الإحتجاجات في اليمن قد تتجاوز السلطة والمعارضة
كشف الانزلاق نحو مهاوي العُـنف والشَّـغب بين المحتجِّـين في اليمن والسلطة، أن الأمور تتّـجه نحو المزيد من التّـعقيد بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين في السلطة.
وذلك بعد احتِـجاز عدَدٍ من أقطَـاب المُـعارضة، خاصة منهم المُـنتمين للحزب الاشتراكي اليمني، الشريك الأساسي في توحيد شَـطري اليمن في 22 مايو عام 1990.
فعلى خلفِـية الاحتجاجات التي شهدتها عدَد من المُـحافظات الجنوبية وانزلاقها إلى حوادِث شغَـب، قادها محتجُّـون شبّـان، لعدم تمكينهم من الانخراط في السلك العسكري، بعد أن كانوا تلقّـوا تطمينات بإدماجهم في الخِـدمة العسكرية، بُـغية امتِـصاص الغَـضب الاحتجاجي، الذي ساد في الأشهُـر الأخيرة عددا من المناطق الجنوبية.
على خلفية ذلك، بادرت السّـلطات إلى ملاحقة من تصدّروا واجهة الاحتِـجاجات الجنوبية واتّـخذت جُـملة من التّـدابير الزّجرية والوِقائية، بدت وأنها توجّـه نحو حسْـم التّـعاطي مع هذا الملف بالقوة، ووضع حد للحراك المطلبي، الذي كانت المُـحافظات الجنوبية الشرقية مسرحا له، على مدار أزيَـد من عشرة أشهر.
ويرصد المراقبون أن السلطات حسَـمت أمرها في اتِّـجاه التعاطي مع الاحتجاجات الجنوبية بالقوة، خاصة أنها أتَـت بعد حملات إعلامية واتِّـهامات مُـتكرِّرة لأحزاب المعارضة، بوقُـوفِـها وراء تحريك الشارع اليمني والتوجّـه به من المطالب الحقوقية إلى المطالب السياسية، ترفع شعارات ضدّ الوحدة الوطنية والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 (تاريخ الوحدة بين شطري اليمن)، وتأتي على الرغم من إعلان الحكومة تسوِية، لكن على ما يبدو فإن الاتِّـجاه نحو الحَـسم بالقوة، لن يزيد الحياة السياسية إلا تعكيرا، خاصة منها تردّي العلاقة بين السلطة وقوى المعارضة، التي تُـعدّ السّـبب الرئيسي لاحتقان الحياة السياسية وتوتّـر المشهد اليمني.
وحُـجّـة السلطات في ترجيح خِـيار القوة، أنها انتهت من تسوية الأوضاع العملية والمالية لأزيد من 74 ألف مُـتقاعد، ظلّـت جمعياتهم تقود الاحتجاجات الشعبية طِـيلة الفترة الماضية، وبالتالي، لم يعُـد هناك ما يُـبرِّر استمرار الوقَـفات الاحتجاجية التي تُـقلق السَّـكينة والسلام الاجتماعي.
تفاعلات وانعكاسات
ويذهب مسؤولون كبار في الدولة والصحافة الرسمية وصحافة الحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام، إلى أن تكدِير الحياة العامة وتحريك الشارع اليمني، ليست إلا “مُـحاولة يائسة لأحزاب المعارضة، التي اندحَـرت أمام إرادة الناخبين” وأن الاحتجاجات بدأت تخرُج عن السَّـيطرة، تارة برفعها لشعارات تمَـسّ الوحدة الوطنية، وتارة أخرى، تنزلق إلى مهاوي الشّـغب والعُـنف المُـضاد، كما حصل مؤخّـرا، مما أوجد مُـبرّرا لحماية الحياة العامة.
في المقابل، تُـسوِّق المُـعارضة تفسيراتٍ وحُـججا مُـختلفة للتّـفاعلات الجارية على الساحة اليمنية وانعكاساتها على العلاقة وعلى الحِـوار بين السلطة والمعارضة خاصة، وعلى القضية الوطنية والمجتمع بصفة عامة.
