الإسلاميون الموريتانيون: ترخيص جديد لحزب قديم
قبل حوالي خمسة عشر عاما من الآن، وبالتحديد عام 1992، تقدّم الإسلاميون الموريتانيون إلى وزارة الداخلية بأوراق حزب سياسي يحمل اسم "حزب الأمّـة"، لكن ردّ الوزارة جاء سريعا، وهو رفض استلام أوراق الحزب ومنع الترخيص له مسبقا.
وفي عام 2004، سارع الإسلاميون بالتّـنسيق مع مجموعات سياسية كانت تُـحالفهم في الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي محمد خونا ولد هيدالة عام 2003، إلى تأسيس حزب سياسي تحت اسم “حزب الملتقى الديمقراطي”، لكن السلطات رفضت الترخيص له أيضا، والحجة دائما هي أن الإسلاميين يشتركون فيه.
بعد انقلاب 3 أغسطس عام 2005، الذي أطاح بنظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، سارع الإسلاميون إلى العودة إلى حلفائهم السابقين، وقدّموا أوراق حزب سياسي حديد تحدت اسم “التجمّـع من أجل موريتانيا”، لكن العقيد اعل ولد محمد فال اعتبره حِـزبا إسلاميا غير قابل للتّـرخيص دستوريا، وأعلن بنفسه رفض الترخيص له، فجاء الرد من الإسلاميين حاسِـما، وهو إعلان الانفصال عن حلفائهم السابقين وتشكيل تكتّـل سياسي خاص بهم تحت اسم “الإصلاحيون الوسطيون”، وخاضوا الانتخابات البلدية والنيابة بلوائح مستقلة، حيث تمكّـنوا من الفوز بأربع بلديات من بلديات العاصمة نواكشوط، البالغ عددها تسع بلديات، كما فازوا بخمسة مقاعد في الجمعية الوطنية ومقاعد أخرى في مجلس الشيوخ.
وبعد الانتخابات الرئاسية في مارس الماضي وفوز الرئيس الحالي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بمنصب رئيس الجمهورية، بادر الإسلاميون إلى تأسيس حزب سياسي قدّموا أوراقه إلى وزارة الداخلية، لكن الردّ هذه المرة جاء بالإيجاب، فقد وافقت السلطات المنتَـخبة على الترخيص للحزب الجديد، وهو حزب، طالما كان موضع رفض من السلطات السابقة، التي رأت في الإسلاميين خطرا يهدّد المجتمع وسعت أحيانا للربط بينهم وبين بعض التيارات المتشددة.
الحزب الجديد يحمِـل اسم “التجمّـع الوطني للإصلاح والتنمية” (تواصل)، يتولى رئاسته النائب البرلماني والقيادي في التيار الإسلامي محمد جميل ولد منصور، الذي رفض في مقابلة مع سويس إنفو وصف الحزب الجديد بأنه حزب ديني، مؤكِّـدا أنه حزب مدني، يعتمد العمل الديمقراطي ويرفض التطرف والعنف ويقبل بجميع الآراء داخل البلاد، مهما كانت.
سويس إنفو: ما الجديد الذي يُـضيفه حزبكم إلى الساحة السياسية الموريتانية؟
محمد جميل ولد منصور: هذا الحزب الجديد هو حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية”، الذي ينطلق هذه الأيام، بعد الحجز الذي كان موضوعا عليه، لا يعتبر نفسه غريبا على الساحة أو شيئا جديدا بالمرة عليها، بقدر ما هو حزب كسائر الأحزاب السياسية، سيجتهد من أجل أن يضيف جدّية ونُـكهة التزام وفعالية على الساحة السياسية، لا أكثر ولا أقل، وبالتالي، لا ندّعي أنه سيكون هناك أمر خارق لعادة العمل السياسي والحزبي في البلد، لكن نأمل أن نقدّم أداءً سياسيا، على الأقل يكون متميزا.
سويس إنفو: هل تنوون أن يبقى هذا الحزب خاصا بالإسلاميين أم أنه سيكون مفتوحا أمام باقي التيارات السياسية الأخرى؟
محمد جميل ولد منصور: لا يمكن لأي حزب أن يكون خاصا بتيار سياسي أو مدرسة فكرية معينة، فحينما يتأسّـس أي حزب، ينبغي أن يكون مفتوحا للجميع وأمام كل الذين يقبلون بتوجّهه ونُـظمه وقواعده، ولذلك، حزبنا مفتوح أمام كل الموريتانيين الرّاغبين في الانتساب إليه بدون استثناء، وهو مفتوح عضوية ومشاركة، بل ومفتوح كذلك قيادة، وبالتالي، سنسعى لأن يقوم على قواعد ديمقراطية شفّـافة داخلية، فهو ليس حزبا خاصا بمجموعة سياسية معيّـنة، وإن هذه المجموعة الفكرية، التي ذكرت، هي التي تحمّـلت مسؤولية النِّـضال خلال السنوات الماضية من أجل الوصول إلى هذه النتيجة.
