“الإتحاد من أجل المتوسط” سيكرس تهميش المجتمع المدني
أثارت القمة التأسيسية للإتحاد من أجل المتوسط التي تبدأ أعمالها غدا الأحد 13 يوليو في باريس موجة من الإعتراضات لدى المنظمات الحقوقية في الضفتين، التي اعتبرت أن ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان هو البعد الأساسي المُغيب من المشروع المتوسطي الجديد.
وتوجهت ثلاث منظمات اقليمية بارزة هي الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان والفدرالية الدولية لروابط حقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بنداء مشترك إلى رؤساء الدول المشاركين في القمة، انتقدت فيه “التركيز على المشاريع الاقتصادية فحسب والتغاضي عن تطلع شعوب المنطقة (المتوسطية) الذين يتوقون للتنمية، كما يتوقون أيضا إلى التمتع بالحريات الأساسية التي هم محرومون منها فعليا”.
وطالبت المنظمات في هذا السياق بمعاودة النظر في أسس المشروع منذ انطلاقه في برشلونة سنة 1995 “بغية التوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط مما يسمح بإنشاء دولة فلسطينية وتشجيع مسلسل الإصلاح الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان”. واقترحت أربعة أركان لصوغ سياسة جديدة تتمثل في القواعد الآتية:
– جعل احترام حقوق الإنسان والديمقراطية أولوية في السياسة الخارجية للإتحاد المُزمع إنشاؤه.
– المساهمة بشكل نشط في تحقيق السلام في الإقليم، خصوصا في الشرق الأوسط من خلال تنفيذ قرارات المجتمع الدولي ذات الصلة الرامية إلى تحقيق سلام عادل ودائم والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
– احترام حقوق المهاجرين واللاجئين الذين هم ضحايا سياسة عقابية وأمنية لا سابقة لها.
– الاعتراف بنشطاء المجتمع المدني، خصوصا المنظمات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، باعتبارهم شركاء بشكل كامل والتعاون معهم على الصعيد المؤسسي وعلى صعيد المشاريع في إطار الشراكة.
وحذرت المنظمات الثلاث من التغاضي عن مقاييس احترام الحريات وحقوق الإنسان لدى اختيار البلد الذي سيشارك فرنسا في رئاسة الإتحاد خلال الدورة الأولى وكذلك البلد الذي سيستضيف أمانته التنفيذية. ومن أجل إلقاء مزيد من الضوء على هذا البعد المُثير للجدل في مسار برشلونة وكذلك في مشروع الإتحاد من أجل المتوسط التقت “سويس أنفو” الناشط الحقوقي المعروف كمال الجندوبي، رئيس اللجنة التنفيذية للشبكة المتوسطية لحقوق الإنسان وأجرت معه الحوار التالي:
سويس انفو: تبوأ التزام البلدان المتوسطية باحترام التعددية وضمان الحريات الأساسية في بلدانها مكانة بارزة في إعلان برشلونة، لكن ما مدى تنفيذها لتلك التعهدات؟
كمال الجندوبي: التعددية ليست سوى واجهة في غالب الأحيان. يشهد على ذلك العدد المزدهر للمنظمات الموالية للحكومات، بينما المنظمات المستقلة فعلا تتعرض للمضايقات الأمنية (الإعتداءات المسجلة في تونس منذ مطلع السنة) والقضائية (مثل سوريا) الدائمة إن لم تكن منظمات محظورة بالكامل (كما هو الحال في ليبيا). وبصورة عامة تسعى حكومات البلدان الواقعة جنوب المتوسط إلى خنق المجتمع المدني أكثر من سعيها لتطوير نشاطه (مثال ذلك مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة الأردنية للبرلمان وكل قوانين الطوارئ التي تكمم أفواه المعارضين). كما لم يتم إشراك الجمعيات في آليات صنع القرار (وأبرز مثالين على ذلك مشروع الإتحاد من أجل المتوسط والقانون الجديد حول التجمعات العمومية في الأردن الذي لم تُستشر في شأنه المنظمات الأهلية). وهذا ما يقودنا مع الأسف إلى الإستخلاص التالي: فبقدر ما تتكثف انتهاكات حقوق الإنسان (سواء في مصر أو تونس واسرائيل والمناطق الفلسطينية حيث ما انفك الوضع يتدهور) تتعزز علاقات تلك البلدان مع الإتحاد الأوروبي وتتعمق (خلال الإجتماع الأخير لمجلس الشراكة بين الإتحاد الأوروبي واسرائيل تم إطلاق مسار رفع مستوى العلاقات).
