الأرض تحت المجهر
يلتقي هذا الأسبوع في منتجع Davos السويسري 1800 عالم من علماء كيمياء الأرض لتبادل التجارب والمعرفة حول شتى المواضيع التي تتعلق بالكوكب الأزرق.
ويدور هذا اللقاء العلمي الدولي في إطار مؤتمر Goldschmidt الثاني عشر هذا العام.
تردد الصناعات الكيميائية القول، إن الكيمياء حياة والحياة كيمياء. ولفهم الواحدة والأخرى لا بد من فهم العلاقة بين الاثنتين، وهذا ما يسعى إليه علماء كيمياء الأرض والكون خلال مؤتمر Goldschmidt الثاني عشر في منتجع دافوس الشهير بمرتفعات الألب.
وجدير بالذكر أن هذا المؤتمر السنوي يُنسب للعالمVictor Moritz Goldschmidt المولود في زيوريخ عام 1888، ويقام تارة في الولايات المتحدة وأخرى في بلد أوروبي. أما الجائزة السنوية التي يمنحها المؤتمر، فتعود هذا العام إلى العالم الأمريكي John Hayes الذي ألقى كلمة افتتاح المؤتمر يوم الثلاثاء في دافوس.
ويلتقي هؤلاء العلماء الذين قدموا إلى دافوس من كل حد وصوب، لتبادل الخبرات ووجهات النظر حول نتائج الأبحاث وما تدارسوه من نظريات للمواد الكيميائية المعروفة التي تكونت منها الكواكب والمجرات بعد الانفجار الكوني الأول Big Bang قبل 15 إلى 20 مليار عام.
فبعد الانفجار المذكور بمليارات السنين أخذ الغبار والبخار المنتشران في الكون يتكتّلان تدريجيا لتكوين ذرات الغمام والمواد الكونية المنظورة وغير المنظورة في وسط حراري رهيب، لم يبرد بعضه إلا قبل 4 مليار عام لتكوين الكوكب الأزرق.
وخلال عملية التبريد التي كانت بطيئة للغاية، عرفت ذرات المادة أو المواد الكيميائية التي تتكون منها الأرض والأجرام السماوية الأخرى، تغييرات أو تطورات ملحوظة قد تقارن بعملية نضوج المادة التي تحولت من نظير إلى آخر ولا يزال بعضها في تحوّل حتى هذه الساعة.
النظائر الكيميائية أجيال لنفس المادة
وكل نظير من هذه النظائر لنفس المادة يعادل جيلا معيّنا من هذه المادّة، بمعنى أنه شبيه لها كيميائيا، لكنه ذو فوارق يتميّز بها عن النظائر السابقة، من حيث عدد “النويترونات” على وجه الخصوص.
إن دراسة كل نظير من هذه النظائر لنفس المادة على حدة، تكشف النقاب عن الكثير من أسرار النظير الكيميائي بالذات وأسرار البيئة التي توّلد فيها، لا بل وفترة تكوينه بالمقارنة مع توقيت
الانفجار الكوني الأول أي “البغ بانغ”.
من أطرف النظائر التي يتدارسها العلماء، هنالك بطبيعة الحال النظائر المشعة التي يتغيّر عدد “النويترونات” في ذراتها باستمرار نتيجة ظاهرة الانشطار الذري المتواصل والذي تتميّز به المواد المشعة. فدراسة نظائر مادة tungsten قد سمحت بتحديد عمر القمر الذي يؤكد الباحثون اليوم أنه تكون في نفس الفترة مع الكرة الأرضية قبل 4 ملايين عام.
لكن هنالك حاجة لدراسة نظائر أخرى للتأكيد نهائيا وبشكل قاطع، ما إذا كان القمر قد تكون من نفس الغمامة التي تكونت منها الأرض لينسلخ عنها في وقت لاحق، أو ما إذا كان جزءا من جرم سماوي آخر تفتت في وقت ما ولقفته الجاذبية الأرضية حتى استقر في فلكه المعروف حول الأرض!
بصمات تشهر على تطور المادة
ويقارن أحد باحثي معهد علوم الأرض في زيوريخ، النظائر الكيميائية بالمواد التي تحمل بصمات المكان والزمان الذي نشأت فيه، على نحو التحقيقات البوليسية التي تقيم العلاقة بين أثر من الآثار وبين الزمان والمكان الذي وقع فيه الحادث الذي خلف ذلك الأثر.
ويؤكد العلماء في زيوريخ أن التقنيات الحديثة قد ساعدت على إقامة الدليل على أن نظائر الأكسجين على سبيل المثال، تتبخّر لتشارك في “أكسدة” مواد كيميائية أخرى، بمعايير مختلفة تبعا للبيئة الحرارية التي تمت فيها عملية “الأكسدة”.
ويعكف مؤتمر Goldschmidt الثاني عشر في دافوس هذا الأسبوع، على الخبرات التي تمت في جميع هذه المجالات، وعلى النظريات المتعلقة بتكوين الأرض والأجرام السماوية الأخرى، وبالبيئة والزمان الذين واكبا عملية التكوين هذه.
جورج انضوني
يستطيع علماء الكيمياء حاليا تحصيل بعض أسرار الكرة الأرضية والكون عن طريق الدراسات والتحليلات المقارنة لعيّنات من ذرات مختلف المواد والمركبات الكيميائية المتواجدة في الكون، بطريقة تبوح بتاريخ التطورات التي عرفتها الكواكب والمجرات منذ تكوّنت حتى هذه الساعة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.