“الإرهاب: السابقة الجزائرية”!؟
بقرار من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، استضافت الجزائر مؤتمرا دوليا، هو الأول من نوعه، لبحث وسائل مكافحة الإرهاب.
وقد بدا من خلال أعمال المؤتمر أن وجهات نظر الأطراف الدولية بشأن الإرهاب ومكافحته متباينة تماما، وأن المصالح الذاتية والآنية تغلب على الالتزام بمقاومة الإرهاب.
أطلق على هذا المؤتمر تسمية “الإرهاب: السابقة الجزائرية”، وأراد منظموه أن يكون بمثابة وسيلة لإبراز النموذج الجزائري في مكافحة ظاهرة الإرهاب من خلال مشاركة عدد من الخبراء في المجال الأمني.
ولم يكن اللقاء أكاديميا “فقط”. فالرئيس الأسبق لقسم مُكافحة التجسس في المخابرات الفرنسية، إيف بوني، قال بالحرف الواحد، “إن الولايات المتحدة الأمريكية، تسير بخطى انفرادية، والقاعدة الأمنية تُؤكد أن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، تقتضي أن يتساوى المتعاونون في كل شيء”.
ثم جاءت المفاجأة بتأكيده أمام جمع من الصحافيين العرب، “أنه اتخذ قرار انفراديا، ومن دون استشارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بالاتصال في وقت ما مع المخابرات السورية، لأننا نشترك معها في الكثير من التصورات، على حد قوله، بهدف تبادل المعلومات عن المعارضين السوريين اللاجئين في فرنسا، وذلك من دون المساس بسلامتهم الجسدية”.
لم تكن هذه التصريحات لتمر مرور الكرام، خاصة وأن الموضوع يتعلق بمكافحة الإرهاب، وكأن الأمر مرتبط هنا بنفس مسألة الثقة التي أثارها إيف بوني الرئيس السابق لقسم مكافحة التجسس في المخابرات الفرنسية.
رأي الجيش الجزائري
وقد أكثر العسكريون الجزائريون من الإشارة إلى هذا الموضوع على اعتبار أن الجزائر عاشت فترة طويلة من دون مساعدة أحد، على حد تأكيد الجنرال “معيزة”، قائد الناحية العسكرية الأولى، بالإضافة إلى صعوبة تجسيد التعاون الأمني في حالة عدم ضمان الهفوات المقصودة من قبل المشرفين عليه، خاصة وأن السرية مطلوبة جدا في مثل هذا النوع من العمل.
غير أن بعض المشاركين، أرادوا تبسيط الأفكار إلى أقصى حد ممكن في اتجاه تحليل الفكر الديني الذي يُبرر العنف، وأن هذا هو الهدف الأول من هذا المؤتمر تماما كما يقول أسقف الجزائر، المونسينيور تيسيي، “ما هي الإيديولوجيات بما فيها الأيديولوجيات الدينية التي أدت إلى كوارث ضخمة، هذا مهم، خاصة وأن القتل مستمر باسم الدين في العديد من أنحاء العالم”.
وجهة النظر هذه لا يُشاطره فيها الكثيرون. فهناك من عانوا ويلات العنف الأعمى، والتحليلات الأكاديمية لا تقنعهم بالضرورة، كما يقول أحد الناجين من مذبحة قرية بن طلحة قرب العاصمة، والتي قُتل فيها أكثر من أربع مائة شخص قبل أربعة أعوام، “هذه طريقة لمواجهة مشكلة عويصة كمشكلة العنف، لا أظن أنها تُجدي نفعا، لأنها أشبه بمن يتحدث من بروج عاجية عن مشكلة ما، وهو بعيد تماما عن الواق
الأزمة الشيشانية
ولم يسلم هذا اللقاء الدولي، من الـتأثر بما حدث في العاصمة الروسية موسكو، بعد أن حجز خمسون مسلحا شيشانيا، سبع مائة رهينة روسية، والنتائج الرهيبة التي أعقبت عملية اقتحام القوات الروسية للمسرح الذي كان يُحتجز فيه الرهائن.
فتحول اللقاء الدولي في الجزائر، إلى منبر لانتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ومطالبته بالتخلي عن سياساته الحالية في الشيشان. ويقول المفكر الفرنسي أندريه غلوكسمان: “يجب أن نطلب من الرئيس بوتن إيقاف الحرب، والتفاوض والوصول إلى سلام مع ثمان مائة ألف شيشاني فقط، هو عددهم حول العالم. إن ثمانمائة ألف لا يُشكلون تهديدا لمائة وخمسين مليونا”.