سويس إنفو: هل يمكن أن تقبلوا بالتيارات التي توصف بالعِـلمانية في صفوف حزبكم؟
محمد جميل ولد منصور: هذا السؤال ينبغي أن يُـطرح على هذه التيارات التي تصفها بهذا الوصف، هل تقبل أن تنتمي لحزبنا، بنظامه الأساسي وبإعلان السياسة العامة له الآن، فإذا قبلت، فنحن نرحب بها بالتأكيد.
سويس إنفو: ما الذي يميز البرنامج السياسي لحزبكم عن باقي برامج الأحزاب السياسية الأخرى في البلد؟
محمد جميل ولد منصور: نحن نُـعلن بشكل واضح ونؤكِّـد ذلك ونعتزّ به ونعمّـل على تطبيق مُـقتضياته، تمسّـكنا والتزامنا بالمرجعية الإسلامية المؤسسة في دستور البلاد، ولذلك، هي أول منطلقاتنا في إعلان السياسة العامة، ونحقّـق انتسابنا الوطني في الجمع بين البُـعد الإسلامي والبُـعد الوطني، ونؤكِّـد اختيارنا للديمقراطية التعددية، فهذه الثلاثية: أي المرجعية الإسلامية والانتساب الوطني والخيار الديمقراطي، سمّـيناها المنطلقات الثلاثة لنا في إعلان السياسة العامة للحزب، كما قدّمنا رؤية تَـطال مختلف الجوانب السياسية والقانونية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والدبلوماسية، وحتى العسكرية والأمنية، وأعتقد أنكم إذا طالعتم البرنامج السياسي للحزب، فستجدون فيه بعض ما يميِّـزه على البرامج الأخرى، سواء فيما يتعلّـق بإضفاء الصّـبغة الأخلاقية على الحياة العامة وعلى الحياة السياسية بصورة خاصة، سواء فيما يتعلّـق بتأكيد واقتراح إجراءات في ذلك السياق لمحاربة الفساد أو فيما يتعلّـق أيضا بتصحيح الوضع السياسي والدبلوماسي للبلد، خصوصا في تلك القضية المعروفة، وهي العلاقات المُـدانة مع الكيان الصهيوني.
سويس إنفو: هل حزبكم حزب ديني أم حزب مدني؟
محمد جميل ولد منصور: إنه حزب مدني وليس ديني.
سويس إنفو: السلطات السابقة رفضت الترخيص لكم، بحجة أنكم متطرفون وتحتكرون الدّين، ما هي الضّمانات التي قدّمتم للسلطات الجديدة، حتى تجاوزت عُـقدة التطرف واحتكار الدّين، الذي عرقل الاعتراف بكم في الماضي؟
محمد جميل ولد منصور: أنا أعتقد أن السلطات الجديدة هي بصدّد فتح الملفات التي كانت السلطات الأولى تعتبرها غير موجودة، والسلطات الانتقالية متوجِّـسة منها أو متخوفة، فالمبعدون الموريتانيون إلى السنغال ومالي في طريقهم حاليا إلى العودة إلى البلد، والبرلمان في طريقه للمُـصادقة على قانون يجرّم الاسترقاق والرقّ، ووسائل الإعلام الرسمية أصبحت تستقبل زعامات الأحزاب السياسية المعارضة وتناقش معها على الهواء مباشرة، أي أن هناك مستوى من التّـجديد والتغيير طال المجموعات التي كانت محرومة من حقها في التجمع السياسي فأعطى لها هذا الحق، ويجب أن تتذكّـر أننا رخّـصنا ضمن 18 حزبا سياسيا، كانت مودعة لدى وزارة الداخلية، وبالتالي، فإن الأمر لم يكن يحتاج إلى ضمانات نقدِّمها نحن، بقدر ما كان يحتاج إلى أن تغيّـر السلطات نظرتها للأمور وأن تطبِّـق الدستور والقوانين، كما أعلن عنها رئيس الجمهورية، وما حصل في هذا الإجراء، تأكيد له.
سويس إنفو: ما هي الحلول التي تقدمونها للمشاكل المطروحة لموريتانيا؟
محمد جميل ولد منصور: أعتقد أن هذه الحلول طويلة وعديدة بتعدّد مشاكل البلد في مختلف مناحي الحياة، ولكن على الأقل يمكن أن نؤطِّـر لها تأطيرا، وهي أن هذه الحلول التي نقدمها ستتميز، كما قدمنا في رؤيتنا السياسية العامة بعضا منها بأمور عديدة منها:
أولا، الانسجام مع المرجعية الدستورية للبلد، وهي المرجعية الإسلامية.
ثانيا، الواقعية، حيث أنها يمكن أن تكون قابلة للتطبيق.
ثالثا، أن تكون قاصدة للعدل ورفع الظلم عن الناس عموما، وعن مجموعات المستضعفين خصوصا.
