مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن: انتخابات نيابية بمضمون سياسي متواضع!

أثار اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت بعدد من قيادات الإخوان في بيته انتقادات بعض الجهات الأمنية Reuters

بدأ العدّ التنازلي للانتخابات النيابية في الأردن، التي ستجري يوم 20 نوفمبر القادم، إذ سيبدأ التنافس على 110 مقعد في مجلس النواب القادم.

في المقابل، برز الحديث في الأيام الأخيرة عن ظاهرة ‘المال السياسي’، ما دفع بالإعلاميين والسياسيين بمطالبة الحكومة بالضرب بيد من حديد على المخالفين.

على الرغم من الضجة الإعلامية والسياسية المصاحبة لحسم جماعة الإخوان المسلمين قرارها بالمشاركة في الانتخابات، إلاّ أنّ المضمون السياسي لهذا الموعد الهام يبقى متواضعاً ومحدودا، بسبب بقاء قانون الانتخابات (قانون الصوت الواحد) دون تغيير، وهو القانون الذي يحُـول دون تمكّـن قائمة حزبية معيّـنة من تحقيق أغلبية نيابية ويعزز في مقابل ذلك من التنافس والصِّـراع على أساس عشائري واجتماعي، بينما تغيب البرامج والرؤى السياسية.

وفي ظل إحماء واضح للإنتخابات وإرهاصات التنافس الشديد على المقاعد النيابية، هنالك حالة قريبة من الإجماع لدى النخب السياسية والمثقفة في افتقار الإنتخابات إلى ألأبعاد السياسية المطلوبة من ناحية وإلى تشكل مزاج عام في البلد يرى أن مجلس النواب (في صيغته الحالية) ليس مدخلا للتأثير الحقيقي بقدر ما هو باب واسع للوجاهة والصعود الإجتماعي والسياسي لأشخاص أو واجهات معينة (!)..

الإخوان: العودة إلى ‘الحمائم’

جاء قرار جماعة الإخوان بالمشاركة بعد جِـدال عاصف في الدوائر الداخلية جرّاء الانتخابات البلدية، إذ انسحب الإخوان واتّـهموا الحكومة بإقحام الجيش ضدّ مرشحيها والتلاعب بسجلاّت الناخبين.

قرار ‘المشاركة’ لا يعني نهاية الأزمة السياسية المتفاقمة مع مؤسسة الحكم، ويأتي في سياق آخر، يتمثل بوجود رغبة ‘ملكية’ بإجراء انتخابات نيابية تكتسب مصداقية داخلياً وخارجياً، وهي الملاحظة التي التقطها قادة الإخوان من مقابلة العاهل الأردني مع التلفزيون الأردني، تلك المقابلة التي لم يُـشر فيها الملك إلى الانتخابات البلدية، على الرغم أن حديثه أتى بعد الانتخابات بفترة قصيرة، وأكّـد على أهمية أن تتمتّـع الانتخابات النيابية بالمِـصداقية والشفافية، ما اعتبرته جماعة ‘الإخوان’ ضمانة مباشرة للمشاركة، وتعززت هذه القراءة بلقاء خاص جمع رئيس الوزراء بعدد من قيادات الجماعة في منزله، وتمّ تقديم ضمانات ضمنية أخرى لنجاح الانتخابات.

أمّا قيادة الجماعة، فلم تكن ترغب بتِـكرار تجربة مقاطعة الانتخابات عام 1997، لِـما لها من كُـلفة سياسية عالية، ولأنها ترغب أيضاً بالخروج من الأزمة الحالية، مع النظام، التي تؤدّي إلى تآكل مؤسسات الجماعة وخسارتها واحدة تِـلو الأخرى، وكان آخرها جمعية المركز الإسلامي التي تضُـم مؤسسات مالية ضخمة تقدّر بمئات ملايين الدولارات، قامت الدولة بمُـصادرتها من الجماعة.

المُـلفت في الأمر أنّ رَنا الصباغ، المعلّـقة السياسية في مقالها بصحيفة العرب اليوم (30 سبتمبر) تحت عنوان ‘محاولة الإبقاء على شَـعرة معاوية بين السلطة والإسلاميين’، نسبت إلى مصادر أمنية الانزِعاج الشديد من لقاء البخيت مع قيادة الإخوان، والذي حدث من دون ضوء أخضر، سواء من جهاز المخابرات أو الدّيوان الملكي، ما يعكس وجود خِـلاف في أروقة مؤسّسات صُـنع القرار حول جدوى مشاركة الإخوان في الانتخابات النيابية.