سويس انفو: هل تعتقد أن التغاضي عن الإنتهاكات مرده إلى قلة يقظة البلدان الأوروبية أم إلى شطارة البلدان الجنوبية في التخلص من الأوضاع الحرجة والدقيقة؟
كمال الجندوبي: مرده بكل وضوح إلى غياب الإرادة السياسية لدى البلدان الأوروبية والتي تُعزى بدورها إلى تعذر الوصول إلى وفاق بينها على تغيير الأوضاع وكذلك إلى إعطاء الأولوية للمصالح الإقتصادية والأمنية على حساب التعهدات المتعلقة باحترام حقوق الإنسان وتطويرها. وتقف فرنسا وإيطاليا واسبانيا بشكل خاص في المقدمة للإعتراض على أي مبادرة أوروبية ترمي لإجبار البلدان المتوسطية الشريكة على الإلتزام بتعهداتها وبخاصة في إطار اتفاقات الشراكة. والغريب أن البلدان الأوروبية تُحاط علما بالوضع السياسي السائد في البلدان الشريكة، لكنها تمنح الأولوية دوما للصفقات ولمصالحها، وبالتالي مصالح الأنظمة الإستبدادية العربية. ويكفي أن نستدل في هذا الشأن بغياب الآليات القضائية الكفيلة باحترام البند الثاني من اتفاقات الشراكة. ومن هنا فإن للإتحاد الأوروبي نصيبه من المسؤولية حتى وإن كان البرلمان الأوروبي لفت انتباه المفوضية والمجلس الأوروبيين عديد المرات إلى هذه المسألة. ومن دون شك ساعد هذا الموقف حكومات البلدان الجنوبية على التملص من مسؤولياتها. والنتيجة أن الحكومات تتبادل شهادات الإستحسان في مقابل اتفاقات سياسية (ومن الأمثلة على ذلك زيارة ساركوزي إلى تونس التي ذهب إليها لتسويق الإتحاد من أجل المتوسط) أو صفقات اقتصادية (زار رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون الجزائر الأسبوع الماضي للتوقيع على اتفاقات تخص الطاقة النووية) أو “اتفاقات إنسانية” كما كان الشأن مع ليبيا.
سويس انفو: كثيرا ما يبدو كما لو أن هناك مقايضة بين حكومات الشمال والجنوب تقوم على غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الحكم الصالح في الضفة الجنوبية للمتوسط مقابل اعتماد الحكومات في تلك البلدان مواقف “معتدلة” من الصراع العربي الإسرائيلي، فهل تشعر بم
كمال الجندوبي: أشاطر هذا الإنطباع والدليل على ذلك أن الحكومات الأوروبية لا تمارس ضغوطا على مصر مثلا التي تعتبرها “شريكا مفتاحيا” في مسار السلام في الشرق الأوسط. كما أن موقفها من سوريا يبدو محكوما بمدى تطور المفاوضات مع اسرائيل.
سويس انفو: ما هي المكانة التي تتوقع أن تُعطى لحقوق الإنسان في “الإتحاد من أجل المتوسط”؟
كمال الجندوبي: للأسف لم يتوقعوا لها أي مكانة. رسميا سيصلح “الإتحاد من أجل المتوسط” لتفعيل مسار برشلونة على الصعيدين الإقتصادي والمالي، والمشاريع الأربعة المعتمدة حتى الآن تخص النقل والطاقة والحماية المدنية والبيئة (لكن المنظمات البيئية غير متفائلة). هذه المشاريع ستُمولها بالأساس صناديق خاصة وبشكل محدود جدا صناديق أوروبية عمومية. ولن تكون مشروطة باحترام حقوق الإنسان. وقبل أيام تلقيت جوابا مفاده أنه لن تكون هناك مشاريع تخص حقوق الإنسان لأن هذا المجال لا يستهوي الصناديق الإستثمارية. وعليه فلن يكون هناك أي تطور جديد على هذا الصعيد، وسيستمر العمل على قاعدة “إعلان برشلونة” واتفاقات الشراكة وخطط العمل المُندرجة في إطار سياسة الجوار الأوروبية.