وفي ردّه على تساؤل لسويس انفو حول أن مَـظاهِـر الاحتجاجات بدأت تخرُج عن سيطرة الجميع، سلطة أو معارضة، قال الدكتور ياسين سعيد نعمان، الأمين العام الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني “ليس صحيح أن الأمر خرج عن السَّـيطرة، هناك احتجاجات سِـلمِـية ديمقراطية كانت بشكل طبيعي، وهناك بعض التجنّـحات تَبرز هنا أوهناك، سواءٌ لمُـواجهة تطرّف السّـلطة أو بعض الأفكار، لكن تجري مناقشتها بشكل سِـلمي، وهذا الوضع كان حتى قبل أسبوع، عندما بدأت بعض أعمال الشّـغب التي كان بإمكان السلطة أن تسيطر عليها، وهي أعمال ليس لها علاقة بالسياسة ولا بالسياسيين، وإنما مجموعة من الشّـباب كانوا استُـدعوا للتّـوظيف ولم يتمكّـنوا من الاستيعاب. والسؤال هو: لماذا تركت أعمال الشغب تستمر ليومين كاملين؟ وبعد ذلك تنتهي باعتقال عدَد من القادة السياسيين، وخاصة من قِـياديي الحزب الاشتراكي (90% من الإعتقالات موجّـهة ضدّ الحزب الاشتراكي)، والسلطة لم تقدّم حتى الآن أيّ مُـبرّر مُـقنع لمثل هذه الاعتقالات وهذه المطاردات، سوى أنها تتحدّث عن أعمال شغب، بينما كان بإمكانها ملاحقة الذين قاموا بالشغب، لا أن تُـلاحق السياسيين”.
“حنين السلطة إلى الإقصاء والقمع”
وفي تفسيره لتركيز هذه الاحتجاجات في المُـحافظات الجنوبية الشرقية أو ما كان يُـعرف “بالشَّـطر الجنوبي”، قال ياسين: “الاحتجاجات موجودة في الجنوب لأسباب متعلِّـقة بحرب صيف 1994، التي كان من نتائِـجها تسريح الآلاف من الموظّـفين والجُـنود والعمّـال من مُـنتسِـبي الدولة السابقة، ما قبل الوحدة، إضافة إلى كثير من المُـمارسات التي أعقَـبت الحرب والتي أساءت إلى الوِحدة واستنفَـرت الناس هناك، فخرجوا بعد أن انتظَـروا ثلاثة عشر سنة على أمل أن تحلّ المشاكل المترتِّـبة على تلك الممارسات، وأن تغيِّـر السلطة من سياساتها تُـجاه الناس في هذا الجزء من البلاد، لكن مع كل يوم كان يمُـر، كانت الممارسات الخاطِـئة تزداد، حتى ضَـاق الناس وعبَّـروا عن مُـعاناتهم”.
ويواصل الدكتور ياسين سعيد نعمان قائلا: “الجانب الآخر، هناك أسباب اجتماعية واقتصادية مأساوية تشمل كل اليمن، وهناك من يُـعبِّـر عن مُـعاناته من تلك الأوضاع في اليمن كلها، شمالا وجنوبا، باعتصامات في أكثر من مكان، وشهِـدت المُـدن اليمنية خلال الأسبوعيين الماضيين اعتصامات جرى قمعُـها بالقوّة، حتى تلك التي تُـنظَّـم في إطار الدستور والقانون، وترجيح القوّة، يعكس الطبيعة غير الديمقراطية للسلطة، فهي تتّـخذ من الديمقراطية زِينة وواجهة، لكن أن تتجاوَز الديمقراطية الانتخابات الشّـكلية ومجرّد المناكَـفة الإعلامية في الصحف، كما حوّلتها من حرية للصحافة إلى مُـناكفة أفقدت الكلمة قيمتها، عدا ذلك، يُـعتبر خط أحمر يُـواجه بالعُـنف”.
وأعرب ياسين لسويس إنفو عن اعتقاده بأن “اللّـجوء للعنف، ليس من مصلحة اليمن، لأن العُـنف قد جرّبه اليمن في تاريخه مرّات كثيرة، ولم يحصد سوى المآسي، وكنّـا قد استبشرنا بوِحدة 22 مايو خَـيرا، بأن طريق اليمن الجديد هو طريق الديمقراطية والتّـسامح والتعايش ونبذ سياسة الإقصاء والإلغاء، التي مُـورست لسنوات طويلة، لكن يبدو أن السلطة حنّـت من جديد إلى تاريخ الإقصاء والقَـمع، ولم تستطع أن تستوعِـب حاجة اليمن إلى الديمقراطية الحياتية والحرية”.