من المعروف أنّ العلاقة بين الإخوان والحُـكم وصلت إلى مرحلة مُـتدهورة خلال السنوات الأخيرة ودخلت في أزمة عميقة، خاصة مع فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، الذي أثار مخاوف تيار كبير داخل الدولة من ‘فتح شهية الإخوان للسلطة’ في الأردن، وهو ما أدّى إلى تبنّـي إستراتيجية ‘تفتيت البِـنية التحتية’ للإخوان وتحجيم دورهم السياسي ونشاطهم الاجتماعي، بذريعة العلاقة مع حماس.

على الطّـرف المقابل، فإنّ القائمة الأوّلية لمرشحي الإخوان، تشير إلى محاولة الجماعة رأب الصّـدع مع الحُـكم من ناحية والتحلِّـي بأكبر قَـدر من البراغماتية السياسية من ناحية أخرى، ويظهر في القائمة تحالُـف كل من تيار الوسط والحمائم، وهما التياران اللذان يمثلان الخط المعتدل التصالحي مع الحكومة في مقابل تراجُـع نِـسبة تمثيل التيار المقرّب من حماس والصقور في القوائم.

مصدَر إخواني رفيع أكَّـد لسويس انفو أنّ هنالك فرزاً حدث في قوائم المرشحين وأنّه بالفعل ‘جرى حذف الأسماء التي ترى قيادة الجماعة أنها لا تعبِّـر بالصورة المطلوبة عن المواقف الفِـكرية والسياسية للجماعة’، وهو ما أثار حفيظة التيار المقرّب من حماس، خاصة أنه تمّ استبعاد عدد من رموزه وقيادته.

من الواضح أنّ هنالك عودة فاعلة لتيار الحمائم في النشاط السياسي الإخواني، وقيادات الحمائم هم الرموز البراغماتية الذين ساهموا خلال العقود السابقة في نسج علاقة متميِّـزة بين الحُـكم والإخوان، وقد عادوا اليوم بعد أن أُبعِدوا خلال السنوات الأخيرة في الانتخابات التنظيمية الداخلية، ويقع في مقدمة هؤلاء: د. عبد اللطيف عربيات وإسحاق الفرحان وعبد المجيد ذنبيات، المراقب العام السابق في جماعة الإخوان.

يلخِّـص المعلق السياسي في صحيفة ‘الغد’، وأحد أبرز المراقبين لجماعة الإخوان، سميح المعايطة في تصريح خاص لسويس أنفو، أن طبيعة اللحظة التاريخية بين الإخوان والنظام، ‘مشاركة الإخوان في الانتخابات وصيغة المشاركة المحدودة ونوعية المرشحين والخطاب الهادئ، كلها بمثابة رسالة تطمين واضحة من الجماعة إلى النظام، وهي خطوة نحو احتواء الأزمة التي وصلت إلى مرحلة حرِجة خلال المراحل السابقة. فإذا ما تمكّـن تيار ‘التهدئة’ داخل الجماعة البناء على ذلك والإمساك بالمبادرة وقاد الحوار والعلاقة مع المؤسسة الرسمية، فإنّ التطورات ستتّـجه نحو سيناريو عودة المياه إلى مجاريها بين الطرفين، أمّا إذا عاد التيار ‘التصعيدي’ في الإخوان إلى التحرك بعد الانتخابات، ولم يتمكّـن تيار ‘التهدئة’ من إقناع الحكم أنه من يمسك بمقاليد القيادة، فإنّ الأزمة مرشحة للاستمرار وربما للتجذر’.

غلبة الصراعات العشائرية

باستثناء قائمة الإخوان لا يتوقع أن تنجح أية قائمة حزبية في تحقيق نتائج مُـلفتة، ويعود ذلك لقانون الصّـوت الواحد الذي يحُـول دون تشكل قوائم حزبية وسياسية قوية في البرلمان، ويجعل أوّلية التصويت دوما للعامل الاجتماعي والعشائري، خاصة في المحافظات والمدن ‘الشرق أردنية’، ولذلك، تغيب المضامين السياسية الواقعية عن أغلب البرامج الانتخابية لصالح المطالب الخدماتية والحسابات العشائرية والجغرافية.

