الأمن السويسري تحت سقف واحد؟
كشفت وسائل إعلام سويسرية النقاب عن قيام الحكومة الفدرالية بتكليف ثلاث وزارات بإعداد دراسة حول إمكانية إنشاء جهاز أو وزارة فدرالية جديدة تختص بشؤون الأمن فقط.
من جانبه، أكد وزير الدفاع السويسري صامويل شميت أن الجهاز الجديد لن يكون ذراعا ثانية للجيش الفدرالي.
كانت الفكرة قد انطلقت في نهاية العام الماضي على يد وزير الدفاع صامويل شميت، الذي قال حينها، حسبما ذكرت صحيفة لوتون في عددها الصادر في 28 أبريل الجاري، بأن إنشاء مثل هذا الجهاز أمر استراتيجي. وإثر ذلك، أخذت الفكرة بعدا عمليا عندما كلفت الحكومة الفدرالية وزارات العدل والشرطة والدفاع والمالية بدراسة سبل تحقيق هذا المشروع.
وفي حديث موسع حول هذا الموضوع نشرته يومية “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة في زيورخ في نفس اليوم، قال وزير الدفاع بأن الهدف من هذه الفكرة هو الوصول بالسياسة الأمنية السويسرية إلى حد الكمال، وذلك بتعزيز التعاون بين الكانتونات تحت غطاء فدرالي، دون المساس باستقلالية المناطق السويسرية المختلفة.
ورغم أن التقرير الأمني السويسري لعام 2000 لم يتطرق إلى هذا الموضوع، ولم يشر إلى وجود مشكلة محددة أو واضحة في هذا المجال، إلا أن زير الدفاع صامويل شميت المنتمي إلى حزب الشعب السويسري اليميني اعتبر في حديثه إلى صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” بأنه “لم تعد هناك حدود فاصلة بين الأمن الداخلي والخارجي، وأن أية مشكلة أو تهديد لن يشمل منطقة محددة بل قد يطول سويسرا بالكامل، لذا فإن التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية الموزعة على الصعيد الفدرالي بين وزارتي الأمن والعدل والشرطة من ناحية، وبين مسؤوليات الكانتونات الأمنية الداخلية من ناحية أخرى أمر ضروري مع الحفاظ على خصوصية كل كانتون”.
وليس من المعروف إن كان لهذا التصريح الجديد علاقة بما سبق أن أشار إليه القائد الأعلى للجيش السويسري كريستوف كيكايس قبل وقت غير بعيد من أن التعاون الأمني السويسري “يجب أن يأخذ بعدا جديدا يتناسب مع التهديدات المحتملة والتغيرات التي حدثت على الملفات الأمنية بشكل عام سواء من ناحية السبل الدفاعية أو المخاطر المحتملة”.
ويأتي الإعلان الصريح عن هذه التوجهات قبل اسابيع قليلة من صدور التقرير الأمني السنوي، والذي تضع فيه الأجهزة المعنية خلاصات متابعتها للحالة الامنية في سويسرا بشكل تفصيلي.
جهاز “أمني” وليس “مخابراتي”
من جهة أخرى، أعرب وزير الدفاع السويسري عن اعتقاده بأن النظام المعمول به حاليا لا يسمح بتعاون أمني في وقت سريع وهو ما لا يتناسب مع السرعة التي يجب أن تتم بها عملية اتخاذ القرار أو تنفيذ إجراء محدد.
وشدد في حديثه إلى الصحيفة الصادرة في زيوريخ على أن افضل سبل التعاون بين الأجهزة الأمنية الفدرالية ونظيرتها في الكانتونات هو أن تكون تحت سقف واحد على أن تلتزم كل جهة بواجباتها، وفي نفس الوقت يكون العنصر الزمني في العمليات المشتركة قد تم تقليصه إلى الحد الأدنى، وهو ما يتناسب مع دقة وسرعة المهمة الأمنية.
وحرص وزير الدفاع صامويل شميت على التأكيد بأن هذا النظام الأمني الجديد “لن يكون فرضا لسيطرة جهاز المخابرات على الملف الأمني بأكمله، بل ستستمر المخابرات السويسرية في عملها كجهاز مستقل مثلما هو الحال في بقية الدول”.
