الأولمبياد وحقوق الإنسان.. “صفقة أوهام” صينية
قبل أربعة أشهر من انطلاق الألعاب الأولمبية، يبذل المدافعون عن حقوق الإنسان جهودا مضاعفة للتنديد بالانتهاكات المرتكبة في الصين.
هذا التجند كان محور نقاش في جنيف في سياق المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان، حيث أطاح المتدخلون أمام جمهور غفير ببعض الأساطير.
مع كل دورة من دورات المهرجان السينمائي، الذي تحتضنه جنيف بالتوازي مع انعقاد مجلس حقوق الإنسان، يتوافد كل مساء على دار “غروتلي للفنون”، جمهور كثيف يضم أشخاصا من جميع الأجيال ومن أصول اجتماعية متعددة، لمتابعة إحدى النقاشات التي يُـنظمها مهرجان الأفلام والمنتدى الدولي حول حقوق الإنسان.
هذا المكان الذي تعبِّـر فيه الكلمة المتحررة عن نفسها، يمثل مفارقة مع النقاشات التي يشهدها مجلس حقوق الإنسان الملتئم حاليا في جنيف، الذي تتحول فيه بعض التعابير المصطلحات إلى محاور لمعارك دبلوماسية محتدمة على خلفية علاقات قوة جغرافية سياسية.
مساء الاثنين 10 مارس، كانت الصين وألعابها الأولمبية، محور السجـل، حيث أكّـد دانييل بولومي، المسؤول عن الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية والمشارك في تنظيم الأمسية، أن “وعود تحسين أوضاع حقوق الإنسان، لم تُـسفر عن نتائج”.
بولومي كان يشير في كلامه إلى التصريحات التي صدرت عن وانغ واي، الأمين العام للجنة ترشح بايجينغ وعن جاك روغّـي، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، قبل حصول العاصمة الصينية على تنظيم الألعاب الأولمبية لصيف 2008.
والملفت أن جاك روغّـي، فضّـل (قبل 150 يوما من افتتاح المهرجان الرياضي الكبير)، عدم الاستجابة لدعوة المهرجان الدولي للأفلام ومنتدى حقوق الإنسان للمشاركة في النقاش، وهو غياب جسّـده المنظمون بكرسي فارغ.
“صفقة للمغفّـلين”
إذا ما صدّق المرء منظمة العفو الدولية، فإن الأحداث الأخيرة لا تدفع للتفاؤل بالمرة، إذ تؤكد مارسيا بّـول، المسؤولة عن الإعلام والاتصال في المنظمة، أن “وضعية حقوق الإنسان تدهورت خلال الإعداد لهذه الألعاب”، نتيجة للقمع المتزايد، الذي سُـلِّـط على المدافعين الصينيين عن حقوق الإنسان.
من جهته، يُـشدد بيير هاسكي، وهو صحفي فرنسي عمل مراسلا في بايجينغ من عام 2000 إلى 2006، على أن “الأمر يتعلق بـ (صفقة مغبون)، فالسلطات الصينية لم تتخذ أي التزام محدد فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان”.
ويضيف هاسكي، الذي يدير حاليا موقعا إعلاميا فرنسيا (Rue 89)، أن “بايجينغ واللجنة الدولية الأولمبية سوّقوا بهذه الوعود الهلامية، قصّـة جميلة للعالم، في حين يتم تقديم هذه الألعاب للسكان الصينيين على اعتبار أنها تعبيرة عن القوة الاقتصادية للصين”.
هذا الخطاب يثير نخوة العديد من الصينيين، مثلما يؤكد بيير هاسكي، وتضيف مارسيا بّـول مشاطرة هذا الرأي “في الوقت نفسه، يتخوف المدافعون الصينيون عن حقوق الإنسان من القمع ويفتخرون جدا بتنظيم الصين لهذه الألعاب”.
إزدواجية غربية
في واقع الأمر، هناك مبررات عديدة لسوء التفاهم، خصوصا وأن بعض المواقف المتّـخذة من الجانب الغربي، تتسم بعدم الوضوح. فعلى سبيل المثال، يُـذكّـر بيير هاسكي بأن المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ قد رفض منصب مستشار فني لحفل الافتتاح لألعاب بايجينغ، ليس بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، ولكن بسبب دارفور والدعم الذي تقدم الصين إلى الحكومة السودانية.