وأمام غياب ممثلين عن جمهورية روسيا الاتحادية في المؤتمر، تكررت نفس الدعوات الموجهة إلى الرئيس الروسي من طرف المعارضين لاستمرار القتال في الشيشان. ويُضيف المفكر أندريه غلوكسمان: “يجب أن لا تُمحى العاصمة الشيشانية غروزني من الخارطة، لأن ذلك يجعل الشيشان في حالة إحباط شديد، وإذا كان الناس في حالة إحباط، هناك قسم منهم يفقد عقله”.
الحقيقة أن هذا المنطق لم يًُفهم من قبل الكثير من المشاركين، خاصة منهم الأمريكيين والبريطانيين الذين أصروا في مداخلاتهم وفي الكواليس، على أن فقدان العقل، ولو في خضم القمع الأعمى غير مبرر، الأمر الذي نتج عنه مشادات فرنسية أمريكية، عكست صعوبة التعاون الدولي الشامل لمكافحة ظاهرة الإرهاب.
العودة إلى الماضي
من ناحية أخرى، شكل هذا المؤتمر منبرا ليبرز من خلاله جنرالات جزائريون في الخدمة، وذلك لأول مرة، فتحدثوا عن تجربتهم العسكرية ودورهم في إيقاف انتخابات البرلمانية عام 1991، عندما كادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تفوز بها.
وقال الجنرال محمد تواتي، مستشار الرئيس الجزائري للشؤون الدفاعية، إن الجيش الجزائري تدخل لإيقاف الانتخابات لأن أساس الدولة كان في مهب الريح بسبب أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت تريد أن تُعوض الدولة الوطنية العلمانية بأخرى دينية، وهو ما لم يكن بالإمكان القبول به على الإطلاق، كما أنه فتح النار على دول غربية كثيرة منعت الجزائر من استيراد الأسلحة، بحجة أن البلاد تعيش حربا أهلية، وفوتت بذلك الفرصة عل الجيش الجزائري لتحقيق انتصارات كبيرة على الحركات المسلحة.
وأكد هذه الفكرة الجنرال “معيزة”، قائد الناحية العسكرية الأولى، الذي أضاف أن أجهزة المراقبة الليلية كانت ضرورية لمعرفة تحركات الجماعات المسلحة على اختلافها، إلا أن الحظر الذي كان مفروضا على الجزائر منعها من الحصول على تلك التجهيزات.
وأضاف الجنرال “معيزة”، أن العدد المتبقي من المسلحين لا يتجاوز الست مائة، وهو رقم لا يُشاركه فيه الكثيرون، بالإضافة إلى تأكيده أن عدد القتلى خلال الأعوام العشرة الماضية من عمر الأزمة الجزائرية، سبعة وثلاثون ألف قتيل فقط.
وهذا الرقم كما هو معروف، يُعارضه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي يُؤكد أن عدد القتلى بلغ مائة ألف وزيادة. غير أن هذا المؤتمر الدولي حول الإرهاب برز بشأنه رد قاس جدا لمن تصور أن الجيش قد يُخالف الرئيس الجزائري حول سياسة الوئام المدني، التي تقضي بالعفو عن الإسلاميين المسلحين، إذا ما ألقوا سلاحهم ونزلوا من الجبال.
فقد قال الجنرال محمد تواتي، “إن الجيش يخضع لأوامر السلطة السياسية”، وهو كلام يُشير إلى أن الرئيس الجزائري مصمم على لعب الأدوار الأولى. وفي سبيل تحقيق ذلك، استعمل كل الوسائل المتاحة التي جعلت من الممكن لقادة الجيش الجزائري، كي يُؤكدوا أنهم غير راغبين في السلطة وأن الرئيس وحده صاحب السلطات الدستورية التي لا تُنازع…
هيثم رباني – الجزائر
المؤتمر الدولي الذي استضافته الجزائر من 26 إلى 28 اكتوبر كان بمثابة حوار الصمّ، شاركت فيه أطراف عديدة جزائرية ودولية، تباينت مواقفها وطروحاتها حول الوسائل الكفيلة بمحاربة الإرهاب
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.