وردا على مخاوف المتوجسين من الخلط بين الجهاز الأمني الجديد وصلاحيات وواجبات الجيش أكد وزير الدفاع في حديثه إلى صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” على التأكيد بأن الجهاز الأمني الجديد لن يكون ذراعا ثانية للجيش السويسري الذي يتولى حماية الكنفدرالية ككل، بل على العكس سيتولى القيام بمهام كان الجيش يقوم بها، مثل حماية الجلسة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس او السفارات والبعثات الأجنبية في البلاد، وأضاف بأن اللجوء إلى الاستعانة به ستظل مقتصرة على “حالة عدم كفاية الوسائل العادية لحفظ الأمن والاستقرار”، طبقا لما ورد في الدستور الفدرالي.
“التنفيذ بدقة وفي أسرع وقت”
وحول الوقت المناسب لتنفيذ هذا المشروع يرى وزير الدفاع أنه سيتم على مراحل، فإعادة هيكلة الجهاز الأمني ترتبط عادة بنوع من “عدم الهدوء”.
فالمطلوب – حسب تصريحات شميت – هو العمل بدقة في هذا المشروع مع سرعة التنفيذ، ولكنه سيتم في جميع الأحوال على مراحل، حيث يتحتم على كل إدارة أن تلتزم بالموعد المحدد لها بدقة متناهية، وفي نفس الوقت لا يؤثر على مهامها التي تقوم بها داخل إداراتها الحالية في المجال الأمني وعلى مدار الساعة.
أما الجهاز الأمني الجديد، والذي لم يعلن حتى الآن عن طبيعة تكوينه، فمن المحتمل أن يؤدي إلى تغيير كبير في ثلاث وزارات دفعة واحدة، أولا في وزارة العدل والشرطة، التي سيتحتم عليها التخلي عن جزء من اختصاصها، ثم وزارة الدفاع التي يجب عليها تحديد المهام الأمنية على الصعيد الفدرالي بحكم مسؤوليتها عن القوات المسلحة، وليس من المستبعد أن تمد الوزارة الجديدة بالكوادر الأمنية من ذوي الخبرات في هذا الملف لتطبيقه على الجانب الأمني، بدلا من العسكري أو الدفاعي.
وأخيرا وزارة المالية، التي من مهامها وضع ميزانية الجهاز الأمني الجديد، والتخلي في الوقت نفسه عن قوات حرس الحدود التي تتبعها حاليا لصالح الكيان الجديد.
جــدل مُـرتـقـب
الدقة والحزم الشديدان اللذان ظهرا في تصريحات وزير الدفاع مع صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، يدلان على أن تجميع النظام الأمني السويسري ليست مجرد فكرة وليدة لحظة آنية، بل هي ناتجة عن قناعة تامة بضرورة تحديث الجهاز الأمني بعكس ما هو عليه الآن من انفصال كل كانتون على حدة، وضعف التنسيق بين أجهزة الأمن في المحلية مع الشرطة الفدرالية، باستثناء حالات معينة وعبر إجراءات معقدة وطويلة.
ولا شك في أن طرح هذا الملف الأمني سيفتح باب النقاش مجددا أمام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ليدلي كل واحد منها بدلوه بخصوص هذا التوجه المثير. فبعض الأحزاب مثلا كانت تطالب دائما بنزع سلاح الشرطة إلا في المهام الصعبة، ووصلت إلى تحقيق هدفها في بعض الكانتونات، فيما قد يمثل الجدل المرتقب حول الملف الأمني فرصة جديدة لإثارة الشكوك حول “سلطة الشرطة” والتحذير من مغبة تحول سويسرا إلى “دولة بوليسية” أو ضياع هيبة الدولة الديمقراطية وسيادة القانون جراء السطوة الجديدة لأجهزة الشرطة.
وفي المحصلة يمكن القول بأن سويسرا لا تعاني، بشكل عام، من مشاكل أمنية خطيرة تجعل استحداث هذا الجهاز أمرا طارئا وضرورة قصوى، إلا أن التعامل مع هذا الملف بشكل متواصل وتجديده بما يتناسب مع المتغيرات سواء في دول الجوار أو على الساحة الدولية أصبح أمرا ضروريا بدلا من التحرك في الوقت الضائع أو بعد فوات الأوان.
لذلك، عندما يبدأ كبار المسؤولين في الحديث عن الأمن في بلد مثل سويسرا، فالكل يستمع بإنصات شديد.
تامر أبو العينين – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.