في سياق متصل، وجّـه بيير هاسكي انتقادات لاذعة للترحيب الذي قوبلت به التسهيلات الممنوحة للصحفيين الأجانب، التي اعتبرها البعض “تقدّما في مجال حرية التعبير”، في الوقت الذي “لا يستفيد فيه الصحفيون الصينيون من هذه الإجراءات، وفيما لا زال عدد منهم يقبع في السجن”، على حد تعبيره.
وفي مداخلة مؤيّـدة لما جاء في تصريحات بيير هاسكي، أوردت الصحفية الصينية كسينران كْـسُو، أنه خلال قيامها بعملية تصوير، رافقتها احتجاجات في الصين، صرّح لها مسؤول في الشرطة في معرض التوضيح، أن “الصينيين لن يعرفوا ما الذي سيفعلونه بالحرية”.
التاريخ القديم والقطع مع المألوف
الصحفية الصينية، التي تقيم في لندن منذ عشرة أعوام، شدّدت على الحجم الكبير للممارسات التسلطية في التاريخ الصيني، الذي يمتد لآلاف السينين، وذكّـرت بالحضور الدائم للخوف في الأذهان، وقالت السيدة التي كانت تنشِّـط برنامجا إذاعيا يحظى بشعبية واسعة في الصين خلال التسعينات، “إنني أتحدث إليكم بحرية هنا في جنيف، لكنني لا أعرف ما الذي يُـمكن أن يحدُث لي في كوابيسي”.
وأشارت كسينران كْـسو من خلال مثال آخر، إلى خصوصية المعطى الزمني للصين: فإلى عام 2003، لم يكن بالإمكان التنقل من مكان إلى آخر داخل الصين، بدون الحصول على ترخيص من السلطات. هذا القانون يعود تاريخه إلى السنة 300 قبل ميلاد المسيح، وبالاعتماد على هذا المقياس، فإن الحريات الفردية التي مُـنحت للصينيين خلال السنوات الأخيرة، تعتبر مُـدهشة، سواء تعلق الأمر بسفرهم داخل البلاد وخارجها أو بممارستهم الحرة للحياة الجنسية الخاصة أو باختيار مدرسة أطفالهم أو مهنتهم الخاصة.
وهنا، يعترض بيير هاسكي قائلا: “لكن هذه الحريات التي تمسّ الطبقة الوسطى الحضرية بالأساس، لا تشمل الوسط السياسي”، مضيفا في ختام مداخلته، “أما الألعاب الأولمبية، فلا دخل لها في هذا التطور”.
سويس انفو – فريديريك برونان – جنيف
(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
يتزامن انعقاد المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان مع التئام الدورة السابعة لمجلس حقوق الإنسان والذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948).
من 7 إلى 16 مارس 2008، يقترح المهرجان الذي يُـنظم في جنيف، “عشرة أيام من التجنّـد ومن النقاشات ومن السينما، ضد انتهاكات حقوق الإنسان تجاه مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة”.
هذا العام، يسعى المهرجان من خلال التزامه بمعادلة “شريط وموضوع ونقاش”، التي ميّـزته، إلى إدانة انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة في الصين وروسيا ودارفور وميانمار (بورما)، وردّ الفعل على تصاعد التيارات الشعبوية في أوروبا وتسليط الضوء على دور النساء في مكافحة الإفلات من العقاب.
العديد من الأفلام التي يقترحها المهرجان، تعرض للمرة الأولى، مثل « Calle Santa Fe »، الذي يُـقدّم بالاشتراك مع المهرجان الدولي للأفلام في فريبورغ و”الموت في القدس” و”مطارد الديكتاتور” و”نظام بوتين”.
تجري الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 من 8 إلى 24 أغسطس القادم في بايجينغ، وهي أول ألعاب أولمبية يتم تنظيمها في الصين.
إجمالا، ستشهد الألعاب إجراء 302 مسابقة في 28 رياضة مختلفة.
تنطلق فعاليات حفل الافتتاح يوم 8 أغسطس 2008 على الساعة 20 و08 دقائق.
صُـمِّـم الملعب الأولمبي في بايجينغ، الذي شُـيِّـد خصيصا للدورة، من طرف المهندسين المعماريين السويسريين هيرزوغ ودوموران.
يعمل نحو 30 ألف شخص في تشييد المنشآت الأولمبية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.