“طريق مسدود”
وحول العودة إلى طاولة الحِـوار بين الحزب الحاكم والمعارضة، الذي أعيد إحياؤه الأسبوع الماضي من قِـبل المؤتمر الشعبي على خلفية هذه التطورات، يقدم الأمين العام للحزب الاشتراكي مفهومه للحوار بقوله: “الحوار في فهمِـنا يجب أن لا يتحوّل إلى مجرّد حديث إعلامي بلا مضمون، عندما تتحدّث السلطة عن الحِـوار كأنها تريد فقط أن تُـشعِـر الناس أنه لا توجد أزمة ولا مشكلة، وأن الحوار مع المُـعارضة مستمر، الحوار وصل الآن إلى طريق مسدُود، فإذا أريد له أن يحقِّق غاياته، يجب أن يقِـف أمام القضايا الرئيسية. اليوم، هناك أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية تجاوزت الجميع، وبالتالي، إذا أنطلق الحِـوار من النُّـقطة التي يكون فيها تحليِـل الوضع العام والأزمة الوطنية الشاملة، هو الموضوع الأساسي للحِـوار، عندها، لا مانِـع من أن نتحاوّر، أما أن نظَـل ندُور حول مَـن يدخُـل الانتخابات ومَـن يخرُج منها، فهذه مسألة جُـزئية وثانوية، لذا، ينبغي أن يشمَـل الحوار الوضع العام الذي يعِـيشه البلد وبحث ما هي الأسباب التي أو صلت الناس والاقتصاد والمجتمع والسياسة والبلاد إلى ما يُـشبه الطريق المسْـدُود، وبعدها نفتح نافِـذةً باتِّـجاه المستقبل، هذا هو الذي يجِـب أن نُـركِّـز عليه إذا أردنا حوارا ناجحا”
وأضاف المسؤول الحزبي المعارض أن “الأزمة في الوقت الحاضر، لا تهُـمّ حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ولا المُـعارضة في أحزاب اللِّـقاء المشترك، ولكنها أزمة وطنية يُـفترض أن يشتَـرك فيها كلّ أطراف الحياة السياسية والاجتماعية وتبحث المشكلة، ونحن لا ندّعي امتِـلاك حلول سِـحرية، وإنما كغيْـرنا من القوّة السياسية والاجتماعية، لدينا رُؤى لا نريد فرضَـها على أحد ولا نريد أن تكون الإطار العام للحِـوار، وإذا ما تحدّد إطار وطني عام، عندها سنقول ما هو رأينا وسنستمع للآخرين وما سيتَّـفقون عليه، باعتبارهم جميعا مسؤولين عن هذا الوطن، سيكون أكثر فائدة من أن يتصدّى طرف بذاتِـه لأزمة بهذا الحجم، وهو لا يستطيع أن يواجهها.
ويختم ياسين حديثه لسويس انفو بتعليق له على المزاعم القائلة بأن تراجُـع حظوظ المعارضة في الانتخابات، هو الذي يدفع بها إلى اختلاق الأزمات يقول فيه: “أولا، لا توجد أيّ انتِـخابات نزيهة حتى نقول إن هناك تراجُـعا أو تقدّما، وعندما يكون الشارع هو الحََـكم الحقيقي في انتخابات حُـرّة ونزيهة غير مُـسيْـطرٍ عليها، نستطيع أن نقول مثل هذا الكلام، لكن أن تستولي السلطة بكلّ إمكاناتها وجيشها وأمنها ومالها على الانتخابات، وتقوم بتوزيع حِـصص على الأحزاب، ليس من حقِّـها أن تتحدّث عن التّـراجع والتقدّم، لأن ذلك يتحدّد من خلال انتخابات حرّة ونزيهة، وإذا تحقّـقت مثل هذه الشروط، سنكون أمام انتخابات أفرَزت مَـن هُـم أصحاب الحظوظ الذين يحظَـون برضا الناس، ومَـن هم غير المحظوظين، الذين يفرِضُـون أنفُـسهم على الناس بالقوة”.
غياب التوافق والتراضي
إجمالا يرى المتابعون للشأن اليمني أن التفاعلات والتداعيات التي يعيشها المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، ليس إلاّ صورة قاتِـمة لغِـياب التّـوافق والتّـراضي، بين اللاعبين الأساسيين، وتأزّم العلاقة بين قُـطبَـي اللُّـعبة السياسية، المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح من جهة، والحزب الاشتراكي من جهة أخرى، في حرب صيف 1994، ثم لاحِـقا بين أحزاب المعارضة المُـنضوية في إطار تكتّـل اللقاء المشترك والحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام منذ انفراد هذا الأخير بالسّـلطة عام 1998.