سويس إنفو: يعرف العالم حاليا ظهور العديد من الحركات الإسلامية، وهي تختلف باختلاف مدارسها ومشاربها الفكرية، فالبعض منها يتبنّـى خيار العنف لتحقيق أهدافه، والبعض الآخر يتبنّـى الخيار الديمقراطي، ما هو موقعكم بين هذه المدارس الإسلامية؟
محمد جميل ولد منصور: بالتأكيد، فإن موقعنا وبشكل واضح لا لُـبس فيه، هو ضمان التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، التي تقبل بالعمل الديمقراطي وتدخل في الميدان السياسي، ونعتبِـر أن الجماعات التي تُـمارس العنف والغلو، تُـضر بالأمة أكثر مما تنفعها، وأنا شخصيا لدي تصوّر أقوله دائما، وهو أنني أعتبر أن هذه الجماعات التي تُـمارس العنف والغلو، ومعها الأنظمة الاستبدادية الجاثمة على صدر الأمة، والاحتلال الذي يحتل أراضيها، يشكِّـلون ثلاثيا، كل منهم يخدم الآخر ويتكامل معه، وإن لم يجلسوا على الطاولة ويخططوا معا، وبالتالي، فنحن نصطَـف بشكل واضح ضِـمن تيار الحركات الإسلامية التي تُـؤمن بالعمل الديمقراطي والعمل المدني، وتقبل المشاركة مع الآخرين وتسيِّـر الأمر، إن فوّضها الشعب، وتقبل الهزيمة، إن اختار الشعب غيرها.
نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي
أعلنت وزارة الداخلية الموريتانية يوم الجمعة 3 أغسطس الترخيص لـ 18 تشكيلة سياسية جديدة، من بينها اثنتان برئاسة نسوية، يجرى إكمال إجراءاتها (الأحزاب) الإدارية والقانونية.
وقال السيد سيدي يسلم ولد أعمر شين، مدير الشؤون السياسية والحريات العامة في تصريح صحفي يوم الجمعة بمباني الوزارة، إن مجلس الوزراء قرر في اجتماعه الأخير الترخيص لثمانية عشر حزبا سياسيا من بين (25) طلبا، كانت مودعة لدى وزارة الداخلية منذ فترة، وأضاف أن هذا القرار يأتي تجسيدا لالتزامات رئيس الجمهورية وبرنامج الحكومة، وكذا تدعيما للمكاسب الديمقراطية التي تحققت في البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وأنه يعطي فرصة للجميع من أجل المشاركة الجادة في البناء الوطني، خاصة وأنه يشمل الكثير من الأحزاب ذات الاتجاهات السياسية والأيديولوجية المختلفة، ويعني أن موريتانيا تريد الاستفادة من جُـهد الجميع في تعميق وتدعيم التجربة الديمقراطية، ونبّـه مسؤولي الأحزاب السياسية بأن الحكومة تحُـض على أن الديمقراطية مشروطة باحترام القانون وأنها بدون ذلك، ليست ديمقراطية.
وأشار إلى ما نص عليه قانون الأحزاب الموريتانية من الحضّ على نبذ العنف والتطرف بصفة عامة في دولة القانون، مؤكّـدا أنه “يجب على الأحزاب أن تعي أن كل خَـرق للقوانين سيقابل بصرامة من طرف الحكومة، طِـبقا للنصوص والنظم المعمول بها في هذا المجال.
وأكد ان ثمة ثوابت وطنية يجب أن تنتبه الأحزاب الى وجوب احترامها، خاصة الدين الإسلامي الحنيف ووحدة الوطن وحوزته الترابية وسيادة الدولة واستقلالها. وقال: “الديمقراطية الموريتانية لا زالت فتية وتتطلب تنميتها جهود الجميع، وللأحزاب السياسية مسؤولية أساسية على هذا الصعيد”.
وتتألف قائمة الأحزاب، التي حظيت بالترخيص نظريا، ولا زالت إجراءاتها الإدارية والقانونية، جارية من:
الحزب الديمقراطي الاشتراكي
حزب التنوير والمشاورة
حزب التحالف من أجل الديمقراطية في موريتانيا
حزب الحضارة والتنمية
حزب الإصلاح
الحزب الموريتاني للعدالة والديمقراطية
حزب الديمقراطية المباشرة
التجمع من أجل المساواة والعدالة
الحزب الديمقراطي الشعبي
حزب العمل والمساواة
حزب التفاهم الوطني
الحزب الوطني للتنمية
الحزب الوطني للإنماء
حزب الشعب الديمقراطي
حزب الأمل الموريتاني
حزب المحافظين
المؤتمر الشعبي الموريتاني
التجمع الوطني من أجل الإصلاح والتنمية.
وتجدر الإشارة إلى أنه، بالترخيص لمجموعة الأحزاب الجديدة، يصبح عدد التشكيلات الحزبية الموريتانية المعترف بها (53) حزبا سياسيا.
(المصدر: وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية (وأم) بتاريخ 3 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.