وفي حين لا يتوقع أن تنجح قائمة أحزاب اليسار في تحقيق أية نتيجة، إذا قرّرت المشاركة بقائمة واحدة، كما حصل في الانتخابات النيابية السابقة، فإنّ مرشحي الأحزاب الوسطية (الموالية للحكومة)، لا يقدمون أنفسهم من خلال الانتخابات، وإنما كمرشحين لعشائرهم وعائلاتهم، وهو ما يجعل التنافس أقرب إلى ‘الاجتماعي’ والقبلي منه تنافساً سياسياً.

يعلّق جميل النمري، الكاتب والمحلل السياسي في تصريح خاص لسويس أنفو على ما سبق بالقول: ‘هذه الانتخابات تشهد بصورة ملحوظة تراجع الاعتبارات السياسية لصالح الاعتبارات العشائرية وللمنافع الشخصية والجغرافية، ويعود السبب بدرجة رئيسية لقانون الانتخابات الحالي ولسياسات الدولة خلال السنوات الأخيرة، التي نمّت شعوراً عاماً لدى المواطنين أنّ الانتخابات أو مجلس النواب ليس الأداة الفاعلة للتغيير السياسي’.

شراء الذِّمَـم ظاهرة تتجذّر!

ما أن بدأ المرشحون يقدّمون أنفسهم وزادت درجة الإحماء، حتى بدأت أصوات الإعلاميين والصحفيين ترتفع بالمطالبة بوضع حدٍّ لـ ‘المال السياسي’ وظاهرة شِـراء الأصوات، التي أخذت صورة واضحة من الآن، على الرغم من أنّ القانون الأردني يعتبرها جريمة حقيقية، لكن وِفقاً للمراقبين، فإنّ الحكومة الأردنية لم تقُـم بأي إجراء معتبر ضدّها إلى الآن.

ويفسّر فهد الخيطان، المحلل السياسي في صحيفة العرب اليوم في تصريح خاص لسويس أنفو، أن حجم الظاهرة والأسباب الكامنة وراءها هي ‘أولاً، أتحفظ على تسمية هذه الظاهرة بالمال السياسي، فالمال السياسي يُـطلق على من له مشروع سياسي يوظف المال في سبيل دعمه، أما ما يحدث في الأردن، فهي ظاهرة ‘شراء الذِّمم’، وإذا أردنا التحديد، فهي ترتبط بالحرب على العراق وبروز رجال أعمال لهم علاقة معيّـنة بما يحدُث في العراق ‘أثرياء الحرب’، وهنالك عدة أسماء من المرشحين ممّـن لهم دور خاص بالاستثمارات والأحداث في العراق، بالإضافة إلى أثرياء أردنيين درجوا على استخدام المال في حملاتهم الانتخابية’.

وبخصوص الأسباب التي تقِـف وراء تجدّر هذه الظاهرة في الانتخابات الحالية، يرى الخيطان أن ‘السبب الرئيسي يعود إلى انتشار الطبقات الفقيرة والمهمّـشة، التي فقدت الثقة بالعملية الديمقراطية وبإمكانية التغيير من خلالها وتقع تحت طائلة الحاجة، فلجأت إلى مقايضة أصواتها بمبالغ من المال’.

محمد أبو رمان – الأردن

عمان (رويترز) – قالت المعارضة الإسلامية الأردنية يوم الأربعاء 26 سبتمبر، إن الانتخابات النيابية المقبلة تشكِّـل “الفرصة الأخيرة” للإصلاحات الديمقراطية التي تبنّـاها العاهل الأردني الملك عبد الله.

وقال زكي بني ارشيد، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، وهو الذراع السياسية للإخوان المسلمين وحزب المعارضة الرئيسي، إن أعلى هيئة للحركة رفضت أصواتا مؤيّـدة لمقاطعة الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر القادم في ظل التضييق على الإسلاميين الذين يدفعون باتجاه إصلاحات سياسية واسعة لمنعهم من تحقيق مكاسب انتخابية.

