اطلبوا العلم والاعمال.. ولو في الصين
في خطوة غير عادية، يتوجه وفد كبير يضم ممثلين عن الأوساط الحكومية والإقتصادية والعلمية والتكنولوجية في سويسرا إلى الصين في إطار البحث عن سبل توسيع آفاق العلاقات القائمة بين البلدين إلى أبعد مدى ممكن.
يكتشف المتأمل لثنايا العلاقات السويسرية الصينية أنها علاقة غير عادية على أقل تقدير. فالكونفدرالية كانت من أوائل الدول التي سارعت للإعتراف بجمهورية الصين الشعبية منذ عام واحد وخمسين، وأول شركة أقامت شراكة مع نظيرة صينية برأسمال أجنبي في عام ثمانين كانت سويسرية (شيندلر)، والبلد الوحيد الذي تقيم معه سويسرا حوار مؤسسيا حول حقوق الإنسان (يشمل لقاءات دورية ومباحثات حوال الإجراءات القضائية ووزيارات للسجون في البلدين)، هو الصين الشعبية!
ومنذ اطلاق دينغ سياو بينغ سياسة الإصلاحات في عام تسعة وسبعين، تكثفت العلاقات بين البلدين بوتيرة متسارعة. فقد بلغ عدد الإتفاقيات الثنائية المبرمة بينهما العشرين، كما تطور حجم المبادلات التجارية من مائة وسبعين مليون فرنك (في عام واحد وخمسين) إلى ثمانية مليارات وست مائة مليون فرنك (في عام ألفين وواحد)، وارتفع عدد الشركات السويسرية العاملة في الصين إلى حوالي خمس مائة وثمانين بحجم استثمارات يناهز أربع مليارات فرنك. وهو ما يضع سويسرا ضمن الدول الخمسة عشر الأكثر حضورا في الصين!
لكن هذا الوضع الجيد للعلاقات الثنائية على المستويات السياسية والإقتصادية لم يعد كافيا في نظر الأطراف الفاعلة في القرار السويسري. فالوعي المتنامي في برن بأهمية القطب الصيني المتصاعدة أقنع الجميع بأن لا مجال لمزيد من الإنتظار والتردد. ومن هنا اتخذ قرار بتنظيم أسبوع الإبتكار السويسري في الصين ابتداء من يوم السبت الثامن من يونيو – حزيران الجاري.
“آختيار الوقت المناسب”
في الواقع لم يسبق أن اتخذت الوفود السويسرية المتوجهة إلى الخارج للمشاركة في أسابيع ترويجية مماثلة مثل هذه الصبغة الضخمة والمتعددة الإختصاصات. إذ يتركب الوفد المتوجه للصين من تسعين شخصا ينتمون إلى قطاعات متنوعة، ويضم كاتبي الدولة للشؤون الإقتصادية والبحث العلمي في الحكومة الفدرالية ورجال أعمال ومصرفيين وجامعيين وأصحاب شركات تعمل في المجالات التكنولوجية المتطورة.
ويبرر دافيد سيز كاتب الدولة للشؤون الإقتصادية ورئيس الوفد هذا الأسلوب الجديد في العمل بـ “الحرص على عدم الإقتصار على لعب دور الشريك التجاري بل العمل من اجل الترويج للساحة التكنولوجية” السويسرية في بلد مثل الصين.
وقد تم اختيار تنظيم “أسبوع الإبتكار السويسري” – وهي تسمية ذكية لا تصدم أحدا – ابتداء من يوم السبت المقبل في مجال جغرافي يمتد من شنغهاي إلى بيكين وفي إطار برنامج يشمل لقاءات رسمية وورش عمل ومنتديات يتم التطرق فيها إلى العديد من الملفات مع تركيز خاص على ثلاث مجالات وهي التكنولوجيا الحيوية وحماية البيئة والنقل العمومي.
في المقابل سيشتمل البرنامج على مجال يتيح لأعضاء الوفد السويسري ومن ضمنهم عاملون في مصارف ومراكز أبحاث جامعية ومكاتب فيدرالية وشركات متعددة الجنسيات إجراء لقاءات ثنائية أو مصغرة مع شركاء محليين محتملين في مجالات البحث العلمي أو الأعمال مثلا.
ويبدو أن انضمام الصين رسميا قبل بضعة أشهر إلى منظمة التجارة العالمية قد عزز موقف الأطراف الداعية في سويسرا إلى عدم التردد في خوض المغامرة والمسارعة بالتوجه إلى السوق الصينية الواعدة. ويقول دافيد سيز كاتب الدولة للشؤون الإقتصادية ورئيس الوفد لسويس إنفو: “تتمتع السوق الصينية بإمكانيات هائلة وهي تنمو بنسق سريع (بمعدل سنوي بلغ سبعة في المائة خلال السنوات الماضية) لكن لا زالت هناك بعض الإحتياجات في قطاعات الخدمات والتكنولوجيا المتطورة وهي مجالات تخصص بالنسبة للإقتصاد السويسري، لذا فاننا نرغب في تصدير معرفنا وكفاءاتنا إلى الصين”
وبما أن جميع الدول المشابهة والمنافسة للكونفدرالية تفكر بنفس الأسلوب، فلا مفر من المسارعة بالتحرك حتى لا يفوت الركب على القطاعات السويسرية المعنية مثلما حدث في بولونيا وتشيكيا عقب انهيار جدار برلين حسب اعترافات أحد المسؤولين في كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية.
ويشدد السيد سيز على أن سويسرا مستعدة لاقتسام خبراتها ليس فقط على المستوى العلمي بل على المستويات التطبيقية والتقنية وهنا تكمن أهمية “أسبوع الإبتكار السويسري” لأنه يتيح أساسا تواجد شركات وجهات متخصصة على عين المكان.
هل تنجح التجربة؟
ويبدو أن قطاعات البحث العلمي والتكوين المهني، التي يشارك مندوبون عنها لأول مرة في مثل هذه التظاهرات الموسعة، ستعمل على تعزيز حضورها في السوق الصينية. ويقول أيريك فومو مدير المكتب الفدرالي للتكوين المهني والتكنولوجيا لسويس إنفو : “إننا نريد لقاء باحثين جامعيين صينيين من أجل عرض نظامنا للتكوين المهني وتقييم إمكانيات التعاون المحتملة في المستقبل”.
ويأمل أعضاء الوفد في أن تساعد المقاربة الجديدة التي لجأ إليها الجانب السويسري في “استكشافه الشامل” للسوق الصينية على ربط علاقات متينة مع الأطراف المعنية في “بلد التنين الآسيوي الصاعد”. ويذهب السيد فومو إلى التأكيد على أن بإمكان السياسة والإقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا إذا ما تعاونت مع بعضها البعض تحديد مصير أي مشروع!
ونظرا لأن كل هذه العناصر ستكون حاضرة طيلة أسبوع كامل في جمهورية الصين الشعبية، ومن الجانبين الحكومي والخاص، يتوقع السويسريون أن تنجح هذه الطريقة (على الرغم من أنها لا زالت في مرحلة التجربة) في تعزيز حضور بلادهم اقتصاديا وماليا وعلميا على الساحة الصينية.
ومهما يكن من أمر فان تنظيم مثل هذه العملية الضخمة والمتعددة الأطراف بالتنسيق مع الجهات الحكومية والعلمية والإقتصادية الصينية يمثل اجتهادا استثنائيا في بلد يتميز بحرص جميع من فيه على الإستقلالية، قد يساعد على تجميع شروط نجاح “النملة السويسرية المثابرة” في الإستفادة من الفرص العديدة التي يتيحها “التنين الصيني الصاعد”!
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.