلها المُـعلن في العراق، ومعارضة الديمقراطيين الشديدة لطريقة عمل بوش في العراق وفي المنطقة، ربما تفكِّـر بالعودة إلى حلفائها التقليديين في النظام السياسي العراقي، ومنهم بالطبع علاوي وقوى سياسية أخرى بدأت بالعودة مجدّدا إلى السطح بعد غياب بسبب الإخفاق السياسي، كالشريف علي بن الحسين، الذي غيّـر الكثير من لهجته حول مطالبته بالعرش “الهاشمي”، وكان من ضِـمن السبعة الذين دعَـوا مع علاوي إلى واشنطن لتشكيل جبهة معارضة موحَّـدة لإسقاط صدّام.
ويقال في هذا الصدد، أن دولا إقليمية تدعم فكرة الاستعانة مجدّدا بعلاوي أو ربما ضابط كبير غيره، لحكم العراق، وأنها تدخلت “أو تتدخل” لدى الرئيس الأمريكي بوش لإنقاذه من ورطته في العراق من خلال مشروع حكومة إنقاذ وطني، لا تعبأ كثيرا بنظام المحاصصة الطائفية، إذ يشن علاوي هذه الأيام هجوما قويا على “المحاصصة” ولا يذكر شيئا عن دوره في تأسيسه.
المؤمنون بمشروع حكومة إنقاذ وطني ينطلقون من قاعدة ساهمت واشنطن وحليفاتها كبريطانيا بتكريسها، وهي أن العراق لن يُحكم إلا بواسطة رجل قوي على شاكلة صدّام، وليس أقرب من نهجه إلا أياد علاوي… فارس الهجوم العسكري الواسع أثناء حكمه على الفلوجة “السنية” والنجف “الشيعية”، القادر برأيهم على حل الميليشيات والتوصل إلى تفاهم مع رفاقه البعثيين، بل إدخالهم معه في حكومته المرتقبة.
وفي ظل هذه المعلومات والضغوط التي مورست على المالكي لكي يقدّم مع الرئيس جلال الطالباني مسودّة إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث، يبرز دور مرجعية النجف، التي ذُكر أنها ترفض هذه المسودّة، لأنها تمنح البعثيين دورا أساسيا في صُـنع مستقبل العراق والعودة مجدّدا الى حمامات الدّم، التي باتت مشهدا مألوفا في العراق… الجديد.
نجاح محمد علي – دبي
النجف (العراق) (رويترز) – فرض حظر تجول على بغداد يوم الاثنين 9 أبريل 2007 في الذكرى الرابعة لسقوط العاصمة العراقية في أيدي القوات الامريكية في الوقت الذي تجمع فيه عراقيون في مدينة النجف للقيام باحتجاج كبير مناهض للولايات المتحدة دعا اليه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وردد الاف العراقيين في مسيرة وأغلبهم من الرجال والصبية الذين كانوا يلوحون بأعلام العراق وهم يسيرون في مدينة النجف الجنوبية التي يقدسها الشيعة “لا لا للاحتلال لا لا لامريكا”.
وأعلن العراق حظر تجول على السيارات لمدة أربع وعشرين ساعة في بغداد بداية من الخامسة صباحا بالتوقيت المحلي (0100 بتوقيت غرينتش) للحيلولة دون وقوع أي هجمات في الذكرى الرابعة لسقوط بغداد.
وما زالت العاصمة العراقية تعاني من الهجمات بسيارات ملغومة بالرغم من حملة أمنية جديدة تقوم بها عشرات الالاف من القوات الامريكية والعراقية والتي ينظر اليها على أنها المحاولة الاخيرة لتفادي الانزلاق صوب حرب أهلية طائفية.
وأصدر الصدر الذي يلقي باللوم على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العنف بالعراق بيانا يوم الاحد حث فيه العراقيين على الاحتجاج على تواجد القوات الامريكية في العراق.
وقال الصدر الذي قل ظهوره في الشهور الاخيرة للعراقيين “وأنتم من أجل انهاء الاحتلال في مظاهرة ستخرجون.”
وأشعل المحتجون في النجف النيران في العلم الامريكي وكتبوا شعارات على الارض يدعون فيها لسقوط الولايات المتحدة ويصفون الرئيس الامريكي جورج بوش بأنه “كلب”. وسار الالاف من الكوفة القريبة في حين سد اخرون الطرق اذ حضروا بالسيارات والحافلات من بغداد ومدن شيعية في الجنوب.
ويصر بوش على أن القوات الامريكية لن تنسحب من العراق الى أن يتمكن العراقيون من تولي القيادة الامنية ورفض مرارا تحديد جدول زمني للانسحاب.
ويقول الجيش الامريكي ان الصدر الذي يقود ميليشيا جيش المهدي التي يلقى باللوم عليها في اثارة العنف الطائفي مع الاقلية السنية موجود في ايران. ويصر مساعدو الصدر على أنه موجود في العراق ونفوا تلميحات الى أنه فر الى ايران ليتجنب الحملة الامنية الجديدة.
واشتبك أعضاء من جيش المهدي مع القوات الامريكية والعراقية في مدينة الديوانية الجنوبية في مطلع الاسبوع بعد أن بدأت القوات حملة للبحث عن رجال الميليشيات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.