وقال بني ارشيد لرويترز “كان أسهل قرار هو المقاطعة الذي يجد صدى واسعا وأن نسجل موقفا، لكن قرار المشاركة كان للمصلحة الأكبر، وهي مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات انتخابية ضيقة. أملنا أن يكون المستفيد هو الوطن الذي هو أكبر من كل الحسابات”.

ويأمل العاهل الأردني أن تعزز الانتخابات، التي تجرى في نوفمبر من مؤهلات بلده الديمقراطية والسعي نحو الإصلاح السياسي، كحليف مقرب للولايات المتحدة ونظام ينتهج توجّـها عصريا، وناشد الناخبين بالإقبال على مشاركة واسعة.

ويعَـوِّل الملك عبد الله على الانتخابات، التي ستشارك فيها الأحزاب المختلفة لكي تكون حجر زاوية على طريق الإصلاح السياسي باختيار الأردنيين لمرشحين أكفاء، يعملون على المُـضي قدما في سَـنِّ قوانين عصرية تُـسرع من خطى تحديث المملكة التي لا زالت العشائرية وتقسيمات المناطق تشكلان ثقلا كبيرا فيها.

وقرّر الملك عبد الله عدم استخدام حقّه الدستوري لتأجيل الانتخابات بعد أن انتهت فترة الأربع سنوات للبرلمان رسميا في يونيو الماضي، على الرغم من نداءات من سياسيين محافظين لتأجيل التصويت. ويقول أركان النظام من المحافظين، إن الاضطراب في المنطقة سيقوي نفوذ الإسلاميين.

وكان للإسلاميين في البرلمان، الذي انتهت فترته في يونيو 17 عضوا من 110، ويحد من نفوذهم قانون انتخابي يرجِّـح كفة دوائر انتخابية عشائرية على المُـدن والتي تعتبر معاقل قوية للإسلاميين.

ويقول محللون مستقلون إن السلطات تخشى أن يحقق الإسلاميون مكاسب انتخابية مشابِـهة لتلك التي حقّـقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الحليف الأيديولوجي في الأراضي الفلسطينية والإخوان المسلمون في مصر.

وقال ارشيد، إن حزبه يريد ضمانات أكثر لتكون الانتخابات عادلة ونزيهة، وأن لا تلجأ الحكومة لتزوير ما أسماه بإرادة الشعب.

وقال ارشيد “متحفِّـزون لأي تجاوزات، علما بأنه حصلت تجاوزات كثيرة. إن هذه الفرصة الأخيرة للحكومة لتغير الصورة التي ترسخت في أذهان الشعب الأردني لحكومات غير ديمقراطية ترفع شعارات ديمقراطية وتمارس القمع أو ستكرس حالة العزوف واللارجعة عن اليأس والإحباط وعدم جدوى المشاركة”.

وتعايش الإسلاميون، الذين يسعون للتغيير عبر وسائل سلمية مع النظام الملكي الدستوري، ولكن كثيرين من أركان النظام من المحافظين والحرس القديم يخشون الآن من خطط يدعمها العاهل الأردني لتطبيق مزيد من الإصلاحات السياسية لتحقيق تمثيل شعبي أكبر، من ضمنها حكومة منتخبة بالكامل.

ويضع الدستور معظم السلطة في يد الملك، الذي يعيِّـن الحكومة ويوافق على سَـن القوانين وبإمكانه حل البرلمان.

وقاطع الإسلاميون الانتخابات البلدية في يوليو الماضي بعد أن اتَّـهموا السلطات بتزوير واسع للأصوات، حين أرسل عشرات الآلاف من أفراد الجيش للتصويت ضد المرشحين الإسلاميين في المدن التي تعتبر معاقل للإسلاميين، ونفت الحكومة اي تجاوزات.

واتهمت المعارضة، التي تهيمن عليها الحركة الإسلامية ومستقلون، حكومات سابقة في انتخابات سابقة بتزوير الأصوات وطالبت بقانون انتخابي يمثل فئات الشعب بشكل أكبر.

وقال ارشيد إن الإصلاحات السياسية الحقيقية تحتاج إلى قانون انتخاب عصري ليستبدل القانون الحالي، الذي يقول محللون مستقلون إنه يتمخّـض عن برلمان خانع.

ويشكِّـك العديد من الأردنيين بمقدرة البرلمان على التطرق إلى مشاكل حقيقية يُـعاني منها الشعب.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 سبتمبر 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية