اغتيال مغنية: لماذا يتقاذف الجميع “البطاطا الملتهبة”؟
عملية اغتيال عماد مغنية، العقل الأمني المخطط والمدبّـر في "حزب الله"، قد تُـثبت أنها ستكون الأغرب في تاريخ الشرق الأوسط.
فهذه، مثلاً، المرة الأولى التي لا تفاخر فيها إسرائيل بأنها حققت نجاحاً إستخبارياً باهراً بقتلها من تعتبره “عدوها الإرهابي الأول”.
معروف أن تل أبيب تتّـهم مغنية بأنه مسؤول، ليس فقط عن موت 100 يهودي خلال نسف السفارة الإسرائيلية في بيونس آيرس عام 1992 ثم المركز الثقافي اليهودي في المدينة نفسها عام 1994، بل أيضاً عن التّـخطيط لخطف الجنديين الإسرائيليين، الذي أشعل حرب 2006 مع لبنان.
وهذه مثلاً أيضاً، المرة الأولى التي تتنصّـل فيها الولايات المتحدة من المسؤولية عن اغتيال مَـن تضعه على رأس لائحة “الإرهابيين العالميين المطلوبين للعدالة” ومَـن تتّـهمه بأنه وراء قتل 240 جندي أمريكي في لبنان عام 1983 وخطف عشرات الرهائن الغربيين والأمريكيين في الثمانينات وتشكيل خلايا “إرهابية” نائمة في كل أنحاء العالم بالتعاون مع إيران، لتهديد المصالح الأمريكية.
الناطق باسم الخارجية الأمريكية قال بأن “العالم بات أفضل حالاً الآن بدون عماد مغنية”، لكنه نفى مسؤولية بلاده عن عملية الاغتيال، بدلاً من ذلك، كان مثيراًً أن تعمد أكبر صحيفتين أمريكيتين إلى التلميح حول مسؤولية سوريا عن هذا الاغتيال.
قالت “نيويورك تايمز”: “إن سوريا تُـحافظ عادة على إجراءات أمن مشدّدة، خاصة في العاصمة، ولهذا السبب، كانت هناك تكهنات الأربعاء 13 فبراير (يوم الاغتيال)، بأن سوريا ربّـما تعاونت في عملية الاغتيال، كجزء من صفقة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة”.
وقالت “واشنطن بوست”: “برغم أنه حدثت في الماضي اشتباكات في دمشق مع مقاتلين إسلاميين متشددين، إلا أن الحكومة السورية السلطوية تفاخر بمستويات الأمن التي حققتها، خاصة في العاصمة. وبرغم ذلك، البعض في لبنان يتكهّـن بأن اغتيال مغنية بعد سنوات طويلة من خِـداعه لأعدائه، يمكن أن يكون قد نُـفـذ بمشاركة سورية”.
أما صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد اختارت ضمّ الأردن إلى لائحة المتّـهمين، حيث قالت (في عددها ليوم 14 فبراير): ” لا يُـستبعد أن تكون أجهزة استخبارات أخرى متورّطة في عملية الاغتيال، فيما يمكن أن يكون عملية مشتركة تضُـم الأردنيين الذين لديهم حسابات خاصة يجب تصفيتها مع السيد حسن نصر الله”.
في الجبهة المقابلة، كان “حزب الله” وإيران يتّـهمان مباشرة “العدو الصهيوني” بتنفيذ هذه العملية، فيما كانت سوريا، وبعد يوم كامل من الصّـمت، تلمح إلى الأمر نفسه.
بطاطا ملتهبة
كما هو واضح، اغتيال هذه الشخصية البارزة في حزب الله، والذي كان يوصف بـ “رئيس الأركان السوبر” أو بـ “وزير الدفاع” في الحزب والذي كان مسؤولاً عن كل أو معظم النجاحات العسكرية والأمنية الباهرة للحزب، بما في ذك أداؤه الجيد في حرب 2006، أدّى إلى ما يُـشبه تقاذف ثمرة بطاطا مُـلتهبة بين الأطراف المعنية حول تحديد المسؤولية، وهذا لسبب أكثر وضوحاً: حزب الله وإيران سيسعيان حتماً للانتقام ردّاً على هذه الضربة الكبرى التي تلقياها، وبالتالي، قد يكون من المفيد لكل الأطراف المتورطة خلق “غموض إستراتيجي” لتجنيب نفسها وطأة الانتقام.
بيد أن الرد آت حتماً، لكن أين ومتى وضد من؟ إسرائيل بالتأكيد ستكون الهدف الأول، سواء في داخلها أو ضد سفاراتها ومؤسساتها في الخارج أو من خلال عملية أمنية باهرة تُـساوي في مستواها عملية مغنية، وهذا قد يتضمن اغتيال شخصيات رسمية إسرائيلية رفيعة أو القيام بعمليات انتحارية كُـبرى في الداخل الإسرائيلي.
أمريكا أيضاً قد تكون هدفاً، إما لمصالح في الخارج أو في داخل الوطن الأمريكي، لكن هذا قرار إستراتيجي من الطِّـراز الرفيع، يتطلب موافقة المرجعية الرئيسية لحزب الله: آية الله علي خامنئي.
أما متى سيأتي الردّ، فهذا سيكون منوطاً باعتبارات تتخطّـى عواطف قادة حزب الله الخاصة، وتتعلق مباشرة بالصراع العام الراهن في الشرق الأوسط بين إيران والولايات المتحدة، وأيضاً بمستوى الصراع على النفوذ الإقليمي في المنطقة.
ولأن هذه الاعتبارات الإقليمية – الدولية معقـَدة إلى حدّ كبير، قد يأخذ قرار الردّ الانتقامي بعض الوقت، إضافة إلى الزمن المطلوب توفره للتخطيط والتنفيذ، إلا بالطبع إذا ما كان ثمة قرار خفي آخر بإشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، مما قد يدفع إلى تسارع كبير في الأحداث.
أما بالنسبة لسوريا، وبغض النظر عن الاتهامات الأمريكية والإسرائيلية لها، والتي ترافقت (بالمناسبة) مع قرار الرئيس الأمريكي بوش بفرض المزيد من العقوبات عليها، فإن وقوع عملية الاغتيال فوق أرضها وفي قلب عاصمتها، ستكون له حتماً مضاعفات داخلية وخارجية:
– في الداخل، ستكون ثمة محاسبة للمسؤولين الأمنيين عن هذا الخرق الأمني الفاضح، الذي قد يربك إلى حدّ ما العلاقات التحالفية بين دمشق وحزب الله أو على الأقل قد يجعل هذا الأخير أكثر حذراً في فتح ملفاته الأمنية أمام القادة الأمنيين السوريين.
– وفي الخارج، ستكون هناك مساءلات من نوع آخر، بالتحديد من الولايات المتحدة التي ستطرح على دمشق السؤال الآتي: “ماذا كان الإرهابي الكبير” يفعل على أراضيكم وفي قلب عاصمتكم؟
اغتيال عماد مغنية إذن، هو الأغرب في تاريخ الشرق الأوسط. فهل يعني ذلك أن مضاعفات هذا الاغتيال قد تكون الأغرب هي الأخرى؟ محتمل، لا بل على الأرجح!
سعد محيو – بيروت
بيروت (رويترز) – قال محللون ومصادر سياسية يوم الأربعاء 13 فبراير، إن حزب الله تلقى ضربة موجعة بمقتل عماد مغنية، لكن الحزب لا يرجح إن يرُد بشكل فوري. واتهم حزب الله، المدعوم من سوريا وإيران، إسرائيل باغتيال مغنية، لكن الدولة العبرية نفت أي دور لها.
ويعتبر مغنية أسطورة من قِـبل أنصاره والعقل المدبر لعمليات إرهابية من قِـبل أعدائه. وكان مغنية على رأس قائمة المطلوبين في الولايات المتحدة، قبل ظهور أسامة بن لادن كعدو أول للولايات المتحدة. وقُـتل مغنية في انفجار قنبلة زرِعت في سيارته في دمشق، قبيل منتصف ليل الثلاثاء 12 فبراير، وألقيت عليه اللائمة في هجمات على إسرائيل وأهداف غربية ترجع إلى أوائل الثمانينيات.
وقال تيمور جوكسل، المحاضر في الشؤون الأمنية في الجامعة الأمريكية في بيروت لرويترز “إنها ضربة أساسية، لأنه كان اسما كبيرا، كان أسطورة في حزب الله وأكثر من ذلك أنها ضربة للهيبة”.