سويس انفو: إذن كيف يمكن أن تكون منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في الضفتين قادرة على تفعيل نشاطها من أجل إسماع صوتها في ظل هذه الصيغة الجديدة من مسار برشلونة؟
كمال الجندوبي: لم تتم استشارة المجتمع المدني في هذا المسار الحكومي البحت في ما أعلم. فـ”الإتحاد من أجل المتوسط” يقتصر على التعاون الإقتصادي والمالي أي على الجانب الإقتصادي من مسار برشلونة، بينما سيكون الجانب السياسي مُركزا على المستقبل الأمني أساسا بالنظر إلى أن الأوروبيين يفضلون إضافة مشاريع مشتركة تتعلق بالهجرة، لكن لا وجود لمشاريع تخص المجتمع المدني وحقوق الإنسان. صحيح ان “الإتحاد من أجل المتوسط” يحث على الإنخراط المشترك في التعاون الأورومتوسطي بين الشركاء وهو الذي يتجسد في تقاسم رئاسته بين الضفتين وإقامة أمانة تنفيذية في بلد شريك للإتحاد الأوروبي. وسيتم اختيار البلد المشارك في الرئاسة والبلد المستضيف للأمانة التنفيذية من دون النظر إلى الوضع السياسي السائد في البلدين المعنيين، وبالتالي فهي تزكية للحكومات المستبدة مما يساهم في تهميش ممثلي المجتمع المدني الذين يكافحون من أجل الدفاع عن الحقوق الأساسية لمجتمعاتهم التي تنتهكها الحكومات.
أجرى الحوار: رشيد خشانة
طرابلس (رويترز) – قال الزعيم الليبي معمر القذافي يوم الاربعاء 9 يوليو 2008 ان اقتراح الاتحاد الأوروبي بشأن اتحاد اقتصادي وأمني مع دول جنوب المتوسط سيكون “حقل ألغام عالمي”.
وأضاف ان الخطة ستجبر العرب على قبول اسرائيل وستثير التشدد الاسلامي ضد الغرب لان بعض الاسلاميين سيرون في الاتحاد استعمارا جديدا لأراض إسلامية من جانب قوى غربية.
وقال القذافي في مؤتمر صحفي مخصص لخطة الاتحاد الاوروبي “هذا المشروع مُخيف جدا. هذا المشروع خطير.” وأضاف “أنا أُبشركم بفشله الذريع”.
وكان القذافي الذي يقاطع الاجتماع قد استضاف قمة مُصغرة للزعماء العرب الشهر الماضي للتوصل الى موقف مشترك بشأن الاتحاد المقترح.
لكن زعماء عربا آخرين ومنهم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس السوري بشار الأسد سيحضرون الاجتماع الذي يعقد في باريس يوم الاحد المقبل لطرح الخطة.
وقال القذافي انه يرحب بفكرة تعاون أوثق بين دول البحر المتوسط الذي اقترحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في باديء الأمر.
لكنه قال ان الشراكة الجديدة بين الشمال والجنوب التي أيدها زعماء الاتحاد الاوروبي هي “سلاطة”. وتحولت الشراكة المعتزمة من منتدى صغير للدول المطلة على ساحل البحر المتوسط الى قمة دورية لدول الاتحاد الاوروبي ودول البحر المتوسط.
وقال القذافي “أنا لا أنصح شعبي أن يدخل في طبيخة أو سلاطة من هذا النوع هذا سيدخلنا في مشاكل عويصة يعني شمال افريقيا والدول التي في الشرق الاوسط العربية ستدخل في حقل ألغام عالمي يمتد الى القطب الشمالي لماذا أورط بلادي في هذا المشكل.”
وتساءل القذافي متحولا الى اسرائيل التي سيحضر رئيس وزرائها ايهود أولمرت الاجتماع في باريس قائلا “لماذا يجبروننا بأنهم لا يتعاونون معنا إلا اذا قبلتوا بالاسرائيليين؟. ماهذا الهزل..”
وسيأخذ الاتحاد المتوسطي شكل منتدى لقمة دورية تضم دول الاتحاد الاوروبي والبحر المتوسط وتكون له رئاسة مشتركة وأمانة صغيرة.
وقال القذافي “أعتقد أن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط سيزيد من الهجرة غير الشرعية وسيزيد من الارهاب ويعطي مبررا للمتطرفين الاسلاميين بتصعيد عمليات الجهاد وسيفسروه بأنه احتواء صليبي لبلاد الاسلام واستعمار أوروبي ويتهمون الحكام بأنهم خانوا أو باعوا أو تواطؤا أو ضعفوا حتى سلموا بلدانهم في هذا الاتحاد على طبق من ذهب”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 يوليو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.