ويخلُـص هؤلاء المراقبون إلى أن التّـحديات المطروحة على البلاد اليوم، ليست تحدّيات سياسية فحسب، بل تحدّيات معيشية واقتصادية واجتماعية، تمثل تراكُـمات سنوات من سوء التَّـسيير مع تراجُـع الموارد الاقتصادية والمالية من جهة، وتحدّيات دولية انعكست على ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية الأساسية في السوق الدولية، فيما الواردات الغِـذائية تغطِّـي أزيد من 60% من حاجات البلاد، في وقت تلوح فيه نذر صعوبات في الصّادرات النفطية، التي تشكِّـل 90% من صادرات اليمن.
والبادي للعِـيان، أن لِـسان حال الشارع اليمني، الذي يكتوي بلَـظى قساوة الظّـروف المعيشية والذي بدأ يخرُج عن سيطرة الجميع، يوجّـب على اللاّعبين السياسيين أن يلتفِـتوا إلى حاله وإعادة النظر بقواعِـد اللعبة على ضوء التحدّيات المطروحة، حتى لا تسبق الاحتجاجات الجميع وتتجاوز السلطة والمعارضة على حدٍّ سواء.
عبد الكريم سلام – صنعاء
صنعاء (رويترز) – دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يوم الخميس 10 أبريل، للحوار بدلا من العنف بعد موجة من أعمال الشغب في جنوب البلاد، خلفت عشرات القتلى.
وقال صالح في كلمة أمام مسؤولين، إن مَـن لديهم شكوى، بإمكانهم التوجّه للبرلمان، بدلا من المظاهرات وإحراق إطارات السيارات وقطع الطرق، وأضاف أن التلاعب بالأمن القومي، ليس مقبولا.
وظهرت أصوات تدعو إلى انفصال الجنوب، مركز صناعة النفط في اليمن، ويقول مسؤولون إن القلق يُـساوِرهم مِـن أن يُـحاول معارضون وانفِـصاليون استغلال الاضطرابات.
والحكومة والجيش، من أهم مصادر التوظيف في اليمن، أحد أفقر البلدان خارج إفريقيا. وتعمل أكثر من نصف القوة العاملة في قطاع الزراعة، وقدّر أحد الدبلوماسيين معدّل البطالة بنسبة 17%.
ووِفقا لأرقام البنك الدولي، يعيش نحو 42% من اليمنيين في فقر، خاصة في المناطق الريفية، حيث يعيش ثلاثة أرباع سكان البلاد.
وقدّرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير، أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 723 دولارا في عام 2006.
وقال علي محمد مجور، رئيس الوزراء اليمني، إن 22 جنديا أصِـيبوا وأن 75 متْـجرا ومكْـتبا حكوميا تعرّضوا لأضرار أو للنّـهب خلال الاضطرابات التي وقعت بين 30 مارس و9 أبريل. ولم يتّـضح عدد المدنيين الذين أصِـيبوا.
وقال مْـجور في كلمة أمام مسؤولين، إن 283 شخصا اعتُـقلوا خلال الاحتجاجات، لكن تمّ الإفراج عن 161 منهم.
ويقول سياسيون من المعارضة، إن السلطات اعتقلت عددا من أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني، وهو حزب ماركسي حَـكم جنوب البلاد حتى عام 1990، عندما تمّ توحيد الشمال والجنوب.
وقال سكان، إن عددا ضئيلا من المحتجِّـين حمَـلوا لافتات تُـطالب بالانفِـصال، في احتجاجات الأسبوع الماضي. وسحقت الحكومة مُـحاولة من الجنوب للانفصال عام 1994.
وظلّـت عدن، التي كانت عاصمة جُـمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هادئة، رغم الاحتجاجات العنيفة في عدّة بلدات في المنطقة المجاورة.
ويعيش في الجنوب نحو خُـمس سكان اليمن، وعددهم 22 مليون نسمة، وهو مصدر مُـعظم دخل البلاد. ويأتي نحو 80% من إنتاج النفط من المنطقة الغنية أيضا بمصائد الأسماك، والتي تضم ميناء عدن ومصفاة عدن النفطية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 أبريل 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.