واتّـسمت حركة مغنية بالسرية التامة لأكثر من عقدين من الزمن، وانحصرت حركته بشكل أساسي بين بيروت ودمشق وطهران. وكانت تحركاته تُـحاط بسرية حتى عن المسؤولين البارزين في حزب الله. كُـتِـبت عنه أساطير، وقال البعض إنه خضع لعمليات جراحية لتغيير ملامحه، بينما وقال آخرون إنه لم تُـلتقط له صورة منذ 25 عاما، لكن حزب الله نشر يوم الأربعاء صورته، التي تظهر الرجل البالغ 45 عاما بشعره الأبيض يرتدي زيا قِـتاليا.
وقال ماغنوس رانستروب، خبير مكافحة الإرهاب بالجامعة السويدية للدفاع القومي بستوكهولم “لعدة سنوات، كانت فِـرق تبحث عنه محاوِلة أن تجعله يدفع ثمن لائحة الهجمات المنسوبة إليه”. للكن بينما اختلف المحللون حول متى سوف يتم رد حزب الله ضد إسرائيل لمقتل الرجل الذي لعب دورا قياديا أساسيا خلال الحرب مع إسرائيل عام 2006، قال مصدر سياسي لبناني بارز، إن الرد لن يكون في الوقت الحالي.
وقال المصدر “الرد سوف يعني تغييرا في قواعد لعبة المواجهة مع إسرائيل، مثل هذه القرارات بحاجة لاتخاذها دون انفعال، لذلك لن يكون هناك تسرع بالرد”. ويُـعتقد أن مغنية كان يقود منظمة الجهاد الإسلامي الموالية لإيران، التي يُـعتقد على نطاق واسع أن لها علاقة بحزب الله. وألقيت عليه اللائمة في الهجوم على السفارة الأمريكية وعلى ثكنة لمشاة البحرية الأمريكية وكذلك الهجوم على قاعدة قوات حفظ سلام فرنسية في بيروت عام 1983، مما أسفر عن سقوط أكثر من 350 قتيلا. كما وجّـه الاتهام لمغنية فيما يتصل بتفجير السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية عام 1992 وخطف غربيين في لبنان في الثمانينيات.
وأصدرت الولايات المتحدة لائحة اتِّـهام ضده بالتخطيط والمشاركة في خطف طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية العالمية (تي.دبليو.ايه) في 14 يونيو عام 1985 وقتل أمريكي.
وكان ينبغي أن تكون دمشق، حليفة حزب الله، مكانا آمنا لمغنية، لكن مقتله أظهر اختراقا أمنيا كبيرا في البلد الذي يأوي رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل وأعداء آخرين لإسرائيل. وقال الصحفي السوري ثابت سالم، إنه ليس سِـرا أن خرقا للأمن قد حصل. مغنية كان هدفا بُـذلت جهود كبيرة لرصده ورصد تحركاته.
وقال جوكسل، إن إحساسا خاطئا بالأمان في دمشق، ربّـما قاد مغنية إلى التخلي عن حذره، وأضاف “يشعر المرء أنه كان يحس بارتياح أكبر في المحيط السوري”، مشيرا إلى أن إسرائيل أول المشتبه بهم، ويستبعد محللون فكرة أن مُـغنية قتل على يد أي من حلفائه. وأضاف جوكسل أنها “عملية كبيرة خرق الأجواء الأمنية السورية خرق تحركات هذا الشخص والتخطيط والقيام بالهجوم في دمشق، ليست عملية هُـواة”. مضيفا أن مثل هذه الاغتيالات، هي اختصاص إسرائيلي وليس للمخابرات الأمريكية. وأيا كان مَـن قام بعملية الاغتيال، فان الجهات المنفّـذة، لن تسارع بإعلان مسؤوليتها عن العملية.
وقال رانستروب، “لن يقر أي من الإطراف المُـشتبه بها – إسرائيل والولايات المتحدة – بارتكابها. الإدارة الأمريكية ستحتفل.. الإسرائيليون لن يتبنّـوا المسؤولية، إنهم يجعلون الأمور تحدث”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 فبراير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.